مصر وتونس... و"الإخوان"

مصر وتونس... و"الإخوان"


15/04/2021

محمد صلاح

طرحت زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد لمصر السؤال مجدداً: هل يحتاج "الإخوان المسلمون" إلى دلائل أخرى ليدركوا فشلهم بعد عجزهم عن استعادة الحكم في مصر والتطورات التي تشهدها الساحة التونسية؟ فالنتيجة واحدة وإن اختلفت ظروف البلدين. بحجم أخطاء "الإخوان" في حكم مصر والتي وصلت حد الجرائم كان رد فعل الشعب المصري تجاهها صارماً وحاداً وحاسماً بإخراج ذلك التنظيم الإرهابي من المسرح السياسي وتحويل رموزه وأقطابه الى مجموعة من المطاردين، وبحكم ألاعيب "النهضة" في تونس وتحالفاتها الفاشلة كان موقف الشعب التونسي الذي يتصاعد يوماً بعد آخر ما جعل "الإخوان" هناك يسيرون في الطريق نفسه الذي سار فيه عناصرهم في مصر.

نعم راشد الغنوشي ليس محمد بديع وأخطاء "النهضة" لم تكن بحجم خطايا "إخوان" مصر، لكن ما جرى هنا وهناك أثبت أن محاولات الإسلاميين تحويل "الربيع العربي" ليكون ربيعهم والثورات العربية لتصبح ثوراتهم والمستقبل القادم ليكون مستقبلهم فشلت وأفضت إلى هزيمة ساحقة وتراجع حاد وزلزال ضرب تجربة الإسلاميين في الوصول إلى الحكم.

الفشل في مصر أطاح بـ"الإخوان"، والسيسي يحكم الآن، والاهتراء والارتباك ونقص الخبرات أربك "النهضة" في تونس، وسيأتي بتطورات منطقية أخرى تبعدهم عن مفاصل الدولة في تونس! منح الجيش في مصر "الإخوان" الفرصة ليعدّلوا مسارهم وليتوقفوا عن الصدام مع مؤسسات الدولة وفئات المجتمع، وأمهلهم ليعودوا إلى الشعب وليس محاربته وليوازنوا بين مصالحهم ومصالح الوطن، وأن يتوقفوا عن حصار مؤسسات الدولة ليكونوا جزءاً منها لكن كل المحاولات فشلت، وحتى بعد عزل محمد مرسي اختار مكتب إرشاد الجماعة السير في طريق المواجهة، فأصبحت الجماعة الوحيدة في التاريخ التي واجهت الشعب أثناء الحكم... وبعده!

تخلى "إخوان" مصر عن حلفائهم وحتى عن هؤلاء الذين عُرفوا في مصر بلقب "عاصري الليمون" وهم من معارضي "الإخوان" الذين قالوا إنهم عصروا على أنفسهم ليموناً وانتخبوا مرسي نكاية بمنافسه في الانتخابات الرئاسية الفريق أحمد شفيق. ولم تمد الجماعة أياديها إلا إلى أصحاب اللحى أو شركائها في المعتقد، فكان طبيعياً أن تتكل كل القوى في مواجهتها، وأن يخشى الشعب على دولته خصوصاً وهو يرى محاولات التنظيم لـ"أخونة" المؤسسات وانتظار الرئيس للقرارات تأتيه من بناية في حي المقطم حيث مكتب الإرشاد!. الحال اختلف شكلاً في تونس وإنْ تطابق في المضمون، إذ كان "الإخوان" هناك أكثر صبراً وذكاءً وتأنياً وأقل رغبةً في الانتقام، حتى أنهم حين رأوا أن التيار في مواجهتهم شديد، قبلوا التراجع إلى الخلف ليتفادوا غضب الشعب التونسي ومؤسسات الدولة، فحافظت "حركة النهضة" على موطئ قدم في واجهة الصورة.

لكن التجربة في النهاية واحدة، فثورات الربيع العربي أثبتت أن "الإخوان" امتلكوا خبرات كبيرة في التعامل مع الأنظمة حتى إسقاطها بالاضطرابات أو الثورات أو الانتخابات، لكن حين يأتون إلى الحكم تكون النتيجة كارثية للدولة... ولأنفسهم أيضاً. سيطر "إخوان" تونس على سلطات الدولة لفترة ثم قبلوا بحكومة لا يترأسها "إخواني" لأنهم لو لم يفعلوا لكان مصيرهم كما حال مصير "إخوانهم" في مصر الذين خرجوا من المعادلة السياسية رغم جهود التنظيم الدولي والدعم القطري – التركي، والتعاطف المصالحي الغربي.

في كل الأحوال لم تكن رحلة "الإخوان" إلى الحكم في مصر وتونس وغيرها من الدول سهلة، وأتى الربيع العربي لهم بمقاعد السلطة من دون غيرهم من أحزاب وسياسيي النخبة، إلا أنهم ورغم تباين الظروف بين دولة وأخرى انتهوا إلى المصير نفسه... فشلوا فأتى السيسي في مصر وسيأتي وقت يفقدون فيه مواقعهم في تونس.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية