ما أسباب ضبابية الموقف الأمريكي مما يجري في ليبيا؟

ما أسباب ضبابية الموقف الأمريكي مما يجري في ليبيا؟


16/06/2020

يبدو المشهد الليبي متأزماً ويختنق على إثر الدخان الكثيف الذي يخرج من فوهة الآلة العسكرية التركية، وحلفائها في حكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج، فضلاً عن الميليشيات الإرهابية، والجماعات المسلحة المدعومة من أنقرة، والتي جعلت الأخيرة من وجودها حالة أمنية وسياسية، تستعصي على التفكيك، وتهدد الأمن الإقليمي، وهو الأمر الذي يتكبد تكاليفه وأثمانه الباهظة المدنيون. وقد كشفت تقارير عديدة لمنظمة العفو الدولية، أنّ حكومة الوفاق "نهبت وأضرمت النار في العديد من المنازل والمباني العامة، بما في ذلك المستشفى الرئيسي في مدينة مصراتة".
أبعاد ومخاطر الموقف الأمريكي
وفي ظل الفوضى الأمنية والسياسية التي تعج بها الساحة الليبية، يظل الحديث عن الموقف الأمريكي متردداً، بقوة، خاصة، بعد التحولات الميدانية والعسكرية الأخيرة، حيث يرى مراقبون أنّ موقف واشنطن في هذه المنافسة الإقليمية الدائرة، في الدولة الواقعة بشمال أفريقيا، مازال غائماً وغير واضح، بينما تكتفي بدور المراقب، وذلك في مقابل الدور التركي المتنامي عسكرياً، والذي يهدد المصالح الأمريكية، بحسب تقارير عسكرية وإستراتيجية، كما يمس أهدافاً حيوية لشركاء إقليميين ودوليين آخرين، عبر محاولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وضع نفوذه للحصول على ثروات شرق المتوسط.

 

 

ومن جهته، أصدر بريكينج ديفينس، الموقع الأمريكي المعني بالتحليلات السياسية، والمتخصص في القضايا العسكرية والجيواستراتيجية، تقريراً يوصي فيه الإدارة الأمريكية بضرورة صياغة موقف مباشر من الأزمة الليبية المحتدمة، لما تحوزه طرابلس من أهمية لواشنطن، من جهة، ووقف الدور التركي المتعاظم، من جهة أخرى، خاصة، وأنها اعتبرت الدور التركي الأخير، يفاقم من حدة الصراع الإقليمي، والحروب بالوكالة في سبيل الحصول على الطاقة.

أفصحت واشنطن عن قلق كبير إزاء طلب حكومة الوفاق الوطني للحصول على الدعم العسكري من تركيا

وبالتالي، لفت التقرير إلى أنّ الموقف الأمريكي لا ينبغي أن يقف على أطرافه، لجهة المراقبة عن بعد، فقط، في ظل استئناف المواجهات العسكرية والقتالية، في الدولة المطلة على البحر المتوسط، الأمر الذي سينجم عنه إعادة ترتيب للمصالح الجيوسياسية في تلك المنطقة الحيوية، التي تعد مصدراً مهماً للطاقة البحرية، كما أنها بوابة للهجرة الجماعية إلى أوروبا. لذا، شدد على ضرورة "أداء دور قيادي متأخر، وبشكل عاجل، بهدف إنهاء أو تخفيف هذا الصراع المتصاعد".
وقال التقرير الصادر عن المنصىة الأمريكية إنه: "قد حان الوقت للولايات المتحدة لتأكيد دورها القيادي الحاسم في معالجة الصراع الليبي، وإحباط التأثير التركي والروسي على هذا البلد ذي الموقع الإستراتيجي على أعتاب أوروبا، بالإضافة لأنه غني بالطاقة".
وتابع: "بشكل أساسي، يجب أن تصبح منطقة شرق المتوسط، مرة أخرى، نقطة تركيز حاسمة للإستراتيجية الأمريكية، كما أنّ الوجود البحري الولايات المتحدة في المنطقة، والتعاون دفاعي مع اليونان، يمكنهما كبح النشاط العدواني لتركيا".
السياسة وإدارة الصراع
لم يغفل التقرير الدور السياسي والدبلوماسي، لكنه طالب، أولاً، بإيجاد تسوية سياسية قابلة للتنفيذ، وتساهم في تطبيقها الدول الأعضاء في حلف الناتو، بعد تجميع رؤية موحدة ومتوافق عليها من الجميع لدعم حل سياسي تفاوضي، وإنهاء العوامل التي تؤدي للتصعيد العسكري، وحالة عدم الاستقرار.

 

 

وطالب التقرير في توصياته بتعيين مبعوث خاص لشرق المتوسط، بهدف إدارة العمل مع منتدى غاز شرق البحر المتوسط المؤيد للولايات المتحدة، وبلدان المنطقة؛ إذ يساهم في عملية تطوير الاكتشافات الرئيسية للطاقة، وخلق توازن قوي أمام مساعي أنقرة الخارجية المدمرة، ويباشر جهوده الدبلوماسية "نحو حل تفاوضي لإنهاء أو تخفيف الحرب المندلعة في ليبيا، عبر إنشاء نظام غير ديني، يخدم المصالح الوطنية الليبية".

 

 

الهدف من التدخل التركي في ليبيا ليس مناطق الهلال النفطي إنما تهيئة عودة تيار الإسلام السياسي مرة أخرى

ومن ناحية أخرى، وصف تحقيق قدمه الباحث الأمريكي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، كريستوفر بلانشارد، في خدمة أبحاث الكونغرش، الموقف التركي بأنه عامل مزعزع للاستقرار في عملية السلام بليبيا، أما بالنسبة للموقف الأمريكي، فقد اعتبر أنّ الاتفاق البحري بين أردوغان والسراج بمثابة تهديد لأمن منطقة شرق المتوسط، كما يمكن للاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني أن يثبط مشاركة القطاع الخاص في استكشاف الطاقة وخطوط الأنابيب، ويزيد من تعقيد الحسابات الأمنية للجهات الفاعلة الإقليمية.
ما وراء الموقف الأمريكي
ثمة فرضية أخرى، يشير لها الكاتب والمحلل السياسي المصري، محمد ماهر، في معهد واشنطن؛ يرى من خلالها أن واشنطن ابتعدت بنفسها عن التورط في الصراع، في ليبيا، بأي شكل من الأشكال، كجزء من خطط الرئيس ترامب بتقليص التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، وترك المشاكل للدول الإقليمية والدولية، لاسيما أنّ المشاهد المفجعة لاغتيال السفير الأمريكي لدى ليبيا، كريستوفر ستيفنز، في القنصلية الأمريكية، في بنغازي، مازالت ماثلة في الأذهان، بيد أنه في الوقت ذاته، جاء اتصال ترامب للمشير حفتر، باعتباره دعماً رئاسياً أمريكياً، حتى لو كان ظاهرياً، وذلك خلال العملية العسكرية التي قام بها الجيش الليبي، بهدف تحرير طرابلس من قبضة الميليشيات.

اقرأ أيضاً: أنقرة تكشف عن أطماعها في ليبيا
وإلى ذلك، أعلن بيان رسمي، صادر عن البيت الأبيض، نهاية العام 2019، عن اتصال آخر، جرى بين الرئيس الأمريكي ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، حول الشأن الليبي؛ إذ أفصحت واشنطن عن قلق كبير إزاء طلب حكومة الوفاق الوطني للحصول على الدعم العسكري من تركيا، وتصويت البرلمان التركي بالموافقة على مقترح قانون لإرسال قوات لليبيا، وهو ما بدأ يزيح بعض الطبقات السميكة عن الموقف الأمريكي المتردد والغائم.
أردوغان وتهيئة عودة الإسلاميين
وفي حديثه لـ"حفريات"، يرى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، صلاح خليل، أنّ الموقف التركي في ليبيا، يمكن فهمه في سياق رغبتها تعويض خسارتها الإقليمية بعد سقوط الإسلاميين، في مصر والسودان؛ إذ تقوم بتوظيف الخطاب الديني الذي تتقنه، بغرض استمالة الليبيين، وذلك لخدمة مصالحها في المنطقة، كما أنّ التحركات التركية داخل شمال القارة الأفريقية، تمثل أولوية خاصة لأردوغان، لوضعها على خريطة النفوذ في منطقة البحر المتوسط، فضلاً عن تدخلها المستمر في حلبة الصراع مع قوى إقليمية مناوئة لها، ومن بينها، مصر والسعودية والإمارات وقبرص.

 

 

ويضيف: "ثمة تحول في الموقف التركي، ظهر بعد أن أخذت تركيا الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، بتدخل في ليبيا للحد من النفوذ الروسي، وذلك على غرار ما حدث في سوريا. ففي 27 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2019، وقعت كل من تركيا وحكومة فائز السراج مذكرتي تفاهم، نصتا على أنّ لتركيا الحق في السيطرة على شريط ملاحي، في مياه البحر المتوسط، وغير مسموح لأحد التحرك فيه إلا بإذن من الحكومة التركية، كما أنّ لتركيا الحق بإمكانية التدخل العسكري في الأزمة الليبية إذا طالبت حكومة الوفاق أم لا".

 

 

اقرأ أيضاً: أردوغان يبدأ التتريك والعثمنة في ليبيا بأهم طُرق تاجوراء
وبهذه الاتفاقية، وجدت تركيا موطء قدم لها في شمال القارة الأفريقية، ومنطقة شرق المتوسط، بحسب الباحث المصري؛ حيث يشتد التنافس الإقليمي والدولي على الثروة النفطية، وهو الأمر الذى دفع تركيا إلى توقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية والبحرية مع حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من أنقرة. وعلى الرغم من رفض  العديد من دول الاتحاد الأوروبي تلك الاتفاقية بين السراج وأردوغان، غير أنّ تركيا تجاهلت تلك المطالب الأوروبية، وعمدت في موقفها على سياسة التدخل العسكري في الأزمة الليبية، فيما يكمن الهدف من التدخل التركي في ليبيا، ليس فقط مناطق الهلال النفطي وشرق ليبيا، بل البقاء أطول فترة زمنية من أجل العمل لعودة تيار الإسلام السياسي مرة أخرى لسدة الحكم في هذه المناطق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية