كيف نقرأ قرار السلطة الفلسطينية إعادة العلاقات مع إسرائيل؟

كيف نقرأ قرار السلطة الفلسطينية إعادة العلاقات مع إسرائيل؟


19/11/2020

بالرغم من أنّ الانتخابات الأمريكية لم تحسم بشكل كامل لصالح "جو بايدن"، وأنّ مؤشرات كثيرة تشير إلى أنّ الرئيس دونالد ترامب سيسلّم عاجلاً أم آجلاً بفوز بايدن، تفاجئ السلطة الفلسطينية جماهير الشعب الفلسطيني والعربي بأنها قرّرت استئناف علاقاتها مع إسرائيل، وإعادة التنسيق الأمني الذي أوقفته احتجاجاً على "صفقة القرن" وتبعاتها، والقرار الإسرائيلي بضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن.

قبلت السلطة الفلسطينية باتفاقات المصالحة في إطار استراتيجية كسب الوقت، انتظاراً لنتائج الانتخابات الأمريكية والرهان على إمكانية مغادرة ترامب البيت الأبيض

بعيداً عن جدالات المفاجأة وعدمها تجاه قرار السلطة الفلسطينية، والمبرر من وجهة نظرها برسالة التزام وردتها من القيادة الإسرائيلية بالعودة إلى تعهداتها التي سبقت وقف التنسيق بين السلطة وإسرائيل، فإنّ ما يلفت النظر هو أنّ القرار جاء في سياقات مصالحة فلسطينية بين الفصائل الفلسطينية بعد مؤتمرات شهدتها رام الله وبيروت ولقاءات تشهدها القاهرة هذه الأيام، تمّ خلالها التوقيع على اتفاقات بخصوص مواجهة السلام العربي مع إسرائيل، وتصلب القيادة الفلسطينية عبر سلسلة من القرارات لإجراء انتخابات للقيادة الفلسطينية والبرلمان الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: أكاذيب تركيا وإيران في الجهاد من أجل فلسطين

لقد كان واضحاً ولأسباب عديدة أنّ السلطة الفلسطينية إنما قبلت باتفاقات المصالحة في إطار استراتيجية كسب الوقت، انتظاراً لنتائج الانتخابات الأمريكية والرهان على إمكانية مغادرة ترامب البيت الأبيض، وأنّ هناك إمكانية لبناء تفاهمات مع الديمقراطيين، الذين لا يؤيدون إسرائيل، وغير منحازين إليها بشكل كامل كما هو حال ترامب.

اقرأ أيضاً: السلطة الفلسطينية تستأنف التنسيق مع إسرائيل... ما علاقة أبو ظبي؟

كما كان واضحاً أنّ ما تمّ من اتفاقات كان مجرّد تعبيرات دبلوماسية  لا تخفي الفجوة العميقة بين فتح وحماس، وتناقض مشروعيهما، رغم التحولات التي طرأت على مشروع حماس من مشروع مقاوم لإسرائيل إلى مشروع مقاوم منافس للسلطة في قيادة الشعب الفلسطيني، مع استعداد  لبناء "تفاهمات" مع إسرائيل، وفق مرجعيات أعمق لكلٍّ من فتح وحماس، مرتبطة بانضمام كلٍّ منهما لتحالفين مختلفين في الإطارين العربي والإقليمي، ففي الوقت الذي تشكّل فيه إيران وتركيا مرجعيات لتحالفات حماس، فإنّ السلطة الفلسطينية وحركة فتح، منذ أوسلو، لم تخرج من فضاءات الاعتدال العربي، خاصة بعد تحولها إلى نظام سياسي، مرتبط كليّاً بإسرائيل، وغير قادر على إنتاج انتفاضة أو مقاومة خارج إطار المقاومة الدبلوماسية، وهو ما يفسّر صيغ التضامن التي صدرت عن قيادة السلطة الفلسطينية خلال تعرّض قطاع غزة لضربات عسكرية من إسرائيل منذ عام 2007.

التغيير الأمريكي ستكون انعكاساته شكلية على مسار السلام الفلسطيني- الإسرائيلي، ولن يصل إلى مستوى التراجع عن قرارات وسياسات أنجزها ترامب

 

مؤكد أنّ السيناريوهات القادمة مفتوحة على احتمالات عديدة في المستقبل، بما فيها المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، فالمنطقة كلها، بما فيها داعمو حماس وحلفاؤها "تركيا وايران"، يتخذون إجراءات وقرارات حاسمة ومفصلية تصبّ كلها في إطار التكيف مع التغيير الذي ستشهده أمريكا بقدوم "بايدن"، فإذا توقف التصعيد التركي في أذربيجان وشرق المتوسط وفي ليبيا إضافة إلى سوريا، وتوّج برفض استقبال "بومبيو" وزير خارجية ترامب في زيارته الأخيرة للمنطقة، فإنّ إيران قدّمت رأس  أيمن الظواهري لأمريكا وبتنفيذ إسرائيلي، وغضّت الطرف عن توثيق العراق علاقاته مع المملكة السعودية، وضمن اتجاهات إيران وتركيا، فمن المؤكد أنّ تحولاتهما ستطال أدوارهما المطلوبة القادمة في القضية الفلسطينية، وهو ما يعني الذهاب بعيداً بممارسة ضغوطات على حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

اقرأ أيضاً: فلسطين تعيد سفيريها إلى الإمارات والبحرين... هل انتهت الخلافات السياسية؟

هذا التغيير الأمريكي ستكون انعكاساته شكلية على مسار السلام الفلسطيني- الإسرائيلي، ولن يصل إلى مستوى التراجع عن قرارات وسياسات "أنجزها" ترامب، بما فيها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فيما سيتمّ إعادة النظر بقضية اللاجئين بحدود لن تصل إلى تنفيذ حقّ العودة، وربما إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وقرارات أخرى شبيهة بالاعتراف بالسلطة الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: هل أخفق الدور التركي في رعاية المصالحة الفلسطينية؟

ورغم كل ما تقدّم، فإنّ الوصول إلى تفاهمات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس ربما تفرضه التحولات العميقة التي ستشهدها محاور التحالفات والدعم الإقليمية، وهو ما يعني استعدادات مشتركة من الجانبين للمرحلة المقبلة تضمن تصليب الموقف الفلسطيني للحصول على الحقوق الفلسطينية، بعيداً عن مقاربات الحزبية الضيقة والمكاسب الآنية، فقوى المنطقة وفقاً لصيغة الاعتدال والممانعة القائمة ستختفي، ومؤشرات هذا الاختفاء بدأت تباعاً اليوم، وعبر العديد من المحطات، وحتى 20 يناير القادم ربما لا تكون موجودة وبمفآجات غير متوقعة، تتجاوز المفاجأة التي أعلنت عنها السلطة الفلسطينية بإعادة العلاقات مع إسرائيل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية