ما دور تركيا وقطر في إفشال لقاء مقديشو وصومالي لاند؟

ما دور تركيا وقطر في إفشال لقاء مقديشو وصومالي لاند؟


17/06/2020

رغم ترحيب سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مقديشو بافتتاح محادثات بين الحكومة الصومالية وإدارة أرض الصومال، الأحد، في جمهورية جيبوتي.، إلا أنّ اللقاء أخفق في التوصل إلى نتائج جدية.

يتعنت الرئيس الصومالي ضد تحقيق التنمية الاقتصادية في صومالي لاند، بهدف الإبقاء على الفقر فيها، لاستثمار ذلك في مهاجمة حكومتها

وكانت السفارة أشادت، في منشور عبر صفحتها في فيسبوك، بقيادة كل من الرئيس محمد عبد الله فرماجو والرئيس موسى بيحي عبدي، وقدمت أيضاً شكرها إلى الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي لاستضافة اللقاء التاريخي.
وأوضحت السفارة الأمريكية أنها تؤيد التعاون "لما فيه خير الشعب الصومالي وحثت جميع الصوماليين على المشاركة في العملية".
ولم يعقد المراقبون للشأن الصومالي آمالاً كبيرةً على الاجتماع، الذي سبقه لقاء غير رسمي رئيسي البلدين في شباط (فبراير) في أديس أبابا؛ وذلك لأنّ التباين في الرؤى كبيرٌ جداً بين الطرفين، فحكومة وشعب صومالي لاند يفضلون الاستقلال، بما حققه لهم من مكاسب أمنية وسياسية كبيرة، ويسعون إلى الحصول على موافقة مقديشو على ذلك، تمهيداً للحصول على الاعتراف الدولي، بينما ترفض مقديشو ذلك بشدةٍ، في إطار سياسة فرماجو الرامية إلى القبض على مجمل البلاد، لتسخيرها في فلك المحور القطري- التركي، وهو ما تكشّف في رفضه القاطع لاتفاقية تطوير ميناء بربرة بين حكومة صومالي لاند وشركة موانئ دبي العالمية، على الرغم من النجاح الكبير للشراكة بينهما، وآثارها الإيجابية على شعب صومالي لاند.

 

 

ورغم الإخفاق الذي مني به اللقاء، إلا أنه تم إصدار بيان ختامي، جاء فيه، حسبما أفادت الأنباء، بأنّ الطرفين اتفقا على:

–تشكيل لجنة فنية متكوّنة من الجانبين لمواصلة المحادثات والمفاوضات بين الطرفين.

–عدم تسييس المساعدات التنموية والاستثمارية.

–إبقاء مصالح الشعب الصومالي – سواء كان في صومالي لاند أو في الصومال - محور عملية التفاوض بين الطرفين.

–اختيار دولة جيبوتي مقرّاً للمفاوضات القادمة بين الطرفين.

–دعوة جميع المؤسسات الإقليمية والدّولية إلى تقديم الدعم اللازم لإنجاح عملية المفاوضات بين الطرفين.

يمثّل موقع الصومال كبوابة لخليج عدن والبحر الأحمر مكانةً مهمةً في المشروع التركي للهيمنة على الدول العربية

وكان اللقاء انعقد بحضور رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، لمناقشة القضايا العالقة بين الطرفين، وعلى رأسها قضية وضع صومالي لاند، التي يسعى فرماجو إلى ضمها إلى دولة الصومال الاتحادية، بينما يتمسك رئيس صومالي لاند وشعبها بالاستقلال، ويطالبون باعتراف الصومال بهم كدولة مستقلة، في خطوة تهدف إلى الحصول على اعتراف المجتمع الدولي.
صومالي لاند التي أعلنت الاستقلال من جانب واحد سنة 1991، عقب انهيار الحكومة المركزية بقيادة سياد بري، نجت من الفوضى التي ضربت الصومال حتى الآن، ونجحت في نشر الأمن والاستقرار، وتأسيس نظام حكم ديمقراطي، غير أنّ تعنت حكومات دولة الصومال في الاعتراف بالجمهورية يزيد من مأساة شعبها.
مع تولي الرئيس فرماجو السلطة في 2017 زادت أزمة صومالي لاند، بسبب تعنت فرماجو الموالي لتركيا وقطر، ورفضه للتوصل إلى تسوية تراعي مصالح جزء مهم من الشعب الصومالي. فرماجو الذي أوصله الدعم القطري إلى منصب الرئاسة، والمتهم بعلاقاته مع حركة الشباب المجاهدين الإرهابية، يتولى بالإنابة عن قطر وتركيا محاربة صومالي لاند التي رفضت الخضوع للهيمنة التركية- القطرية في منطقة القرن الأفريقي، وتسعى إلى التحول إلى مركز تجاري إقليمي، يخدم مصالح الشعب.

 

 

لماذا أخفق اللقاء؟
ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد عز الدين بأنّ فرماجو يسعى إلى الدعاية الانتخابية لنفسه، من خلال الترويج للخطوة على أنها توحيد للبلاد، في ظل فشله الكبير في الملفات الاقتصادية والأمنية وزيادة حدة الانقسام الداخلي بين الحكومة الاتحادية والأقاليم.
ويضيف عز الدين لـ"حفريات" بأنّ فرماجو يستغل لقاء جيبوتي في معركته الانتخابية، غير أنّ العبرة بالنتائج التي ستخرج بها القمة. ومن غير المتوقع خلخلة الأزمة بينهما، وإن كانت ستناقش قضايا أقل تعقيداً، مثل تقاسم الموارد.

اقرأ أيضاً: هل تسعى السلطة الدينية لاختطاف الدولة في صومالي لاند؟
يتفق الكاتب سعيد معيض مع ذلك، وكتب في تقرير نشره "مركز مقديشو للدراسات والأبحاث" تعليقاً على القمة، بأن ليس من المتوقع أن ينتج اتفاق كبير كإعادة صومالي لاند إلى الصومال، أو الاعتراف باستقلالها، إذ لا يملك كلا الرئيسين القدرة على ذلك. لكن من الممكن الاتفاق على قضايا أقل أهمية مثل توزيع المساعدات الدولية، والطيران، والاتفاق على اجتماعات مستقبلية، وربما تكمن الأهمية في كسر الجمود بين الطرفين.
لعبة الانتخابات لا تغيب عن قمة جيبوتي، فليس فرماجو وحده الذي يُوظفها انتخابياً، فكلٌّ من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس الجيبوتي يسعيان لتوظيفها، الأول انتخابياً، والثاني لرفع شعبيته بعد مظاهرات حاشدة معارضة له.

انقسامات داخلية
تشهد الصومال صراعات داخلية حادة بين الحكومة الاتحادية وعدد من حكومات الولايات، وينصّ الدستور على اعتماد النظام الفيدرالي، ما يتيح لرؤساء الأقاليم استقلالاً نسبياً عن الحكومة الاتحادية في مقديشو، وهو الأمر الذي يرفضه الرئيس "فرماجو" ويسعى إلى تقليصه، لإحكام قبضته على البلاد.
فضلاً عن ذلك؛ يسعى فرماجو إلى تأجيل تنظيم الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية المزمع عقدها بحلول 2021، ليبقى في السلطة لمدة عامين على الأقل، مستغلاً أزمة كورونا. بينما يتفق معظم الفرقاء السياسيين في الصومال والشركاء الدوليين -رغم التحديات والعقبات الكبيرة- على إمكانية إجراء انتخابات عامة في البلاد، بغض النظر عن نوعية العملية الانتخابية سواء أكانت شعبية مباشرة، وعلى أساس التعددية الحزبية أم وفق النظام القبلي المعروف بـ 4.5 وإن بصيغة تسمح بانتخاب أعضاء البرلمان بطريقة مباشرة وبمشاركة أوسع، وفق تقرير نشره "مركز مقديشو للبحوث والدراسات".

 

 

يرى عز الدين أنّ إصرار فرماجو على تأجيل الانتخابات يرجع إلى تدني حظوظه الانتخابية، خصوصاً بين الفئة العمرية الشبابية، الذين كانوا وراء صعوده للرئاسة، أملاً فيه، قبل أن يخيب آمالهم.
طمع فرماجو في السلطة، بدعم قطري-تركي، خوفاً من صعود المعارضة الوطنية، وخروج الصومال من هيمنة الأتراك والقطريين، أدى إلى مزيد من الصدام بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، ومن ذلك عدم اعتراف الحكومة الاتحادية بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في جوبالاند، نهاية أيلول (سبتمبر) 2019،  والتي أفرزت إعادة انتخاب محمد أسلان  مدوبي رئيساً للولاية لفترة ثانية مدتها 4 أعوام.
بجانب ذلك؛ أجرى فرماجو تغييرات عدة في قيادة المؤسسات الأمنية بهدف تمكين أنصاره من القبض بقوة على البلاد. ما سبق يدفع حكومة صومالي لاند إلى النأي بنفسها عن دوامة العنف واللا استقرار التي يسعى فرماجو بقوة لتوريطها فيها.

 

 

أطماع تركية- قطرية
تسعى تركيا وقطر إلى الهيمنة على منطقة القرن الأفريقي، وهو ما تحقق نسبياً عبر تصعيد الرئيس فرماجو إلى السلطة، بدعم قطري مباشر عبر رجلها في الصومال، مراسل قناة الجزيرة السابق، فهد ياسين، الذي تمت مكافأته بتدرجه في السلطة وصولاً إلى منصب مدير وكالة الاستخبارات والأمن القومي الصومالية، على الرغم من انعدام خبرته في مجالات الأمن والاستخبارات، مما يشكك في جدية الرئيس فرماجو في مكافحة الخطر الإرهابي لحركة شباب المجاهدين، التي تتسبب في قتل المدنيين يومياً.

اقرأ أيضاً: هل تصلح تركيا لرعاية المفاوضات بين الصومال وصومالي لاند؟
تتمثّل الأطماع التركية- القطرية بشكل أساسي في الهيمنة على القرار الصومالي، وتحويلها إلى قاعدة للإضرار بمصالح المنطقة وخصوصاً الإمارات ومصر واليمن، ونهب الثروات الطبيعية الصومالية عبر توقيع عقود الاستغلال للتنقيب عن النفط، والصيد البحري، بجانب تحويل الصومال إلى سوق للمنتجات التركية، وحصول الشركات التركية على عقود البنية التحتية والطاقة.
علاوة على ذلك؛ يمثّل موقع الصومال كبوابة لخليج عدن والبحر الأحمر مكانةً مهمةً في المشروع التركي للهيمنة على الدول العربية، فجاء إنشاء قاعدة عسكرية تركية في 2017، ضمن خطة بعيدة المدى لتهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، وتبع ذلك توقيع اتفاقية إدارة جزيرة سواكن مع السودان، غير أنّ إطاحة الثورة الشعبية في البلاد بالبشير عطلت المشاريع التركية.
أهمية أخرى للقاعدة العسكرية تتمثّل في القرب الجغرافي من اليمن، الذي بات الآن المطمع التالي لتركيا، عبر عمالة حزب الإصلاح الإخواني، الذي يسيطر على الحكومة الشرعية، وتسعى تركيا وقطر إلى الاستيلاء على جنوب اليمن مقابل ترك الشمال للحوثيين، في صفقة خفية بدأت معالمها تظهر للعلن، عبر التنسيق الميداني في جبهات القتال بين الحوثي وحزب الإصلاح، وتركيز ميليشيات حزب الإصلاح على قتال المجلس الانتقالي في عدن، الممثل الشرعي لمصالح أبناء الجنوب.

 

 

حرب الموانئ
يتعنت الرئيس الصومالي ضد تحقيق التنمية الاقتصادية في جمهورية صومالي لاند، بهدف الإبقاء على الفقر فيها، لاستثمار ذلك في مهاجمة حكومتها، ومن ذلك رفضه الشديد لتوقيع حكومة صومالي لاند لاتفاق تطوير وإدارة ميناء بربرة بالتعاون مع شركة موانئ دبي العالمية، في 2018.
التعاون الذي رحبت به حكومة وشعب صومالي لاند، وصرح رئيسها، موسى بيحي عبدي، بأنّ الهدف من مرفأ بربرة هو عبور كل السفن الآتية من الصين والهند واندونيسيا وماليزيا بالمرفأ للوصول إلى وسط أفريقيا، مما يحقق دخلاً كبيراً للجمهورية، ويرفع من مستوى حياة الشعب.
وقال عبدي للصحفيين: "مرفأ بربرة مهم لأرض الصومال وللقرن الأفريقي وغالبية دول وسط أفريقيا. إنه بوابة عبور تصل عدة دول أفريقية بالعالم. في الشرق وحتى آسيا، ومنها الهند والصين، ومن الجهة المقابلة لقناة السويس، يصل المرفأ دولاً أفريقية عديدة بالشرق الأوسط وأوروبا وحتى أميركا الشمالية".
عقب توقيع الاتفاق خرج رئيس دولة الصومال فرماجو ليعلن بطلانه، دون وضع مصلحة 3,5 مليون صومالي من سكان صومالي لاند في الاعتبار. رغم ذلك نجحت شركة موانئ دبي العالمية في رفع قدرة ميناء بربرة بنسبة 50% خلال أقل من عامين، وفق تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة موانئ دبي، سوباشاي واتانافيراشاي، لموقع "يورو نيوز".

اقرأ أيضاً: هل ستكون بريطانيا أول دولة تعترف بصومالي لاند؟
وتزداد أهمية تطوير الميناء، والمشاريع المرتبطة به مثل ممر بربرة الذي سيصل إلى إثيوبيا، كشريان تجاري رئيسي، ومشاريع البنى التحتية من منطقة حرة ومطار حديث، في خلق فرص عمل للشباب، المقدرين بنحو 70% من سكان صومالي لاند، وفق تصريحات وزير مالية الجمهورية، سعيد على شير، والتي نشرها موقع "مركز مقديشو للبحوث والدراسات".
لذلك تتمسك صومالي لاند باستقلالها، كي تضع مصالح شعبها أولاً، في ظل ولاء الرئيس فرماجو لدولتي قطر وتركيا، وارتباطه بعلاقات وطيدة مع حركة الشباب المجاهدين الإرهابية، والتي تهدد الأمن والاستقرار في البلاد.
ويفسر الباحث محمد عز الدين، رفض فرماجو لأي دور إماراتي في الصومال بخضوعه لإملاءات قطرية- تركية، وتفضيله مصالحهما على حساب شعبه. ويستنكر عز الدين في حديثه لـ"حفريات" رفض فرماجو لاتفاقية ميناء بربرة، ويقول: "الإمارات أولى بتطوير الميناء؛ لما لها من خبرات كبيرة في هذا المجال، كون استثمارات المناطق التجارية الحرة ركيزة أساسية في اقتصادها، ولا تٌقارن خبرات تركيا وقطر بها، لذلك فمعارضة الاتفاقية لا تفسير لها سوى بالإملاءات القطرية- التركية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية