ما دلالات فوز آبي أحمد أصغر زعماء أفريقيا بنوبل للسلام؟

أفريقيا

ما دلالات فوز آبي أحمد أصغر زعماء أفريقيا بنوبل للسلام؟


13/10/2019

كانت معظم التكهنات، بخصوص جائزة نوبل للسلام، تشير إلى احتمال فوز آبي أحمد أو ناشطة المناخ السويدية غريتا تونبرغ، رغم صعوبة التكهن بذلك بسبب إصرار اللجنة منذ خمسين عاماً على عدم الإعلان عن أسماء قائمة المرشحين للجائزة التي تقدر قيمتها تسعة ملايين كرونة سويدية؛ أي ما يساوي حوالي 900 ألف دولار، وسيكون تسليمها في أوسلو في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
اللجنة رجحت كفة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للجائزة للعام 2019. وقالت رئيسة لجنة نوبل للسلام، بيريت رايس اندرسن، إنّ أحمد فاز بالجائزة تقديراً لجهوده الرامية إلى تحقيق السلام والتعاون الدولي وخاصة مبادرته لحل النزاع الحدودي مع الجارة إريتريا.

اقرأ أيضاً: كيف تقرأ النخب الإثيوبية مبادرة آبي أحمد في السودان؟
وأضافت: "الجائزة تمثل تقديراً لجميع الأطراف المعنية التي تعمل من أجل السلام والمصالحة في إثيوبيا وفي مناطق شرق وشمال شرق أفريقيا". وقال آبي أحمد في مكالمة هاتفية مسجلة مع أمين لجنة نوبل نُشرت على الإنترنت: "يغمرني شعور بالامتنان والسعادة... إنها جائزة لأفريقيا، ولإثيوبيا".

ولد آبي أحمد لأب مسلم وأم مسيحية

من هو أبي أحمد؟
ولد أبي أحمد في 15 آب (أغسطس) عام 1976، فى بلدة بيشاشا، بمنطقة أغارو، قرب مدينة جيما بإقليم الأورومو، لأب مسلم وأم مسيحية. وحصل على عدد من الدرجات العلمية، من بينها شهادة الماجستير في القيادة التحولية، ودرجة ماجستير أخرى في إدارة الأعمال، ودرجة الدكتوراه من معهد دراسات الأمن والسلام في جامعة أديس أبابا.

اقرأ أيضاً: ماذا بعد تلاشي النشوة المبكرة لوصول آبي أحمد إلى الحكم في إثيوبيا؟
وينحدر أحمد من عرقية أورومو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، والتي كانت تقود الاحتجاجات المناهضة للحكومة السابقة على مدار ثلاث سنوات، وهو أول رئيس وزراء للبلاد من هذه العرقية.
ولم تكن بدايات آبي أحمد في السياسة؛ إذ التحق مطلع التسعينيات بالعمل المسلّح مع رفاقه في "الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو"؛ إحدى جبهات الائتلاف ضد الحكم العسكري لنظام الرئيس "مانجستو هايلا ماريام" حتى سقط حكم الأخير. كما التحق رسمياً بقوات الدفاع الوطني الإثيوبية عام 1991، في وحدة الاستخبارات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل إلى رتبة عقيد عام 2007.

فاز آبي أحمد بالجائزة تقديراً لجهوده الرامية لتحقيق السلام والتعاون الدولي وخاصة مبادرته لحل النزاع الحدودي مع الجارة إريتريا

ورغم تجوله ما بين المؤسسة العسكرية وتطوير إمكاناته العلمية والأكاديمية، إلا أنّه غادر وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية (إنسا) عام 2010، ليتفرغ للسياسة بصورة رسمية ومباشرة. وبدأ آبي أحمد عمله السياسي التنظيمي عضواً في الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، وتدرج إلى أن أصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب، وعضواً في اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم في الفترة ما بين 2010 - 2012. كما انتُخب عضواً بالبرلمان الإثيوبي عن دائرته في 2010. وخلال فترة خدمته البرلمانية، شهدت منطقة جيما بضع مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات.
ولعب أحمد دوراً محورياً، بالتعاون مع العديد من المؤسسات الأهلية في إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة؛ وهو ما أهّله لإعادة انتخابه في مجلس نواب الشعب الإثيوبي (البرلمان) في عام 2015، كما انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية للجبهة الديمقراطية لشعب أورومو في العام نفسه.
وفي الفترة من 2016 إلى 2017 تولّى آبي أحمد وزارة العلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية، قبل أن يترك المنصب ويتولى منصب مسؤول مكتب التنمية والتخطيط العمراني بإقليم أوروميا، ثم نائب رئيس إقليم أوروميا في نهاية 2016. ولاحقاً، ترك أحمد كل هذه المناصب ليشغر منصب رئاسة الحزب.
ويذكر أنّ آبي أحمد متزوج من السيدة زيناش تاياتشو، ولديهما ثلاث بنات، وقد تبنت أسرته في شباط (فبراير) الماضي طفلاً يحمل اسم "مليون". وحضرت زوجة أحمد أمام المحكمة لتدعم الطلب الذي تقدما به وتتعهد بتقديم الرعاية التي يحتاجها الطفل، الذي لم يكن قد أكمل عامه الثاني آنذاك.

آبي أحمد مع زوجته السيدة زيناش تاياتشو

قائد إصلاحي
وفي خطوة لم تكن متوقعة؛ عيّن الائتلاف الحاكم لإثيوبيا آبي أحمد كرئيس الوزراء في نيسان (أبريل) 2018 بعد استقالة سلفه هايلي مريم ديسالين في أعقاب ثلاث سنوات من الاحتجاجات العنيفة المناهضة للحكومة. وكان الائتلاف الحاكم قد بدأ بالفعل في اتخاذ إجراءات تصالحية، بما في ذلك إطلاق سراح كثير من المعتقلين السياسيين، لكنّ آبي أحمد عجّل وتيرة الإصلاحات.
ومنذ لحظة وصوله إلى الحكم، عملت حكومته على تحرير الاقتصاد الخاضع لسيطرة الدولة، وألغت الحظر على كثير من الأحزاب السياسية، وعزلت أو اعتقلت الكثير من كبار المسؤولين المتهمين بالفساد أو التعذيب أو القتل.

ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وصف رئيس الوزراء الإثيوبي بـ "الصديق العزيز" وأنّ نيله الجائزة "فوز مستحق"

وعلى الصعيد الإقليمي؛ فقد كانت تشهد الحدود الإيثوبية الإريترية حالة من التوتر الشديد بعد الحرب الحدودية الدامية، والتي خاضها البلدان قبل عشرين عاماً، وراح ضحيتها ما يقدر بنحو 80 ألف شخص في خلال عامين فقط 1998-2000. وساد بعدها سلام نسبيّ في عام 2000، في خضمّ ما عُرف باتفاقية الجزائر، ليتحول الصراع إلى حربٍ باردة تستنزف مقدرات البلدين.
وبعد ثلاثة أشهر فقط من تولّيه منصبه، وفي خطوة مفاجئة، أعلن آبي أحمد أنّه سيسلم البلدة الحدودية المتنازع عليها إلى إريتريا، وفقاً لشروط اتفاقية سلام الجزائر التي رفضت إثيوبيا تطبيقها عام 2000. وبعد بضعة أسابيع، أعلن آبي أحمد والرئيس الإريتري إسياس أفورقي بشكل مشترك نهاية مرحلة العدواة بين الدولتين وتطبيع العلاقات بين بلديهما.
وشكّل هذا الاتفاق علامة فارقة في المنطقة ككل؛ حيث أنهى الصراع المرير الذي أنهك السكان المحليين الذين ينتمون لعرقيات وقبائل واحدة على جانبي الحدود. وبفضل هذا الاتفاق، عادت شبكة الطرق والمواصلات للعمل بين البلدين. كما بدأت حركة التجارة بعد رفع القيود عن تبادل البضائع والأموال، وعودة شبكة الاتصالات للعمل. وحقق هذا الاتفاق انفراجة لإريتريا؛ إذ وافق مجلس الأمن على رفع العقوبات عن البلاد، بجانب رفع حظر بيع الأسلحة.

نجح آبي أحمد في مواجهة محاولة انقلابية استهدفته في حزيران الماضي

حصوله على جائزة نوبل
وحسبما ما أكد وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، فإنّ آبي أحمد مهّد خلال فترة قصيرة للغاية الطريق لتطورات لم يعتبرها أحد ممكنة، وقال الوزير الألماني في معرض تهنئته أحمد: "إثيوبيا وجيرانها يمكنها بالتأكيد مواصلة طريقها بدعم من ألمانيا".
واعتبرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تسليم جائزة هذا العام إلى زعيم أفريقي كان في السلطة لمدة 18 شهراً فقط خطوة جريئة؛ حيث عدّته بـ"التكريم المستحق" حسب قولها، وأرجعت الصحيفة سبب حصول آبي أحمد على هذه الجائزة العالمية بأنه "ليس فقط بسبب الاتفاقية التي وقعها مع إريتريا في الصيف الماضي، والتي أنهت العدواة التاريخية بين البلدين، "بل أيضاً لأنّ الإصلاحات الداخلية التي أجراها في بلد قمعيّ جداً مثيرة للإعجاب".

اقرأ أيضاً: آبي أحمد علي .. من "الإرهاب الأحمر" إلى السلام الأخضر
وتابعت الصحيفة: " شكّل حكومة نصفها من النساء، وعيّن امرأة لتولية رئاسة المحكمة العليا، كما عيّن معارضاً سابقاً عائداً من المنفى رئيساً لمجلس الانتخابات. وكذلك رفع الحظر المفروض على أحزاب المعارضة، وأطلق سراح الآلاف من السجناء السياسيين، واعتقل مسؤولين كباراً بتهمة الفساد وانتهاك حقوق الإنسان. ورغم كل ذلك، فإنّ ما يثير الدهشة أنّه تم تعيينه من قبل الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية".
وعلى الرغم من كل هذه الإصلاحات السريعة والجذرية التي أنجزها آبي أحمد، فقد واجه منذ وصوله إلى الحكم عقبات عديدة، منها المحاولة الإنقلابية التي استهدفته في حزيران (يونيو) الماضي، وشملت هذه المحاولة هجومين منفصلين، في العاصمة أديس أبابا وفي ولاية أمهرة، إذ قُتل رئيس الأركان في الهجوم الأول، ورئيس ولاية أمهرة ومستشاره في الثاني.
كما تصاعدت حدة الصراعات العرقية في جميع أنحاء البلاد، والتي يرجّح أنّ أجهزة الدولة الأمنية متورطة فيها. وكذلك وعد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في العام المقبل، إلا أنّ البعض يشعر بالقلق من عدم وجود خريطة طريق واضحة للتقدم السياسي؛ إذ من المرجّح أن يؤجل الانتخابات المقبلة إلى أجل غير مسمى. لكن يأمل الكثيرون أن تمنحه فرصة حصوله على جائزة نوبل للسلام "التفويض" لدفع بعض الإصلاحات الجذرية في الداخل.

يأمل البعض أن تمنح نوبل للسلام "التفويض" لدفع بعض الإصلاحات الجذرية في إثيوبيا

ترحيب دولي وإقليمي
ومنذ الساعات الأولى من إعلان حصوله على الجائزة العالمية؛ توالت البرقيات المهنئة والمرحبة بإعلان الجائزة. وأعلن من جانبه مكتب آبي أحمد في بيان تم نشره على تويتر أن إثيوبيا "فخورة كأمة" بنيل رئيس وزرائها جائزة نوبل للسلام، وتابع البيان: "هذه الجائزة تشكل اعترافاً بعمل رئيس الوزراء من أجل الوحدة والتعاون والتعايش".
كما عبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن ارتياحه لمنح الجائزة لآبي أحمد؛ مهندس المصالحة بين بلده وإريتريا المجاورة، مشيراً إلى أنّ هذا التتويج يغذي الآمال بإحلال "الاستقرار" في المنطقة.
كما هنأ رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، في تغريدة على تويتر، رئيس الوزراء الإثيوبي "على جهوده التاريخية لبناء السلام، التي منحت العالم أملاً في وقت يحتاج فيه إلى قيادة خدومة أكثر من وقت مضى".

شكّل آبي أحمد حكومة نصفها من النساء وعيّن امرأة لتولي رئاسة المحكمة العليا كما عيّن معارضاً سابقاً عائداً من المنفى رئيساً

ومن الجدير بالذكر، أنّه لم تتم دعوة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لتقاسم الجائزة مع أحمد بسبب ارتكاب أفورقي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق مواطنيه، مثل استخدام التجنيد العسكري كغطاء للعمل القسري في إريتريا. وبالتالي؛ لم تُدل الحكومة الإريترية بأي تعليق بعد الفوز، لكنّ سفيرها في اليابان إستيفانوس أفورقي هنأ آبي أحمد وقال إنّ "شعبيْ إريتريا وإثيوبيا انتصرا مرة أخرى على الشر، بالدم والعرق والدموع".
وعربياً؛ هنأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي، مؤكداً أنّ نيله الجائزة "فوز جديد للقارة السمراء الطامحة دوماً إلى السلام". وقال في تغريدة في تويتر: "أتقدم بخالص التهاني لرئيس الوزراء الأثيوبي وللشعب الأثيوبي الشقيق لحصول السيد / آبي أحمد- رئيس وزراء أثيوبيا على جائزة نوبل للسلام، فوز جديد لقارتنا السمراء الطامحة دوماً للسلام والساعية لتحقيق الاستقرار والتنمية، وأتمنى أن تستمر جهودنا البناءة الرامية لإنهاء كافة الصراعات".
وهنأ كذلك ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد رئيس الوزراء الإثيوبي، واصفاً إياه "بالصديق العزيز"، ومعتبراً أنّ نيله الجائزة "فوز مستحق"، وفق تغريدة نشرتها وكالة أنباء الإمارات الرسمية على حسابها في تويتر.
كما هنأ رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، في تغريدة له على تويتر، نظيرَه الإثيوبي، معتبراً أنّه "مصدر فخر وإعجاب وقائد حقيقي قدم خدمات كثيرة للقارة الأفريقية، وكان له دور فعال في خلق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز السلام".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية