من المسؤول عن الاعتداءات التي يتعرض لها السوريون في تركيا؟

من المسؤول عن الاعتداءات التي يتعرض لها السوريون في تركيا؟


30/03/2021

يتعرّض اللاجئون السوريون إلى اعتداءات وتمييز في الكثير من مناطق ودول الجوار، من ضمنها تركيا، على الرغم من أنّ أردوغان استثمر مآسيهم ومعاناتهم إلى أبعد الحدود سياسياً وإنسانياً.

واشتكى العشرات من السوريين اللاجئين في تركيا من التعرّض لاعتداءات جسدية ولفظية وتهديدات بالقتل، وهي بعض من فصول المعاناة اليومية للكثيرين منهم.

 

السلطات التركية بزعامة أردوغان تلتزم الصمت حيال الانتهاكات بحق نازحين على أراضيها

 

السلطات التركية تلتزم الصمت حيال الانتهاكات بحق نازحين على أراضيها، واتضح فيما بعد أنّ تحرّك حزب العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه أردوغان، بما يتعلق بالعطف على السوريين وتقديم الخدمات والطعام لهم وزيارة مخيماتهم، ليس إلا دعاية للاستهلاك الإعلامي ومزايدات سياسية لانتزاع مكاسب، وفق ما أورد موقع "أحوال تركية".

ويأمل لاجئون في تركيا أن يُرفع التعتيم الإعلامي الذي فرضه النظام على ما يتعرّضون له من اعتداءات ومضايقات، فيما تضيق أمامهم خيارات العودة إلى بلدهم، وما يزال الوضع خطيراً من الناحية الأمنية، وسط مخاوف من أن يتعرّضوا للاعتقال والتعذيب من قبل النظام السوري.

وقد سجلت على مدى الشهور الماضية حوادث اعتداءات كثيرة، راح ضحيتها لاجئون سوريون اعتقدوا أنّ الأراضي التركية ستكون أكثر أمناً لهم من أوطانهم، ففي إحدى بلدات ولاية سامسون شمالي تركيا، لقي الطفل السوري أيمن حمامي مصرعه في 13 أيلول (سبتمبر) الماضي، إثر تلقيه 3 طعنات في القلب على يد شبان أتراك هاجموه وشقيقه وأحد أقاربه.

اقرأ أيضاً: بالصور.. تفاقم معاناة اللاجئين السوريين مع فصل الشتاء.. أين تذهب المساعدات؟

ومع ما أثارته الحادثة من تساؤلات عن الدوافع وراءها، سارع الصوت الرسمي التركي إلى تهدئة الجدل بمكالمة فيديو من وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مع والد الطفل، نشرتها وكالة "الأناضول" الحكومية التركية.

صويلو عبّر عن حزنه لوالد أيمن، وقال: "حزنت وكأني فقدت شقيقاً لي، لا تقلقوا على الإطلاق، فنحن معكم حتى النهاية، أنتم أمانة في أعناقنا".

 

لاجئون في تركيا يأملون أن يُرفع التعتيم الإعلامي الذي فرضه النظام على ما يتعرضون له من اعتداءات

 

لكنّ تلك الحادثة لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي يكون سوريون ضحيتها في تركيا، وحتى مع تكرار المبادرات الرسمية لاحتواء أي توتر قد ينجم عنها، استمرّ الحديث والتخوف من دوافع "عنصرية" وراءها.

وفي 17 تموز (يوليو) الماضي، قتل الشاب السوري حمزة عجان (17 عاماً)، إثر شجار في ولاية بورصة، بحسب ما ذكرته صحيفة "دوفار" التركية، بالإضافة إلى تسجيل مصوّر انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر خلاله والد الشاب وروى الحادثة.

وفي 27 أيار (مايو) الماضي، قُتل الشاب السوري علي حمدان العساني برصاصة في الصدر أطلقها عليه أحد عناصر الشرطة، وأصدرت ولاية أضنة في اليوم التالي للحادثة بياناً جاء فيه أنّ فرق الشرطة التابعة لقسم شرطة منطقة سيحان في الولاية، أصابت الشاب علي العساني عند إطلاق نار تحذيري، عقب هربه من نقطة تفتيش في حي سوجو زادي.

ويظهر تسجيل مصوّر تداوله ناشطون أتراك فريقاً طبياً وعناصر شرطة يحاولون إسعاف علي (19 عاماً)، بعد إصابته برصاصة في صدره، خلال هروبه من الشرطة عند تفتيش هويته، بسبب خروجه من المنزل، رغم فرض حظر تجول على الشباب دون سن 20 عاماً.

وتصدّر وسم "أين قتلة علي (AliyiOElduerenlerNerede) موقع "تويتر" عقب الحادثة، وقدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العزاء لوالد علي، عبر اتصال هاتفي أعرب خلاله عن حزنه، رغم الحديث عن دوافع عنصرية وراء الحادثة.

 

في محاولة لتخفيف الآثار الناتجة عن بعض الاعتداءات تجاه سوريين، ظهرت مبادرات عدة سواء من قبل جهات رسمية أو مدنية

 

إضافة إلى الاعتداءات الجسدية، تعرّضت محال سورية في 30 حزيران (يونيو) 2019 لاعتداءات، في منطقة إيكتيلي بإسطنبول، نتيجة ادعاءات بتحرش أحد السوريين بفتاة تركية، ليتبين فيما بعد أنها حادثة شجار بالكلام عبر نوافذ المنازل بين طفلين (سوري وتركية) في الـ12 من عمرهما، بحسب ما ذكرته مديرية الأمن حينها.

وتتفاوت حدة هذه الاعتداءات بين التهجم الجسدي، والاعتداءات اللفظية، إمّا بشكل مباشر وجهاً لوجه، وإمّا عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر منشورات أو تغريدات، ينشر بعضها سياسيون أتراك.

وفي محاولة لتخفيف الآثار الناتجة عن بعض الاعتداءات تجاه سوريين في تركيا، ظهرت مبادرات عدة، سواء من قبل جهات رسمية أو مدنية تركية، أو من جمعيات سورية في تركيا.

ففي 17 تموز (يوليو) عام 2019، عقدت دائرة الهجرة في "الائتلاف السوري" المعارض ورشة بحضور إعلاميين وحقوقيين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، بهدف تخفيف الاحتقان تجاه الوجود السوري في تركيا، بعد حالات اعتداءات تعرّض لها لاجئون سوريون.

ونظّمت جمعية  "أوزغور در" الوقفية التركية في 6 تموز (يوليو) عام 2019 وقفة تضامنية في منطقة الفاتح بإسطنبول، نادى المشاركون خلالها بشعارات التآخي مع السوريين، ورفض الأصوات التي تعاديهم.

وفي 23 من الشهر ذاته، أطلق ناشطون وصحفيون سوريون مبادرة إعلامية تحت عنوان "أنا إنسان"، وكان الهدف منها مخاطبة الرأي العام التركي لامتصاص حالة الاحتقان ضد اللاجئين السوريين في تركيا، بعد حملات تحريض موجهة ضدهم، تسببت بموجة ترحيل تعرّض لها المخالفون الذين لا يحملون بطاقة "الحماية المؤقتة" في الولايات التي يقيمون فيها.

 

قرنفل: تزايدت الاعتداءات لعدة أسباب، منها تراخي القبضة الأمنية والقضائية لمتابعة هذه الجرائم

 

وبالرغم من عدم وجود إحصاءات شاملة تفيد بمدى انتشار هذه الاعتداءات وترصدها، إلّا أنّ وجود تذمّر داخل المجتمع التركي من وجود اللاجئين السوريين لم يعد خافياً، بحسب الحقوقي العضو المؤسس لرابطة المحامين السوريين في تركيا، غزوان قرنفل، في حديثه معDW  عربية.

ويرجع الحقوقي السوري تزايد الاعتداءات إلى عدة أسباب؛ منها تراخي القبضة الأمنية والقضائية لمتابعة هذه الجرائم، بالرغم من وجود قوانين تركية تجرّم التصرفات العنصرية وتحاربها.

ويوضح: "بالتأكيد توجد متابعة قضائية ومحاولات لوقف هذه الظاهرة، بيد أنها تبقى ناقصة، بدليل تزايدها داخل المجتمع".

ويتابع: "هناك تحركات أمنية تركية، في حال وجود قتلى أو تمّ تسليط الضوء على الحالة إعلامياً، إلّا أنه، بحكم عملنا، نرى العديد من الانتهاكات بحقّ اللاجئين السوريين، دون تدخل حاسم يمنع هذه الأمور".

ووفقاً لتقرير أعدّته "دويتشه فيله" بنسختها التركية، فإنّ السبب الرئيس خلف ازدياد حدّة العنف حيال السوريين، هو تركيز وسائل الإعلام التركية على أخبار الحوادث مثل التحرش والسرقة وغيرهما، والتي يكون السوريّ طرفاً فيها.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ ازدياد حالات العنف حيال السوريين، على الرغم من محاكمة ومساءلة المتورطين، تخلق لدى الخبراء المتخصصين باللجوء والهجرة حالة من القلق والتوتر والخوف من تفاقم الأمر أكثر، وخروجه عن السيطرة.

 

منظمة حقوقية: السبب خلف ازدياد حالات الاعتداء التي تعرّض لها السوريون خطاب الكراهية وأكاذيب حكومة أردوغان

 

وأشارت الباحثة في مركز متخصص بشؤون اللاجئين والهجرة الدكتورة، نهال أمين أوغلو، وفق المصدر السابق، إلى أنّ أخبار التحرش والسرقات والجرائم التي يكون السوري طرفاً فيها، خلقت تصوّراً عاماً وكأنّ كل سوري أو كل لاجئ هو أداة جريمة، أو أنه شخص قابل لأن يرتكب الجرائم بسهولة.

وأضافت في الإطار ذاته: "إنّ تعميماً من هذا الشكل مثير للقلق إلى حدٍّ كبير، وبالطبع هو تعميم غير صحيح".

وبحسب تقرير أعدّته جمعية حقوق الإنسان في عام 2019، فإنّ السبب وراء ازدياد حالات الاعتداء التي تعرّض لها السوريون في أضنة، هو خطاب الكراهية الذي ينتهجه البعض حيال الآخرين، بالإضافة إلى وسائل الإعلام التي تروّج لمعلومات تتعلق بإنفاق الحكومة التركية على السوريين وإهدار مليارات الدولارات من خزينة الدولة عليهم.

وأضاف التقرير: إنّ حوادث التحرش أو السرقات أو الجرائم التي ينخرط فيها السوري، قد تؤدي إلى خلق مشاعر عنف أو حقد لدى المجتمع المستضيف، ما ينعكس على شكل اعتداء مباشر على اللاجئين السوريين.

وتقول الدكتورة أوغلو: "ازدياد خطاب الكراهية ضد أي فئة من فئات المجتمع، يشكّل حالة خطر في غاية الجدّية، وفي حال استمرار لغة الكراهية حيال الآخر، وخصوصاً السوري، فإنّ التحزّبات والتكتلات ستزداد أيضاً".

من جانبه، يرى الأستاذ والدكتور الأكاديمي، مراد أردوغان، بحسب "دويتشه فيله"، أنّ التوترات التي يعانيها المجتمع التركي من الأساس، تنعكس بشكل أو بآخر على السوريين المقيمين أيضاً في تركيا.

اقرأ أيضاً: ماذا وراء دعوة روسيا لمؤتمر اللاجئين في دمشق؟

وتابع في السياق نفسه: "بعد أن أدرك المجتمع التركي أنّ وجود السوريين المقيمين في تركيا سيطول، لجأ الكثير من الأتراك إلى تغيير سلوكهم حيال السوريين، وخصوصاً مع الأبحاث التي تفيد بأنّ السوريين يزدادون يوماً بعد يوم تعلقاً بتركيا".

ويؤكد خبراء الهجرة على ضرورة إعداد مشاريع عمل من شأنها أن تؤمن الانسجام بين المجتمعين السوري والتركي.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا 3 ملايين و624 ألفاً و517 شخصاً، بحسب إحصائيات المديرية العامة للهجرة في تركيا، وتقاضى العمال السوريون في تركيا، حتى شباط (فبراير) الماضي، رواتب شهرية تتراوح ما بين 1500 و1800 ليرة تركية، وفق ما نقلته صحيفة "Hürriyet" التركية عن رئيس اتحاد النقابات إرغون أتالاي، أي أقلّ من الحدّ الأدنى للأجور.

الصفحة الرئيسية