لقاء جنبلاط بوفد حزب الله اللبناني: اضطرار أم اقتدار؟

لقاء جنبلاط بوفد حزب الله اللبناني: اضطرار أم اقتدار؟


21/08/2022

بعيداً عن النقاش الساخن في لبنان، الذي لم يَخلُ من الاتهامات والإساءات، أثار لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، بوفد من قيادات حزب الله، التكهنات حول تبعات ذلك على المشهد السياسي في البلاد، التي تعيش ولادة متعثرة للحكومة، وتنتظر أياماً لبدء المهلة الدستورية لانتخاب مجلس النواب لرئيس الجمهورية.

يضاف ذلك إلى الواقع الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه لبنان، والذي يضيق مساحات العمل أمام سائر القوى السياسية، وإخفاق الصراعات الصفرية من قوى سياسية مع حزب الله، ما يجعل البعض ينظر إلى اللقاء نظرةً إيجابية، ويربطه آخرون بقدرة جنبلاط على قراءة المتغيرات الإقليمية والدولية، والاستفادة منها لمصلحة موقعه السياسي ومكانته في المشهد اللبناني.

لقاء كليمنصو

واستقبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، في كليمنصو، وفداً من حزب الله، ضمّ المعاون السياسي للأمين العام للحزب، حسين خليل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق، وفيق صفا، بحضور عضو الكتلة النيابية للتقدمي (اللقاء الديمقراطي) النائب وائل أبو فاعور، والوزير السابق، غازي العريضي، وذلك بتاريخ 11 آب (أغسطس) الجاري.

وفي معرض تصريحات الجانبين، قال جنبلاط: "اللقاء كان ودّياً وصريحاً، وتركنا جانباً النقاط الخلافية، وتحدثنا حول النقاط التي من الممكن معالجتها بشكل مشترك في الاقتصاد والإنماء وهذه فرصة، والحوار سيستكمل للوصول إلى حدّ أدنى من التوافق على أمور بديهية تهم المواطن".

ومن جانبه، قال حسين خليل: "هناك أمور في السياسة نختلف عليها، وهذا لا يفسد للودّ قضية، ولا يمنع الفرقاء جميعاً من الوقوف على حلّ، وهناك مساحة مشتركة، اللبنانيون قادرون على التناقش فيها".

جنبلاط مرحباً بوفد حزب الله

وعقب الإعلان عن اللقاء، وُجهت اتّهامات شديدة إلى وليد جنبلاط، دارت حول تغيير موقعه في الساحة السياسية، وكتب أحمد خواجه في موقع "لبنان الجديد" عن اللقاء: "تُعدّ استدارة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط باتجاه حزب الله، خطوة سياسية خطيرة على مستقبل لبنان وسيادته واستقلاله، على الصُّعد كافة، فقد سدّد هذا اللقاء ضربة موجعة للتّيار السيادي في البلد".

واللافت التفهم الذي أبدته مصادر من حزب القوات اللبنانية، الأعلى صوتاً في عداوة حزب الله، للقاء جنبلاط وقادة حزب الله، ووصفته المصادر بأنّه "لقاء حواري وليس تبدلاً إستراتيجياً". ومن جانب آخر، تناول مؤيدو تيار المستقبل اللقاء من زاوية المقارنة بين الهجوم الشديد الذي تعرّض له الرئيس سعد الحريري عندما تبنى سياسة الحوار مع حزب الله لتحقيق توافق وطني، وتفهّم أصوات عديدة للخطوة نفسها حين جاءت من الزعيم وليد جنبلاط.

فحوى اللقاء

وحول أهم القضايا التي بحثها جنبلاط مع وفد حزب الله، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، شادي سرايا: "اللقاءات بين الحزب التقدمي وحزب الله لم تنقطع منذ أحداث 7 أيار، ويحاول جنبلاط البحث عن القواسم المشتركة وتنحية الخلافات حالياً، وفي اللقاء تطرق جنبلاط إلى عدة أمور، منها؛ اختيار رئيس جمهورية حيادي وغير صدامي، وألا يكون محسوباً على جبهة الممانعة".

من المحتمل أن تساعد لقاءات جنبلاط بحزب الله في تجنب الدخول في فراغ دستوري رئاسي، في الوقت الذي تعيش الحكومة فراغاً آخر في ظلّ جمود ملف التشكيل

وأضاف سرايا لـ "حفريات": "بحث جنبلاط مع وفد الحزب قضية الصراع مع إسرائيل، وهل الحزب رأس حرب إيرانية في لبنان؟ وجاءه الردّ بأنّ حزب الله لا يشتغل ضمن الأجندة الإيرانية، وسأل عن المسيّرات التي أطلقها الحزب نحو حقل غاز كاريش، فكان الردّ بأنّها صناعة لبنانية، ولم تُطلق بأمر إيراني، بل كموقف وطني".

وأوضح الكاتب اللبناني أنّ جنبلاط أثار قضية مهمة تتعلق بسلاح حزب الله، وهي "ترسيم الحدود مع سوريا وتبعية مزارع شبعا للبنان أم سوريا"، وبحسب الكاتب شادي سرايا: "تعدّ مزارع شبعا مثل قميص عثمان لحزب الله؛ ففي حال ترسيم الحدود مع سوريا، وجاءت من نصيبها، فلم تعد هناك حاجة لسلاح حزب الله، كون لبنان لم تعد أراضيه محتلة، وفي حال تم الاتفاق مع سوريا على أنّها لبنانية يمكن التفاوض مع إسرائيل للانسحاب، وأيضاً لن تكون هناك حاجة لسلاح الحزب، ولهذا فالحزب يعاند في ترسيم الحدود مع سوريا من أجل الاحتفاظ بسلاحه، وهو أمر بحثه جنبلاط مع وفد الحزب".

وفي ملف الإصلاحات الاقتصادية، ذكر الكاتب شادي سرايا أنّ اللقاء تطرق إلى معارضة حزب الله للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وكان هناك "تفهّم وتجاوب من حزب الله لهذه الخطوة".

د. شادي سرايا: جنبلاط أثار قضية مهمة تتعلق بسلاح حزب الله

وكان جنبلاط قد أوفد نجله رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النيابية، النائب تيمور جنبلاط، إلى الديمان، لإحاطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بما دار في اللقاء مع حزب الله، وهي الخطوة التي عدّها مراقبون تبديداً للتخوفات عند الراعي من موقف جنبلاط في وقت تترقب البلاد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وهو الاستحقاق المسيحي الذي يسعى الراعي إلى فكّه من أيدي حزب الله وحلفائه في التيار الوطني الحرّ.

ومن جانبه، قال الصحفي اللبناني، زياد العسل: "جنبلاط قارئ مُدرك لوضع السياسة اللبنانية، ومن أهم اللاعبين فيها، ويدرك أنّ حزب الله مكوّن لبناني موجود شعبياً، وحاضر وله جمهوره، وهو واقع لا يمكن إنكاره".

وتابع لـ "حفريات": "هذا اللقاء سيكون إيجابياً للمرحلة المقبلة، فهو لقاء بين حزبين يمثلان الكثير في النسيج الوطني، ولا يعني ذلك التوافق في الرؤى حيال ملفات عديدة، لكن يعني أنّهم وضعوا شيئاً على الطريق المستقبلي، وهو أمر سينعكس على الاستحقاقات المقبلة، وله تأثير إيجابي في بلد يعاني وضعاً كارثياً".

سلاح حزب الله

وقبل ثلاثة أيام من لقائه وفد حزب الله، قال جنبلاط في حواره مع قناة "المملكة" الأردنية: "الرئيس المقبل عليه وضع برنامج مع حزب الله لاستيعاب سلاحه ضمن هيكلية دفاعية للدولة اللبنانية، بالإضافة للنقاط السياسية والاجتماعية الاقتصادية، حيث إنّ حزب الله موجود ويشكل شريحة كبرى من اللبنانيين".

ويعدّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، من أشدّ القوى السياسية المناوئة لسلاح حزب الله، والتدخلات الإيرانية، وتدخّل حزب الله في الحرب السورية. وفي أحداث 7 أيار (مايو) عام 2008؛ التي شهدت صداماً بين حزب الله والحكومة اللبنانية بدعم من وليد جنبلاط، وشهدت اشتباكات سقط فيها العشرات بين قتيل وجريح، كان جنبلاط على رأس المعارضين لسلاح الحزب ونفوذه في المطارات والمعابر.

الكاتب اللبناني د. شادي سرايا لـ "حفريات": الحوار شيء والتحالف شيء آخر، ولا تحالف بين جنبلاط وحزب الله، كما أنّ وليد جنبلاط رجل سيادي

وبسؤاله عن موقف جنبلاط من سلاح حزب الله، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، شادي سرايا: "الحزب التقدمي من أشد المناوئين لحزب الله، كما شهدنا في أحداث 7 أيار لعام 2008 وأحداث 11 أيار لعام 2008، وكان للحزب وجنبلاط الدور الأكبر في الانتصار على حزب الله في هذه الأحداث".

وشدّد على أنّ "الحوار شيء والتحالف شيء آخر، ولا تحالف بين جنبلاط وحزب الله، كما أنّ وليد جنبلاط رجل سيادي، وهو من علّم الساسة اللبنانيين السيادة والوطنية، والوحيد غير المرتبط بأجندات خارجية نهائياً".

وفي معرض تحليله للقاء جنبلاط بوفد حزب الله، أشار سرايا إلى أنّ "جنبلاط شخصية ديناميكية في السياسة، ولا يقف عند حدّ معين بأيّ عمل سياسي، لأنّ ذلك سيكون جموداً وتحجراً، وهو يعرف متى يواجه أو يهادن، وهدفه الرئيس من اللقاء هو تخفيف التشنج الذي تعيشه البلاد منذ ما قبل الانتخابات النيابية السابقة، فضلاً عن أنّ قوة حزب الله في تنامٍ، ولهذا يريد جنبلاط تجنب وقوع أحداث 7 أيار جديدة".

زياد العسل: جنبلاط قارئ مُدرك لوضع السياسة اللبنانية

وتجمع وليد جنبلاط علاقة تحالف قوية برئيس حركة أمل، رئيس مجلس النواب، نبيه بري، منذ عقود، وهناك حديث عن تشجيع الرئيس بري لعقد اللقاء بين جنبلاط ووفد حزب الله، فضلاً عن لقاء مرتقب بين جنبلاط وحسن نصر الله، لم يتم بعد تأكيده من أي طرف.

وفي سياق الاستحقاق الرئاسي، أعلن جنبلاط رفضه للقاء رئيس القوات اللبنانية، سمير جعجع، في الوقت الذي يقود فيه الأخير جهوداً كبيرة لضمان ترشيح اسم لمنصب رئاسة الجمهورية يتبنى مبدأ الحياد ويقطع مع حزب الله.

ومن المحتمل أنّ تساعد لقاءات جنبلاط بحزب الله في تجنب الدخول في فراغ دستوري رئاسي، في الوقت الذي تعيش الحكومة فراغاً آخر في ظلّ جمود ملف التشكيل، وربما يكون لجنبلاط دور كبير في الدفع بمرشح توافقي للرئاسة، يقطع مع سياسة الرئيس ميشال عون، ولا يمنح غطاءً لسلاح حزب الله، وفي الوقت ذاته يدرك واقع سلاح الحزب، ويسعى لاحتوائه ضمن الدولة، مع التركيز على الإصلاحات الاقتصادية التي باتت أولوية لدى المواطنين.

ويُذكر أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي لديه 9 مقاعد في مجلس النواب الذي يبلغ عدد مقاعده 128 مقعداً، وكانت كتلة الحزب النيابية قد سمّت السفير السابق نواف سلام لتشكيل الحكومة.

 

مواضيع ذات صلة:

حزب الله اللبناني ومرحلة التنازلات الصعبة... قراءة في نتائج الانتخابات اللبنانية

نتائج الانتخابات وضعت لبنان أمام خيارين أمرّهما... "حلو"

لبنان: حزب الله يلوح بالحرب الأهلية... ومنظمة "لادي" تتحدث عن خروقات الحزب



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية