مع قادة التكفير عن قرب (2)

مع قادة التكفير عن قرب (2)


30/04/2018

أعلن في بلدنا عن مجيء عمر عبدالرحمن، جاء الرجل من طرق ملتوية عبر الصحراء، بعد أن ضلّل قوات الأمن التي تحاصر منزله وتمنعه من الخروج.

خُيِّل لهم شخص آخر أنّه هو عبدالرحمن؛ خرج "الشبيه" إلى السوق وظلّ طوال النهار يمشي هنا وهناك، في الوقت ذاته الذي كان الشيخ يعبر الرمال الممتدة بطول الطريق إلى بلدنا التي تشبه قرية، حضر الآلاف هذا اللقاء، الشاب الذي قدّم الشيخ ليس له في الخطابة، لكنه كان أمير الجماعة، فرفع المجرور، ونصب المرفوع، والدكتور عمر عبد الرحمن خلع عمامته وطوّح رأسه يميناً وشمالاً ليفهم المسجد كله أنّه لم يمرّر الخطأ.

كان عبد الرحمن يملك الكلمة وكانت كلماته هي المشكلة الكبيرة التي جرّت شباباً كثيرين إلى ساحات القتل

هتف شاب: "عمر يا عبد الرحمن يا مزلزل عرش الطغيان، وإن قتلوك يا عمر بن أحمد فإن الله يختار الشهيد".

كان هذا الهتاف يزلزل المسجد الذي يتعاطف مع الرجل الكفيف، الذي قطع آلاف الأميال ليتكلم في تفسير سورة "نون"، كان يجتهد في إيصال ما يصبو إليه.

لأنّني حرصت أن أرى الرجل الذي أفتى بقتل رئيس مصر أنور السادات، ولم آتِ لأسمعه، لم أدرك مما قال شيئاً سوى كلمات حفظتها منه هي "خفافيش الظلام الذين يأتون في الليل.. الطواغيت والظلمة.. الحاكم المستبدّ الذي لا يحكم بما أنزل الله".

هتف الشاب مرة أخرى ليزداد من في المسجد حماسة وقوة:

في سبيل الله قمنا                نبتغي رفع اللواء

لا لحزب قد عملنا                    نحن لله  فـــــداء

اقرأ أيضاً: قادة التكفير عن قرب (1)

الطريف أنّ فأراً اختار أن يقطع جدية المشهد بعد أن سقط من سقف المسجد أثناء حديث الشيخ؛ فصرخ أحدهم ظانّاً أنّه ثعبان، وانتقلت عدوى الرعب إلى مَن بجواره، وهرب بعض الحضور اعتقاداً منهم أنّ قوات الأمن ستقتحم المسجد، وساد الهرج والمرج، وسط صخب الهتافات ضد الحكومة إلى أنْ هدأ الأمر بأعجوبة!.

اعتقد صاحبي أنّ هذا الرجل هو الشخص الوحيد الذي يواجه الحكومة بين العلماء، وأصرّ أن يستفتيه، فقد دخل إلى كلية التربية الرياضية واجتاز الاختبارات، لكن كان عليه أن يحلق اللحية كي يتم قبوله، أحاط أعضاء الجماعة بالشيخ في دائرة حتى استقل السيارة، مرّ إليه صاحبي بأعجوبة، اقترب منه واستفتاه، فردّ عليه قائلاً: "حلق اللحية حرام" تجمّد في مكانه من وقع الجواب، وقال لي لن أقدّم على أية كليات، وهو الآن يبيع العطور أمام المساجد بعد أن قرر عدم استكمال الدراسة!

كان عمر عبد الرحمن قوة تحاول الضغط على الحكومة المصرية، وتدفع الدولة إلى تقديم تنازلات لمصلحة التيار الإخواني، الذي يتنصل منه، بمعنى أنّ هناك طرفاً يدفع، وآخر يقطف الثمرة، وكان الإخوان يؤدون دورهم بذكاء يحسدون عليه.

كان عبد الرحمن يملك الكلمة، وكانت كلماته هي المشكلة الكبيرة، التي جرّت شباباً كثيرين إلى ساحات القتل بعد ذلك، وكانت كل كتيبات وأبحاث الجماعة التي توزع مجاناً على أهالي بلدتنا، في هذا الوقت مكتوباً عليها "تحت إشراف فضيلة الدكتور عمر عبد الرحمن"، وبعد ذلك تبين لنا أنّ الرجل لم يكن موافقاً على كل ما كُتب ولا كل ما قيل!

أفتى عبدالرحمن لصديق الكاتب أنّ حلق اللحية حرام لينتهي به الأمر إلى بيع العطور أمام المساجد بعد أن قرر عدم استكمال الدراسة

في العام 1989 اعتقل الشيخ الضرير بتهمة التظاهر في الفيوم ثم خرج وظلّ في حظرٍ أمني في منزله فترة طويلة حتى التقى بوزير الداخلية عبد الحليم موسى في مكتبه، وبعدها مباشرة في اليوم الأخير من شهر رمضان في أواخر نيسان (أبريل) من العام 1990 سمحت الجهات الأمنية في مصر له بالسفر لأداء العمرة، وانتقل بعدها إلى الخرطوم، ومنها حصل على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

كما في أوائل صيف العام 1990 سافر الشيخ إلى الأراضي الحجازية مرة أخرى للحج، ولدى عودته احتجز لعدة ساعات في مطار كيندي، وسحبت منه بطاقة الإقامة؛ لأنه لم يذكر في طلب الإقامة أنّه متزوج باثنتين، وهو ما يعد مخالفاً لقوانين الهجرة والجنسية، ثم غيّروا التهمة بعد ذلك إلى كونه يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي، مطالبين بترحيله إلى مصر، إلا أنّه ظل لفترة مطلق السراح في انتظار قرار المحكمة في مسألة ترحيله، وفي أوائل تموز (يوليو) 1993 أصدرت وزيرة العدل الأمريكية قراراً باعتقاله لحين البتّ في قضية الهجرة مستندة إلى بند استثنائي في القانون الأمريكي يسمح لها بذلك، ولما تفاوضت محامية الشيخ مع السلطات الأمريكية على السماح له بمغادرة الولايات المتحدة إلى بلد غير مصر، أبدت تلك السلطات موافقة مبدئية على ذلك بشرط أن تعلن دولة ثالثة استعدادها لقبول الشيخ، ولم يتردّد حكمتيار في التجاوب مع هذه الدعوة؛ بل بادر بإعلان قبول الشيخ في أفغانستان إذا طلب اللجوء السياسي إليه.

في بداية العام 1995، بدأت محاكمة عمر عبد الرحمن في الهجمات الأولى التي استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك العام 1993، ولقي فيها ستة أشخاص حتفهم، فيما جرح أكثر من ألف آخرين، كما أُدين أيضاً بالتآمر لنسف معالم رئيسية في المدينة، منها مبنى الأمم المتحدة. وفي اليوم الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1995 أصدرت المحكمة حكمها على الشيخ بالسجن مدى الحياة، بالإضافة إلى 65 عاماً أخرى، ليبقى هذه المرة رهين محبسه حتى وافته المنية العام 2017.

الصفحة الرئيسية