مخاوف اصطفاف تونس خلف الأجندة التركية تتفاقم

مخاوف اصطفاف تونس خلف الأجندة التركية تتفاقم


11/05/2020

رغم محاولات الرئيس التونسي قيس سعيّد اتخاذ موقف محايد من طرفي الصراع في ليبيا والتأكيد في كل مناسبة على أنه يتخذ نفس المسافة من الطرفين، تشوّش اندفاعة رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي باتجاه حكومة الوفاق وتنسيق المواقف معها على تحركات سعيّد التي يسابق الزمن للمسك بزمام أمور الملف الليبي المعقد الذي احتكرته حركة النهضة من ثورة يناير2011.

ودفعت اتصالات الغنوشي بكل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري عديد الأحزاب التونسية إلى التحذير من توريط البلاد في العدوان على ليبيا، خاصة وأن تحركاته تزامنت مع اشتداد المعارك بين طرفي النزاع، ما يزج بالبلاد في الاصطفاف وراء الأجندة الإقليمية التركية-القطرية.

وحذّرت قوى سياسية تونسية من نوايا أنقرة استغلال تونس لأغراض عسكرية وعبّرت عن رفضها بشدة لأيّ نشاط تركي على الأراضي التونسية، فيما تشير مصادر دبلوماسية أن أنقرة تسعى إلى توفير طريق إمداد لميليشيات طرابلس انطلاقا من تونس بعد أن أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة إيريني لمراقبة تدفق الأسلحة إلى ليبيا.

وأصدر كل من التيّار الشعبي وحزب العمال والحزب الاشتراكي وحركة البعث وحركة تونس إلى الأمام وحزب القطب، بياناً مشتركاً، عبرت من خلاله هذه الأحزاب عن رفضها المطلق لأيّ نشاط تركي على الأراضي التونسية لدعم “الميليشيات والإرهابيين” وتصدير المرتزقة إلى ليبيا.

وحذرت وفق نصّ البيان، من مغبة استمرار مسار الغموض الذي تنتهجه السلطات التونسية في كل ما يتعلق بالأنشطة التركية في المنطقة، مطالبين “بموقف واضح في رفض التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة”.

وأدانت الأحزاب “كل محاولة للزج بتونس في لعبة المحاور الإقليمية مهما كانت على حساب أمنها القومي وعلى حساب أمن واستقرار الشعب الليبي ودماء أبنائه وطالبت رئيس الجمهورية بموقف واضح من محاولات تركيا التواجد العسكري سواء بشكل غير مباشر من خلال جلب المرتزقة من سوريا أو بشكل مباشر لما يشكله هذا الأمر من خطورة كبيرة على الأمن والسلم الإقليميين”.

وساهم تستر الرئاسة التونسية على حدود التنسيق الإقليمي مع تركيا في تعميق الغموض من التطورات الإقليمية خاصة بعد نزول طائرة تركية محمّلة بمساعدات طبية إلى ليبيا في مطار جربة جرجيس التونسي، ما أعطى الانطباع بأن شيئا ما يحاك في الكواليس.

وجاء في بيان للرئاسة التونسية أن المساعدات الطبية “موجهة إلى الأشقاء في ليبيا شرط أن يتم تسليم ما بها من مساعدات موجهة إلى ليبيا إلى السلطات التونسية (أمن و ديوانة) وشرط أن تتولى السلطات التونسية وحدها دون غيرها إيصالها إلى معبر راس جدير ليتسلمها الجانب الليبي”.

وعلّق الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق، الأحد، على الحادثة بالقول “في ملف نقل الشحنة الطبية إلى حكومة الوفاق كان على رئيس الجمهورية أن يطلب من الصليب الأحمر الدولي إدخال تلك المساعدات الطبية حتى يخرج من المأزق الذي وضعه الأتراك له”. وأضاف مرزوق “الدبلوماسية التونسية مصابة بكورونا ومنحازة بسذاجة إلى تركيا”.

وتصر تركيا على ألا تترك مناسبة أو فرصة تمر دون استغلالها ميدانيا لجهة تعزيز نفوذها في المنطقة، بما يدعم حلفاءها الإسلاميين في ليبيا، خاصة في هذه الفترة التي تسارعت فيها التطورات العسكرية في المنطقة الغربية بعد فشل الهجمات المتكررة لميليشيات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج على قاعدة الوطية العسكرية.

وتعرف تونس منذ بناء دولة الاستقلال بتوازن المواقف الدبلوماسية وعدم الانجرار لسياسة المحاور والاصطفاف، لكن منذ وصول الإسلاميين إلى الحكم ممثلين في حركة النهضة، تسود مخاوف من انزلاق تونس إلى سياسة المحاور مع دفع تركي قطري لإقحام البلاد في هذا الخندق ضمن أجندة التوسع والنفوذ الإقليمي وإسناد المشروع الإخواني في المنطقة.

ولا يخفي رئيس حركة النهضة دعمه لميليشيات حكومة الوفاق فضلا عن علاقاته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فكثيرا ما تأتي مواقف الحركة الإسلامية من الصراع الليبي متطابقة مع الأجندات التركية القطرية في المنطقة.

وحذّر النائب عن حركة تحيا تونس مبروك كورشيد السبت، من أنّ الرئيس التركي يريد أن يجعل من تونس حديقة خلفية لقواته وجسرًا للإرهابيين والميليشيات للدخول إلى ليبيا والسيطرة عليها سعيًا إلى بسط نفوذه على شمال أفريقيا.

واعتبر البرلماني التونسي أنّ الدبلوماسية التونسية ارتكبت عدة أخطاء بحق الأشقاء الليبيين، مشيرًا إلى “أنّها حدّ هذه اللحظة لا تتصرف برؤية استراتيجية وليست لديها خطة عمل في الملف الليبي”.

ولفت إلى أنّ “السلطات التونسية تتعامل مع القضية الليبية على أساس أن هذه الحرب تقع في بلد آخر وليست في الجارة ليبيا”، واصفا الخيارات التي تتخذها الدبلوماسية التونسية في التعاطي مع موضوع ليبيا بأنّها “خرقاء”. وسبق أن مورست ضغوطات على وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، بعد تصريحات قال فيها إن بلاده اضطرت إلى التنسيق مع ميليشيات مسلحة على حدودها الجنوبية، وهي ضغوط من الداخل ومن الخارج حتى بدا وكأن الدبلوماسية التونسية بات موقفها من الملف الليبي يصاغ في الدوحة أو أنقرة، ولا يعترف به قبل أن يصادق عليه رئيس حركة النهضة رغم أن حقيبة الخارجية والدفاع ومتابعتهما من صلاحيات الرئيس.

ويرى متابعون أن مصلحة تونس تقتضي الدفع نحو حل سياسي حقيقي يجمع بين الفرقاء المتنازعين وينهي أساسا الميليشيات كحالة سياسية وأمنية دائمة في طرابلس، فضلا عن بناء نظام يحوز على اعتراف إقليمي ودولي.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية