من يملأ فراغ المستشارية الألمانية بعد أنجيلا ميركل؟

من يملأ فراغ المستشارية الألمانية بعد أنجيلا ميركل؟


02/02/2021

تربّعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على رأس السلطة، وقادت البلاد لستة عشر عاماً، شهدت إنجازات وإخفاقات وعثرات، لكن آن لهذه الولاية أن تنتهي، ومع تنصيب إرمين لاشيت رئيساً للحزب المحافظ الألماني، يحتمل أن يحلّ خلفاً لميركل، في سباق انتخابي مع شخصيَّتين من الحزب نفسه، هما؛ ماركوس سودير، وينس شبان.

تتجه الأنظار صوب لاشيت، الذي صعد نجمه بعد رئاسة الحزب، لكن عدّة قضايا، محليّة وإقليميّة، سيكون على السياسيّ البارز، البالغ من العمر 59 عاماً، أن يتعامل معها بكفاءة تفوق المستشارة، التي قرّرت التقاعد بعد عقد ونصف العقد، تحوّلت فيها إلى أشهر من حكم ألمانيا الحديثة.

الزعيم الجديد

سيترشّح الزعيم الجديد للحزب المحافظ الألماني (CDU)، من يمين الوسط، لمنصب المستشار، في أيلول (سبتمبر) المقبل. وفي مؤتمر حزبيّ، عُقد عبر الإنترنت تغلّب لاشيت على المرشّح المحافظ المتشدّد، فريدريك ميرز، بـ 521 صوتاً مقابل 466 صوتاً، في جولة الإعادة، وذلك بعد خطاب قويّ أكّد فيه على قيمة التماسك الاجتماعيّ، مستشهداً بما حدث في الولايات المتحدة، بعد مشاهد اقتحام الكونغرس في واشنطن العاصمة، محذّراً من هذا المصير كنتيجة لانقسام القيادة السياسية.

 إرمين لاشيت

كان المرشح الثالث في الاقتراع، والمتخصص في السياسة الخارجية، نوربرت روتغن، قد تمّ إقصاؤه في الجولة الأولى من التصويت، وبمجرد تأكيد التصويت الرقمي عن طريق الاقتراع البريدي، سيحلّ لاشيت رسمياً محلّ خليفة ميركل المعيّنة سابقاً، أنغريت كرامب - كارينباور، التي أعلنت استقالتها من منصب رئيس الاتحاد الديمقراطيّ المسيحيّ، في شباط (فبراير) الماضي، بعد فترة لم تكن موفّقة، وتمّ تسليط الأضواء الإعلامية عليها.

اقرأ أيضاً: ألمانيا تدرس تشديد الرقابة على تمويل المساجد

 استقالت ميركل من رئاسة الحزب، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، وفي ظلّ الاضطرابات الجيوسياسية المعاصرة، والأزمة الوبائية الناتجة عن التفشي الكبير لفيروس كورونا في البلاد، فإنّ وعد لاشيت باتباع المسار التوافقيّ لميركل قد يمنحه أيضاً فرصة لقيادة الديمقراطيين المسيحيين في الانتخابات الألمانية، في 26 أيلول (سبتمبر) المقبل، كمرشح رسمي لحزبه عن منصب المستشار.

 

لطالما نُظر إلى لاشيت على أنّه المرشح الأوفر حظّاً للفوز بالسباق، على قيادة يمين الوسط الألماني، لكنّ معدلات التأييد له على مستوى البلاد تراجعت

 

من الناحية النظرية؛ يمكن للحزب أن يُرشح سياسياً آخر للترشّح لمنصب المستشار، والمرشحون المحتملون سيكونون: الزعيم الشعبي للحزب الشقيق البافاري لحزب "CDU"، ماركوس سودير، وأيضاً وزير الصحة، ينس سبان، الذي شغل منصب الرجل الثاني في إدارة لاشيت.

في حال تمّ تعيين لاشيت كمرشح لمستشار حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الأسابيع المقبلة، سيجد نفسه في مواجهة حملة ضدّ وزير المالية الألماني الحالي، أولاف شولتز، أو روبرت هابيك، ممثل حزب الخضر، الذي حلّ بالمركز الثاني في استطلاعات الرأي التي أجرتها وسائل إعلام ألمانية.

لكنّ ما يراه مراقبون سياسيون، أنّ لاشيت يبدو الأكثر نجاحاً في هذه الحملة، كما أنه أصلح قيادة متاحة للحزب الديمقراطي المسيحي، الذي يتحالف، للمرّة الأولى في تاريخه، مع حزب بيئي.

 وفي ظلّ التوقعات الحالية، سيكون تحالف "CDU-Green" هو الصفقة الوحيدة لتقاسم السلطة لضمان الأغلبية المطلقة في الانتخابات الفيدرالية.

وزير المالية الألماني الحالي، أولاف شولتز

لماذا سيختار الألمان لاشيت؟

استبعد لاشيت ومنافسوه، بالفعل، تشكيل ائتلاف مع حزب البديل اليميني المتطرف، فور دويتشلاند (لأجل ألمانيا)؛ حيث تبلغ نسبة الاقتراع حالياً حوالي 8٪. وذلك إدراكاً للوضع الحرج الذي تعيشه أوروبا بأكملها، الناتج عن تفاقم الشعبوية، وصعود اليمين المتطرف، لا سيما أنّ ألمانيا هي أكثر الدول الأوروبية استضافة للاجئين السوريين، وهو ما يجعل من التحالف مع اليمين المتطرف أمراً كارثياً على المجتمع، ربما سيكرّر المشهد المأساويّ الذي استشهد به لاشيت من اقتحام الكونغرس.

اقرأ أيضاً: وزير الدفاع التركي يزور ألمانيا لهذا السبب

لطالما نُظر إلى لاشيت، في البداية، على أنّه المرشح الأوفر حظّاً للفوز بالسباق، على قيادة يمين الوسط الألماني، لكنّ معدلات التأييد له على مستوى البلاد تراجعت خلال الوباء، ويعدّ المرشح الوحيد الذي يحتلّ منصباً قيادياً بالفعل؛ حيث حكم الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في ألمانيا، شمال الراين وستفاليا منذ عام 2017، وذلك بعد ائتلاف مع الديمقراطيين الأحرار المؤيدين لمنظومة التجارة الحرّة، كما كان عضواً سابقاً في البرلمان الأوروبي، ووزيراً للاندماج في ولايته الأصلية، وكان حليفاً صريحاً لسياسة ميركل للحدود المفتوحة خلال أزمة اللاجئين عام 2015.

الباحث في الاقتصاد السياسيّ زياد فرج لـ"حفريات": تعيش ألمانيا فترة حرجة بعد فيروس كورونا، فضلاً عن أزمة اللاجئين التي تشكّل هاجساً كبيراً لليمين المتطرف

كان لاشيت من أوائل المدافعين عن تخفيف الإغلاق الأول في ألمانيا، في الربيع الماضي، ما عرّضه لانتقادات واسعة، وتمّ اتهامه من قبل الجماهير بالقيادي الضعيف، وفي الآونة الأخيرة، برزت اتهامات له بمحاباة الأقارب، بعد أن انتشر خبر عن  شراء الحكومة لمعدّات وقاية شخصية من شركة أزياء، يعمل بها ابن لاشيت، وفق ما ذكرت وكالة "DW" الألمانيّة.

وفق استطلاع حديث أجرته محطة "ZDF" الإذاعية، يعتقد 28٪ فقط من الألمان الذين شملهم الاستطلاع؛ أنّ لاشيت لديه القدرة على أن يصبح مستشاراً ويقود البلاد في هذه المرحلة الحرجة، مقارنةً بتقييمات بلغت 54٪ لـ سودير، و45٪ لـ شولتز.

الباحث في الاقتصاد السياسيّ زياد فرج

ويرى الباحث في الاقتصاد السياسيّ والكاتب الصحفيّ، زياد فرج، أنّ هناك الكثير من الأسئلة حول توجهات لاشيت السياسية والإقليمية، لا بدّ من أن يلتفت إليها الجماهير قبل انتخابه؛ إذ تعيش ألمانيا فترة حرجة بعد الأزمة العاصفة الناتجة عن فيروس كورونا، فضلاً عن أزمة اللاجئين التي تشكّل هاجساً كبيراً لليمين المتطرف الذي يحشد جماهيره في المقابل.

هل تتجه ألمانيا إلى صراع سياسي؟

يرى فرج، في تصريح لـ "حفريات" أنّ لاشيت "يحشد جماهيره، على طريقة الترويع من الوجوه الأخرى، ويستدلّ على ذلك بشكواه من الشعبوية المعادية للرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتين، وتصريحاته التي تعكس تعاطفاً واضحاً مع رئيس النظام السوريّ، بشّار الأسد، التي ذكرها أكثر من مرّة في خطاباته، كلّ هذا يثير تساؤلات حول مدى استحقاق لاشيت لأصوات الناخبين، كما يلعب لاشيت على  جانب آخر؛ هو استجداء التعاطف من الشرائح الفقيرة في ألمانيا، والتي تزايدت بالفعل في العقد الأخير، وهو ما عكسته القصة الشخصية التي حكاها حول والده العامل في المناجم وتضامنه مع العمّال، ما يعكس مغازلته الصريحة للطبقات الكادحة في ألمانيا، لأنّه بالطبع لن يستحوذ على أصوات أتباع اليمين المتطرف الألماني، وهم كثر بالطبع".

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تحاول ألمانيا تجفيف منابع تيار الإسلام السياسي

شبّه لاشيت منافسه المرشّح المحافظ المتشدّد، فريدريك ميرز، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو انعكاس آخر للطريقة التي يستخدمها لاشيت في حشد أصوات الناخبين.

بالنظر إلى الوضع السياسيّ الراهن في ألمانيا، فإنّ العديد من الملفات في انتظار خليفة ميركل، وأهمها دور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، وعلاقتها بتركيا التي صارت ملتبسة بشكل يُعقّد المهمة على من يخلف المستشارة، هناك أيضاً قضايا اللاجئين، والأزمة الاقتصادية المؤكدة الناجمة عن فيروس كورونا، بالرغم من أنّ ألمانيا كانت أفضل دول العالم إدارة للأزمة، إلى جانب تايوان، لكنّ عملية التلقيح ضدّ الوباء، والأزمة المالية التي عصفت بكبرى الشركات في برلين، وأودت بآلاف الوظائف، ستظل ملفّات ذات ثقل كبير على الصعيد المحلي، وستنعكس بدورها على الصعيد الإقليمي، ولا توجد إجابة حتّى الآن؛ هل سيستطيع لاشيت إدارة كلّ هذا الكمّ الهائل من الملفات المعقدة، بكفاءة المستشارة أنجيلا ميركل نفسها أم لا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية