معركة النساء مع الإسلام المتشدد

معركة النساء مع الإسلام المتشدد


20/02/2018

يقع المغرب في منطقة معرّضة للتّجنيد الإرهابي، وإن كان لَم يتعرّض لهجوم كبير على أراضيه منذ عام 2011، عندما فجّر إرهابيّون أحد مقاهي مراكش. مع هذا، كان هناك ذوو أصول مغربيّة في قلب هجمات داعش في أوروبا. والنّاجي الوحيد المَزعوم من حالة الاهتياج التي عمّت باريس، في عام 2015، هو فرنسي من أصل مغربي؛ وقد بدأت محاكمته الأسبوع الماضي. والرجال الذين كانوا وراء تفجيرات كل من مطار وقطار بروكسل، التي وقعت بعد ذلك بأشهر، كانوا أيضاً من أصول مغربيّة. والسّائق المشتبه به للشاحنة الّتي حصدت أرواح متسوّقين في برشلونة كان من مواليد المغرب.

وفقاً لأرقام وزارة الداخليّة المغربيّة، يُعتَقد أنّ نحو 1,600 مغربي قد انضموا إلى جماعات متطرّفة، لا سيّما داعش، منذ عام 2012، من بينهم نحو 300 شخص ما زالوا يقاتلون في صفوف داعش. وبالرّغم من أنّ هذه الأرقام تُعدّ منخفضة بالمقارنة، مثلاً، مع نظيرتها في تونس - حيث انضمّ نحو 7,000 تونسيّ إلى هذه الجماعة خلال الفترة نفسها - فإنّ عدد القتلى في أوروبّا قد أدّى إلى التّركيز على الحاجة إلى الوقاية، وأصبح المغرب يلعب دوراً كبيراً في النّقاش الدائر حول كيفيّة إيقاف الشّباب، كما ينبغي، عن اعتناق الإسلام الراديكاليّ.

سيلز: "أكثر أنواع إعادة التّأهيل والإدماج فعالية هي تلك الّتي لا ينبغي أن تحدث؛ لأنّ الشخص مُنِحَ مخرجاً قبل أن يصل إلى الّلاعودة"

تعليم دينيّ مركزه النساء

يجرّب هذا البَلَد، شأن العديد من البلدان الأخرى في كافّة أنحاء العالم، مختلف برامج "مكافحة التطرّف العنيف" أو تفكيك الرّاديكاليّة. وكما لاحَظَ مادي كرويل في موقع ذي أتلانتيك، "لقد طوّرت ألمانيا وبريطانيا وبلجيكا برامج تركّز على تعزيز دمج الرّاديكاليّين في مجتمعاتهم. وتركّز المملكة العربيّة السعوديّة، من جهة أخرى، على إيجاد فرص عمل وزوجات للجهاديّين السابقين [كمحاولة لإدماجهم في المجتمع مرّة أخرى وإبعادهم عن الخطّ المتطرّف]". غيْر أنّ البرامج الّتي تبلُغ النّاس بعد أن يكون قد رُدكِلوا [تطبّعوا بطباع المتطرّفين] بالفعل قد تأتي بعد فوات الأوان. يقول ناثان سيلز، وهو منسّق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة: "إنّ أكثر أنواع إعادة التّأهيل وإعادة الإدماج فعالية هي تلك الّتي لا ينبغي أن تحدث؛ لأنّ الشخص قد مُنِحَ مخرجاً قبل أن يصل إلى نقطة الّلاعودة". ويضيف: "كيف يبدو ذلك؟ إنّه يبدو مثلَ تدخّل مبكر وليس بالضرورة وربّما ليس بشكل مثاليّ على يد مسؤولين حكوميّين".

الأزعر: تستطيع النساء نشر الرسائل المعتدلة بطريقة لا يقدر الأئمة والآباء أن يقوموا بها

إنّ التدخّل المبكّر الّذي يتزعمه قادة ومجموعات المجتمع المحليّ، وليس المسؤولين الحكوميين، كان مِحْور مقاربة برامج مكافحة التطرّف العنيف في أمريكا تَحْت إدارة أوباما. يقول سيلز: "إنّ قادة المجتمع وزعماء الأحياء لديهم ميزة نسبية في عدد من الأبعاد المختلفة. إنّهم سيعرفون أكثر من المسؤولين الحكوميّين المشاكل الّتي قد تنهض بغتة ولديهم أيضاً طُرُق تدخّل لن يتمكّن منها هؤلاء الّذين تربطهم صِلات بالحكومة... لإعادة توجيه هؤلاء المعرّضين لخطر اتّخاذ مسارات خاطئة وجلبهم مرّة أخرى إلى حضن المجتمع". لكنّ الرئيس ترامب قد نزع مؤخراً التمويل عن عدّة مجموعات تستهدف مكافحة التطرّف من خلال هذا النوع من التّوعية والمساعدة. في الوقت نفسه، واصلَ المغرب الاستثمار في هذا المسار. ومن خلال مبادرات تجريبيّة مختلفة، يحاول هذا البَلَد أن يبيّن كيف يمكن لنوع معيّن من التعليم الدينيّ أن يمنع التطرف.

تأخذ إحدى هذه المبادرات شكلاً استثنائيّاً: إنّها تركّز بشكل خاص على النساء. قبل أحدَ عشر عاماً، شَهِدت الرّباط افتتاح مدرسة نُخْبويّة جديدة تُدعى: معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات. تُصيّر هذه المدرسة الشّابّات عالمات دين ثمّ ترسلهنّ إلى المناطق الصغيرة التي تُعرَف بتجنيد الإسلامويّين الراديكاليّين للشّباب المحرومين من حقوقهم - وذلك لتوفير التّوجيه الروحيّ الذي يُناقِض الرّسائل التي قد تصلهم من جانب المتطرّفين العنيفين. ومن خلال القيام بزيارات للمدارس والمنازل، تقوم كلّ امرأة - وتُدعى مرشدة - بالتّحدّث إلى الشباب المسلم والتشكيك في التّفسيرات القرآنيّة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في عمليّة التّجنيد. وأن تقوم النساء اللواتي توظفهن الحكومة بهذا النّوع من العمل داخل المجتمعات الإسلاميّة في المغرب؛ حيث تُعدّ القيادة الروحيّة عموماً مجالاً يحتكره الرّجال، لَهو أمر استثنائيّ. يتمّ تدريب الرّجال أيضاً في مدرسة الرّباط، لكنّ مئات الخرّيجات هنّ الأكثر تأثيراً، وفقاً لمدير المعهد، عبد السّلام الأزعر.

توفر الشابات التوجيه الروحي الذي يُناقض الرسائل التي قد تصلهم من جانب المتطرّفين العنيفين

يقول الأزعر، وهو رجلٌ نَحِيل يبدو كما الجَدْ ويرتدي سترة مغربيّة عاجيّة الّلون وطربوشاً عنّابيّاً: "سأخبرك بصراحة، إنّ النّساء العالمات هُنا أكثر أهميّة من الرّجال. فالنّساء، بحكم دورهنّ في المجتمع تحديداً، يتواصلن بشكل كبير مع النّاس - الأطفال والشّباب وغيرهنّ من النّساء وحتّى الرجال. ... وهنّ المُرَبيّات الأساسيّات لأطفالهن. ولذلك، فإنّ تقديم المشورة يُعدّ شيئاً طبيعيّاً بالنسبة إليهن. إنّنا نقدّم لهنّ التّعليم حتّى يتمكنّ من القيام بذلك بطريقة علميّة".

ويعزّز برنامج المرشدات تأثير المرأة العائلي والاجتماعي لمكافحة الإسلام المتشدد على مستوى النشاطات الجانبية - وعلى مستوى آحاد المساجد. يقول الأزعر: "لقد وجدنا على مرّ الأعوام أنّه إذا قامت النّساء بتنظيم فعالية في المسجد، فإنّه سيأتي 450 شخصاً. وإذا وضِعَ الرّجال في موضع التحكم، فإنّ الحظّ يكون حليفهم إذا بذل 25 رجلاً الجَهد للمجئ".

يُعدّ معهد محمد السادس الشابات ليكنّ عالمات دين ثم يرسلهنّ للمناطق التي تُعرَف بتجنيد الإسلامويّين للشّباب المحرومين من حقوقهم

المشكلات والتحديات الاجتماعيّة

كانت زينب حيدرة، وهي مرشدة يجعلها وجهها الملائكيّ ونظّاراتها سلحفائيّة التّصميم تبدو أصغر بكثير من عمرها الحقيقيّ (49 عاماً)، ضِمن أوّل دفعة نسائيّة تخرّجت قبل 11 عاماً. ومنذ ذلك الحين وهي تعمل موظّفة بدوام كامل في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة في المناطق الحضريّة الفقيرة لمدينة الدّار البيضاء. تقول حيدرة: "كان الأمر صعباً في البداية. لم يَثِق بِنَا النّاس. ... لم يَرَوا شيئاً كهذا من قبل".

عَصْر أحد أيّام عام 2006، كانت حيدرة تسير في أحد دهاليز مدرسة إعداديّة حينما هرول ستة طلّاب ومعلّمهم خارجين من قاعة الدّراسة إلى الردهة. كان المراهقون يرتدون أَردية وأُزُراً متموّجة تَصِل إلى ما فوق الكعبين -النّمط المفترض للنبيّ محمّد- ووقفوا في حلقة يوبّخون معلّمهم؛ لأنّ درس التّاريخ الذي قدّمه، كما قالوا، كان كُفريّاً، ومناقِضاً لكلمات النبيّ. شعرَت حيدرة بتسارع في نبضات قلبها. تقول في وقت لاحق: "كانت هذه بالضّبط هي العلامات التي أُخبرنا أن نبحث عنها - كيف يرتدون، وكيف يتصرّفون في المدرسة، وكيف يتحدّثون عن الدّين". وتضيف: "كان واضحاً أنّهم قد تبنّوا أفكاراً عن الإسلام تأخذهم إلى المسار الخطأ". سألَتهم حيدرة عمّا إذا كان يمكنها المساعدة. كانت تلك، كما تتذكر مبتسمة، أوّل حالة رَدْكلة تواجهها.

الشباب المغاربة الذين يتجهون إلى داعش يسكُنهم شعور بالعزلة أو يأتون من منازل عنيفة أو سبق وتورّطوا بجرائم صغيرة

وفيما تستمرّ حيدرة في عملها في الدّار البيضاء، واجَهت أشكالاً من المقاومة. حينما ذهبَت لزيارة بعض الأمّهات في منازلهن، لم يستجب أحد لطرقاتها، بالرّغم من "أنّنا كنّا نعرف أنّهم كانوا في الدّاخل"، كما تقول. وقامت النّسوة المحليات بتجنّبها في المسجد. حتّى مدراء المدارس تساءلوا عمّا تفعله في الأروقة، وكان يثقلهم الهمّ من أنّها إذا وجدت شباباً مُرَدكلين بين جُمْلَة الطّلّاب فإنّ المدارس نفسها قد تُعاني من جرّاء ذلك.

تقول حيدرة إنّ الأمر يتطلب الكثير من الصبر من أجل كسب ثقتهم. وكما توضّح، "لمّا رَأوا المزيد والمزيد منّا، أصبح القَبول بِنَا أسهل"، وشرع النّاس في المجتمع يسألنها المشورة أو يقترحن عليها أن تذهب للتحدّث إلى هذا الشّاب أو تلك العائلة؛ حيث ربّما كانت هناك مشكلة تتعلّق بظهور أفكار راديكاليّة. تقول: "ربّما كان ناجعاً أنّنا لم نتجادل مع [الشّباب الّذين تحدّثنا إليهم]. لقد أجبنا فقط عن أسئلتهم. وساعدنا عائلاتهم. وجلسنا مع الأمّهات وعلّمناهنّ كيفيّة مساعدة أوْلادهن".

إنّ العديد من الشّباب والشّابات المغاربة الّذين يتّجهون إلى جماعات مثل داعش يسكُنهم شعور بالعزلة أو يأتون من منازل عنيفة أو سبق أن تورّطوا في جرائم صغيرة. يقدّم الإسلامويّون الرّاديكاليّون لهم المجتمع [الّذي يحتضنهم] ويخبرونهم بأنّ الاعتناق الكامل لدينهم - وهو اعتناق يتضمّن العنف ضدّ غير المؤمنين - هو الحلّ. تشير مرشدات مثل حيدرة إلى أنّ الحلّ يكمن في نزعة عقائديّة أقلّ جموداً. وتقوم المرشدات بإطلاع الشّباب على المقاطع القرآنيّة الّتي تؤكّد على التّسامح، وتوفير تفسيرات أكثر اعتدالاً للمقاطع الّتي يمكن اتّخاذها مسوّغاً لتعزيز العنف. والفكرة من ذلك أن يتعلّم الشّباب في نهاية المطاف أنّ إيمانهم لا يتعارض مع أسرهم أو مجتمعهم على نطاق أكثر اتّساعاً، وأن يوفّر هذا حصناً دائماً ضدّ المجنّدِين الإرهابيّين.

من بين ما يقرب من 250 طالباً جديداً يُقبَلون كلّ عام، يكون نصفهم تقريباً من النّساء. ما من وجود لفصل صارم بين الجنسين

معهد محمد السادس: دور محلي وإقليمي

يرتكز معهد محمد السادس في حي أكثر شبهاً بأحياء جنوب كاليفورنيا الأنيقة من أحياء المغرب العربي في شمال أفريقيا. وتحيط بالمدرسة منازل جصيّة بيضاء ودَفْقات ملّونة موجودة هنا وهناك لزهرة الجهنميّة. والحرم الجامعيّ نفسه مخفي وراء سلسلة من البوّابات الحديديّة المزخرفة؛ والأمن مُحكم؛ لأنّ العديد من الإسلامويّين لا يوافقون على تعاليمه المعتدلة.

وعمليّة القبول تنافسيّة للغاية. يتقدّم طلّاب من كافّة أنحاء العالم العربيّ وأفريقيا؛ ويتمّ القَبول بحوالي 10 في المائة فقط. ولكي يكون الطلاب مؤهلين، ينبغي أن يكونوا قد حصلوا بالفعل على شهادة جامعيّة وأن يحظوا بمكانة جيّدة في مجتمعاتهم المحليّة - ألّا تكون لديهم، مثلاً، سجلّات جنائيّة. وينبغي أن تكون المرشّحات النّاجحات قد حفظن نصف القرآن قبل المجيء إلى المعهد؛ والرّجال، الّذين سيصبح كثيرون منهم أئمة، ينبغي أن يكونوا قد حفظوا القرآن بأكمله. ويعدّ هذا شرطاً مهمّاً لأنّه عادة ما يستغرق المرء أعواماً لحفظ القرآن، وإذا كان الطلاب على دراية عميقة أصلا بالنّصوص، يمكن للمركز أن يركّز على التّفسير عِوضاً عن الحفظ.

وبمجرّد أن تُدرج أسماء الطلاب، لا يكون عليهم دفع أيّ شيء. فالحكومة المغربيّة تتكفّل بالرسوم الدراسيّة والقاعات والسبّورات والكُتُب والرعاية الطبيّة والرّحلات الجويّة والمكافآت الشهريّة الصغيرة.

ومن بين ما يقرب من 250 طالباً جديداً يُقبَلون كلّ عام، يكون نصفهم تقريباً من النّساء. ما من وجود لفصل صارم بين الجنسين، لكن هناك فصل. يحضر الرّجال والنّساء الفصول الدراسية معاً في قاعة المحاضرات الحديثة نفسها، لكن تجلس النّساء في العشرة صفوف الأخيرة في الخلف. وحتّى من موقعهنّ المنفصل في القاعة، فإنّهنّ يوفّرن تمثيلاً بصريّاً يدلّ على التّقدّم الذي تسير به الأمور. (غالباً ما يتعلّم الرّجال والنّساء في فصول دراسيّة منفصلة في البلدان ذات الأغلبيّة المسلمة).

يستغل الإسلامويون الراديكاليون ظروف الشباب المنعزل ويخبرونهم بأنّ الاعتناق الكامل لدينهم هو الحلّ

يحتوي البرنامج على مسارين: واحد للطلاب المغاربة وآخر للأجانب. يدرس المرشّحون المغاربة في المركز لمدّة 12 شهراً، 30 ساعة في الأسبوع. ويتمّ وضع الطّلّاب الأجانب في برنامج يمتدّ إلى عامين أو ثلاثة، بحسب إتقانهم للّغة العربيّة، ومن ثمّ يجري تجميعهم حسب البلدان حتّى يتمكّنوا من الحصول على تعليمات محدّدة في القوانين وقواعد المجتمع المدنيّ والجغرافيا والتّاريخ الخاصّة ببلادهم. وكما يوضّح الأزعر، إنّ الهدف من ذلك ليس تكوين عالم إسلاميّ وحسب، وإنّما مثقّف محترم يمكنه الإجابة عن مجموعة متنوّعة من الأسئلة.

ربّما يكون المغرب في وضع مثاليّ لتقديم هذا النّوع من التّعليم. فمَلِكه، المَلِك محمّد السادس، يُعتَقد أنّه سليل للنبيّ محمد. ومن الناحية الدستوريّة، يُعتَبر أميراً للمؤمنين، وهو الأمر الذي يعطيه سلطة دينيّة وسياسيّة على الشّعب المغربيّ (98 في المائة منه من المسلمين السّنّة).

يقول الأزعر: "في الأعوام الأخيرة، اعتمدنا على الجّيش وحده لمكافحة الإرهاب"، مشيراً إلى أنّ الدّولة قد عزّزت قوّات المخابرات والأمن. ويضيف: "والآن، نُقاتل الإرهاب على جبهتين - العسكريّة والأيديولوجيّة. وقد وجدنا على مدى الأعوام العشرة الماضية أنّ النّساء في وضع فريد يسمح لهنّ بنشر الرّسائل المعتدلة بطريقة لا يستطيع الأئمة والآباء أن يقوموا بها، ونحن نركّز على ذلك".

يصعب تحديد مدى فعالية برنامج المرشدات في منع الشّباب من الانضمام إلى جماعات مثل داعش. وفي حين ساعدت النّساء بلا شك الشّباب فيما يخصّ [الإجابة عن] أسئلة حول دينهم، فإنّه من المستحيل أن نعرف كم من هؤلاء الشّباب قد "رُدِكلَ" بما فيه الكفاية للانضمام إلى جماعة إرهابيّة أو شنّ هجوم ربّما يستهدف وجود المرشدات. يعود البرنامج أيضاً لأحد عشر عاماً فقط - وهي مدّة ليست طويلة بما فيه الكفاية لقياس نجاح مثل هذه المبادرة.

التجربة برمّتها لم تغيّر الطريقة التي ينظُر بها الآخرون المرأة؛ بل غيّرت الطريقة التي تنظُر بها إلى نفسها

أسئلة حول تمكين النساء

على أيّة حال، بالنّسبة إلى النّساء المنخرطات في البرنامج، هناك فائدة جانبيّة غير قابلة للجدال في نظرهن: لقد رفع البرنامج من مكانتهنّ باعتبارهنّ نساء في المجتمع. تقول واحدة من النّساء (عمرها 25 عاماً)، ضِمن دفعة العالمات الّلواتي سيتخرّجن في وقت لاحق من هذا العام، إنّ التجربة برمّتها لم تغيّر الطريقة التي ينظُر بها الآخرون إليها فحسب؛ بل غيّرت الطريقة التي تنظُر بها إلى نفسها. وتضيف: "كنت فيما سبق على قناعة بأنّ الرّجال أكثر تفوّقاً من النّساء. لكنّني لا أعتقد الآن بأنّنا على القدر نفسه من المساواة فحسب؛ بل أعتقد أنّ النّساء يتصدّرن في المقدّمة. لسنا مجبرَات على العمل؛ لدينا الكثير من الاستقلال الذاتيّ وبالنّظر إلى كوننا مرشدات يمكن أن يكون لنا تأثير عميق على المجتمع، حتّى أكثر ممّا يستطيعه الرّجال؛ لأنّنا نستطيع التحدّث إلى الشّباب وشرح الإسلام الحقيقيّ لهم وهم على استعداد للتعلّم مِنّا".

لكن يبدو أنّ هذه السيّدة لم يزعجها احتمال عدم تغير دور المرأة في المجتمع، بما أنّ النّساء في المعهد لا يسمح لهنّ باتباع مسار أكثر صرامة للدّراسة بحيث يصبحن "إمامات" - وما يزال ذلك العمل حكراً على الرّجال. وفيما يتعلّق البرنامج، تقول ببساطة: "إنّه مثير جداً".

وماذا عن أولئك الطّلّاب الستّة المُرَدكلين الّذين كانت حيدرة قد التقت بهم قبل أعوام في أحد دهاليز المدرسة الإعداديّة؟ لقد انتهت إلى الاجتماع بهم ثلاث مرّات في الأسبوع لمدّة ستة أشهر. تقول: "يأمرنا ديننا بأن نتحلّى بالصّبر والإصرار وهذا ما كنتُ عليه. لقد سألوا أسئلة وأعطيتهم أجوبة، توجّههم إلى الطّريق الصّحيحة. استغرق الأمر وقتاً طويلاً، ولكن رويداً رويداً بدأوا في تغيّير ملابسهم وأخذوا يُشبهون بقيّة الأولاد. وشرعوا في الانخراط في المدرسة وتوقّفوا عن تحدّي آبائهم. وفي النّهاية وصلوا إلى المكان الصحيح".

واليوم، لدى كلّ شاب من السّتة وظيفة. وحصل ثلاثة منهم على تعليم جامعيّ. وأخبر أحدهم حيدرة بسعادة أنّه قد نجح للتوّ في امتحان ضبّاط الشرطة. لم يُرِد التحدّث عمّا حدث من قبل في المدرسة الإعداديّة، لقد وضع هذا النوع من "الأفكار السّخيفة"، كما قال، وراء ظهره.

دينا تمبل-راستون- ذي أتلانتيك

الصفحة الرئيسية