كيف يحمي سكّان البلدة القديمة بالخليل أنفسهم من اعتداءات المستوطنين؟

كيف يحمي سكّان البلدة القديمة بالخليل أنفسهم من اعتداءات المستوطنين؟


29/03/2021

داخل البلدة القديمة بالخليل، جنوب الضفة الغربية، يحيط سياج حديدي، شيّده الفلسطينيون، بالبلدة في عدد من أزقّتها وساحاتها ومنازلها، لحمايتهم من الحجارة والقاذورات التي يلقيها المستوطنون بشكل مستمرّ عليهم، في محاولة لدفعهم على ترك منازلهم ومغادرة بلدتهم نحو المناطق الفلسطينية الأخرى.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، اليونسكو، قد أدرجت، في تموز (يوليو) 2017، البلدة القديمة والحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، على لائحة التراث العالمي، كإحدى المناطق المحمية.  

يحيط سياج حديدي، شيّده الفلسطينيون، ببلدة الخليل، بعدد من أزقّتها وساحاتها ومنازلها

ووقّعت منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الاحتلال، في 15 كانون الثاني (يناير) 1997، اتفاق الخليل، أو ما يعرف باسم "بروتكول الخليل"، الذي يقضي بتقسيم المدينة إلى قسمين: منطقة "H1"، وتشكّل مساحتها 80% من مساحة المدينة الإجمالية، وتخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الفلسطينية، ومنطقة "H2"، وتشكّل مساحتها 20%من مساحة المدينة، وتتركز في البلدة القديمة وسط مدينة الخليل، وتخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، على أن تتحمّل بلدية الخليل مسؤولية الأمور الخدماتية التي تقدّم للسكان في هذه المنطقة.

التهويد ما يزال مستمراً للحارات في البلدة القديمة وللمسجد الإبراهيمي، الذي تمّت مصادرة 300 متر من ساحاته مؤخراً لبناء مصعد للمستوطنين

وفي كانون الثاني (يناير) 2019؛ قرّرت حكومة الاحتلال إنهاء عمل بعثة المراقبين الدوليين في مدينة الخليل، والتي بدأت عملها بموجب "البروتوكول" الذي تمّ التوصّل إليه عقب مجزرة المسجد الإبراهيمي، التي وقع ضحيتها 29 فلسطينياً، على يد المستوطن الصهيوني باروخ غولدشتاين.

شباك معدنية

بدوره، يقول منسق تجمّع المدافعين عن حقوق الإنسان بالخليل، عماد أبو شمسية: إنّ "الفلسطينيين بالبلدة القديمة بالخليل يلجؤون لوضع شباك معدنية في ممرات الشوارع وساحات البيوت المفتوحة والقريبة من تجمعات المستوطنين، والذين استولوا على عدد من منازل السكان المرتفعة، لحمايتهم من اعتداءاتهم المتواصلة، والتي تتمثل بإلقاء القمامة والحجارة والزجاجات الحارقة عليهم".

عماد أبو شمسية

وتابع أبو شمسية، خلال حديثه لـ "حفريات": "مساحة البلدة القديمة تبلغ 5 كيلو مترات، ويسكنها ما يقارب 7 آلاف فلسطيني، كما توجد بالبلدة عدة مستوطنات إسرائيلية؛ كمستوطنة بيت هداسا، وإبراهيم افينو، وبيت رومانو، وتل الرميدة والمدرسة الدينية، وتضمّ 800 مستوطن إسرائيلي، تتمّ حمايتهم من قبل 2500 جندي إسرائيلي"، مبيناً أنّه: "خلال العامين 2014 و2021، استولى المستوطنون على عدة منازل فلسطينية؛ منزل عائلة الزعتري، والرجبي، وأبو رجب".

اقرأ أيضاً: لماذا تزوّد إسرائيل المستوطنين بطائرات مسيّرة؟

وأوضح أنّ "الاحتلال عمل على تقسيم البلدة القديمة إلى عدة مناطق تضمّ بشكل كامل المستوطنين الإسرائيليين، دون وجود لأيّ سكان عرب فيها، وكذلك عمد إلى تركيب عدة بوابات إلكترونية وحواجز إسرائيلية في كافة أحياء البلدة القديمة نحو الحرم الإبراهيمي الشريف، وكذلك السماح للمستوطنين بالتسوق من أسواق البلدة القديمة العربية، بالتالي؛ يكون الفلسطينيون عرضة للاعتداءات المباشرة من قبلهم".

تقييد حركة المواطنين

ولفت إلى أنّ "السلطات الإسرائيلية قامت بمصادرة عدة مساكن عربية بالبلدة القديمة بالخليل، ونصب أكثر من 20 حاجزاً وبوابة إلكترونية، وضعت عليها كاميرات مراقبة، تحديداً بالقرب من المنطقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي، لمراقبة تحركات الفلسطينيين، وتسهيل حركة المستوطنين داخل البلدة".

اقرأ أيضاً: آثار نادرة في المعهد البابوي بالقدس لم تسلم من اعتداءات المستوطنين

وأكّد أبو شمسية؛ أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يضع عراقيل كبيرة أمام حركة تنقل الفلسطينيين في حارات البلدة، من خلال تحويل حارة السهلة إلى منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وكذلك وضع بوابات إلكترونية وحواجز عسكرية على حارتَي السلايمة وغيث، اللتين تقعان على مقربة من الحرم الإبراهيمي؛ حيث تفتَح تلك البوابات من قبل الجيش الإسرائيلي أمام الفلسطينيين للدخول والخروج منها، من الساعة 6 صباحاً وحتى الساعة 8 مساء فقط".

اقرأ أيضاً: تهديد إسرائيلي بجلب مليون مستوطن شمال الضفة الغربية

من جهته، يقول عبد الهادي حنتش، عضو اللجنة العامة للدفاع عن الأراضي بالضفة الغربية والباحث في شؤون الاستيطان بالخليل، لـ "حفريات": إنّ "الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على السكان في البلدة القديمة في الخليل من قبل المستوطنين، دفعت ببعض الفلسطينيين لتركيب شباكٍ حديدية داخل ساحات منازلهم، لحمايتهم من اعتداءات المستوطنين بحقّ سكانها".

عبد الهادي حنتش

وتابع حنتش: "أعداد السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة تقلّص من 30 ألف نسمة إلى 10 آلاف نسمة، بفعل المضايقات الإسرائيلية واعتداءات المستوطنين"، موضحاً أنّ "إعطاء الاحتلال مستوطنة كريات أربع صفة بلدية مكّن من ضمّ كافة البؤر الاستيطانية في قلب مدينة الخليل إليها".

تهويد مستمرّ

ولفت إلى أنّ "إسرائيل استغلّت اتفاقية الخليل، عام 1997، في تعميق الاستيطان في البلدة القديمة وتهويدها بشكل مستمر"، مشيراً إلى أنّ "البلدة القديمة بالخليل تشهد ارتفاعاً ملحوظاً بعمليات الاستيطان والاستيلاء على منازل الفلسطينيين، والتي وصلت ذروتها بعد إعلان الاحتلال الحرم الإبراهيمي بأنّه جزء من التراث اليهودي؛ حيث تدّعي إسرائيل أنّ سيدنا إبراهيم يهودي، وأنّ المسلمين استولوا على الحرم، ما أدّى إلى الاستيلاء الإسرائيلي على أكثر من 60% من المسجد وتحويله إلى كنيس يهودي؛ ليصبح الحرم المكان الوحيد في العالم الذي يضمّ كنيسة ومسجداً معاً".

منسق تجمّع المدافعين عن حقوق الإنسان بالخليل، عماد أبو شمسية لـ"حفريات": الاحتلال ركّب بوابات إلكترونية في كافة أحياء البلدة القديمة نحو الحرم الإبراهيمي الشريف

وأكّد حنتش؛ أنّ "البعثة الدولية التي تكفّلت بحماية السكان الفلسطينيين بالخليل، لم يكن لها دور مؤثر في كبح جماح اعتداءات المستوطنين، واكتفى المراقبون بتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية فقط، ونقلها إلى مسؤوليهم؛ حيث سعت السلطات الإسرائيلية لإطلاق العنان للمستوطنين للاعتداء على كافة الفلسطينيين ليس بالخليل فقط؛ بل في كافة أرجاء الضفة الغربية، وتشكيل عصابات صهيونية، كشباب التلال، وتدفيع الثمن، لممارسة شتى الاعتداءات والهجمات ضدّ الفلسطينيين".

تغيير معالم الخليل وهويتها العربية

ويرى مؤسّس مجموعة "شباب ضدّ الاستيطان" (ياس) في الخليل، عيسى عمرو؛ أنّ "الإجراءات الإسرائيلية واعتداءات المستوطنين المتواصلة في البلدة القديمة بالخليل، تسبّبت بإغلاق أكثر من 1800 محلّ تجاري، وكذلك تهجير 43% من سكان البلدة، وقطع أوصالها وتحويلها إلى مدينة أشباح".

عيسى عمرو

وتابع عمرو، في حديثه لـ "حفريات": "الاحتلال الإسرائيلي قام باستبدال مسميات عدد من الشوارع في البلدة القديمة بالخليل بأسماء عبرية؛ كشارع الشهداء الذي سمِّي "شارع الملك داود"، وشارع جابر الذي أطلق عليه الاحتلال "شارع الحارات اليهودية"، وذلك بهدف تغيير معالمها وهويتها العربية".

ولفت إلى أنّ "التهويد ما يزال مستمراً للحارات في البلدة القديمة وللمسجد الإبراهيمي، الذي تمّت مصادرة 300 متر من ساحاته مؤخراً لبناء مصعد للمستوطنين".

وأكّد عمرو؛ أنّه "في ظلّ جائحة كورونا، طبّقت إسرائيل القانون المدني على الحرم الإبراهيمي، وهو الذي يفرض إغلاق الحرم أمام المصلّين الفلسطينيين، بحسب توقيت الكنس اليهودية، وهو يظهر بشكل واضح أنّ الحرم الإبراهيمي يخضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة، كجزء من تطبيق خطة الضمّ الإسرائيلية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية