مخاوف بوتين من انفراط عقد التحالف الثلاثي في سوريا

سوريا

مخاوف بوتين من انفراط عقد التحالف الثلاثي في سوريا


08/04/2018

على وقع "انتصارات" حققها التحالف الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران، في صفقة عفرين مقابل الغوطة، التي انتهت باحتلال تركيا لأراض سورية في عفرين، مقابل خروج الفصائل الإسلامية المسلحة من الغوطة؛ "فيلق الرحمن، وجبهة النصرة، وجيش الإسلام"، بما يجعل دمشق ومحيطها آمنة، عقدت القمة الثلاثية بين الرؤساء: بوتين وأردوغان وحسن روحاني في أنقرة.

وربّما كان، وفق البيان الختامي الصادر عن القمة، أنّ الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا، ورفض أيّ وجود أمريكي في سوريا، بحجة مكافحة الإرهاب، القاسم المشترك الوحيد بين أطراف القمة في ظلّ إستراتيجية الدول الثلاث في سوريا، وهو ما يعني مواجهة الطموح الكردي بالانفصال، حتى في إطار الفدرالية السورية، وأنّ الرؤساء الثلاثة لا يأخذون تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة، بنيّته الانسحاب من سوريا وقيام آخرين بالمهمة، على محمل الجدّ، وأنّها مجرد "مناورة خاطئة" اقترفها الرئيس ترامب، خاصة أنّ قرارات مجلس الأمن القومي الأمريكي أكدت مجدداً استمرار تواجد القوات الأمريكية في سوريا، في ظلّ تقدير موقف أمريكي بأنّ أيّ انسحاب من سوريا في هذه المرحلة سيصبّ في مصلحة هذا التحالف.

الخلافات عميقة بين أطراف هذا التحالف، في مقدمتها نتائج وآفاق صفقة عفرين مقابل الغوطة

ورغم صور التوافق والانسجام التي حاولت تفاصيل اللقاءات خلال القمة وبيانها الختامي رسمها، إلّا أنّ ذلك كان في إطار "تنحية" الخلافات العميقة بين الأطراف الثلاثة في سوريا مؤقتاً، وإنتاج قواسم مشتركة بالحدّ الأدنى، وهو ما يؤكد الحقيقة القائلة إنّ أيّ إنجاز عسكري في سوريا لصالح الأطراف الثلاثة، سيظهِر بصورة أكثر وضوحاً حجم التباين والخلافات بين هذا التحالف الثلاثي، ارتباطاً باختلاف المشروعات والرؤى المستقبلية وتضارب المصالح بين روسيا وتركيا وإيران في سوريا، ما يقلّل شأن التحليلات التي ترى في هذا التحالف ندّاً للناتو.

الخلافات عميقة بين أطراف هذا التحالف، في مقدمتها نتائج وآفاق صفقة عفرين مقابل الغوطة؛ إذ ترى إيران أنّ على تركيا الانسحاب من عفرين وتسليمها للنظام السوري، فيما تؤكّد تركيا أنّها ستتوسع في السيطرة على مناطق شمال سوريا "الكردية"، لإنشاء مناطق عازلة، وهو ما ترفضه إيران، وربّما تتحفظ عليه بصورة أقل روسيا، ويبدو أنّ لدى تركيا الاستعداد للتمسك بإستراتيجيتها الهادفة للحيلولة دون قيام كيان كردي، وأنّها على استعداد للصدام مع أمريكا، لتحقيق هذا الهدف، وهو ما يعني استعدادها للإطاحة بتحالفها مع روسيا وإيران.

تركيا مستميتة للحيلولة دون قيام كيان كردي وعلى استعداد للصدام مع أمريكا ما يعني الإطاحة بتحالفها مع روسيا وإيران

ومن بين الخلافات أيضاً؛ عدم التوافق على تحديد مفهوم الإرهاب والفصائل الإرهابية؛ فالفصائل الإسلامية المسلحة، بما فيها جبهة النصرة، "ليست إرهابية" من وجهة نظر تركيا، فيما هي كذلك من وجهة نظر إيران وروسيا، ويقتصر مفهوم الإرهاب، بالنسبة إلى تركيا، على الفصائل الكردية المقاتلة، ومن المؤكد أنّ التناقض في مفهوم الإرهاب سيظهر مزيداً من الخلافات بين هذا التحالف، عند معالجة تواجد الفصائل المسلحة في إدلب، دون استبعاد الإطاحة بهذه الفصائل من قبل تركيا، في حال وجود ضمانات أمريكية وروسية، بـ "فرملة" التهديد الكردي.

مناطق خفض التوتر التي تمت الإشارة إليها باعتبارها إنجازاً للتحالف الثلاثي، تمّ تحقيقه عبر مسار أستانا، هناك اعتراضات تركية على اختراقه من قبل طيران الجيش السوري وروسيا في إدلب، بقصف حلفاء تركيا من الفصائل الإسلامية، ومن المؤكد أنّه تم التوافق خلال القمة على مناطق تقاسم النفوذ بين هذا التحالف، وستظهر نتائجه خلال العمليات العسكرية لكلّ طرف في الأيام المقبلة، من حيث أماكن الانتشار وأهداف العمليات العسكرية، خاصّة أنّ إشارة الرئيس بوتين حول استمرار قدرات داعش على تنفيذ عمليات كبرى، يؤسّس مساحة مناورة واسعة للتحرك العسكري الروسي، وهو ما تشترك فيه مع إيران وأمريكا، باعتباره مبرراً لاستمرار العمليات العسكرية في سوريا، خاصة بعد تنفيذ داعش عمليات نوعية؛ في دير الزور والبوكمال، بالتزامن مع تصريحات الرئيس الأمريكي حول الانسحاب من سوريا.

الفصائل المسلحة بما فيها جبهة النصرة ليست إرهابية من وجهة نظر تركيا لكنها كذلك من وجهة نظر إيران وروسيا

ورغم الاعتراف من قبل هذا التحالف، بأنّ الحل لن يكون عسكرياً في سوريا، ولا بدّ من استمرار المسار السياسي وفق قرارات مجلس الأمن، وتمكين الشعب السوري من اتخاذ قراراته حول مستقبل دولته، إلّا أنّ الواضح وجود تباين في الموقف من استمرارية الأسد في الحكم، ففي الوقت الذي تصرّ فيه إيران على استمرار بشار الأسد، تطرح روسيا دستوراً جديداً للدولة السورية، تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الوزراء، فيما يتّسم الموقف التركي بالغموض والتناقض تجاه مسألة بقاء الأسد، ويبدو أنّه سيخضع بالنهاية لاعتبارات المصالح التركية، المرتبطة أساساً بـ "وأد" الطموح الكردي بالاستقلال، علماً أنّ الأطراف الثلاثة ليست وحدها من سيقرر هذه المسألة، وهو ما سيفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة مستقبلاً، ربما يكون قاسمها المشترك، باستثناء إيران، مواصلة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وهو ما يعني تحوّل مسألة بقاء الأسد من عدمه مسألة هامشية.

وفي الخلاصة؛ شكّلت القمة الثلاثية محطة من محطات الصراع في سوريا وعليها، وربما كان النجاح فيها يقتصر على قدرة الرئيس الروسي الذي تمكّن من إيجاد قواسم مشتركة بين تركيا وإيران، عنوانها التعامل مع الإستراتيجية الأمريكية الغامضة في سوريا، في ظلّ إدراكه أنّ الطريق ما يزال طويلاً لإنجاز تسوية دائمة في سوريا، وأنّ إمكانية "انفراط" عقد هذا التحالف واردة وبقوة، بعد كلّ نجاح عسكري، في ظلّ تطلعات تركية وإيرانية منفصلة، لمساومة أمريكا على الورقة السورية، وهو ما يجعل الرئيس التركي موضع شكوك من قبل روسيا، رغم توسّع العلاقات الاقتصادية والعسكرية معه، بما فيها صفقة صواريخ (إس 400) والمفاعلات النووية.

*كاتب أردني وخبير بالأمن الإستراتيجي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية