مراجعة لكتاب حازم قنديل "الإخوان المسلمون من الداخل"

مراجعة لكتاب حازم قنديل "الإخوان المسلمون من الداخل"


19/02/2019

ترجمة: كريم محمد


مثّل الإخوان المسلمون حركة سياسية ذات تأثير واسع في الشرق الأوسط، سواء من خلال المؤسسات التابعة لها عن قرب، أو عن طريق تمثيلها لنموذج تنظيمي وأيديولوجي للإسلامويين.

اقرأ أيضاً: كيف استغل الإخوان المسلمون سلاح الإعلام لتمرير أفكارهم؟

رغم الأدبيات الجمة المكتوبة عن شتى نواحي جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنّ كتاب حازم قنديل "الإخوان المسلمون من الداخل" يساهم بصورة ملحوظة، كما يوحي عنوانه، في طريقة أفهامنا لنمط الالتزامات الأيديولوجية والديناميكيات التنظيمية للإخوان، من خلال فحص الكتاب لإرشادات الجماعة وعشرات السير الذاتية التي كتبها أعضاء الجماعة، وسنوات من الملاحظة والمشاركة في نشاطات الجماعة وشبكاتها الاجتماعية، إضافة إلى ذلك؛ فإنّ مؤلف الكتاب، خلافاً لباحثين آخرين، قد اكتسب نفاذاً استثنائياً إلى "الموطن الطبيعي" لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين خارج نطاق أنشطتهم السياسية (ص  ٢-٣).

غلاف الكتاب

سعى حازم قنديل، من هذا الموقع الامتيازي، إلى تقديم إجابات عن الأسئلة الآتية: "من هم الإخوان المسلمون؟ وأي ضرب من العلاقة التي يؤمنون بأنّها لديهم في علاقتهم مع الإلهي؟" (ص ٢)، وكي يقدم قنديل أجوبة على هذه الأسئلة، فإنّه ركز على ثلاثة جوانب مترابطة لسياسة جماعة الإخوان المسلمين، إنّ بحثه بمثابة دراسة معمقة لتربية الإخوان، ولتفاعلهم ولـ "ما يجري داخل رؤوسهم" (ص ٤).

في الفصل الأول يشرح قنديل سيرورات التجنيد الخاصة لدى الجماعة وفترة التأديب الطويلة التي تسبق الانتساب الرسمي للتنظيم

في الفصل الأول من الكتاب، الذي يحمل عنوان "تربية الأخ"، يشرح قنديل سيرورات التجنيد الخاصة لدى الجماعة وفترة التأديب الطويلة التي تسبق الانتساب الرسمي إلى التنظيم، وكما يؤكد قنديل في بداية الفصل؛ فـإنه "ليس بوسع المرء أن يختار الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين؛ فالمرء يجب أن يُختار" (ص ٥)، بالنسبة إلى قنديل، فإنّ عملية الامتحان الطويلة وسيرورة الغربلة، التي تلخص على أنّها "تربية"، ليست مجرد مسألة مذهبة وتشريب للعقيدة، بل تهدف إلى "إنتاج نوع جديد من الفرد؛ أي الأخ المسلم" (ص ٦)، ويشدّد قنديل على أنّ سيرورة التربية هذه كانت مركزية في تماسك وتعاضد جماعة الإخوان المسلمين؛ فقد ضمنت أنّ الإخوان في كلّ أعوامهم، لم يختبروا أيّة تجربة معارضة، ويصرّ قنديل على أنّ العنصر الأساسي في إنتاج مرونة الجماعة الاستثنائية يتمثل في "معاداتها للثقافة والفكر".

 

 

بادئ ذي بدء، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين قد أعطت الأولوية للوجدان والممارسة على البحث والفكر، فكما نصح حسن البنا إخوانه، فإنهم يجب عليهم "أن يكونوا عمليين لا جداليين" (ص ١٩)، بوجه آخر؛ آمنت القيادة الإخوانية بأنّ الحجج من شأنها أن تسمم الوفاق والسلام بين الإخوان (ص ١٩)، أما العنصر الثاني من ممارسة التربية عند الإخوان؛ فيتمثل في منع الخلاف الداخلي من خلال تقانيات "حقّ الشفعة" و"التضليل" و"الضغط التنظيمي" و"التهميش" (ص ٢٢-٢٨)؛ مما كبح أيّ نقاش فكري أو أيديولوجي حيوي، وحرم الإخوان من أيّ مثقفين عموميين (ص ٢٦)، لقد تم تعزيز هذه النزعة منذ بداية القرن الواحد والعشرين على يد الأعضاء الريفيين في كوادر الإخوان (ص ٣١- ٣٢)، ومشاركة التيارات الأصولية (السلفية)، أثناء السبعينيات (ص ٣٢-٣٣)، والنفوذ القوي لشرائح القطبيين الراديكاليين داخل التنظيم (ص ٣٣-٣٤).

جماعة الإخوان المسلمين أعطت الأولوية للوجدان والممارسة على البحث والفكر

لقد عبّدت هذه التطورات البنيوية الطريق إلى غلبة انتشار خلفية العلوم الطبيعية بين النخب الإخوانية وغياب "طلاب السياسة والسوسيولوجيا والتاريخ والفلسفة فيما بينهم" (ص ٣٤)، وعليه؛ لم يكن من المفاجئ أن نقرأ أنّ البنا قد وجّه الانتقاد للطلاب الذين لا يدرسون العلوم الطبيعية، وإنما يقضون أوقاتهم في "الفلسفات التجريدية والعلوم الواهمة غير النافعة" (ص ٣٨)، لكن بمجرد أن اعتلت جماعة الإخوان سدّة الحكم، كما يشدّد قنديل؛ فقد أسفر غياب علماء في العلوم الاجتماعية وخبراء في الاقتصاد والسياسة والإدارة في أوساط كوادر الجماعة إلى مشاكل عملية جمة في الحكم (ص ٤٦).

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون و"الجهاد العالمي".. بدايات الدم

ورغم ذلك؛ فقد أقنعت الجماعة أفرادها بأنّ الحركة "مقدّسة" (ص ٤٨)، إضافة إلى ذلك يبدو أنّ معظم أعضاء الجماعة بدؤوا يخلطون بين الجماعة والإسلام نفسه (ص ٤٨)؛ فكما علق إخواني على الخروج عن الجماعة، فإنّ المنشقين "يتخلون عن الإيمان وليس عن الأيديولوجيا؛ إنهم يهجرون الله، وليس حسن البنا" (ص ٥٠)، وعليه؛ فإنّ أعضاء الجماعة إنما يختبرون انتماءهم لا كمسألة تعهد سياسي وأيديولوجي، إنما كسبيل مكتمل للحياة والوجود الاجتماعي (ص ص ٧٠-٧١)، معتمدة على معاداتها للفكر وعن طريق تقديسها لقادتها وتعزيزها للأفهام التآمرية وسط أعضائها، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين قد عزلت، إضافة إلى ذلك، من التفاعل مع هؤلاء الذين هم خارج الجماعة، وعليه؛ فإنّ ترك التنظيم بعد زمن معين وسط الشبكات الاجتماعية الإخوانية إنما ينطوي على تكلفة باهظة: أي ترك كلّ روابط الفرد الاجتماعية المهمة وترك الوظائف (ص ٧٠-٧١)؛ إذ إنّ واحدة من نزعات جماعة الإخوان المسلمين هي توفير بيئة اجتماعية منعزلة، أكثرها بروزاً زواج الإخوان من صفوف جماعة الأخوات المسلمات (ص ٧٤).

 

 

بعد شرحه لسيرورات التجنيد ومدى الشبكات الاجتماعية للإخوان المسلمين، ينخرط قنديل في شرح ماهية وجوهر الأيديولوجية الإخوانية، أعني "الحتمية الدينية" (ص ٨٥)؛ فنظراً إلى الاعتقاد الراسخ لدى أفراد الجماعة بقدسية الحركة، وإلى جهود الحركة لتربية ذوات مسلمة جديدة وديناميكياتها التنظيمية المتطلعة إلى مصلحة الداخل، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين أنتجت مقاربة حتموية للسياسة، تنبع من إيمان بأنّه عندما تجتمع شروط تاريخية واجتماعية، وقبل ذلك ثيولوجية؛ أي عندما تربي الجماعة مسلمين حقيقيين بأعداد كافية، فإنّ انتصارها، دون تدخل سياسي، سيكون حتمياً لا مفرّ منه، ومن ثمّ؛ كما يوضح قنديل في مطلع الفصلين الرابع والخامس، فإنّ سيرورة التربية المعادية للثقافة، والمعادية للحجاج والانعزالية، وثقافة الجماعة التنظيمية، الحريصة على مصلحة الداخل، وعقليتها الواهنة إستراتيجياً؛ كلّ ذلك قد منع الجماعة من تأسيس تحالفات الفاعلين السياسيين العلمانيين في الثورة المصرية؛ فقد عانت من غياب الكوادر المختصة بين النخب، والنتيجة كانت أنّ هذه الحركة الهائلة، التي تأسست على مدى عقود، قد سقطت في ساحة رابعة العدوية في غضون أسابيع، في الوقت الذي كان أفرادها ما يزالون في انتظار التدخل الإلهي، وفق تصورهم، الذي قد يجلب النصر للجماعة ولمرسي.

واحدة من نزعات الجماعة هي توفير بيئة اجتماعية منعزلة، أكثرها بروزاً زواج الإخوان من صفوف جماعة الأخوات المسلمات

ورغم وضوح السردية في الفصل الخامس، المفيد جداً من الكتاب؛ حيث يقوم قنديل بتقييم عدد من الحركات الإسلاموية في الشرق الأوسط، إلا أنّ هناك خطأين طفيفين ارتكبا في الجزء المتعلق بتركيا، ويجب أن يتم تصحيحها في الطبعات المقبلة؛ يحاجج قنديل بأنّه "في ٢٠٠٢، أصبح حزب العدالة والتنمية الحزب السياسي الأول الذي يحكم دون تحالف منذ اعتناق الجمهورية التركية لسياسة التعددية الحزبية قبل ستة عقود" (ص ٨٤). في الواقع؛ فإنّه منذ انتهاج سياسات التعددية الحزبية، وتركيا قد شهدت فترات من حكم الأغلبية الواحدة، مثل فترات الحزب الديمقراطي؛ من ١٩٥٠ إلى ١٩٦٠، وحزب الوطن الأم من ١٩٨٣ إلى ١٩٩١، ثانياً؛ يشار في الكتاب عرض بخط مائل إلى أنّ المعادل التركي لمصطلح "العثمانية الجديدة" هو (Osmanlicaler) بيد أنه يعبر عنه في التركية بأنه (yeni Osmanlıcılık).

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون وحقوق الإنسان!

كان يمكن لقنديل أيضاً أن يلقي الضوء أكثر على طبيعة السلطوية المصرية شديدة التقييد التي كانت بمثابة منحة لتحولات الحركات الإسلاموية، وكان يمكنه أيضاً أن يقوم باشتباك في النقاشات التعريفية الأوسع، وفي المعرفة المقارنة المتعلقة بالإسلاموية (وربما ما بعد الإسلاموية)، ومع ذلك، كما أشار قنديل نفسه في المناقشة الموجزة للنظرية والمنهج، فإنّه معني في المقام الأول باستعراض كيف تقيد الأيديولوجيا الفاعلين السياسيين، ومن ثمّ؛ فهو يتبنّى مقاربة نظرية مرتكزة إلى الفاعلية ويسهم إسهاماً لا يقدر بثمن في فهمنا للعوائق المستندة إلى الفاعلية، في تحوّل وتبنّي ونجاح الفاعلين السياسيين الإسلامويين.


المصدر: Book Review: Inside the Brotherhood by Hazem Kandil


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية