من الكراهية إلى الحب.. ثلاث حكايات

من الكراهية إلى الحب.. ثلاث حكايات


02/11/2020

كثيراً ما تظهر الكراهية على أنها طريق النهاية للأفراد والمجتمعات؛ فنشعر باليأس والبؤس، وتحار نفوسنا وعقولنا في كيفية التعامل معها، ففي عالمنا العربي -على وجه الخصوص- تبدو قضية الكراهية، لا سيما تلك المبنية على أسس مذهبية وعقدية، سرديةً يصعب تفكيكها، ولكن إذا عرفنا أن لا أحد يولد حاملاً للكراهية نعرف أنّه لا بد للإنسان أن يعود في نهاية المطاف إلى فطرته الإنسانية ومنبعه الصافي، الذي يجعله يشارك في البناء لا الهدم عبر علاقة الحب التي تجمعه بالناس؛ بل الأشياء والأكوان من حوله فكيف نصنع هذا الحب؟! وكيف يمكن لشخص أن يتحول من الكراهية إلى الحب؟!

 

من الخارج إلى الداخل

إن أولى الخطوات التي نتخذها عندما نشعر بالغضب تجاه قضية ما، أو أن نشعر بالفشل، هي أن نلقي باللوم إلى الخارج؛ فعقلنا يجعل المسؤولية دائماً على أشخاص آخرين أو نظام سياسي أو اجتماعي قاهر، الأمر الذي يجعل القيام بعمل ما للخروج من حالة المعاناة صعباً.

في عالمنا العربي تبدو قضية الكراهية لا سيما المبنية على أسس مذهبية وعقدية سرديةً يصعب تفكيكها

فغالباً تريد الانتظار حتى يتحول النظام السياسي أو الاجتماعي لتتغير الحياة وتزول المعاناة، وعندما يحصل ذلك تكون قد تجاوزت الحياة وتجاوزتك، بينما يخلق عقلك الأعذار والأوهام، لذا يجب الخروج أولاً من هذا المأزق، وهو مأزق الاستقالة الذي تقدمه النفس أمام ما يمكنها فعله للخروج من المعاناة، لتكون أولى الخطوات هي أن تعرف أنك المسؤول الأول عن معاناتك وتلوم نفسك لا الآخرين، ولطالما نجد أنّ القرآن الكريم كان يحيل الفشل دوماً إلى ذوات المؤمنين أنفسهم، ويعلي من شأن تلك النفس التي تسمّى باللوامة، فهي تراجع ذاتها وتحيل الإخفاق إليها ليسهل الخروج منه.

إنّ إحالتنا جميع ما يحدث لنا إلى الآخرين يخلق لدينا رغبة عارمة في الانتقام وكراهيتم، فنكون أسرى لهم ولهذه المشاعر السلبية فنخلق لأنفسنا المزيد من المعاناة.

ثلاث حكايات

سمع ببوذا فجاء إليه وبصق على وجهه فغضب بعض التلاميذ، ولكن بوذا لم يهتم؛ إذ إنّ كراهية الرجل لبوذا كانت بائنة وواضحة، ولا يمكن مواجهتها بكراهية أخرى، فلا جدوى بطبيعة الحال من ذلك، وهذا ما علينا معرفته، فقال للرجل أنت مدعوّ للقدوم بين الفينة والأخرى لتبصق على وجهي متى ما شعرت بحاجتك إلى ذلك، لم يتوقع الرجل ردة الفعل هذه فبدأ الذهول واضحاً عليه، ولمّا ذهب إلى البيت لم يستطع النوم؛ إذ شعر بالأرق والقلق فتحرك ذلك الصوت الفطري بداخله، وهو صوت الضمير ليشعره بسوء صنيعه، وتلوح له طوال الوقت صورة بوذا بوجهه البشوش والمبتسم يقول له شكراً بكل ارتياح ودون قلق أو غضب؛ بل كان متعاطفاً معه؛ فبوذا يعلم أنّ الرجل أسير ومكبل بكراهيته.

إحالتنا جميع ما يحدث لنا إلى الآخرين يخلق لدينا رغبة عارمة في الانتقام وكراهيتم

في الصباح الباكر جاء الرجل إلى بوذا قائلاً: سامحني فلم أستطع النوم طوال الليل، ليفاجئه بوذا قائلاً إنّه لم يغضب أصلاً ليسامحه فالمسامحة تكون حال الغضب، ليجعله بعد ذلك يتجاوز حالة الحزن و"المعاناة" التي هو فيها، فكانا ينظران إلى نهر يتدفق ولا يعود إلى الخلف أبداً، وهكذا تحول الرجل من الكراهية إلى الحب ومواجهة المعاناة دون أن تكون هناك معاناة أخرى أو كراهية جديدة وليدة تلك الأولى.

قصة أخرى ولدت في الثقافة المسيحية؛ إذ إنّ بولس الذي انتشرت على يديه المسيحية بصورة كبيرة كان في بداية الأمر كارهاً ليسوع ومحرّضاً عليه، ويضع له الدسائس ويساند اليهود في اضطهاده، وفي يوم ما كان يسير وحده في الطريق التقى بيسوع فسأله يسوع: لماذا تكرهني وتضطهدني؟ ليجد بولس نفسه وحيداً أمام سؤال كبير؛ إذ لم يجد مبرراً كافياً لهذه الكراهية، لينفجر من بين يدي هذه الكراهية حب كبير جعله ملازماً ليسوع الذي كان يقول دائماً "أحبوا أعداءكم".

تتحول الكراهية إلى حب كبير حين تبلغ منتهاها وحين نعامل حاملها بالتعاطف والحب

ذات الأمر نلحظه في ثقافتنا وتاريخنا فعمر بن الخطاب كان أشد الناقمين والكارهين للنبي محمد، عليه السلام؛ إذ حمل سيفه ذات يوم متجهاً إلى النبي الكريم ليقتله، فلقيه أحد الرجال ليخبره ما يزيد كراهيته من أن أخته وزوجها قد تبعا محمداً، ليتجه مباشرة إلى بيتها ليقتلهما معاً، فما كان منه إلا أن تجاوز هذه الكراهية بمجرد أن فتح لنفسه مساحة ليتعرف على ما أتى به ويقوله الدين الجديد، وهذا ما كانت تعميه عنه الكراهية، فهي دوماً تجعل حاملها لا يرى إلا ما يجعلها تتضخم لتكبر كتلة المعاناة.

ببساطة تتحول الكراهية إلى حب كبير حين تبلغ منتهاها وحين نعامل حاملها بالتعاطف والحب.

الصفحة الرئيسية