ما دلالات اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين طهران وبكين؟

ما دلالات اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين طهران وبكين؟


28/03/2021

وقّعت إيران والصين، أمس، اتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي مدتها 25 عاماً كانت قيد المناقشة منذ سنوات. الاتفاقية التي أطلق عليها اسم الشراكة الإستراتيجية الشاملة، تغطي مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية من النفط والتعدين إلى تعزيز النشاط الصناعي في إيران، فضلاً عن التعاون في مجال النقل والزراعة، بحسب تقرير بثه "التلفزيزن الإيراني". هذه الصفقة هي المرة الأولى التي توقع فيها إيران مثل هذا الاتفاق المطوّل مع قوة عالمية كبرى. في عام 2001، وقّعت إيران وروسيا اتفاقية تعاون مدتها 10 سنوات، خاصة في المجال النووي، تم تمديدها إلى 20 عاماً من خلال تمديدين لمدة خمس سنوات، وفق ما ذكرت وكالة "الأسوشيتدبرس" للأنباء.

يأتي الاتفاق الجديد في الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإيران. وتربط الدولتان علاقات قوية، وشاركتا في مناورة بحرية مشتركة عام 2019 مع روسيا في شمال المحيط الهندي.

وقد وقع "اتفاقية التعاون الإستراتيجي لمدة 25 عاماً" والتي لم تنشر تفاصيلها بعد، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الصيني وانغ يي الذي زار طهران.

وبحسب وكالة "إرنا" الرسمية، فقد تم الانتهاء من التفاصيل النهائية للاتفاقية صباح أمس خلال اجتماع بين "وانغ وعلي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى (الإيراني علي خامنئي) والممثل الخاص للجمهورية الإسلامية الإيرانية للعلاقات الإستراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية".

النفوذ الصيني

ولم تعلن إيران عن تفاصيل الاتفاق قبل التوقيع. لكن الخبراء قالوا إنه لم يتغير إلى حدّ كبير عن مسودة من 18 صفحة حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" العام الماضي.

يأتي تقارب طهران مع بكين في مناخ من عدم الثقة المتزايد بالجمهورية الإسلامية تجاه الغرب، وخلال فترة تشهد توترات بين واشنطن من جهة وطهران وبكين من جهة أخرى

وافقت الصين على استثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاماً مقابل إمدادات ثابتة من النفط لتغذية اقتصادها المتنامي بموجب اتفاق اقتصادي وأمني شامل تم توقيعه أمس. وبحسب "نيويورك تايمز" فإنه  يمكن أن يعمّق هذا الاتفاق نفوذ الصين في الشرق الأوسط ويقوّض الجهود الأمريكية لإبقاء إيران معزولة. لكن لم يتضح على الفور حجم الاتفاق الذي يمكن تنفيذه بينما لا يزال الخلاف الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني من دون حل.

ودعت المسودة إلى تعميق التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات المشتركة، والبحوث المشتركة، وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

اقرأ أيضاً: إيران والصين إلى توطيد التعاون... ما علاقة الولايات المتحدة؟

زار وانغ بالفعل المملكة العربية السعودية، وكذلك تركيا، ومن المقرر، وفق "نيويورك تايمز"، أن يتوجه إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان. وقال إنّ المنطقة على مفترق طرق، وعرض مساعدة الصين في حل النزاعات المستمرة، بما في ذلك برنامج إيران النووي. والصين مستعدة حتى لاستضافة المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتذكر "نيويورك تايمز" أنّ النقاد اشتكوا من افتقار المفاوضات للشفافية ووصفوا الصفقة بأنها بيع لموارد إيران، وقارنوها بالاتفاقات أحادية الجانب التي أبرمتها الصين مع دول مثل سريلانكا.

وتضيف الصحيفة الأمريكية: "يبقى أن نرى كم من المشاريع الطموحة المفصلة في الاتفاقية سوف تتحقق. إذا انهار الاتفاق النووي بالكامل، فقد تواجه الشركات الصينية أيضاً عقوبات ثانوية من واشنطن".

التوجه نحو الشرق

من جانبها، قالت "وكالة الأنباء الفرنسية" إنّ توقيع هذه الاتفاقية الأولوية يظهر المعطاة للعلاقات مع "الشرق" (أي بالنسبة إلى إيران مع دول مثل الصين والكوريتين والهند واليابان وروسيا) بما يتوافق مع التحول الذي عبر عنه خامنئي عام 2018 خلافاً لأحد الشعارات الأكثر شعبية للثورة الإيرانية عام 1979 "لا غربية ولا شرقية، جمهورية إسلامية".

وافقت الصين على استثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاماً مقابل إمدادات ثابتة من النفط لتغذية اقتصادها المتنامي بموجب اتفاق اقتصادي وأمني شامل تم توقيعه أمس

والصين هي أكبر شريك تجاري للجمهورية الإسلامية الإيرانية وكانت مستورداً رئيسياً للخام الإيراني قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الإيراني في 2018 ما أدى إلى تراجع صادرات النفط من طهران. لكن بحسب تقارير صحافية، لم تتوقف واردات الصين من النفط الإيراني مطلقاً، بل إنّها ازدادت مؤخراً.

وبحسب الخارجية الإيرانية، فإنّ الاتفاقية الموقّعة أمس هي "خريطة طريق متكاملة"، وبالنسبة إلى بكين، فهي جزء من مشروع "طرق الحرير الجديدة" الضخم للبنية التحتية الذي أطلقته بالتعاون مع أكثر من 130 بلداً.

وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في تصريح للتلفزيون الرسمي بأنّ الاتفاقية تركز على "الأبعاد الاقتصادية التي تعد المحور الأساس لها ومشاركة إيران في مشروع (الحزام والطريق)؛ الخطة الصينية الضخمة لإقامة مشاريع بنى تحتية تعزز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وأفريقيا.

وأشار إلى أنّ مشروع الاتفاقية يعود إلى زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لطهران في كانون الثاني (يناير) 2016 حيث التقى المرشد الأعلى علي خامنئي.

وقال خامنئي وقتها إنّ "إيران حكومة وشعباً تسعى كما فعلت على الدوام لتوسيع علاقاتها مع الدول المستقلة والموثوق بها كالصين"، بحسب "الفرنسية".

مناخ من عدم الثقة

ويأتي تقارب طهران مع بكين في مناخ من عدم الثقة المتزايد في الجمهورية الإسلامية تجاه الغرب، وخلال فترة تشهد توترات بين واشنطن من جهة وطهران وبكين من جهة أخرى، كما تذكر "الفرنسية".

فانسحاب واشنطن الأحادي الجانب عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني الدولي وعجز الأوروبيين عن مساعدة الجمهورية الإسلامية في تجاوز العقوبات الأمريكية التي أعيد فرضها في ذلك العام، أقنعت السلطات الإيرانية أنّ الغرب ليس شريكا "جديراً بالثقة" على حد تعبير خامنئي.

اقرأ أيضاً: وزير الخارجية الصيني يزور تركيا... ما أهداف الزيارة؟ وهل للإيغور علاقة؟

في تموز (يوليو) 2020، أثير جدل على مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية بعد تصريحات أدلى بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد للتنديد بالمفاوضات الجارية "لإبرام اتفاق جديد مع بلد أجنبي لمدة 25 سنة" من دون علم الشعب، على حد قوله.

وفي مقال نشرته وكالة "إرنا"، أشار السفير الإيراني لدى الصين محمد كشاورز زاده إلى أنّ بكين هي "الشريك التجاري لإيران منذ أكثر من 10 سنوات".

لكنه لفت إلى أنّ "فرض عقوبات شديدة" من واشنطن و"القيود المرتبطة بفيروس كورونا قللت بشكل كبير من التجارة بين البلدين".

ونقلت وكالة "إيلنا" عن رئيس الغرفة التجارية الصينية الإيرانية في طهران ماجد رضا الحريري، قوله إنّ حجم التجارة بين بكين وطهران تراجع إلى "16 مليار دولار" في العام 2020 مقارنة بـ51,8 مليارا "في العام 2014.

وبحسب "الفرنسية"، تأتي زيارة وانغ لإيران بعد أيام من استقباله نظيره الروسي سيرغي لافروف في الصين، وعلى خلفية التوترات بين موسكو وبكين وطهران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، والتي استمرت بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) 2021. وفي توقيت تتصاعد فيه التوترات بين العملاق الآسيوي والدول الغربية، اقترح بايدن أن تطلق الدول "الديموقراطية" مبادرة منافسة لمشروع "الحزام والطريق" الصيني للاستثمار في البنى التحتية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية