ما هي أهداف تركيا من التمدد السياسي في بنغلاديش؟

ما هي أهداف تركيا من التمدد السياسي في بنغلاديش؟


21/01/2021

على إثر الضغط السياسي الذي تعرّضت له تركيا، في أعقاب مناوراتها السياسية في شرق المتوسط، ومع الهدوء النسبي للأوضاع في منطقة القوقاز، تحاول أنقرة توظيف خطابها الإسلاموي من أجل البحث عن مناطق جديدة للتمدد السياسي، على أطراف مناطق الصراع في شبه القارة الهندية، ومن ثمّ، كانت بنغلاديش هي الهدف الجديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوضع قدم في جنوب آسيا.

تعتبر بنغلاديش الثامنة عالمياً من حيث تعداد السكان سوقاً واعدة للمنتجات التركية

تعتبر بنغلاديش، التي تأتي في المركز الثامن عالمياً من حيث تعداد السكان، بنحو 164.7 مليون نسمة، سوقاً تجارياً واعداً للمنتجات التركية، ما يُمكّن أنقرة من تعويض خسائرها الناجمة عن انخفاض وارداتها إلى الهند، عقب قرار نيودلهي بتقليل حجم التبادل التجاري معها، إثر الخلاف السياسي الحاد بين الطرفين، والذي تسببت فيه مواقف أنقرة الأخيرة تجاه الأزمة في كشمير، ما يصنع في الوقت نفسه، ما يمكن اعتباره ردّاً إجرائياً تركيّاً على السياسات الهندية، بوضع قدم عند الحدود الشرقية لها.

منطلقات النفوذ التركي في بنغلاديش

من هنا، يمكن وضع مقاربة سياسية لإدراك حجم الدور التركي في بنغلاديش، ومغزى الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إلى دكا، وقيامه بافتتاح مجمع السفارة التركية الجديد في العاصمة البنغالية، وتصريحاته التي قال فيها: إنّ "بنغلاديش هي أحد الشركاء الرئيسيين لتركيا في مبادرة آسيا الجديدة".

بنغلاديش هي الهدف الجديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوضع قدم في جنوب آسيا

كما أعرب أوغلو في أعقاب لقائه مع نظيره البنغالي، أبو الكلام عبد المؤمن، ورئيسة الوزراء الشيخة حسينة، عن اهتمام أنقرة بإقامة علاقات قوية مع بنغلاديش، مؤكداً أنّ بلاده ستفعل كلّ ما هو مطلوب لتعزيز التجارة والعلاقات الثنائية مع دكا، مع استكشاف إمكانات الاستثمار في شتى القطاعات، وقد أشاد أوغلو بازدياد حجم التجارة بين البلدين، مؤكداً عزم أنقرة الوصول بهذا التبادل إلى نحو 2 مليار دولار في أقرب وقت ممكن.

اقرأ أيضاً: هل تصلح سياسة العقوبات سلوك أردوغان؟

من جهتها، نبّهت صحيفة "أوراسيان تايمز" الهندية إلى أنّ تدنّي مستوى العلاقات بين الهند وتركيا حوّل أنظار أنقرة تجاه دكا، باعتبارها الجار الشرقي للهند، في محاولة للتمدد جنوبي شبه القارة الهندية، وبحث سبل النفوذ العسكري في المنطقة، وهو ما تسعى إليه تركيا منذ العام 2013.

أكّد أوغلو عقب لقائه نظيره البنغالي أنّ بلاده ستفعل كلّ ما هو مطلوب لتعزيز التجارة  والعلاقات الثنائية

جدير بالذكر أنّ بنغلاديش تسلّمت في العام 2013 المدرّعة التركية الخفيفة، أوتوكار كوبرا، قبل أن تتقدّم في العام 2017 بطلب للحصول على 680 مركبة مدرّعة تركية خفيفة، في صفقة بلغت قيمتها نحو مليار دولار، كما صدّقت شركة روكيستان التركية في العام 2019 على صفقة تضمنت شراء دكا لمجموعة متنوعة من قاذفات صواريخ تركية متوسطة المدى، وأشار مراقبون إلى أنّ أنقرة تسعى مستقبلاً لتأسيس قاعدة عسكرية في بنغلاديش، لتأمين ما يُعرف بالحزام الآسيوي.

البحث الدائم عن مناطق الفراغ السياسي

يقول وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، اللواء محمد رشاد، إنّ "تركيا تسعى نحو التمدّد الإقليمي على أقصى اتساع ممكن، من أجل البحث عن دور يحقق لها نوعاً من الثقل الدولي، تستطيع من خلاله فرض نفسها على الاتحاد الأوروبي، بزعم أنّها باتت دولة قارّية، ذات ثقل سياسي، ما يكفل، في ظنها، قيام الاتحاد الأوروبي بالسعي نحوها، وهو أمر تسعى إليه من خلال تدعيم دورها على الصعيد العالمي".

وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، اللواء محمد رشاد

ولفت اللواء رشاد، في تصريحاته لـ"حفريات"، إلى أنّ "الرئيس التركي يستهدف أيّ فراغ سياسي موجود في أيّ مكان، لوضع قدم من أجل إثبات وجهة نظره، ويستخدم الشعارات الإسلاموية لحزب العدالة والتنمية من أجل تبرير التمدّد التركي في مواطن الفراغ السياسي في العالم الإسلامي، مثلما فعل في سوريا وليبيا، والسودان في عهد عمر البشير، ومؤخراً في القوقاز، ويحدث الآن في بنغلاديش".

اقرأ أيضاً: قرارات جديدة لأردوغان لقمع الحريات.. ما هي؟

ويتابع: البحث عن أيّ دور إقليمي لتعزيز فرص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبالطبع يمثل الوجود التركي في بنغلاديش تهديداً للهند، في ظلّ الوضع العدائي بين البلدين، ما يمنح أنقرة ميزة أخرى، يدعمها وجودها المتزايد في باكستان أيضاً.

 وتعتمد تركيا في سياستها الرامية إلى تكريس وجودها في بنغلاديش على قاعدتين رئيسيتين: الأولى هي المساعدات وأعمال الإغاثة التي تضطلع بها منظمة تيكا التركية، ذات الأدوار المشبوهة، والثانية من خلال الجماعة الإسلامية، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في بنغلاديش، والتي أدّت دوراً وظيفياً، ربما انتهت أهميته بالنسبة إلى السياسة التركية.

وكيل المخابرات المصرية السابق: الرئيس التركي يستهدف أيّ فراغ سياسي موجود في أيّ مكان

بالتزامن مع تواصل أعمال البناء في مجمع السفارة التركية الجديد في دكا، متعدد الأنشطة، قدّمت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) مساعدات طبية وغذائية لسكان المناطق الفقيرة في بنغلاديش، كما لفت الرئيس التركي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى أنّ تركيا وقفت بجانب بنغلاديش في مكافحة وباء كورونا، وأرسلت مستلزمات طبية، خففت بحسب مزاعمه من أعباء الشعب البنغالي، وكانت منظمة تيكا قد قدّمت في العام الفائت مساعدات لمسلمي أراكان بمنطقة كوكس بازار، في بنغلاديش، لمواجهة فيروس كورونا، وتضمّنت دفعة المساعدات، بحسب المنظمة، "نحو 5 آلاف عبوة تحتوي على منظفات، ومعقمات، وكمامات طبية، وألبسة، وغيرها من مواد التنظيف".

اقرأ أيضاً: هل يُسقط أتراك الشتات أردوغان؟

وكالمعتاد، صاحب الأنشطة الإنسانية للوكالة التركية دعاية سياسية هائلة، وظهور مسؤولين أتراك أثناء توزيع المساعدات، مثلما حدث في العام 2017، عندما دشنت أنقرة دعاية سياسية كبيرة أثناء تقديم مساعدات لمسلمي أراكان في ميانمار، عبر القوارب والمروحيات، ما صنع غطاءً سياسياً تمكنت من خلاله أنقرة من تمرير أجندتها السياسية، ووضع قدم راسخة على الحدود الشرقية للهند.

الجماعة الإسلامية في بنغلاديش وتناقضات السياسة التركية

على الجانب الآخر، وعلى الرغم من تغير السياسة التركية تجاه الحكومة البنغالية، فإنّ أنقرة ترتبط بعلاقات وثيقة مع الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، باعتبارها أبرز الأذرع الإخوانية في آسيا، ما مهّد الطريق أمام تحقيق شعبية كبيرة للرئيس التركي بين الأوساط الراديكالية المنتمية للجماعة، التي تعاني ضغطاً سياسياً حاداً، في أعقاب إدانة محكمة مجرمي الحرب البنغالية لعدد من قياداتها، على إثر ثبوت تورّطهم في القيام بجرائم ضد الإنسانية، إبّان حرب الاستقلال في العالم 1971، وضلوع عدد من أمراء التنظيم في التورّط في أعمال عنف، ارتبطت بميليشيا البدر المتواطئة مع النظام الباكستاني آنذاك.

يُذكر أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجّه في أيّار (مايو) العام 2016 انتقادات حادة لما وصفه بالصمت الأوروبي، عقب إعدام مطيع الرحمن نظامي، أحد أبرز زعماء الجماعة، واصفاً إياه بالشهيد، وقامت تركيا بسحب سفيرها في دكا احتجاجاً على إعدام نظامي، رغم ثبوت تورّطه فيما يُعرف بمذبحة المثقفين، التي شهدتها بنغلاديش في العام 1971.

تركيا التي حققت غرضها من التنظيم الإخواني في بنغلاديش قرّرت أن تيمم وجهها شطر الحكومة

وما يكشف عن انتهازية السياسة التركية هو التحوّل الذي جرى في موقفها تجاه إعدام قادة الجماعة في بنغلاديش، فبالتزامن مع افتتاح مبنى السفارة التركية الجديد في دكا، وإشادة وزير الخارجية التركي، تشاوش أوغلو بالحكومة البنغالية، ومن قبله الرئيس التركي، ينتظر اثنان من قيادات الجماعة تنفيذ حكم الإعدام فيهما في السجون البنغالية، وهما دلوار حسين سعيدي، وأزهر الإسلام، وعلى ما يبدو فإنّ تركيا التي حققت غرضها من التنظيم الإخواني، قرّرت أن تيمم وجهها شطر الحكومة، من أجل تعويض خسائرها الاقتصادية، الناتجة عن مغامرات أردوغان المتعددة، ورفع ميزان التبادل التجاري والعسكري، وهو أمر ليس بمستغرب على السياسات التركية مؤخراً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية