نقاد وقراء يفككون عالم عرّاب القراءة أحمد خالد توفيق

نقاد وقراء يفككون عالم عرّاب القراءة أحمد خالد توفيق


16/04/2018

"جعل الشباب يقرأون" عبارة وضعتها قارئة على قبر الكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي غيّبه الموت في 2 نيسان (أبريل) الجاري؛ تنفيذاً لرغبة الكاتب الأكثر مقروئية في مصر خلال العقدين الأخيرين.

وكان رحيل توفيق قد أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الثقافية المصرية؛ على خلفية رفض نقاد مصريين الاعتراف بنوعية ما قدمه الراحل، والاكتفاء بإدراجه في حقل الكتابات الخفيفة التي تقدم للناشئة، في تجاهل تمام لملايين القراء الذين ملأوا صفحات "السوشيال ميديا" حزناً على رحيله.

وتجلية لهذا السجال، نظم مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي في القاهرة، حلقة نقاشية بعنوان: "أحمد خالد توفيق.. نحو تفكيك عالم عراب القراءة"، في محاولة لسبر أغوار عالم توفيق، الذي اعتبره البعض واحداً من أهم الكتاب، الذين ساهموا في توسيع رقعة القراءة فى مصر والوطن العربي، بكتاباته التي بدأها في عام 1993، بسلسلة "ما وراء الطبيعة"، في حين اعتبره آخرون لا يستحق ذلك التقدير، اعتماداً على أنه لم يقدم سوى كتابات للناشئة!

شارك في النقاش الروائي أحمد عبد المجيد، والكاتب الصحفي هشام أصلان، مدير تحرير مجلة "إبداع" الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، والروائية منصورة عز الدين، نائبة رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب"، والكاتب الصحفي سيد محمود، رئيس تحرير جريدة "القاهرة" السابق، والروائية سالي عادل.

من اليسار: أحمد عبد المجيد، سيد محمود، هشام أصلان، سالي عادل، منصورة عز الدين

جماهيرية أحمد توفيق

سيد محمود عبر عن اندهاشه من أن الجماهيرية التي تحققت لأدب أحمد خالد توفيق، لم تكن موضوعاً للدرس النقدي بين باحثي علم اجتماع الأدب أو علوم التلقي، ولا بين الباحثين المعنيين برصد وتحليل اتجاهات القراءة في أوساط الشباب؛ تعالياً على هذه الظاهرة؛ التي تصور البعض أن تجاهلها قد يؤدي إلى تغييبها، وهو تصور ساذج بالطبع، بحسب تعبيره.

الجدل الكبير الذي أحدثه رحيل توفيق، يشير إلى حاجة ماسة، لدراسة كتاباته، وغيرها من النصوص التى تمتعت بجماهيرية

وأشار محمود إلى أنّ توفيق هو "الكاتب الوحيد الذي صنع نجاحه الجماهيري خارج دوائر الأدب التقليدي"، لافتاً إلى أنّ من النادر أن تجد في أرشيفه حوارات صحفية في المطبوعات الأدبية المتخصصة، أو دراسة نقدية تخص كتاباته التى أهملها النقاد، وأقبل عليها القراء، باستثناء رواية "يوتوبيا" التي بشرت بأدب "الديسوتوبيا"، أو أدب المكان الخبيث الذي شاع بعد ثورة 25 يناير، مضيفاً أنه لا يمكن وضع كتابات الراحل في السياق التراتبي المعتاد للأدب المصري، المعتمد على تقسيم الأجيال، أو مواضعات الكتابة. محمود أطلق على الراحل توفيق لقب "قاطع طريق"، إذ شق لنفسه مساراً خاصاً يمكن تسميته بالمسار الموازي، طور فيه تقنيات الكتابة البوليسية ذات المنحى الغرائبي، التي بدأها الكاتب الرائد محمود سالم، عبر سلسلة الألغاز وحلقات المغامرين الخمسة، ثم جاء نبيل فاروق الذي سبق توفيق بعدة سنوات في الكتابة، مع سلسلة "رجل المستحيل"، موضحاً أنّ أحمد خالد توفيق زاد من جرعة التخييل الأدبي في سلسلة "ما وراء الطبيعة"، وبلغ مع ابتكار شخصية "رفعت إسماعيل" ذروة مشروعه الأدبي.

الكاتب الرائج

أصلان، أكد أنّ اختزال أحمد خالد توفيق في كونه أحد أدباء الأفضل مبيعاً هو اختزال مُخلّ وظالم، لافتاً إلى أنّ الرجل الذي اسودت لرحيله الصفحات، ووجوه آلاف الشباب، لم يصحُ من نومه برواية ذائعة الصيت، مشيراً إلى أن الأمر يرجع لسنوات طويلة مضت، وعلاقة ممتدة مع أعداد مذهلة من القراء، سنوات طويلة حقق عبرها، في مجال الكتابة للصبية والمراهقين، ما لم يحققه غيره رغم وجود كتاب مهمّين في هذا النوع الأدبي؛ قائلاً:"هذا كاتب لديه في كل بيت مصري صاحب".

ورفض أصلان الربط بين مصطلح الأكثر مبيعاً ورداءة النص: "عليك أن تنفض عن نظرك أفكاراً بتنا نرددها حفظاً وليس فهماً، على رأسها معادلة أن الكاتب الرائج، هو بالضرورة كاتب سطحي وخفيف".

وأشار أصلان إلى أنّ أحمد خالد توفيق، لم يبتعد عن مدينة طنطا، إلا مسافراً أو في زيارة، إذ كان سهلاً أن يتحول إلى كاتب أقاليم، يشكو اضطهاد العاصمة وسطوة مقاهيها ونُقّادها، غير أنه لم يعتنِ يوماً بغير قارئه مُستغنياً، به عن كل أشكال السُلطة الرسمية وغيرها، فوجد مكانه مرتاحاً، في الذاكرة الجمعية لمرحلة زمنية فارقة في التاريخ المصري. وأضاف "الوداع المهول لم يكن لجسد كاتب، لكنه كان وداع صبية الأمس لسنواتهم الجميلة، بعدما صدقوا أخيراً أنهم كبروا، وأن مواجهة الواقع المؤسف مُنكسرين، هي قصتهم الجديدة".

الروائي السوداني حمور زيادة أثناء مداخلة بالندوة

مقروئية من الملايين

وطالبت منصورة عز الدين، بضرورة تقديم دراسة لقراء أحمد خالد توفيق، متعجبةً كيف أن هذه الملايين التي قرأت أعماله لم تقرأ في معظمها لكتاب آخرين، لافتةً إلى أن المشهد الثقافي المصري أصبح يعاني من وجود عدة عوالم ثقافية، تسير بالتوازي، لا يعرف بعضها بعضاً، ويرفض كل منها الاعتراف بالآخر، مشيرةً إلى أنه إلى جانب الأعمال الجماهيرية، والأعمال المسماة رفيعة، "هناك أدب الهامش، وأدباء يحاربون من أجل التواجد، في تجاهل تام لكتاباتهم من الجميع، علماً بأنّ أعمالهم لا تقل تميزاً".

سيد محمود: توفيق "قاطع طريق" وهو الكاتب الوحيد الذي صنع نجاحه الجماهيري خارج دوائر الأدب التقليدي

الحديث عن عالم أحمد خالد توفيق لم يقتصر خلال الندوة على قراءات قدمها نقاد ومحررو ثقافة متخصصون، بل شارك في النقاش كتاب شباب تتلمذوا على كتابات أحمد خالد توفيق، مثل سالي عادل، والتي اعتبرها توفيق امتداداً لمشروعه فى الكتابة، الذي قدمه فى سلسلة "ما وراء الطبيعة". كما شارك في الحوار الكاتب والروائي أحمد عبد المجيد الذي نشأ طفلاً على متابعة سلسلة ما وراء الطبيعة، حتى أصبح الآن روائياً، وصلت روايته الأولى "ترنيمة سلام"، إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع المؤلف الشاب دورة 2015.

وخلُصت الندوة إلى أنّ الجدل الكبير الذي أحدثه رحيل توفيق، يشير إلى وجود حاجة ماسة، لدراسة كتاباته، وغيرها من النصوص التى تمتعت بجماهيرية وشعبية جمعت حولها أجيالاً جديدة من القراء، ما كان لها أن تسلك هذا الطريق، لولا شغفها بما كان يقدمه أحمد خالد توفيق.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية