ماذا تعني حماس بإعادة جدولة "مسيرات العودة"؟

فلسطين

ماذا تعني حماس بإعادة جدولة "مسيرات العودة"؟


22/01/2020

كانت الجمعة الـ "86" لمسيرات العودة الكبرى على الحدود الشرقية لقطاع غزة، هي الأخيرة التي سوف يتظاهر بها الفلسطينيون بطابع سلمي، فقد أعلنت الهيئة الوطنية العليا لتلك المسيرات تغيير نمطها وتحويلها إلى شهرية، بدلاً من أسبوعية، وبالمناسبات الوطنية الفلسطينية، وتجميد فعالياتها لمدة ثلاثة أشهر، فيما وصف مقربون من حركة "حماس" التجميد بأنه "إعادة جدولة" بحسب تصريحات لـ"حفريات".

اقرأ أيضاً: هل أساء ولاء حماس لإيران وتركيا للقضية الفلسطينية؟
وقد سبقت عدة تغييرات قرار تغيير نمط مسيرات العودة ومنها؛ إلغاء كافة أشكال المقاومة الشعبية، مثل: "وحدة البالونات الحارقة، قصّ السلك، الكوشوك، وفعاليات الإرباك الليلي، وغيرها من الأدوات التي أرهقت الاحتلال الإسرائيلي".
وقد انطلقت مسيرات العودة الكبرى، في 30 آذار (مارس) من العام 2018، بالتزامن مع إحياء الفلسطينيين لذكرى يوم الأرض، وذلك للتأكيد على حقّ العودة، والمطالبة بفكّ الحصار على قطاع غزة.

وصف مقربون من حركة "حماس" التجميد بأنه "إعادة جدولة"
وبحسب إحصائية صادرة عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان؛ "فقد بلغ عدد ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية على المتظاهرين ضمن مسيرات العودة وكسر الحصار، 215 شهيداً، بينهم: 47 طفلاً وامرأتان، و9 من ذوي الاحتياجات الخاصة، و4 مسعفين، وصحفيان، إضافة إلى إصابة 14815 شخصاً، منهم 3735 طفلاً، و391 امرأة، و255 مسعفاً و219 صحفياً.
فما هو الهدف من تأجيل مسيرات العودة وتحويل فعالياتها إلى أسبوعية؟ وهل فشلت تلك المسيرات في تحقيق أهدافها؟ وهل انحرفت مسيرات العودة عن مسارها التي انطلقت لأجله؟ وهل هذا الإجراء بداية لإنهائها؟ وهل هناك اتفاقية تهدئة طويلة الأمد بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي.
تجاوز الفصائل
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، عبد المجيد سويلم، لـ "حفريات": إنّ "تغيير نمط مسيرات العودة، وتجميد فعالياتها، خطوة اتخذتها حركة حماس لتحقيق مصالحها، وتعزيز سيطرتها على قطاع غزة، فهي تجاوزت كافة الفصائل الفلسطينية المشاركة في الهيئة الوطنية لمسيرات العودة بخطوة أحادية مرفوضة وطنياً، لأنّها تطبيق فعلي لصفقة القرن".

عبد المجيد سويلم: تغيير نمط مسيرات العودة، وتجميد فعالياتها، خطوة اتخذتها حماس لتحقيق مصالحها وتعزيز سيطرتها على قطاع غزة

ويضيف: "تلك المسيرات أفرغت عبارة العودة من محتواها بالكامل؛ بل تمّت الإساءة لهذا الحقّ الذي انطلقت من أجله، لذلك توقفها بالكامل وجعلها موسمية مرتبط بالتفاهمات والصفقات القادمة، والتي تتم برعاية مصرية قطرية، قد تشمل صفقة تبادل أسرى مقابل انفراجات على صعيد الحياة الاقتصادية في القطاع، وذلك على حساب المصالحة الفلسطينية".
وتوقّع سويلم أن تزداد فعاليات المسيرات المقامة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، ولكن بأشكال جديدة وقيادات جديدة، وبدون موافقة حركة حماس، للتأكيد على أنّ قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الجسد الوطني، وأنّه يقوم بالحراك وفق المشروع الوطني الفلسطيني. 

هل فشلت تلك المسيرات في تحقيق أهدافها؟
مناخات إيجابية
وفي السياق ذاته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، أكرم عطا الله، في حديثه لـ "حفريات": "تحويل مسيرات العودة المقامة على امتداد الحدود الشرقية لقطاع غزة، من أسبوعية إلى شهرية، وتعليق فعالياتها ثلاثة أشهر، يوحي بأنّ هناك مناخات إيجابية للتوصل لاتفاق تهدئة طويل المدى في قطاع غزة؛ حيث إنّ الاحتلال الإسرائيلي كان يطالب بإيقاف تلك المسيرات أو إبعادها عن الحدود".

اقرأ أيضاً: إيران وحماس.. حبل لن ينقطع
ويضيف: "منذ انطلاق مسيرات العودة، في آذار (مارس) 2018، نجحت تلك المسيرات في إحداث تخفيف طفيف على الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، مثل توسيع مساحة الصيد، وإدخال بعض البضائع المحظورة منذ بداية الحصار، وعلى الصعيد السياسي فقد أحدثت نوعاً من الصدام مع محتل يواجه شعب أعزل، والإنجازات السياسية التي حققتها تلك المسيرات دفعت إسرائيل لارتكاب جريمة حرب والتوجه لمحكمة الجنايات الدولية".
إخفاقات
وبحسب عطاالله؛ فإنّ لمسيرات العودة جملة من الإخفاقات، منها أنّ حركة حماس هي من تصدّرت تلك المسيرات، لا بقية الفصائل، إضافة إلى حجم الضحايا، ودعوة الناس للاقتراب من الجدار الإسرائيلي، مؤكداً أنّ الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً لتلك المسيرات.
ويبيّن الكاتب والمحلل السياسي؛ أنّ حركة حماس انفردت في القرارات التي تخصّ مسيرات العودة، فهي لا تشركهم في قرار التجميد، وإنّما تضعهم بالصورة، وتقول إنّها ترى ذلك مناسباً، بالتالي الفصائل لا تستطيع أن ترفض ذلك، لأنّها لا يمكن أن تكون وحدها دون حركة حماس، لأنّ الأخيرة هي المسيطرة في غزة، وعلى مسيرات العودة".

إن الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً لتلك المسيرات
وفيما يخصّ انحراف مسيرات العودة، وعن مسارها الأساسي، وهو "حقّ العودة"، يبين عطاالله أنّ حركة حماس ألصقت كلمة العودة بتلك المسيرات لتستطيع تحقيق إجماع من كافة الفصائل، التي لم تكن تعرف المسار الأساسي لها، وأنّ الهدف الأساسي منها هو كسر الحصار الإسرائيلي، بعد أن فشلت في كسره خلال الأعوام الماضية. 
ضغوط وإغراءات
ويفيد عطاالله بأنّ مسيرات العودة حققت هدفاً سياسياً، لكنّ هذا الهدف لحركة حماس، لا لكافة الفلسطينيين، وأنّه على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، ومن الممكن أن يؤدي لمزيد من الفصل لقطاع غزة، لافتاً إلى أنّ حماس تعرضت لضغوط وإغراءات، أدّت إلى تجميد مسيرات العودة، تمهيداً لإيقافها مستقبلاً.

وسام عفيفة: الهدف من تحويل مسيرات العودة إلى شهرية، هو الحفاظ على ديمومة المسيرات كيلا تتحول إلى عمل روتيني

في حين يخالف الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حركة حماس، وسام عفيفة، رأي سابقَيه، ويرى أنّ حماس لا تتفرد في اتخاذ قرارات مسيرات العودة، وإنّما تكون كافة فصائل العمل الوطني شريكة في أيّ قرار يخص تلك المسيرات، لأنّها فعل وطني يمثل كافة الفلسطينيين، لا حركة حماس وحدها.
ويقول في حديثه لـ "حفريات": "تخضع مسيرات العودة كلّ فترة لتقييم تقديرات الموقف، بناءً على العديد من التطورات، مثل: المشهد الفلسطيني، المشاركة الشعبية، حجم ما يمكن أن تحققه تلك المسيرات، وحجم الضغط الذي تشكّله على الاحتلال"، ويبدو أنّ الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة أرادت، في نهاية عام 2019، المحافظة على ديمومة واستمرارية مسيرات العودة؛ لذلك تمّ اتخاذ القرار الأخير.
إعادة جدولة
وما حدث، في نظر عفيفة، ليس إقصاءً لمسيرات العودة، وإنما "إعادة جدولة؛ حيث لا تكون فعاليات المسيرات في جدول زمني، وبشكل دوري يفقدها حيويتها، وتراجع دورها، وبالتالي كان هناك قرار بضرورة تقدير الوقت الزمني لها، بناءً على عدة اعتبارات، أولها؛ أن تكون حاضرة في المناسبات الوطنية، إضافة إلى الضغط على الاحتلال لتنفيذ استحقاقات اتفاق التهدئة التي تمت برعاية أممية وقطرية ومصرية". 
ويواصل حديثه: "الحديث عن اتفاق تهدئة طويلة المدى مع الاحتلال الإسرائيلي لم يدُر سوى في الإعلام العبري، فهو يحاول تضخيم هذا الموضوع، فما يجري حالياً هو تطبيق لتفاهمات التهدئة، التي أبرمت الأشهر الماضية، والتي تهدف لتخفيف الحصار، وإدخال المساعدات للأسر الفقيرة، وتوسيع مساحة الصيد".

الحديث عن اتفاق تهدئة طويلة المدى مع الاحتلال الإسرائيلي لم يدُر سوى في الإعلام العبري
ويبين أنّ الهدف من تحويل فعاليات مسيرات العودة إلى شهرية، هو الحفاظ على ديمومتها وحيويتها، كي لا تتحول إلى عمل روتيني، وتفقد دورها في الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّه "عندما تكون الفترات الزمنة متفاوتة، ذلك يعطي فرصة للتجهز لمشاركة أكثر فعالية".
الضغط على الاحتلال
ويفيد عفيفة بأنّ "مسيرات العودة وجدت لتحقيق هدفين أساسين، هما: حقّ العودة وكسر الحصار الإسرائيلي، فاستطاعت المسيرات إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة وصدارة المشهد على المستوى الإقليمي والدولي، إضافة إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتخفيف الحصار الذي استمر ما يزيد عن اثني عشر عاماً".

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": تركيا تدعم حماس لتقوية التواجد الإخواني في غزة
وأتاحت مسيرات العودة الفرصة لكافة أطياف الشعب الفلسطيني، للمطالبة بحقوقهم بطريقة سلمية، ولكن القرار الأخير لم يرضِ كثيراً من الفلسطينيين المشاركين في فعالياتها الأسبوعية، خاصة الأشخاص الذين تعرضوا للإصابة، وذوي الشهداء الذين استشهدوا خلال مشاركاتهم في تلك المسيرات.
محمد عبد الجواد (24 عاماً) فقد قدمه اليسرى خلال مشاركته في مسيرات العودة، يقول لـ "حفريات": "كنت من أوائل المشاركين في مسيرات العودة، وفي الجمعة الخامسة تعرضت لإصابة خطيرة، أدّت إلى بتر قدمي، ورغم ذلك لم أنقطع عن المشاركة، وذلك من أجل العودة إلى أراضينا التي سُلبت منا عام 1948، والتخفيف من الأوضاع التي نعيشها منذ عام 2006".
مسيرات العودة وجدت لتحقيق هدفين أساسين، هما: حقّ العودة وكسر الحصار الإسرائيلي

تحقيق مصالح فصائلية
ويضيف: "منذ أن بدأت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة في إلغاء أدوات المقاومة الشعبية، بدأ التراجع على تلك المسيرات، وتبيّن لنا أنّ هدفها سياسيّ بحت، وبعد الإعلان عن البرنامج الجديد، والذي سوف يكون مرة واحدة شهرياً، وفي المناسبات الوطنية، تأكدنا أنّ مسيرات العودة كانت وسيلة لتحقيق مصالح فصائلية، ونحن دفعنا الثمن".
ويرفض والد الشهيد محمد صالح، الذي استشهد في بداية انطلاق مسيرات العودة، أن تكون نهاية المسيرات بهذا الشكل، دون تحقيق شيء من الأهداف التي انطلقت لأجلها، معتبراً ذلك إهانة لكلّ شخص استشهد وأصيب، أو كان من المشاركين في فعالياتها على مدار نحو عامين.

اقرأ أيضاً: حماس والأعرابي: ما الذي كشفه مقتل قاسم سليماني؟
أما محمد عبد الرحمن، فكان رأيه مختلفاً؛ حين قال لـ "حفريات": "أنا من المشاركين في مسيرات العودة، ولم أتغيّب عن جمعة واحدة، ففي 86 جمعة أصيب الآلاف، جلّهم أصبحوا ذوي إعاقات دائمة، بينما استشهد ما يزيد عن 200 فلسطيني، تلك الخطوة جيدة، وفرصة لحقن الدماء، والتخفيف من الخسائر الأسبوعية التي تقع في صفوف المشاركين".
ويضيف: "لا فرق بين أن تكون فعاليات مسيرات العودة أسبوعية أو شهرية، لكنّ المهم الديمومة وتحقيق الأهداف، فإن كان الإجراء الأخير هدفه التخفيف من حدة الحصار الإسرائيلي الذي أثّر في كافة مناحي الحياة، الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، طوال الأعوام الماضية في غزة، فهذا يعدّ إنجازاً كبيراً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية