مسبار الأمل: المستحيل غير وارد في كتاب الإرادة الإماراتية

مسبار الأمل: المستحيل غير وارد في كتاب الإرادة الإماراتية


11/02/2021

أبرز ما يلتمع من بين غضون الكوكب الأحمر الذي وصله علماء دولة الإمارات العربية المتحدة، مساء أول من أمس الثلاثاء، هو أنّ المستحيل كلمة غير واردة في كتاب الإرادة التي صنعته هذه الدولة التي تحتفل بميلاد اتحادها الخمسين، فجعلت هذه اللحظة التاريخية محطة للالتحام في أفلاك الحداثة والتطور في شتى الميادين.

الرحلة الإماراتية إلى المريخ تستهدف تقديم بينات علمية لم يتوصل إليها الإنسان من قبل عن الكوكب الأحمر؛ حيث أصبحت دولة الإمارات أول الواصلين إلى مدار الكوكب الأحمر ضمن ثلاث مهمات فضائية أخرى تصل خلال الشهر الجاري إلى المريخ، تقودها بالإضافة إلى الإمارات، كٌّل من الولايات المتحدة والصين.

نجح "مسبار الأمل" عند الساعة 7:42 مساء أول من أمس الثلاثاء في الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر، منجزاً بذلك أصعب مراحل مهمته الفضائية، بعد رحلة استغرقت نحو سبعة أشهر في الفضاء، قطع فيها أكثر من 493 مليون كيلو متر، ليشكل وصوله إلى الكوكب الأحمر، استعداداً لبدء مهمته العلمية من خلال توفير ثروة من البيانات العلمية للمجتمع العلمي في العالم، علامة فارقة في مسيرة دولة الإمارات التنموية المتسارعة، وليكون هذا الإنجاز احتفالاً يليق باليوبيل الذهبي لقيام اتحاد دولة ملهمة، جعلت ثقافة اللامستحيل فكراً ونهج عمل وترجمةً حيةً على الأرض.

رئيس الدولة يهنىء الأمة العربية

ووجه رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، التهنئة إلى شعب دولة الإمارات والمقيمين والأمة العربية بنجاح مسبار الأمل في مهمته، مشيداً، كما أفادت وكالة (وام) بالجهد الاستثنائي لأبناء الإمارات الذين حولوا الحلم إلى واقع، وحققوا طموحات أجيال من العرب ظل يراودها أمل وضع قدم راسخة في سباق الفضاء الذي ظل حكراً على عدد محدود من الدول.

وقال رئيس الدولة: هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا المثابرة على مشروع ظهرت فكرته أواخر العام 2013 على يد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الذي تابعه لحظة بلحظة حتى وصوله إلى وجهته بسلام. كما أشاد خليفة بأخيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي سخّر له كل الدعم ليتحقق الأمل ونراه ويراه العالم معنا بانبهار وتقدير.

يحمل مسبار الأمل ثلاث أدوات ستراقب، من بين أهداف أخرى، كيف تتسرب الذرات المحايدة من الهيدروجين والأكسجين، بقايا المياه الوفيرة من المريخ، إلى الفضاء

من جانبه، أكد الشيخ محمد بن راشد أنّ "هذا الإنجاز التاريخي بوصول مسبار الأمل إلى المريخ هو أعظم احتفال بالذكرى الخمسين لقيام اتحاد الإمارات.. ويؤسس لانطلاقتها الجديدة في الخمسين عاماً المقبلة.. مع أحلام وطموحات لا سقف لها"، مضيفاً سموه: "سنواصل تحقيق الإنجازات وسنبني عليها إنجازات أكبر وأعظم".

أما الشيخ محمد بن زايد آل نهيان فرأى أنّ "نجاح مسبار الأمل في الوصول إلى مداره حول المريخ يمثل إنجازاً عربياً وإسلامياً.. تحقق بعقول وسواعد أبناء وبنات زايد، ليضع الدولة في مصاف الدول التي وصلت لعمق الفضاء"، مشيراً إلى "مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ يمهد لـ 50 عاماً جديدة من النهضة العلمية المستدامة في دولة الإمارات".

وحظي مسبار الأمل باهتمام المراكز العلمية والبحثية في العالم؛ حيث أكدت وكالة الفضاء الأوروبية أنّ برنامج الفضاء الإماراتي حقق إنجازاً استثنائياً ونجاحاً عظيماً لوكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء والمؤسسات البحثية الأخرى ذات الصلة في الإمارات، ونحن نتطلع إلى الاكتشافات المهمة والمثيرة بشأن كوكب المريخ التي سوف يقوم بها مسبار الأمل.

ثلاث أدوات مراقبة

ويحمل المسبار ثلاث أدوات ستراقب، من بين أهداف أخرى، كيف تتسرب الذرات المحايدة من الهيدروجين والأكسجين، بقايا المياه الوفيرة من المريخ، إلى الفضاء.

وقالت وكالة الفضاء الأوروبية لوكالة (وام)، أمس، إنّ المجتمع الدولي يتابع باهتمام وسعادة قصة نجاح الإمارات عبر السنوات الماضية في بحوث الفضاء والتي تكللت بوصول مسبار الأمل إلى مدار الكوكب الأحمر، مؤكدة أنّ هذا الإنجاز العظيم يعزز من جاذبية العلماء والمهندسين الإماراتيين كشركاء في الجهود الفضائية العالمية.

وتوقعت الوكالة الأوروبية أن يوفر مسبار الأمل بيانات مهمة بشأن طقس ومناخ الكوكب الأحمر، مشيرة إلى أهمية استمرار مراقبة الغلاف الجوي لكوكب المريخ وأنماط الطقس هناك.

وأكدت أنّ البيانات العلمية التي يتوقع أن يوفرها مسبار الأمل بشأن أنماط الطقس في الكوكب الأحمر، بالإضافة إلى اكتشافات مهمة لـ"مارس إكسبريس"، ستساعد في فهم تطور مناخ كوكب المريخ، حيث من المنتظر أن يقدم مسبار الأمل رؤية تكميلية لظواهر الغلاف الجوي، وبالتالي سد الفجوة في سياق التصوير الجوي.

كما أكدت الوكالة أنّ المهمات الفضائية الأخرى ستستفيد من دون أدنى شك من الشراكات الجديدة، والتي تقدم أفكاراً وإمكانيات جديدة، لافتة إلى أنّ البحث عن مقومات الحياة على الكوكب الأحمر يمثل عاملاً مشتركاً رئيسياً بين كافة مهمات استكشاف الكوكب الأحمر السابقة والحالية والمستقبلية.

وكانت وكالة الفضاء الأوروبية أطلقت مهمة "مارس إكسبريس" في كانون الأول (ديسمبر) 2003 وهي تدور حول الكوكب الأحمر طوال السبعة عشر عاماً الماضية، مما جعلها الوكالة الثالثة التي تحقق هذا الإنجاز بعد روسيا والولايات المتحدة.

وفي عام 2014، انضمت منظمة البحوث الفضائية الهندية إلى مجموعة الدول التي وصلت بنجاح إلى كوكب المريخ، والآن أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة الخامسة التي تحقق هذا الإنجاز.

وفي عام 2016، تم إطلاق مركبة شياباريلي وهي مركبة تكنولوجية عبارة عن مشروع مشترك بين وكالة الفضاء الروسية ووكالة الفضاء الأوروبية، وتأجل إطلاق مهمة إكسو مارس الثانية إلى الكوكب الأحمر إلى عام 2022 لأسباب فنية.

مركبات أخرى

وتبعت مسبار الأمل مركبة مدارية ومركبة الهبوط من الصين، التي من المقرر أن تكون وصلت إلى الكوكب أمس الأربعاء. وستدور حول المريخ حتى تنفصل مركبة الهبوط وتحاول الهبوط على السطح في أيار (مايو) المقبل للبحث عن علامات الحياة القديمة.

ومن المقرر أن ينضم مسبار من الولايات المتحدة يدعى "بيرسفيرانس" إلى الحشد الأسبوع المقبل، بهدف الهبوط في 18 الجاري على سطح الكوكب الأحمر. وستكون هذه هي المحطة الأولى في مشروع أمريكي- أوروبي يمتد لعقد من الزمن لإعادة صخور المريخ إلى الأرض لفحصها بحثاً عن دليل إن كان الكوكب يُؤوي مرةً حياة مجهرية.

وانتهت نحو 60% من جميع بعثات المريخ بالفشل أو الانهيار أو الاحتراق أو التقصير في إثبات تعقيد السفر بين الكواكب وصعوبة الهبوط عبر الغلاف الجوي الرقيق للمريخ.

وإذا نجحت في ذلك، فستصبح الصين ثاني دولة تهبط بنجاح على سطح المريخ. حيث فعلت الولايات المتحدة ذلك ثماني مرات، وكان أول مرة قبل 45 عاماً تقريباً، وما يزال المسبار والمركبة التابعان لناسا يعملان على السطح إلى الآن.

وتهدف "محطة الأرصاد الجوية السماوية" في المدار المريخي إلى بلوغ ارتفاع استثنائي يتراوح ما بين 13670 ميلاً إلى 2340 ميلاً (22000 كم إلى 44000 كم) لمراقبة مناخ المريخ وطبقات غلافه الجوي.

وينضم مسبار الأمل إلى ست مركبات فضائية تعمل بالفعل حول المريخ: ثلاث منها أمريكية واثنتان أوروبية وواحدة هندية.

ومن المتوقع أن يؤدي مسبار الأمل سلسلة معقدة وعالية المخاطر من المنعطفات وإطلاق المحرك للمناورة في المدار وتحقيق ما استعصى على الكثيرين من قبل.

دفعة هائلة لطموحات الإمارات الفضائية

وسيكون النجاح بمثابة دفعة هائلة لطموحات الإمارات الفضائية. وانطلق أول رائد فضاء في البلاد عام 2019 حيث استقل رحلة إلى محطة الفضاء الدولية مع الروس، وهذا بعد 58 عاماً من إطلاق الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة رواد فضاء.

وفي تطوير مسبار الأمل، اختارت الإمارات التعاون مع شركاء أكثر خبرة بدلاً من الذهاب بمفردها أو شراء مركبة فضائية في مكان آخر. وعمل مهندسوها وعلماؤها مع باحثين في جامعة كولورادو وجامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة ولاية أريزونا، وفق "روسيا اليوم".

ووقع تجميع المركبة الفضائية في بولدر بكولورادو، قبل إرسالها إلى اليابان لإطلاقها في تموز (يوليو) الماضي.

الكاتب الإماراتي علي عبيد الهاملي: لا مستحيل في قاموس الطموح، وأقصى نقطة في المجرة الكونية التي نعيش فيها، يمكن الوصول إليها إذا توفرت الإرادة والعزيمة

وتبلغ تكلفة بناء وإطلاق مسبار الأمل 200 مليون دولار، لا تشمل تكاليف التشغيل في كوكب المريخ. والبعثات الصينية والأمريكية أكثر تعقيدا بكثير، ومكلفة، حيث تبلغ قيمة مهمة مسبار "بيرسفيرانس" التابع لناسا 3 مليارات دولار.

ويشار إلى أنّ مسبار الأمل سيدور حول الكوكب الأحمر لمدة عام مريخي واحد على الأقل، أو 687 يوماً، باستخدام ثلاث أدوات علمية لمراقبة الغلاف الجوي للمريخ.

ومن المتوقع أن يبدأ بإرسال المعلومات إلى الأرض في أيلول (سبتمبر) 2021، مع البيانات المتاحة للعلماء حول العالم لدراستها.

وعلى عكس مشروعي المريخ الآخرين، Tianwen-1 الصيني وMars 2020 Perseverance الأمريكي، لن يهبط المسبار الإماراتي على الكوكب الأحمر.

وكان الملايين في دولة الإمارات والوطن العربي والعالم قد تابعوا بترقب اللحظة التاريخية لدخول مسبار الأمل مدار الالتقاط حول كوكب المريخ، من خلال تغطية حية ضخمة نقلتها محطات التلفزيون ومواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ضمن فعالية كبرى نُظمت بدبي في محيط برج خليفة، أطول بناء من صنع الإنسان في العالم، والذي اكتسى إلى جانب المعالم الرئيسية في الدولة والعالم العربي بلون الكوكب الأحمر.

واعتبر الكاتب الإماراتي، في جريدة "البيان" علي عبيد الهاملي، فكرة الوصول إلى الكوكب الأحمر بعد 50 عاماً من قيام الدولة فقط "رسالة إلى كل شعوب العالم، مفادها أنه لا مستحيل في قاموس الطموح، وأنّ أقصى نقطة في المجرة الكونية التي نعيش فيها، يمكن الوصول إليها إذا توفرت الإرادة والعزيمة والتصميم والثقة بالنفس".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية