مليونية مسيرة العودة في غزة: لم ننس ولم نمت ولن نستسلم

فلسطين

مليونية مسيرة العودة في غزة: لم ننس ولم نمت ولن نستسلم


15/05/2018

غزة

لا يمكن أن ينطبق قول "الكبار سيموتون والصغار سينسون"،  على مليوني إنسان يعيشون في حصار وفقر في غزة منذ أكثر من عشرة أعوام، فهو قول عقيم لم ينطبق على الفلسطينيين في القطاع؛ بل تكاثفت معه أسباب أخرى كثيرة دعتهم للخروج نحو حدود غزة ومحاولة اجتيازها ونجاحهم بذلك وهم لا يحملون سوى إرادة واحدة وعلى عكس ما يتخيل العالم، فإرادة الشعب هي التي قادتهم للغضب، والكلمة لم تكن إلا للشعب.

مشهد معكوس،فقبل 70 عاماً زحف اللاجئون نحو غزة، واليوم كأنّ من اعتبرهم العالم أمواتاً خرجوا من قبورهم باتجاه الحدود

فمنذ عدة أسابيع وفي كل يوم جمعة بالتحديد اعتاد الفلسطينيون على الخروج باتجاه حدود غزة للتعبير عن غضبهم واستنكارهم للحصار المفروض على غزة، وللتأكيد على حق العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها في العام 1948، وفي كل يوم جمعة كان يسقط عشرات الشهداء، والمئات من الجرحى، حتى جاء يوم الحشد العظيم وهو يوم الرابع عشر من أيار (مايو)؛ عشية الذكرى السبعين للنكبة؛ حيث بدأت التحضيرات لهذا اليوم قبل أيام سابقة وكانت الدعوة من قبل القوى التي تشرف على مسيرات العودة بأن يكون الخروج منذ ساعات الصباح الباكر وقبلها بيوم بدأت التكبيرات تصدح من المساجد للدعوة إلى الاستنفار، ولم يتردد أهل غزة عن الخروج فرادى وعائلات، راجلين وراكبين باتجاه نقاط التماس الخمسة.

لم تكن الأسباب السابقة وحدها ما دفعت الغزيين للخروج والتظاهر؛ بل انتفضوا غاضبين لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إذن فقد أزمعت غزة على مواجهة مشروع الانحطاط الأمريكي بلحم أولادها ودمائهم وصدورهم العارية.

المشهد بدا معكوساً، فقبل سبعين عاماً زحف اللاجئون نحو غزة، واليوم بدا الأمر مختلفاً، وكأنّ من اعتبرهم العالم أمواتاً قد خرجوا من قبورهم ببطون خاوية وعظام بارزة باتجاه الحدود، وبدا كل شيء يوحي بأنّ مجزرة على وشك الحدوث وقد كان ذلك حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية باستخدام كامل ترسانتها العسكرية في مواجهة هؤلاء العزل الغاضبين، وأصبح إحصاء عدد الشهداء والجرحى مهمة صعبة على وزارة الصحة الفلسطينية؛ لأن الأعداد كانت ترتفع بوتيرة سريعة خلال دقائق وحيث انتهى هذا اليوم بحصيلة كبيرة من الشهداء والجرحى ليسجل التاريخ مجزرة أخرى من مجازر الاحتلال بحق الفلسطينيين.

حاول الفلسطينيون العزّل تجاوز السياج الفاصل بين غزة ومناطق فلسطين المحتلة، الذي يحرسه الجنود المدججون بالأسلحة

وجه الاحتلال البشع

في "الإثنين الأسود" بدت المناورة غير متكافئة القوة؛ حيث حاول الفلسطينيون العزّل تجاوز السياج الفاصل بين غزة ومناطق فلسطين المحتلة، الذي يحرسه الجنود المدججون بالأسلحة؛ حيث هرب بعضهم من أمام الحشود الغاضبة وقد تنقل الفلسطينيون شمالاً وجنوباً بحثاً عن مناطق لا يغطيها القناصة الإسرائيليون، وقد نجح كثير منهم في اجتياز السياج الفاصل وتقدموا باتجاه أراضي فلسطين المحتلة بمشهد مهيب، وقد كان المشهد مترافقاً دون توقف بأصوات التكبيرات والأغاني والأناشيد الوطنية الثورية الفلسطينة والتي تنطلق من المخيمات المقامة منذ أسابيع على الحدود، والتي شهدت ما يعرف بوحدات ميدانية شبابية لتنظيم المتظاهرين وتوزيعهم ومن هذه الوحدات ما يعرف بوحدات "المقلاع، والكاوشوك، والأطباق الطائرة والقواطع والليزر".

في ساعات المساء تراجع المتظاهرون باتجاه غزة بعد أن قامت القوى المنظمة للمسيرات بالدعوة للتراجع والعودة إلى المخيمات، وبعد أن صدرت إحصائيات غير نهائية، عن عدد الشهداء الذين وصل عددهم، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، -حتى كتابة التقرير- إلى 59 شهيداً، أما عدد الجرحى فوصل إلى 2771 جريحاً، وحوالي 105 منهم يقبعون في غرف العناية المركزة في حالة خطرة أو في حالة موت سريري.

اشتكت مستشفيات غزة من حالة عجز وشلل من حيث الإمكانيات وبدأت الدعوة للتبرع بالدم وفتح المعابر لدخول المساعدات الطبية

أمام حالة الموت السريع في غزة، والجرحى الذين تساقطوا فقد اشتكت مستشفيات غزة من حالة عجز وشلل من حيث الإمكانيات وبدأت الدعوة للتبرع بالدم وفتح المعابر لدخول المساعدات الطبية، والسماح للطواقم الطبية بالدخول إلى غزة، وكذلك خروج المصابين بحالة الخطر إلى المستشفيات المصرية ومستشفيات الضفة الغربية، ولوحظ إصابة عدد من الصحفيين ومنهم المصور الصحفي ياسر قديح حيث نقل إلى مستشفيات القدس في حالة حرجة.

ماذا بعد مسيرات العودة؟

وعن المصير الذي ينتظر مسيرات العودة قال المحلل السياسي ناصر اسماعيل اليافاوي  لـ"حفريات": "على ضوء الترهل العربي الناجم عن إلهاء الشعوب العربية بمسرحية الربيع العربي وما نتج عنه من تغيرات دراماتيكية من ناحية، وانقسام الفصائل الفلسطينية في وحدة الموقف والهدف من ناحية أخرى، فإنّ ذلك يجعل مخرجات رؤية التصدي لأي قرار أمريكي ضعيفة للغاية، والدليل أنّ قرار ترامب قد مضى ولن يجد سوى معارضة فلسطينية عملية وبعض من اجتهادات شخصية غير رسمية ستعمل "إسرائيل" وحلفاؤها على إهمادها بكافة السبل المتاحة".

ويتوقع اليافاوي في الأيام المقبلة الذهاب إلى "هدنة ستتضح معالمها خلال أيام"، مشيراً إلى أنّ ما حدث مساء "يوم الزحف الأكبر" مساء أمس من إصدار تعليمات بسحب نقاط ومراكز طبية من الحدود هي "مؤشر البداية للهدنة"، برأيه، سيما "بعد حجم الخسائر الفادحة التي  تعمّد الاحتلال إيقاعها في صفوف الفلسطينيين".

الأيام المقبلة ستكشف ما أسفرت عنه مسيرات العودة في غزة من تحريك للمياه الساكنة وإعادة القضية الفلسطينية للمربع الأول، فحسب توقعات اليافاوي الذي يرى أنّ "الهدنة المرتقبة ستكون مقابل وعود إسرائيلية اقتصادية عمرانية بخصوص غزة مقابل تجميد حماس والفصائل الفلسطينية لأنشطتها في القطاع من تدريبات وإعدادات وتجهيزات ومناوشات وكل ذلك بالطبع تحت ضمانات إقليمية ودولية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية