كيف ستبدو سياسات بايدن حيال الملف النووي الإيراني؟

كيف ستبدو سياسات بايدن حيال الملف النووي الإيراني؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
25/11/2020

يحتلّ البرنامج النوويّ الإيرانيّ أولويّة إسرائيلية متقدّمة في تقييم سياسات الرئيس الأمريكيّ المنتخب، جو بايدن، ويكمن التقييم الإسرائيليّ في أنّ إيران تنتظر، وتتوق، لسياسات بايدن تجاهها، وتدرك أنّها لن تكون قادرة على تحمّل المزيد من الضغوط الداخلية غير المسبوقة، التي سببتها العقوبات الأمريكية في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، ومع وصول المرشّح الديمقراطي الأمريكي، جو بايدن، لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، واتّهام سياسات ترامب السابقة بالفاشلة، لعدم استخدامها في تعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والانسحاب أحاديّ الجانب من الاتفاق النووي الإيرانيّ، يتزايد الحديث في المنطقة العربية عن طبيعة التغييرات التي قد تطرأ على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وقضاياها؛ إذ تبرز منطقة الشرق الأوسط كواحدة من أكثر مناطق النفوذ الأمريكيّ إثارة للجدل، بملفّاتها الساخنة وأزماتها، والتي ربما باتت أكثر تعقيداً في ظلّ حكم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

ووجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، بعد أن تحدثت تقارير أمريكية عن عزم بايدن على العودة إلى الاتفاق الذي توصّلت إليه إدارة أوباما سابقاً مع إيران، حثّه من خلالها على عدم العودة إلى الاتفاق مع إيران حول البرنامج النووي، والاستمرار في انتهاج سياسة غير قابلة للمساومة مع طهران، والعمل بقوة على منع امتلاك إيران السلاح النووي، وشدّد نتنياهو على أنّ الجيش سيواصل العمل ضدّ أيّ هدف له علاقة بتمركز القوات الإيرانية في سوريا، وهذا يعدّ رسالة إلى الولايات المتحدة والجهات الخارجية ذات الشأن؛ بأنّ إسرائيل وحدها صاحبة القرار باختيار طريقة مواجهة المخاطر التي تهدّد أمنها.

سياسات مميزة

في المقابل؛ تحدّثت تقارير إسرائيلية عن أنّ بايدن سيتّجه نحو اتّخاذ سياسات يميز من خلالها نفسه عن سلفه ترامب، ومن أبرز القضايا المطروحة أمامه على الطاولة؛ القضية الفلسطينية، والبرنامج النووي الإيراني، وبحسب التقديرات؛ فإنّ بايدن لن يبقي سياسات ترامب سارية المفعول في تلك القضايا، بل سيتّجه لتحقيق السلام العادل في القضية الفلسطينية، والإقدام على إبرام اتفاق جديد مع طهران حول البرنامج النوويّ، يخفّف من خلاله التهديد والتوتر القائمَين في الشرق الأوسط.

الكاتب الإسرائيلى في صحيفة "معاريف"، إيتان غلبوع، لا يبدي ارتياحه من فوز جو بايدن، الذي سيتوصّل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي الإيراني، ويرفع بذلك العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، والتي شكّلت ضغطاً قوياً عليها، إلى جانب سعي بايدن إلى تنسيق كبير مع الدول الأوروبية، كي لا يكون منعزلاً مثل ما كان سلفه ترامب، ولذلك يتوقّع الكاتب، غلبوع، أن تؤثر سياسات بايدن المقبلة بشكل كبير في إسرائيل.

أيّ اتفاق مع إيران حول برنامجها النوويّ يصبّ في مصلحة إسرائيل؛ لأنّ ذلك سيلزم إيران بوقف خطة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، ووقف تطوير سلاحها النوويّ

وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم": "من السابق لأوانه تقدير تأثير سياسة بايدن في مكانة إسرائيل، ويتعيّن ذلك على طبيعة وظائف وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، التي من شأنها أن توضح الصورة ولو قليلاً، لكن في مقابل ذلك تدرك الصحيفة أنّ لدى الحزب الديمقراطي الأمريكي سياسة قائمة على التصالح مع  إيران، التي تعتبر قضيتها من أبرز القضايا الساخنة في المنطقة، إضافة إلى إيجاد حلّ عادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن شأن ذلك أن يعيد للإٍرائيليين ذكرياتهم السيئة التي عاشوها في عهد الرئيس أوباما. 

من جهته، قال المختص في الشأن الإسرائيلي والأمريكي، د. وليد المدلل: إنّ سياسات الإدارة الأمريكية المقبلة، برئاسة المرشّح الديمقراطي، جو بايدن، ستعمل على تفعيل كافة العلاقات التي أحدث ترامب فيها شرخاً، وشكّل على إثرها تدهوراً في العلاقات الخارجية لأمريكا، في حين أنّ القطيعة التي أفرزتها سياسات ترامب الفاشلة في التعامل مع هذه الدول، زادت من قوتها، وأبرز مثال على ذلك إيران، التي تواصل مواجهة العقوبات الأمريكية بتطوير برنامجها النووي، ودعم الحركات المسلّحة في الشرق الأوسط، للتأثير على الوجود الأمريكيّ.

البرنامج النووي الإيراني

وأشار المدلل، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ بايدن يرى في إيران قوة عظيمة في المنطقة، لا يستهان بها، ولا يمكن، تحت أيّ ظرف الاشتباك معها؛ كونها تسعى وبجهود ذاتية إلى تطوير سلاح نووي، وليس فقط سلاحاً تقليدياً، لذلك فإنّ العودة إلى تفعيل اتفاق 2015 مع إيران حول البرنامج النووي أمر وارد وبقوة ضمن سياسات بايدن المقبلة، خاصّة أنّ دولاً أوروبية عديدة رحّبت سابقاً بقرار الرئيس أوباما حول فتح قنوات حوار مع إيران، والاتفاق حول البرنامج النووي، وما تزال تؤيد العودة واستنكرت سابقاً قرار ترامب بالانسحاب، الذي دفع بإيران للعودة إلى تخصيب اليورانيوم بعد أن نجح اتفاق أوباما بوقفه مقابل تسهيلات قدِّمت لإيران.

أستاذ العلوم السياسية محمود أبو حرب لـ"حفريات": إدارة بايدن ستكون في وضع صعب خلال العام الأول لانشغالها بمعالجة إساءات ترامب لصورة الولايات المتحدة

وحول مخاوف إسرائيل من عودة أمريكا للاتفاق حول البرنامج النووي مع إيران؛ أوضح المدلل أنّ أيّ اتفاق مع إيران حول برنامجها النوويّ يصبّ في مصلحة إسرائيل قبل الولايات المتحدة؛ لأنّ ذلك سيلزم إيران بوقف خطة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، ووقف تطوير سلاحها النوويّ، إلى جانب تقييد نفوذها في المنطقة، والتراجع عن دعم الميليشيات الموالية لها، وذلك وفق ضمانات ستتعهّد بها، أما على صعيد التموضع الإيراني في سوريا؛ فهذا التموضع قديم، وليس وليد اليوم، لكنّ التوتر الذي أشعله ترامب مع إيران، وفرضه للعقوبات، دفعها لتعزيز نفوذها في سوريا، وغيرها من بلدان المنطقة، وهذا ما أزعج إسرائيل في المقابل، وجعلها تحت تهديد إيران.

أشار المدلل إلى أنّ إسرائيل مضطرة للعمل مع الإدارة الأمريكية المقبلة، وعدم إظهار أيّ ردّ علنيّ، أو انتقاد، لسياساتها في المنطقة، سواء بالعودة إلى الاتفاق مع إيران، أو السعي نحو العودة إلى طاولة التفاوض، لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية؛ فذلك سيعمل على توسيع الفجوة بين الإدارة الديمقراطية، وكذلك مع الجالية اليهودية في أمريكا، وهي طبقة مهمّة، تواصل تعزيز العلاقات بين واشنطن وإسرائيل، وأيّ انزلاق في العلاقات سيؤجّج التوتر بين البلدين.

اقرأ أيضاً: هكذا تغلغل النظام الإيراني في القرن الأفريقي

على صعيد طهران؛ تفاءل مراقبون إيرانيون بإبعاد شبح الحرب عن بلادهم، عقب إعلان الديمقراطي، جو بايدن، فوزه برئاسة أمريكا، في حين حذّر آخرون من افتعال الرئيس، المنتهية ولايته، دونالد ترامب، أزمة جديدة في المنطقة، قبيل مغادرته البيت الأبيض، في وقت كانت العقوبات التي فرضها ترامب جبارة جداً، باستهدافها الوضع المعيشيّ للمواطن العادي الذي انقلب مرات عديدة على الحكومة.

شخصية جو بايدن

في سياق ذلك، أكّد أستاذ العلوم السياسية، محمود أبو حرب، أنّ شخصية جو بايدن تعدّ من الشخصيات العادلة والمنضبطة والمعروفة، سواء مع خصومه في الداخل أو في الخارج، كما أنّ بايدن شخصية سياسية تؤمن بالاتفاقات الدولية والعالمية، وبتفعيل دور المؤسسات الدولية لإدارة العالم، لكن، بحسب أبو حرب؛ فإنّ بايدن لن يقدم الدعم السياسي الكافي لإسرائيل، بالصورة التي كانت عليها في عهد ترامب، وفي ذلك إشارة لسير إدارة بايدن عكس ما كانت عليه إدارة ترامب، وما قدّمته من دعم سخيّ لإسرائيل.

وأضاف أبو حرب، في حديثه لـ "حفريات": "إدارة بايدن ستكون في وضع صعب خلال العام الأول من فترة الحكم، وذلك لانشغالها بترميم العلاقات، بعد أن أساء ترامب لصورة الولايات المتحدة طوال سنوات حكمه، لا سيما بعد التنصّل أحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات صارمة عليها، وما أفرزه ذلك من عدم استقرار في المنطقة، نتيجة دعم إيران الميليشيات في الشرق الأوسط، إضافة إلى احتدام الخلافات السياسية بين أمريكا والصين، خاصة بعد تفشّي وباء كورونا واتهام ترامب الصين بافتعال الأزمة.

وتابع: "ستكون أبرز مهام إدارة بايدن المقبلة العودة إلى الملف النووي الإيراني، كأحد الملفات الساخنة التي يبرز صداها في منطقة الشرق الأوسط، وتستعدّ إيران، بدورها، لمثل هذا السيناريو، والتي ستقدّم من جهتها تنازلات لبايدن لفتح الطرق التجارية أمامها وإعادة ترميم أوضاعها الاقتصادية، أما عن باقي القضايا العالقة في الشرق الأوسط؛ فسيترك بايدن العرب يحلون مشكلاتهم بأنفسهم؛ فالفترة التي سيقضيها بايدن تعدّ، من وجهة نظر الكاتب أبو حرب، غير كافية لحلّ كافة القضايا العالقة في المنطقة، خاصّة أنّ أمريكا تعاني من مشكلات داخلية، وسيفرغ بايدن جلّ وقته لإيجاد حلول لها، والإلتزام بما وعد فيه ناخبيه.

اقرأ أيضاً: الإرهاب الحوثي.. عدائية إيران تغتال فرص السلام باليمن

وبسؤاله حول زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لإسرائيل؛ أشار أبو حرب إلى أنّ هذه الزيارة ليس لها علاقة بالإدارة الامريكية الجديدة، ومستقبل العلاقة مع إسرائيل، بل تأتي في سياقَين فقط: الأول؛ استفزاز الشعب الفلسطينيّ والوقوف على قرب من قواعد إيران في سوريا، عندما زار الجولان وشدّد على مواصلة الدعم الأمريكي لإسرائيل. والسياق الثاني؛ أنّ الزيارة تأتي كمصلحة شخصية لبومبيو من أجل مستقبله الشخصي لسنوات قادمة، وذلك في حال ترشّح لمنصب الرئاسة الأمريكية، وإظهار دعمه لإسرائيل، الذي تعدّ مسألة مهمة للحصول على تأييد الناخبين المسيحيين للحزب الجمهوري.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية