ليبيا: الصّراع بين السّراج وباشاغا يهدّد بحرب بين طرابلس ومصراتة

ليبيا: الصّراع بين السّراج وباشاغا يهدّد بحرب بين طرابلس ومصراتة


28/12/2020

شهدت طرابلس جولة جديدة من الصراع بين رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ووزير الداخلية المفوّض، فتحي باشاغا، انتهت لصالح السراج، الذي خسر الجولة الأولى أمام غريمه.

وكان السراج قد أقال باشاغا من منصبه، في آب (أغسطس) الماضي، قبل أن يُجبر على التراجع عن قراره، حين عاد باشاغا من أنقرة محاطاً بموكب ميليشياوي، في رسالة تهديد صريحة للسراج، ولا يبدو أنّ السراج استسلم للهزيمة، والتي كان لحليفه أردوغان يد فيها؛ بتدخّله لفضّ النزاع بين فريق حكومة الوفاق، الموالي له. ومن الجلي أنّ السراج فهم اللعبة هذه المرة؛ حيث ضمن التأييد التركي له، وفي الوقت نفسه استخدم سلاح القوة، بقرار مفاجئ بفصل ميليشيا قوة الردع الخاصة، بزعامة الطرابلسي عبد الرؤوف كاره، عن وزارة الداخلية، والتي تعدّ أقوى ميليشيا في الغرب الليبي، وأكثرها انضباطاً.

قائد ميليشيا الردع عبد الرؤوف كاره وباشاغا

ويتعدّى قرار السراج صراع ميزان القوة، ويمتد إلى حشد جهوي ضدّ باشاغا المصراتي، وذلك بحشد ميليشيات طرابلس ومدن الغرب ضدّ ميليشيات مصراتة التي تصطف خلف باشاغا، وهو الأمر الذي يزيد من العداء بين المكوّنات الليبية، ويؤجج الصراع بينهم.

السراج يردّ الضربة لباشاغا

نشرت وسائل إعلام ليبية نصّ قرار صادر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج، بإعادة تنظيم جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب؛ حيث تنتقل تبعيته من وزارة الداخلية إلى المجلس الرئاسي.

ورغم صدور القرار، في مطلع شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، إلا أنّه ظلّ طيّ الكتمان، حتى الكشف عنه، في 20 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وحمل رقم 578.

أعرب أحمد معيتيق في حوار مع صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية عن رغبته في تولى منصب رئاسة الحكومة الليبية، خلال الفترة الانتقالية الجارية

وتضمن القرار تغيير الاسم إلى جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتخصيص ذمّة مالية مستقلة عن ميزانية الداخلية، وإجازة إنشاء فروع للجهاز بموافقة السراج.

وحول أهمية انضمام جهاز الردع إلى السراج، يقول الناشط الليبي، محمد قشوط: "قوة الردع تعدّ من أقوى الميليشيات داخل طرابلس، وقد عززت قدراتها المادية واللوجستية بدعم من رجال أمن ومخابرات من النظام السابق، إضافة إلى علاقاتها المنسوجة مع أجهزة مخابرات خارجية، بتعاونها في القبض على عدد من الإرهابيين المطلوبين داخل وخارج ليبيا".

اقرأ أيضاً: إخوان ليبيا يفشلون حوار تونس... هل نجحت مساعي باشاغا؟

وفي السياق ذاته؛ يقول الناشط الليبي، عماد بالنيران: "يمثّل الجهاز القوة الأكبر في وزارة الداخلية، وتمتلك 7 آلاف مقاتل تقريباً، وهي الجهة الوحيدة القادرة على تنفيذ أوامر القبض والتوقيف بحقّ قيادات الميليشيات، كما قبضت على المجرم المطلوب دولياً، عبد الرحمن البيدجا، ومن يضمن ولاءها يضمن السيطرة على العاصمة".

وحول توقيت تسريب القرار، يقول بالنيران، في حديثه لـ "حفريات": "أصدر باشاغا قراراً بالقبض على آمر كتيبة ثوار طرابلس، هيثم التاجوري، المتهم بنهب ملايين الدولارات، بسرقة الاعتمادات المصرفية، لكنّ التاجوري استبق قرار باشاغا بالتحالف مع السراج، فجاء الإعلان عن القرار بمثابة رفض لقرار باشاغا، وكشف للأوراق".

وكان باشاغا عزز من حربه ضدّ الميليشيات الطرابلسية، عبر شنّ حملة باسم مكافحة الفساد خلال الفترة الماضية، والتي طالت رؤوس كبيرة مقربة من السراج.

مناورات باشاغا السياسية

وحين أعلن السراج استقالته، في 16 أيلول (سبتمبر) الماضي، على أن يسلّم السلطة، في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، غضبت تركيا من القرار الذي لم يأتِ عن تشاور معها، وخشيت فقدان رأس السلطة الذي يحظى بالشرعية الدولية، بما يؤثر على شرعية الاتفاقيات التي وقعها معها، خاصة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية.

الناشط محمد قشوط لـ "حفريات": الاصطفاف أصبح واضحاً، فمطلع الشهر الجاري، عقدت ميليشيات طرابلس والزاوية عدّة اجتماعات، واتفقوا على التحالف ضدّ مصراتة

ورأت تركيا أنّ الشرعية التي تعتمد عليها مهددة، لذلك منحت الضوء الأخضر لباشاغا ليُصعد ضدّ السراج، ويوضح ذلك الناشط الليبي، قشوط، لـ "حفريات": "انزعجت تركيا حين أعلن السراج استقالته، وشعرت بأنّ وجودها مهدد، وستفقد غطائها الشرعي، وباتت تبحث عن حليف أكثر ولاءً، فتصدر باشاغا لذلك، وزار أنقرة ثلاث مرات متتالية، لكن حين شعر بأنّ أنقرة لا تدعمه بشكل قوى، بدأ في محاولاً كسب ودّ القوى المناوئة لها، فزار القاهرة، ثمّ باريس، الأمر الذي أغضب أنقرة، وزاد من دعمها للسراج".

ويبدو أنّ محاولة باشاغا اللعب على الحبال جلبت عليه عداء شخصيات كانت قريبة منه، فاصطدم برئيس المصرف المركزيّ، الصديق الكبير، فأصدر قراراً بمنعه من السفر.

وعن سبب العداء مع الصديق، يقول الناشط عماد بالنيران: "في محاولة لإرضاء فرنسا، وقّع باشاغا عقداً لشراء طائرات إيرباص عمودية، لكنّ الصديق الكبير رفض فتح الاعتمادات المالية المطلوبة، في إطار صراع الأجنحة في العاصمة، فكان ردّ باشاغا بمنعه من السفر".

ورداً على باشاغا، أصدر المصرف المركزي قراراً بتجميد حسابات وزارة الداخلية، حتى تقديم تقارير وسندات صرف عن مصروفات السنوات السابقة، مُصدّقة من ديوان المحاسبة، والرقابة الادارية، وإدارة الحسابات والميزانية.

اقرأ أيضاً: تحالف الكبير- باشاغا يسدد فاتورة الاستقواء بتركيا على السراج

ويبدو أنّ مناورات باشاغا السياسية مع مختلف القوى الإقليمية كلفته الكثير، وربما كان هو المقصود بحديث المفتي السابق، والقيادي الإخواني، الصادق الغرياني، الذي طالب فيه الأطراف الليبية في العاصمة بالولاء لتركيا، وعدم نسيان مساعدتها لهم ضدّ هجوم الجيش الوطني السابق.

وكان ملتقى الحوار السياسيّ أخفق في تسمية المرشحين لشغل المناصب القيادية في المجلس الرئاسيّ الانتقاليّ، المزمع تشكيله، وأخفقت محاولة باشاغا في طرح اسمه ضمن المرشّحين لشغل منصب رئاسة الوزراء.

اقرأ أيضاً: السراج يطيح بخصمه العنيد باشاغا.. فهل يكون المشري التالي؟

ولا تدعم تركيا فكرة تشكيل مجلس رئاسي جديد، تكون على رأسه شخصية من الشرق الليبي؛ لذلك تدعم بقوة السراج، الذي يريد البقاء في منصبه لحين إجراء الانتخابات المزمعة، في أواخر العام المقبل.

وفي سياق ذلك، يرى الباحث عماد بالنيران: أنّ "تركيا تدعم السراج بقوة، وموقفها من باشاغا مُبهم، بسبب زيارته لمصر وفرنسا ولقائه بمسؤولين عن الشرق الليبي، ومع ذلك لا يمكن القول إنّه خرج من عباءة الأتراك، لكنّه يهدف إلى تنويع مراكز دعمه، خاصةً مع المجتمع الدولي".

هل تدفع مصراتة الثمن؟

ويتنافس على تصدّر واجهة مصراتة عدد من الشخصيات السياسية، أبرزها فتحي باشاغا، ومنافسه نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أحمد معيتيق، والرجل الأقرب إلى التفاهم مع الشرق، بعد نجاحه في رعاية اتفاق استئناف إنتاج وتصدير النفط.

وأعرب معيتيق، في حوار مع صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، عن رغبته في تولّي منصب رئاسة الحكومة الليبية، خلال الفترة الانتقالية الجارية، ويحظى معيتيق بعلاقات وطيدة مع روسيا وإيطاليا.

وعقب استعراض القوة الذي نفّذته ميليشيات مصراتة في العاصمة، في آب (أغسطس) الماضي، بدأت ميليشيات طرابلس في تكوين حلف مع أعداء مصراتة من ميليشيات الزاوية، خاصة بعد نجاح الأخيرة في طرد ميليشيات الزنتان من العاصمة، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

ويقول الناشط الليبي، عماد بالنيران: "في 12 من الشهر الجاري، عقدت ميليشيات طرابلس اجتماعاً مع ميليشيات الزاوية، لتشكيل تحالف ضدّ مصراتة، بينما انضمت ميليشيات "الفاروق" و"السلعة" و"الإسناد الأولى" إلى باشاغا".

ويضيف الناشط محمد قشوط، لـ "حفريات": "الاصطفاف أصبح واضحاً، فخلال الأيام الأولى من الشهر الجاري، عقدت ميليشيات طرابلس والزاوية عدّة اجتماعات، واتفقوا على التحالف ضدّ مصراتة".

الناشط السياسي الليبي، محمد قشوط

وفي إطار التحشيد بين الفريقين؛ يبدو أنّ باشاغا وجد حليفاً في مدينة الزنتان، التي يقود قواتها آمر المنطقة العسكرية الغربية، اللواء أسامة الجويلي، وعقد، الإثنين، اجتماعاً في العاصمة، في 21 من الشهر الجاري، بدعوى بحث كيفية دعم مخرجات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)".

ورغم الدلائل المتعدّدة على اقتراب الصراع بين الطرفين، إلا أنّ الناشط عماد بالنيران، في حديثه لـ "حفريات"، توقّع أن يتوصل الطرفان لحلّ لتهدئة الأمور، خشية أن يؤدي القتال إلى خسارة كليهما، ويقول: "عقد قادة من مصراتة والغرب اجتماعاً، في 22 من الشهر الجاري، في منطقة ورشفانة، للتباحث حول حلّ الخلافات بينهما".

لقاء الجويلي وفتحي باشاغا

وكانت طرابلس قد شهدت معارك متعددة بين الميليشيات على خلفية الصراع على النفوذ، والصراع الجهوي، وكان آخرها القتال بين ميليشيات الزاوية والزنتان، على خلفية التنافس على تهريب الوقود في الغرب الليبي، وانتهى القتال بانتصار الزاوية، وإضعاف موقع أسامة الجويلي، الذي كان محسوباً على السراج حتى وقت قريب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية