"كورونا" سوريا.. هل يكون الوباء فصلاً آخر من المأساة؟

كورونا

"كورونا" سوريا.. هل يكون الوباء فصلاً آخر من المأساة؟


28/03/2020

تمنَّع فيروس كورونا عن تسجيل أية إصابات في سوريا حسب ما أعلنته مراراً وزارة الصحة السورية، على الرغم من انتشار المرض في الدول المجاورة لها، وخاصة في الدولة الحليفة بحضور ميليشاتها على الأراضي السورية وهي إيران والتي تسجل نسب إصابة عالية على المستوى العالمي.

اقرأ أيضاً: كورونا يواصل انتشاره.. آخر التطورات والأرقام
إلى أن جاءت أولى الإصابات مساء الأحد الثاني والعشرين من الشهر الجاري، لشابة قادمة من لبنان، لتوقف سجالاً طويلاً من اتهام البعض للحكومة بالتكتم عن انتشار الوباء في البلاد.
الحكومة كانت قد اتخذت العديد من التدابير الاحترازية والوقائية لمنع انتشار الوباء في حال وجود أية إصابات خفية غير ظاهرة بعد، فقامت بتعطيل المدارس والجامعات والمعاهد بدايةً في الثالث عشر من آذار لتلحقه بإغلاق المقاهي والمطاعم بعدها بأربعة أيام، ومن ثم إغلاق الأسواق بعده بأسبوع مقتصرةً حركة السوق على محال المواد الغذائية فقط والصيدليات والمراكز الصحية، وتوجيه الوزارات إلى تخفيض عدد الموظفين المداومين إلى الحد الأدنى الذي يسمح بتسيير العمل الضروري فقط.

اقرأ أيضاً: الإمارات تعلن دعمها للشعب السوري في مواجهة كورونا
واتخذت إجراءات احترازية في العديد من المشافي أيضاً بتجهيز غرفٍ للعزل الصحي في كل مستشفى، وتجهيز مشفىً في كل منطقة لاستقبال حالات الإصابة في حال تزايدت لسببٍ ما، كما صرَّح لـ"حفريات" أحد الأطباء العاملين في مستشفى "المجتهد" في العاصمة السورية طلب عدم الإفصاح عن اسمه، مضيفاً أنّ "عدد المَنافِس (أجهزة التنفس) قليل في سوريا بشكلٍ عام وهو ما يثير القلق".

تشكيك بالرواية الرسمية
شكَّك البعض في الرواية الرسمية السورية التي ادَّعت مطولاً خلوّ سوريا من الإصابات، ويصرُّون على وجود إصابات كثيرة تتكتم عنها السلطة، أو يتهمونها تارةً بعدم معرفة تشخيص المرض من غيره من الأمراض التنفسية.
يدعم ذلك التشكيك تصريح لرئيس منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية عبد النصير أبو بكر عن قلقه من نقص حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المبلّغ عنها في سوريا واليمن، وفق ما صرّح لشبكة "سي إن إن":

تمنَّع فيروس كورونا طويلاً عن تسجيل إصابات في سوريا حسب ما أعلنته مراراً وزارة الصحة

"نتوقع انفجاراً في الحالات، معظم البلدان لديها حالات باستثناء سوريا واليمن وهذا يشعرنا بالقلق بعض الشيء؛ لأنّ الدول التي قد لا تكون لديها حالات هي ذات صحة ضعيفة ونظام مراقبة ضعيف"، مضيفاً: "في حالة سوريا، أنا متأكد من أنّ الفيروس ينتشر لكنهم لم يكتشفوا الحالات بطريقة أو بأخرى، هذا هو شعوري، لكن ليس لدي أي دليل لإظهاره، ولكن عاجلاً أم آجلاً، قد نتوقع انفجار حالات هناك". وأوضح أبو بكر أنّ "غالبية حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الشرق الأوسط تتعلق بالسفر إلى إيران".
تصريح أبو بكر دعَّم ادعاءات المشكِّكين بصحة تصريحات الحكومة السورية حول خلوها من الوباء، وزاد من ذلك تصريح لوزير الصحة السوري بأنّ "الجيش السوري طهَّر الأراضي السورية من الجراثيم" حيث يقصد المعارضة، مما اعتبره البعض تصريحاً سياسياً لا مهنياً متهمين الحكومة بتحويل موضوع الوباء إلى نصر سياسي جديد والمغامرة بذلك بحياة الملايين من المواطنين، في حين تصر الحكومة السورية على أقوالها لتقول أيضاً إنّها حللت مخبرياً عدة حالات لمشتبه بحملهم للمرض وأكدت الفحوصات خلوهم منه.

انعكاسات على المجتمع السوري
مع بدء الإجراءات الحكومية في سوريا بدأ الناس بالنظر إلى فيروس كورونا البعيد عنهم نظرة الحذر، وبدأوا باتخاذ احتياطاتهم تجاهه للحيلولة دون انتشاره في البلاد، حيث انتشر ارتداء الكمامات الواقية والتركيز على التعقيم وغسل الأيدي وتخفيف زياراتهم لبعض، وكذلك تخفيف التجمعات والامتناع عن السلام بالملامسة، لتتطور الحالة إلى التزام البيوت أكثر فأكثر، مع زيادة التنبه إلى خطورة انتشار المرض، وإمكانية تحايده بإجراءاتهم تلك.

اقرأ أيضاً: التوظيف السياسي الدولي لأزمة كورونا
الأمر الذي أدى مباشرةً إلى ارتفاع في أسعار مواد التعقيم والتنظيف وندرتها وكذلك ارتفاع في أسعار الكمامات الواقية، وبات من الملاحظ ارتداء الكمامات في الشوارع واتخاذ الباعة احتياطاتهم تجاه المرض باستخدام المواد المعقمة في محلاتهم، وانتشرت حملات التعقيم كذلك من قبل الحكومة بتعقيم الكراجات العامة والمدارس والأسواق، وخرجت فتاوى من رجال الدين بإيقاف صلاة الجماعة، وكذلك شاركت بعض الهيئات الدينية بدورها في التنبيه إلى ضرورة تخفيف التجمعات والمداراة في السلام عن بعد ومؤازرة الحكومة في تدابيرها.

اقرأ أيضاً: واشنطن تستجدي العالم: أعطونا "كل شيء" لمكافحة كورونا
كما لوحظ انخفاض حركة الأسواق في كافة المحافظات، وذلك قبل قرار الحكومة بإغلاق الأسواق ووقف وسائط النقل، مع عدم التزام القلة بتخفيف حركتهم حيث لوحظ استغلال البعض للعطلة المدرسية بالتسوق أو القيام بالتنزه، الأمر الذي دفع السلطة إلى اتخاذ إجراءات إضافية بإغلاق الأسواق ومن ثم وقف وسائط النقل داخل المحافظات وفيما بينها.


بالمقابل برزت عدة مبادرات أهلية من شباب سوريين يعلنون فيها تطوعهم لمساعدة كبار السن في جلب أغراضهم من المحال التجارية وأدويتهم، وقامت عدة فرق من متطوعين محليين بالمشاركة في حملات تعقيم للمحلات والأسواق والسيارات وأماكن التجمعات، وكذلك ظهرت مبادرات لشراء المعقمات ومواد التنظيف للذين لا يستطيعون شراءها من الفقراء، ونادى البعض بضرورة إعفاء أصحاب المحال التجارية وأصحاب البيوت للمستأجرين من إيجارات الشهر الجاري كونهم أوقفوا أعمالهم في الأيام الأخيرة من الشهر كنوع من التكاتف الاجتماعي لمواجهة الأزمة.

اقرأ أيضاً: كيف يُحيي فيروس كورونا "عولمة الهلع"؟
من جانبٍ آخر يشكِّل الجانب الاقتصادي العائق الأكبر في مواجهة انتشار الفيروس؛ إذ إنّ التوقف عن العمل للكثير من الأسر يعني التوقف عن تلقي الدخل خاصة للعمال المياومين، أو الباعة والحرفيين وأصحاب المهن والورش الصغيرة، مما يجعل محاربة الفايروس تلقي عبئاً ثقيلاً عليهم قد لا يكون أخف وطأة من الفيروس نفسه، فضلاً عن تزايد مصروف الأسر من المعقمات والمنظفات والمواد الغذائية الرافعة للمناعة والتي ازداد سعرها مع كثرة الطلب عليها.

مخيمات اللاجئين المنسية
أما بالنسبة للمناطق السورية الخارجة عن سلطة الحكومة فقد أصدرت نقابة "أطباء الشمال المحرّر" بياناً أكدت فيه إغلاق المدارس والجامعات التي لا تزال مفتوحة، وإغلاق المقاهي والمطاعم باستثناء شراء الوجبات لتناولها خارج المطاعم، وإيقاف صلاة الجماعة والزيارات الاجتماعية، والسفر غير الضروري.

قبل إعلان الحالة الأولى اتخذت الحكومة العديد من التدابير الاحترازية والوقائية لمنع انتشار الوباء

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً أشارت فيه إلى أنّ هناك مليون نازح يعيشون في الشمال الغربي لسوريا في خيام مقامة على الطين أو بنايات مهجورة، لافتة إلى أنّ انتشار وباء كورونا قد يتسبب بكوارث في المنطقة المُدمَّرة أصلاً.
وذكرت الصحيفة أنّ الأطباء السوريين يعتقدون أنّ الفيروس دخل إلى المخيمات، حيث الوفيات والأمراض تحمل سمات التفشي، لكن رد الفعل الدولي كان بطيئاً أو منعدماً، بحسب أكثر من 12 خبيراً وأطباء سوريين، مشيرة إلى أنّ "منظمة الصحة العالمية لم توصل معدات الفحص اللازمة لفيروس كورونا للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بالرغم من أنّها أوصلت أول دفعة للحكومة السورية قبل أكثر من شهر".


وقال مدير مستشفيات الجمعية الطبية السورية الأمريكية في المنطقة محمد غالب التناري للصحيفة: "نحن لدينا حالياً حالات متشابهة وتوفي لدينا بعض الأشخاص، ولا نستطيع التأكد إن كانت هذه حالات كورونا أم لا".
وأشار التقرير إلى أنّ الأطباء في المنطقة يقدِّرون بأنّ حوالي مليون شخص قد يصابون بالفيروس في محافظة إدلب.

جاءت أولى الإصابات في الثاني والعشرين من الشهر الجاري لشابة قادمة من لبنان

في هذا السياق، حذَّرت منظمة الصحة العالمية من انتشار وباء كورونا بين اللاجئين في محافظة إدلب شمال سوريا حيث الوضع كارثي بالأصل ولا وجود لمقومات صحية تستطيع مجابهة المرض.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للاجئين في خارج سوريا، الذين يتهددهم الخطر الأكبر بتفشي فيروس كورونا وذلك في المخيمات المقامة في الدول المجاورة وشمال البلاد، حيث الاكتظاظ الشديد لآلاف الأشخاص، وعدم توفر مواد تعقيم وتنظيف كافية.
يقول "أبو رعد" من مخيم عرسال في لبنان: "تحتوي الخيمة الواحدة ما بين خمسة إلى عشرة أشخاص، ولا تتجاوز المسافة بين الخيمة والأخرى أكثر من ستين سنتيمتر"، مضيفاً في حديثه لـ"حفريات": "لم يأتِ إلينا أحد للقيام بتعقيم المخيم، وليس باستطاعتنا شراء المعقمات شخصياً خاصة مع فقدانها من السوق، الأمر الذي يشكل رعباً حقيقياً بين سكان المخيم من دخول أية إصابة والتي ستنتشر كالنار في الهشيم بيننا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية