لکي لا ينفّذ النّظام الايراني أخطر مخطّط في المنطقة

لکي لا ينفّذ النّظام الايراني أخطر مخطّط في المنطقة

لکي لا ينفّذ النّظام الايراني أخطر مخطّط في المنطقة


24/12/2023

موسى أفشار

واجه النظام الإيراني العديد من المراحل الخطيرة خلال العقود الأربعة المنصرمة، لکنه لم يواجه مرحلة بالغة الخطورة والحساسية کما هي الحال في المرحلة الحالية التي بدأت إثر انتفاضة أيلول (سبتمبر) 2022، ذلك أن مطالبة الشعب بإسقاط النظام خلال انتفاضتي كانون الأول (ديسمبر) 2017، وتشرين الثاني (نوفمبر) 2019، لم تکن متبلورة وواضحة المعالم کما کانت الحال مع الانتفاضة الأخيرة، لا سیما أنها استمرت أکثر من ستة أشهر مختلفة عن سابقاتها، وذلك ما وضع النظام کله أمام موقف ووضع وتهديد خطيرة غير مسبوقة.

اللافت للنظر، أنه لأجل معرفة خلفيات المرحلة الحالية، فإن النظام، ولقمع الانتفاضة الأخيرة التي عمت 282 مدينة في سائر أرجاء إيران، قتل ما لا يقل عن 750 شخصاً واعتقل أكثر من 30 ألف شخص، لكن الانتفاضة لم تنطفئ وبقيت على شكل نار تحت الرماد، حتى أن خبراء النظام توقعوا انتفاضات أكبر في قادم الأيام.

وبحسب المعلومات المختلفة الواردة من داخل النظام، فإن خبراء النظام ومحلليه وبعض الزمر المتنفذة داخله، اقترحوا على خامنئي أنه بدلاً من الاستمرار في القمع، عليه الاعتراف ببعض الحريات ومحاولة تحسين الوضع الاقتصادي للشعب الإيراني. وبحسب سلطات هذا النظام وأجهزته، فإن أكثر من ثمانين في المئة من الشعب الإيراني يعيشون تحت عتبة الفقر.

کما اقترحوا أيضاً إقالة إبراهيم رئيسي الذي نصبه خامنئي عبر طرق ملتوية من خلال تزوير الانتخابات، وبرروا ذلك بفشل حکومة رئيسي من جميع النواحي وعدم تمکنها من حل أي من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في إيران، ومن هنا فإنه وعلى أثر انتفاضة 2022، وجد خامنئي نفسه أمام خیارین، الأول؛ أن يأخذ بنصائح هٶلاء الخبراء والثاني أن يستمر على النهج المعهود للنظام منذ تأسيسه، وهو الأمر الذي سيٶدي بطبيعة الحال إلى المزيد من الانتفاضات العنيفة، ويبدو جلياً أن خامنئي قد أخذ الخيار الثاني في الاعتبار.

ولا ريب في أن الخيار الثاني الذي يعتمده ويقوم النظام عليه طوال الـ44 عاماً الماضية، يقوم على رکيزتين أساسيتين هما: الممارسات القمعية والإعدامات داخل البلاد، والترويج للحروب وتصدير الإرهاب للمنطقة إلى جانب السعي من أجل تصنيع القنبلة الذرية. 

ومن دون أدنى شك، فإن السبب الأول لأخذ النظام خيار التشدد والقبضة الحديدية، بحسب الخبراء، جاء لکون النظام غارقاً في الفساد والسرقة والنهب لدرجة أنه لم يعد قادراً على حل أي من أزمات إيران الكبرى.

فيما السبب الثاني يکمن في انه إذا أراد خامنئي زيادة حريات الناس أو حتى خلق انفتاح بسيط داخل نظامه ووقف القمع المطلق، فستحدث تصدعات تؤدي إلى فقدان هيمنته ومن ثم إلى إسقاط النظام الحاكم، بخاصة أن النشاطات والعملیات التي تقوم بها وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي‌ خلق یومیاً من دون توقف، تؤکد العجز التام لأجهزة الأمن التابعة للنظام عن وضع الحد لهذه النشاطات ووتیرتها المتصاعدة من جهة،‌ وتبرز الواقع المتفجر الکامن في أرجاء المجتمع الإیراني‌ برمّته من جهة‌ أخری. 

وتمکن ملاحظة توجه النظام إلى خيار التشدد والممارسات القمعية من خلال تکثيف القمع وبصورة مطردة في الجامعات والمدارس وبين الشباب والنساء. على سبيل المثال، تم تسميم الطالبات في مئات مدارس البنات في جميع أنحاء إيران بشكل غامض بالغازات السامة على يد قوات استخبارات النظام، لأن الطالبات لعبن دوراً نشطاً في الانتفاضة الإيرانية. وبدأت عملية تطهير واسعة النطاق لأساتذة الجامعات، وتم الكشف عن وثيقة أظهرت أن النظام خطط لاستبعاد 15 ألف أستاذ جامعي.

وفي السياق نفسه، زاد النظام من قمع النساء كثيراً وبدأ خطة تسمى حارسات الحجاب لقمع النساء بحجة عدم ارتداء الحجاب، لأن النساء لعبن دوراً قيادياً في الانتفاضة الإيرانية. ومنذ بداية حرب غزة حتى الآن (5 كانون الأول)، تم إعدام ما لا يقل عن 207 سجناء، من بينهم 4 سجناء سياسيين وسجناء من أهل السنة من دون أن تثار موجة إدانة ضد النظام على المستوى الدولي بسبب انخراط كل وسائل الإعلام في حرب غزة. واستغل النظام انشغال العالم بحرب غزة للقمع داخلياً والتصدي لاحتجاجات الشعب و.. وهم يعترفون بذلك علناً بأنهم يريدون تعزيز سيطرتهم داخل إيران من خلال التحريض على الحرب في المنطقة لمنع حدوث انتفاضة جديدة.

لکن الملاحظة المهمة هنا، هي أنه بالإضافة إلى ما قد أسلفنا ذکره، فقد بدأ خامنئي وقوات الحرس التابعة‌ له إطلاق تبجحات والقيام بدعاية واسعة النطاق باستخدام الحرب في غزة لرفع الروح المعنوية لقواتهم القمعية التي اهتزت كثيراً في انتفاضة 2022. وبحسب التقارير المنشورة في وسائل إعلام النظام، فقد فقدت القوات القمعية التابعة للنظام في قوات الشرطة والباسيج والحرس معنوياتها بسبب اشمئزاز الناس تجاه رجال الدين الحاکمين والحرس والباسيج (وهي ميليشيات النظام) رأوا بأعينهم وأصبحوا قلقين على مستقبلهم.

ومن ناحية أخرى، فقد کان لدى الشبان والشابات تنظيمات صغيرة تسمى وحدات المقاومة التي لعبت دوراً خطيراً في توجيه انتفاضة 2022. ورغم أن هذه الوحدات تعرضت للقمع الشديد، إلا أنها لم تختف قط، بل زاد عددها، وهي الآن تشعل النار باستمرار في مراكز النظام بالقنابل المولوتوف والمواد الحارقة لتمهيد الطريق للانتفاضات القادمة. ولذلك کان خامنئي بأمسّ الحاجة لرفع الروح المعنوية لقواته.

هذا، والنظام على المستوى الإقليمي، شعر بالتهديد لأنه رأى تشكيل تحالفات واتفاقيات ضده، الأمر الذي سيؤدي إلى عزلته وإضعافه في النهاية. ولذلك كان خامنئي يبحث عن خطة من شأنها أن تخل بتوازن المنطقة واتجاه التطورات الإقليمية التي كانت تسير ضده. ومن الواضح أن خامنئي رأى طريقة لإنقاذ نظامه وكيفية التعامل مع الأزمات الداخلية وعزلته الدولية في إشعال حرب كبيرة في المنطقة. وهي خطة تم إعدادها لسنوات من قبل.

ولأجل التأکد مما ذکرناه سابقاً، فإنه ومن خلال الإجراءات التي اتخذها خامنئي والحرس ونظام الملالي بعد حرب غزة، ومن اعترافات مسؤولي النظام ووسائل الإعلام وتصريحاتهم وكتاباتهم، يمكن أن نرى بوضوح أن الملالي يتبعون الخط نفسه تماماً.

وعلى سبيل المثال يمکن ملاحظة النقاط التالية:

أولاً: في ظل أخبار الحرب في غزة، خامنئي يعمل بكثافة على إقصاء القوى والعصابات داخل نظامه حتى يتمكن الأشخاص الأكثر ولاءً له من دخول برلمان النظام في الانتخابات المقبلة والقضاء على العصابات الأخرى داخل النظام.

ثانياً: خامنئي يبحث عن حل مشكلة خلافته، ولهذا يبحث عن الأشخاص الذين يريدهم أن يدخلوا مجلس الخبراء في الانتخابات التي ستجرى خلال الأشهر المقبلة. ويحدد هذا البرلمان الزعيم المستقبلي للنظام.

ثالثاً: الأهم هو أن خامنئي، باستغلاله الحرب في غزة، كثف القمع داخل إيران لمنع اندلاع انتفاضة جديدة، ويعترف مسؤولو النظام بأنهم، بانشغال العالم في حرب غزة، تمكنوا من رفع معنويات القوات التابعة للنظام وتكثيف القمع في الداخل – تنفیذ ‌الإعدامات بأکثر من 120 حالة‌ خلال شهر واحد - ومنع انطلاق احتجاجات وانتفاضة جديدة.

رابعاً: يقوم خامنئي بتنظيم حملة دعائية واسعة وينظم المسيرات والتجمعات بكل أنواعها لرفع الروح المعنوية للقوى القمعية. وتزعم أجهزة الدعاية التابعة للنظام أن ما يسمى بقوى المقاومة في المنطقة، مثل "حزب الله" اللبناني والحشد الشعبي والحوثيين وغيرها، تتقدم وستغزو المنطقة بأكملها بقيادة علي خامنئي. وسيسيطر نظام الملالي على المنطقة بأكملها، وستسقط أميركا أيضاً، بل يزعمون أن الحرب الحالية في المنطقة ستعجل بظهور الإمام الغائب الإمام الثاني عشر للشيعة وأن الملالي المتاجرين بالدين الحاكمين في إيران يعتبرون أنفسهم ممثلين للإمام المهدي وممثلين لرب العالمين في الأرض.

خامساً: يعلنون بفرح غامر أنه مع بداية هذه الحرب توقفت خطة التطبیع بين حکومات العرب وإسرائيل.

سادساً: كما أطلق النظام شعار الدعم لفلسطين في الأربعين سنة الماضية، لكنهم طعنوا القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية من الخلف، وها هم هذه المرة يطعنون أيضاً في حقوق الشعب الفلسطيني ويعارضون علناً حل الدولتين. وفي هذا المجال تکفي الإشارة إلي تصریح وزیر خارجیة النظام أمیر عبد اللهیان بملء الفم حیث أعلن في الدوحة‌ أخيراً أن الأمر الوحید الذي یجعلنا وإسرائیل بموقف واحد هو معارضتنا الاثنین لحل الدولتین!

أي أنه الآن بعدما اضطر المجتمع الدولي إلى القبول بحل الدولتين بدفع ثمن دماء الشعب، وبخاصة نساء غزة وأطفالها، اتخذ خامنئي موقفاً ضده وطرح خطة وهمية. سمي استفتاء في فلسطين وتدمير إسرائيل لأنه إذا تم حل القضية الفلسطينية وإحلال السلام فإن طريق استغلال القضية الفلسطينية من قبل النظام الذي استغلها على مدى أربعة وأربعين عاماً سيغلق تماماً.

الخلاصة، إن المنطقة والعالم أمام مخطط مشبوه للنظام الإيراني يستهدف من ورائه التصيد في المياه العکرة واستغلال الحرب الدائرة في غزة من أجل توظيفها لخدمة مشروعه الخاص المزعزع للأ‌من والسلام في المنطقة، وإن الضرورة الملحة تستدعي العمل من أجل مواجهة هذا المشروع وإجهاضه قبل فوات الأوان.

عن "النهار" اللبنانية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية