كيف تسعى السعودية للتحرر من اختطاف "الإخوان" المناهج الدينية؟

الإخوان المسلمون

كيف تسعى السعودية للتحرر من اختطاف "الإخوان" المناهج الدينية؟


26/04/2018

تُنفِّذ المملكة العربية السعودية نقلة نوعية في قطاع التعليم الديني من أجل نفض ما تعرض له من سطوة التيارات الفكرية الدينية المتطرفة، وذلك من أجل المضيّ قدماً في رؤية 2030، وهي الرؤية المنصبة على تطوير الكوادر البشرية الوطنية، بعيداً عن الأدلجة واحتكار الحقيقة الدينية أو اختطافها من قبل جماعة أو حزب. وقد أطلقت وزارة التعليم السعودية خطة لاجتثاث فكر جماعة "الإخوان المسلمين" من المدارس والجامعات، ووعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالقضاء عليه، فيما أقر وزير التعليم أحمد العيسى "بتغلغله في المنشآت التعليمية والمناهج الدراسية"، مشدداً على الجهود التي تبذلها وزارته لتخليص النظام التعليمي من "شوائب منهج الجماعة الإرهابية"، على حدّ تعبير الوزير الذي أكّد أن ذلك يعني كذلك "منع الكتب المحسوبة على الجماعة من جميع المدارس والجامعات" السعودية.

أقر وزير التعليم السعودي، أحمد العيسى، بتغلغل فكر جماعة "الإخوان" في المنشآت التعليمية والمناهج الدراسية

"مركز الوعي الفكري"

وكان العيسى أقرّ بأنّ توغل جماعة "الإخوان" في التعليم حقيقة لا تقبل النقاش، إضافة إلى انخراط بعض رموز الجماعة من الذين هربوا من مصر في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي والتحقوا بقطاع التدريس في التعليمين العام والجامعي السعودي. وقد نقلت صحيفة "الحياة" (22/3/2018) عن وزارة التعليم السعودية أنّها أوكلت مهمة اجتثاث "الفكر الإخواني" إلى "مركز الوعي الفكري"، الذي أطلقته في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بهدف "تنظيم العمل الفكري، واستئصال الشوائب والأفكار والسلوكيات المنحرفة". ويعمل المركز على تخليص "التعليم" في المملكة ومنسوبيه من فكر الجماعة، التي صنفتها السعودية قبل أربعة أعوام "جماعة إرهابية".

يعمل المركز على تخليص "التعليم" في المملكة ومنسوبيه من فكر الجماعة

إعادة الاعتبار لرموز حاربها المتطرفون

وذكر تقرير نشرته "الشرق الأوسط" (23/4/2018) أنّه اتضحت في الآونة الأخيرة محاولة نفض تلك الحقبة المترسخة في المملكة؛ فقد أدرجت وزارة التعليم السعودية كتاب "حياة في الإدارة" للمثقف السعودي الراحل غازي القصيبي-الذي عانى التهجم الكبير عليه من قبل الإسلاميين المتطرفين في السابق-ضمن مادة المهارات الإدارية لطلاب التعليم الثانوي بدءاً من العام المقبل. وذكر وزير التعليم العيسى بأنّ اطلاع الطلاب على هذا الكتاب يسلط الضوء على الحياة الواقعية للراحل الذي كان حريصاً في سيرته المهنية على تجسيد انتمائه لوطنه، إلى جانبه ريادته في مجال الإدارة. وإلى ذلك، أصدرت وزارة التعليم دليلاً شاملاً للمعلم يمكنه من إدارة الجلسات التعليمية التي تتيح فرصة التعلّم الذاتي للطلاب لتدريبهم على صناعة المعارف بدلاً من استهلاكها، وتحفيزهم من خلال هذه النماذج من أجل إنتاج مشاريع تعليمية رائدة.

كتاب "حياة في الإدارة" للمثقف السعودي الراحل غازي القصيبي

انحسار روح متسامحة

ويكرر المسؤولون السعوديون، وعلى رأسهم ولي العهد، رغبتهم في إعادة بلدهم إلى المرحلة التي سبقت تغلغل "الإخوان" والأفكار السلفية المتطرفة في بنية المجتمع والثقافة والتعليم في المملكة؛ أي الفترة التي سميت بـ"الصحوة". ويجادل مثقفون سعوديون بأنّ بلدهم كان يعيش-قبل هذه الفترة التي اختطفتهم لأربعة عقود- أجواء من التسامح والاعتدال وحب العيش والفنون والبساطة، وفي ذلك يقول الكاتب الصحفي عبد الرحمن الراشد ("الشرق الأوسط":22/4/2018): "في السبعينيات والستينيات (من القرن الماضي)، عايشنا (الرياض العاصمة) مدينة بسيطة، تكفي سكانها بعض النشاطات الصغيرة لتجعلهم سعداء. زارها محمد علي كلاي، وكنا ننتظره بشوق عند برج المياه، معلَم المدينة الرئيسي. وضم نادي الهلال لكرة القدم اللاعب البرازيلي العالمي ريفيلينو، وكان الملعب يكتظ بحضور المباريات. حتى ليالي رمضان كانت عامرة بالنشاطات الرياضية، دوري كرة السلة ودوري الكرة الطائرة، ولم نكن نجد مكاناً نجلس أو نقف فيه". ويضيف الراشد:"كانت العاصمة لا تخلو من وسائل الترفيه، فعدا عن دور السينما، كانت توجد محالّ مخصصة في إيجار الأفلام السينمائية، في حي المربع، وماكينة عرض وأفلام للويكند. وحال المدينة لم تكن معيشياً تسمح بالكثير من الترف، مع هذا كانت هناك حفلات فنية، وفي الأعياد تسيّر الفرق الموسيقية العسكرية، وتقام الاحتفالات الشعبية التي تعكس فنون البلاد". وعن تغيّر الحال فيما بعد بتأثير من الأفكار المتشددة يقول الراشد إنّ تلك "الروح المتقبلة المتسامحة، والمتشوقة، انحسرت تدريجياً وضاقت مع ظهور أناشيد الجهاد في حرب أفغانستان، وتسيّد الدعاة الساحة، وتم تسييس المدرسة والمسجد. وانكمش المثقفون والمتنورون أمام سطوة جيل جديد من الشباب، كان يجاهر بتكفيرهم في احتفالات رسمية وشعبية، ومن على منابر المساجد".

 

 

اختطاف السلطة الرمزية

من جانبه، يؤكد الكاتب والباحث السعودي يوسف الديني -الذي صدر له ملف "الإخوان وتأسيس السلطة الرمزية" ابتلاع الحقل التعليمي في السعودية- في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" (22/4/2018) صعوبة تناول مسيرة التعليم الرسمي واللامنهجي في السعودية من دون الحديث عن "حالة الاختطاف" التي شهدها منذ البدايات؛ عبر آليات السلطة الرمزية كبديل لحالة تكوين الأحزاب السياسية المباشرة، الذي ظل غير متاح لعدد كبير من التنظيمات الشمولية وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" وبقية أذرع الإسلام السياسي، بحسب بيير بورديو، مُنظّر علم الاجتماع الذي طرح مفهوم السلطة الرمزية ومفهوم السيطرة على الحقول في صراع الأيديولوجيات ومنها الحقل التعليمي.

استثمار في بيئة مثالية

ويؤكد الديني أنّ الهدف الأول لجماعة "الإخوان المسلمين" وغيرها من الجماعات كان الاستثمار في بيئة مثالية جغرافياً ورمزياً لتكريس دعوتها بعيداً عن صراع السياسة، وليس ثمة أكثر ملاءمة من الدولة السعودية الناشئة التي لم تتعرض للاستعمار من جهة، وكانت تدين بإسلام سلفي بسيط ودعوة إحيائية قوية. وأقرّ الديني بأنّ ابتلاع الحقل التعليمي والتربوي من قبل الحركات الإسلاموية، وعلى رأسها الجماعة الأم (الإخوان المسلمون) لم يقتصر على دور التعليم والممارسة التربوية على الرغم من تأثيرهما الكبيرين؛ بل تعداه إلى صياغة المناهج الدراسية في الجماعة والصفوف الدنيا، وقد قادت شخصيات بارزة من جماعة "الإخوان" حركة تغيير المناهج بحكم تخصصها في مجال التربية بمعناه الحديث والعصري. ومن تلك الشخصيات المهمة محمد المبارك (من إخوان سوريا)، الذي نقل خبرته في تأسيس كلية الشريعة في دمشق ليعكسها على مرحلة التأسيس للمناهج التعليمية والتربوية في المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع شخصيات حركية أخرى من جماعة "الإخوان" مثل محمد الصواف (المراقب العام السابق لإخوان العراق)، ومحمد المجذوب (الشخصية الإخوانية المتخصصة في تأريخ تراجم المعاصرين من الدعاة).


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية