محمد مصدق.. قصة الزعيم الإيراني الديمقراطي الذي أطاح به الغرب

محمد مصدق.. قصة الزعيم الإيراني الديمقراطي الذي أطاح به الغرب


12/03/2018

في العاصمة المصرية، القاهرة، تحديداً في منطقة الدقي، يوجد شارع مشهور للغاية، لا يعرف أغلب من يسيرون فيه سبب تسميته، إنّه شارع محمد مصدق، ربما ظنّ بعضهم أنّ هذا هو اسم أول ساكن للشارع المديد، أو أنّه اسم أحد وزراء حكومات ما قبل ثورة يوليو 1952 في مصر، لكنّ الحقيقة أنّ محمد مصدق هو اسم الزعيم القومي الإيراني الشهير، الذي تآمرت عليه المخابرات الأمريكية والبريطانية، وتم إعدامه في منتصف القرن الماضي، وخلّدت القاهرة اسمه بعد تلك الحادثة، وأطلقته على واحد من أهم شوارعها.

قصة انقلاب على إرادة الشعب

سليل الأسرة الأرستقراطية، وأحد أبناء النخبة الحاكمة، لكن تاريخه سيكتب قطيعة كبرى وثورة مشتعلة ضدّ هذه السلالة من محتكري الحكم، فسرعان ما سيظهر صاحب الأيدي الناعمة، الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة لوسان في سويسرا، ليشكّل أخطر تهديد لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على مصالحهما في الشرق الأوسط بميوله اليسارية.

بعد وصوله إلى رئاسة وزراء إيران، عام 1951، عبر اختيار برلماني ديمقراطي، أعقب حركات احتجاجية واسعة في إيران، تسلم مصدق دولة كانت متعرضة لفترة طويلة لغزو مصالح مزدوج من روسيا وبريطانيا؛ حيث سيطرت القوتان على المقدرات الاقتصادية لإيران، وتحكمت في مجريات السياسة في البلاد، وكان مصدق معارضاً بشدة للسيطرة الأجنبية على مجريات الأمور في بلاده، وتحديداً فيما يتعلق بمسألة النفط.

كان مصدق معارضاً بشدة للسيطرة الأجنبية على مجريات الأمور في بلاده، وتحديداً فيما يتعلق بمسألة النفط

بادر مصدق، في خطوة ثورية، إلى تأميم شركات إنتاج النفط الإيرانية؛ حيث كانت تخضع للسيطرة البريطانية عبر الشركة البريطانية - الفارسية للنفط، التي لم تكن تعطي سوى قدر قليل للغاية من الأرباح للشعب الإيراني، وبذلك عدّت بريطانيا، ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية، مصدق الخطر الأكبر عليها في الخليج العربي؛ بريطانيا بسبب النفط، والولايات المتحدة بسبب أنّ مصدق بدا وجهاً شيوعياً في المنطقة، وهو ما قاله دونالد ويلبر، أحد الأعضاء الذين خططوا للانقلاب على مصدق، في وثيقة كتبت بعد الانقلاب بشهور: "كانت هناك تقديرات بأنّ إيران كانت تواجه خطر السقوط الحقيقي خلف الستار الحديدي، وإذا ما وقع هذا، فإنّ ذلك معناه نصر جديد للسوفيت في الحرب الباردة، وانتكاسة كبرى للغرب في الشرق الأوسط".

خاصمت بريطانيا مصدق في المحاكم الدولية، بعد قراره تأميم نفط بلاده، واتهمته بانتهاك حقوقها النفطية، كما عززت تواجدها العكسري في مياه الخليج العربي، الذي كان حكامه على علاقة وثيقة بالتّاج البريطاني، فلم يزد ذلك مصدق إلّا إصراراً على استكمال خطته الإصلاحية بتأميم الأراضي الزراعية للإقطاعيين، والقيام بعمليات تطهير للمؤسسة القمعية في بلاده، ووضعه المؤسسات المدنية التابعة للشاه تحت الرقابة القانونية.

استخدام الأصوليين

في القرن الجديد، وبعد مرور عشرات الأعوام، أفرجت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) عن وثائق لها، كانت كاعتراف رسمي بدورها في الانقلاب على الزعيم الإيراني محمد مصدق، عام 1953، كما اعترف الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في خطبته للعالم الإسلامي من "الأزهر الشريف" في القاهرة، بدور بلاده في انتهاك الديمقراطية بإيران منتصف القرن الماضي، ومن ثم أصبح الحديث عن تنسيق الولايات المتحدة مع جهاز المخابرات البريطانية للانقلاب على الديمقراطية في إيران حقيقة مؤكدة، وليس مجرد تخمينات تدعمها كل الأدلة والسياقات.

خاصمت بريطانيا مصدق في المحاكم الدولية، بعد قراره تأميم نفط بلاده، واتهمته بانتهاك حقوقها النفطية

هرب الشاه الإيراني إلى العراق، ليتبيّن أنّ الخطة قد اقتربت من الدخول حيّز التنفيذ، فالخطة رصدت لها المخابرات البريطانية والأمريكية مليون دولار أمريكي، ووصل كيرميت روزفلت، عميل المخابرات الأمريكية إلى طهران في منتصف 1953، ليستكمل الخطة بدقة.

اضطرابات في كلّ مكان، واحتجاجات مصطنعة، وحملة إعلامية شرسة ضدّ مصدق منظمة بدقة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ومسيرات تخرج بشعارات تحقيرية وساخرة من الرجل، واغتيال لأنصاره في طهران، كانت تلك هي ملامح الخطة التي تكررت كثيراً، وبأشكال مشابهة في أكثر من مكان بالعالم في هذا العقد، وكانت لحظة النهاية في الخطة، هي القبض على مصدق، وأفراد حكومته والحكم عليه بالإعدام، وهو ما خفف بعد ذلك إلى تحديد الإقامة الجبرية الانفرادية.

على جانب آخر، كان رجال دين إسلاميين أصوليين تقليديين، قد أفتوا قبل الانقلاب بشهور بأنّ الزعيم مصدق هو عدو للدين الإسلامي؛ لأنّه تحالف مع اليسار، وطبق برنامجاً أقرب إلى الشيوعية، وقد ذكرت، فيما بعد، تحقيقات صحافية أجنبية أنّ من العناصر الأساسية التي شاركت في إشاعة الفوضى في البلاد، أثناء تنفيذ خطة الانقلاب، كانت "عصابات إسلامية" استخدمتها المخابرات الأمريكية. كما أشارت، فيما بعد، الوثائق المسربة الأمريكية إلى علاقة وطيدة ربطت الـ "سي أي إيه" بالمرجع الشيعي آية الله أبو القاسم كاشاني، الذي برز اسمه في الوثائق، مطالباً المخابرات الأمريكية بدعم مالي في الفترة الموازية للانقلاب.

كان رجال دين إسلاميين أصوليين تقليديين، قد أفتوا قبل الانقلاب بشهور بأنّ الزعيم مصدق هو عدو للدين الإسلامي

الدرس المنسي.. عودة الخميني

ربما كان قدوم الخميني بتأييد من غالبية الشعب الإيراني، بعد قرابة ثلاثة عقود من الزمن من الانقلاب على محمد مصدق، هو أحد أهم الدروس المنسية من التجربة الإيرانية، فالانقلاب على الديمقراطية في إيران، وعلى الإصلاحات التي طبقها مصدق، نجح بالفعل في إطاحة الرجل وتأسيس دولة الشاه القمعية الجديدة، لكنّه لم يؤدِّ، في النهاية وعلى المدى الطويل، إلّا إلى تجييش الغضب في النفوس، ذلك الغضب الذي انفجر على هيئة أصولية إسلامية حديدية، ودولة تحكمها العمائم، بدلاً من دولة ديمقراطية مستقلة في خمسينيات القرن الماضي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية