مستجدات النيران في الأزمة الليبية

مستجدات النيران في الأزمة الليبية


31/05/2020

عبدالله السناوي
لم تكن الإدارة الأمريكية الحالية متحمسة لمغامرات الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» في ليبيا، لكنها قد تجد نفسها في خندق قريب منه

كتل النيران المتدافعة والتدخلات الجارية والمحتملة في الأزمة الليبية تنذر بتحولات جوهرية في طبيعتها ومداها.

أخطر الأسئلة الآن: هل نحن بصدد «تدويل مسلح» للأزمة يقارب ما حدث في السيناريو السوري.. أو «سورنة ليبيا» بتعبير وزير الخارجية الفرنسي «جان إيف لودريان»؟

رغم نفي المتحدث باسم «حفتر» فإن الرواية الأمريكية على لسان قائد قواتها في إفريقيا «أفريكوم» تؤشر إلى تطور نوعي في الاصطفافات العسكرية والدبلوماسية بالأزمة الليبية.

لم تكن مصادفة أن يأخذ قائد «أفريكوم»، حيث التمركزات العسكرية الأمريكية في القارة وعلى تخومها بالقرب من ميادين المواجهات العسكرية الليبية، زمام التعبير عن القلق الأمريكي قبل المتحدثين الدبلوماسيين.

رسائل الجنرالات الأمريكيين وافقت تحولات السياسات في الموقف من الأزمة الليبية حيث أخذت تنحو بالتدريج إلى الاقتراب من حكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس برئاسة «فايز السراج»، بالاتصالات والتفاهمات دون أن تصل إلى أي تحالفات معلنة.

ما حدود المستجدات الأمريكية.. وإلى أي حد وبأي طريقة يمكن أن تتورط في المستنقع الليبي؟

لم تكن الإدارة الأمريكية الحالية متحمسة لمغامرات الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» في ليبيا، لكنها قد تجد نفسها في خندق قريب منه بالنظر إلى خشيتها من تمدد الدور الروسي في ليبيا على نسق ما حدث في سوريا.

هكذا بدت أحاديث السلاح عند درجة الغليان وأحاديث التسوية في ثلاجة انتظار نتائج التطورات العسكرية في ميادين القتال.

تبدت ازدواجية المعايير الأمريكية في النظر إلى ما يتدفق من أسلحة ومعدات ومرتزقة إلى ميادين القتال الليبية، دانت ما هو منسوب إلى روسيا وغضت الطرف عما هو ثابت من تدخل تركي عسكري مباشر وقدر السلاح المتقدم الذي أمدت به حكومة طرابلس وحجم المرتزقة الذين دفعت بهم من سوريا إلى ليبيا، نصفهم على الأقل من الجهاديين الأكثر تطرفاً وتشدداً وإرهاباً.

باسم «إعادة التوازن العسكري» إلى المسرح الليبي توسعت تركيا في تدخلها العسكري حتى لا تسقط طرابلس تحت يد «حفتر».

الاعتبارات الاستراتيجية غلبت أي اعتبارات تركية أخرى في وقت يتعرض اقتصادها لهزات حادة تحت ضربات جائحة «كورونا» خشية أن يتقوض «مشروع أردوغان -العثمانية الجديدة» بالكامل، فيما لو سقط حلفاؤه في طرابلس، كما خسارة الصراع المحتدم على الغاز في شرق المتوسط مع مصر واليونان وقبرص وفرنسا.

المستجد التركي بالمعدات والسلاح والمرتزقة أعطى قوات «الوفاق» المترنحة دفعة لم تكن متصورة فتمكنت في وقت وجيز من إحداث اختراقات عسكرية، أهمها من الناحية الاستراتيجية السيطرة على قاعدة «الوطية» الجوية، غير أن الجيش الوطني تمكن من التماسك بأسرع من أي توقع بفضل إمدادات عسكرية عاجلة روسية وغير روسية.

هناك احتمالان متعاكسان لتطور العمليات الميدانية في المدى المنظور.

*الأول، أن ينجح الجيش الوطني الليبي في حسم معركة مصراتة، التي تعتبر شريان الإمداد التركي بالسلاح والمسلحين لميليشيات طرابلس. إذا ما تحقق هذا الاحتمال يحسم الصراع بالضربة القاضية، وهو ما لا يمكن أن تقبل به بسهولة أطراف دولية نافذة لها مصالح استراتيجية واقتصادية في ليبيا وأولها الولايات المتحدة.

*والثاني، أن تتقدم قوات «الوفاق» شرقاً نحو الهلال النفطي، وهذه نقطة فارقة بحسابات الأطماع التركية في الثروة النفطية الليبية، ومما له دلالة بالتوقيت ما أعلنته من أنها بصدد التنقيب عن الغاز قبالة السواحل الليبية في غضون ثلاثة أشهر وفق الاتفاقية الموقعة مع حكومة طرابلس.

إذا ما تحقق هذا الاحتمال فإن أطرافاً أخرى نافذة سوف تجد نفسها أكثر تورطاً في المستنقع الليبي، لن تسمح أبداً بمثل هذه النهاية.

بالنسبة لبلد مثل مصر لا يمكن أن تتقبل أي تمدد عسكري تركي بالقرب من حدودها، أو أن تتمركز مجدداً جماعات إرهابية وداعشية على مرمى البصر.

لقد عانت بقسوة الفوضى المسلحة، التي أعقبت سقوط نظام العقيد «معمر القذافي»، بقدر ما تسرب عبر حدودها الممتدة التي تصل إلى نحو (1200) كيلومتر، من أسلحة ومعدات ومسلحين ارتكبوا أعمالاً إرهابية في سيناء والواحات والداخل المصري.

الاحتمالان المتعاكسان لا يلخصان تعقيدات الموقف، لكنهما يعبران عن حدة الصراع وقدر المخاطر الماثلة.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية