قناة الجزيرة والإمارات: رمتني بدائها وانسلت

قناة الجزيرة والإمارات: رمتني بدائها وانسلت


28/02/2018

أكّدت قناة الجزيرة، ولا تزال تؤكّد، الفشل القطري في مواجهة مقاطعة الأشقاء العرب، الذين قاطعوا النظام القطري بشكل متدرّج أثبت فعاليته، حرصاً على وشائج العلاقات بين الأشقاء، وحرصاً منهم على تجنيب الشعب القطري مضاعفات تلك المقاطعة، لكنّ اللجج في الخصومة والإنفاق المالي الضخم على تلك العداوة المفتعلة، التي تحرّكها، بالأساس، جماعة الإخوان الإرهابية، التي وجدت ضالتها في الجزيرة القطرية، لم يتوقف ساعة من ليل أو نهار.

واستمراراً لهذا المسلسل العبثي في محاولة تشويه مواقف دولة الإمارات العربية المتحدة، التي جسّدت النموذج الأبرز في النجاح؛ عربياً وإسلامياً، في معدلات تنمية هي الأبرز في العالم، ومستويات سعادة للبشر هي الأرقى، ما استجلب حسد الأشقاء في قطر، الذين تحرّكهم أحقاد إخوانية عميقة بالأساس، استمراراً لهذا العبث المكشوف، ومحاولة الإساءة لهذا النموذج، وتشويهه، والطعن في دوافع دولة الإمارات العربية المتحدة ومواقفها.

بدا الفيلم بياناً سياسياً من الإخوان تعلن فيه أنّها فشلت في مواجهة مبادرات أهلية رعتها حكومة الإمارات 

أنتجت الجزيرة فيلماً دعائياً جديداً، ضمن حزمة من المواد التي أنتجتها للهجوم والنيل من الإمارات، معتمدة بالأساس على كوادر إخوانية مكلومة، لتتيح لهم الفرصة للتعبير عن أحقادهم الدفينة تجاه الدولة التي أفشلت مخططاتهم، وقدّمت النموذج الأبهى للإسلام الوسطي المستنير، عبر رعايتها لبعض المبادرات، التي أطلقها مفكّرون ومصلحون وعلماء، على رأس مؤسسات تحظى بثقة واحترام مسلمي العالم كالأزهر الشريف، الذي تعاديه جماعة الإخوان من قديم، ثمّ ترتدي الآن مسوح المدافعين عنه، في ازدواجية وتناقض لم يغيبا عن محتوى هذا الفيلم، الذي عنونته الجزيرة بـ "أبوظبي التدين الجديد"؛ حاول الفيلم ترويج رسالة أساسية، مضمونها أنّ الإمارات تريد بأموالها اختطاف المرجعية الدينية للأزهر، والمؤسسة الدينية الوهابية، عبر ترويجها لنسخة جديدة من نسخ التديّن، يراها ضيوف البرنامج، وكلّهم –للمصادفة- ينتمون لجماعة الإخوان أو مقربون منها، هدماً للوسطية التي يعرفونها، وتحتكرها جماعة الإخوان، طبعاً، بتفسيراتها السياسية الخاصة للدين.

قدمت مذيعة البرنامج، لمناقشة الفيلم ضمن حلقة من برنامج يحمل اسم "للقصة بقية"؛ حيث اتّهمت الإمارات بتمويل شخصيات ومؤسسات ورعايتها واستقطابها، من أجل الترويج لنسخة جديدة من التدين، الذي أسمته بالتدين الجديد الذي يؤسّس لخطاب العبودية للسلطة، بعد أن تزعّمت الإمارات الثورات المضادة، لثوراتهم التي اختطفوها من شباب غرّ في ميادين الثورة في العالم العربي في لغز لم تكشف تفاصيله بعد، لتروّج -على حدّ زعمهم-لإسلام ضدّ الحرية، خانع وذليل، متهمين الإمارات بأنّها من أسوأ الدول في استخدام الدين.

بدا الفيلم، في مجموعه، بياناً سياسياً من جماعة الإخوان، تعلن فيه أنّ فروعها المنتشرة في أكثر من سبعين دولة، ومؤسساتها التي تقنّعت بالعمل الدعوي، أو الإغاثي، أو الإعلامي، أو البحثي، قد فشلت في مواجهات مبادرات أهلية رعتها حكومة الإمارات العربية المتحدة، في سياق رعايتها لكلّ المبادرات الخلّاقة في كلّ الساحات والمساحات، التي تنعكس على تجويد نوعية الحياة في عالمنا العربي والإسلامي، بدت الهزيمة موجعة لجماعة الإخوان التي جمعت حزمة من أشخاص الجماعة، قدّمت أحدهم على اعتباره أستاذ الأخلاق السياسية، وآخر على أنّه داعية ومفكّر إسلامي، دون أن تكتب أهم وصف لهم، كأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

تتهم الجماعة الإمارات، بأنّها تقصي الإخوان، وهم من أقصوا الجميع حين تحوّلوا إلى طوائف في كل دولة 

نعى المتحدثون في الفيلم على الإمارات استخدام الدين في السياسة، وخوفاً من اتهامهم بأنّهم يتهمون الآخرين بما تورطوا هم فيه وجماعتهم، فقد أسرعوا بالقول إنّه لا غضاضة في استخدام الدين، لكنّ نصرة للمظلومين والدفاع عنهم، وليس الدفاع عن الظالمين، كما تفعل الإمارات، يبدو ظلّ الإخوان سافراً في المشهد، الجماعة التي أعلنت الشعوب إفلاسها الأخلاقي والسياسي، ولفظتها غير مأسوف عليها، لم تستوعب، بعد جنايتها عبر تسعة عقود على الأمة، مقاومة كلّ محاولة لاستخلاص حقائق الدين ممّا علق بها عبر عقود من ممارساتهم المدمّرة.

تتهم الجماعة الإمارات، بأنّها تقصي الإخوان، وهم من أقصوا الجميع حين تحوّلوا إلى طوائف في كل دولة تريد الانقضاض على السلطة والمجتمع برداء الدين، الذي برعوا في توظيفه، معتبرين ذلك الحقّ حقاً حصرياً لهم.

اغتال الفيلم معنوياً كل من ينحاز لدولة ديمقراطية تنهض على المواطنة ودين يجمع الناس ولا يفرّقهم

وفقاً لبرنامج الجزيرة الساذج تبدو الإمارات وكأنّها أخطأت حين استشعرت واجباً دينياً وأخلاقياً، يدفعها لرعاية كلّ محاولة جادة تزيل عن وجه الدين ما علق به، بفعل تلك الجماعات الحركية، إخواناً وسلفيين وجهاديين، لم تنحز الإمارات لشكل من أشكال التدين، سواء التصوف، كما ادّعى الفيلم أو غيره، وقد برهن على ذاك التناقض الشنقيطي، الذي أكّد هو ذاته في الحلقة أنّ الإمارات ترعى تديناً سلفياً في ليبيا وصوفيا في مصر، وشكلاً آخر في مكان آخر مبرهناً على تناقضه، وقد هاجم الإمارات، في البداية، باتهامها بالعدوان على السلفية السعودية الوهابية، فكيف تهاجم شكلاً من أشكال التدين، ثم تدعو له في أي مكان أو ترعاه، ثمّ تأبى الحقيقة إلّا أن تطلّ برأسها في حديث الضيف الصريح، عن أنّ هذه المؤسسات التي ترعاها الإمارات، إنّما هي لمواجهة ما أسماه "مؤسسات شعبية تنحاز للشعوب ولثوراتها"، بعد أن سمّى المؤسسات الإخوانية بالاسم؛ كاتحاد علماء المسلمين، و"كير" الأمريكية، وغيرها. 

يشجب الفيلم توظيف الدين في خدمة السياسة، وهل فعلت جماعة الإخوان شيئا آخر غير ذلك؟

ونحن نسأل: هل اتحاد علماء المسلمين مؤسسة شعبية أم كيان إخواني من الألف إلى الياء، شرعن العنف، وظهّر الفتوى لحساب الجماعة ومواقفها المتناقضة؛ فهو يفتي للجنود المسلمين الأمريكيين بقتل أطفال العراق، ثمّ يفتي لجنود مصر لاحقاً بالهرب من الخدمة لحساب الجماعة؟! هل هذه هي المنظمات الشعبية المنحازة للشعوب، التي تجسّد الوسطية الحقة؟

ثمّ يستدعي الشنقيطي مفهوم مسجد الضرار، في استخدام تكرّر في واقع الجماعات الإرهابية التي ينتمي إليها؛ حيث أصبحت مؤسسات الجماعة الإرهابية هي مسجد الرسول، بينما أصبحت أية مؤسّسات أخرى مساجد ضرار، في إسقاط لمفاهيم التكفير التي قعد لها تيار الإخوان بالأساس.

يشجب الفيلم توظيف الدين في خدمة السياسة، وهل فعلت جماعة الإخوان شيئا آخر غير ذلك؟! حقاً رمتني بدائها وانسلّت.

أطلق الفيلم رصاص الاغتيال المعنوي على إعلاميين وعلماء من كلّ المشارب، تهمتهم الرئيسة هي معاداة مشروع الإخوان، والانحياز لدولة ديمقراطية تنهض على المواطنة، ودين يجمع الناس ولا يفرّقهم، ولا يختبأ خلفه محتال أو داعٍ.

ثمّ يحاول الفيلم، على لسان الشنقيطي، متقمصاً دور الحاجب على المؤسسة الدينية السعودية، وهو من أشدّ المعادين لها، كما تؤكّد كتاباته، لكن لا بأس من فاصل من النفاق للدسّ بين الشقيقتين الإمارات والسعودية، عبر اتهام الإمارات بأنّها تريد القضاء على المؤسسة الدينية السعودية، التي يعدّها أساس الشرعية في السعودية، ويبدو أنّ للشرعية لديهم معنى مطاطاً جداً على مقاس التنظيم وأهدافه، لا شيء يدعو للاستغراب.

لم يتحملوا بزوغ دولة لا تنكفئ على نفسها وتخدم الدين وتنتصر له لا لمشروع دين سياسي

لقد فقد القوم صوابهم، واستسلموا لأحقادهم، فلم يستوعبوا أنّ نية صادقة في خدمة الدين بتجرّد، يمكن أن تزهر كل تلك المؤسسات التي حركت المياه الراكدة في الفكر الإسلامي، فرفعوا أسلحتهم التقليدية في اتهام المخالف لهم بالعدوان على الدين الذي يعرفونه، متهمين الإمارات بأنّها تعمل كواجهة للمستعمر دون خجل، حتى أنّهم سمّوا بريطانيا بالاسم، والجميع يعلم كيف رعت بريطانيا، ولا زلت ترعى، جماعتهم الإرهابية، بالطبع ليس انحيازاً من بريطانيا لصحيح الدين الإسلامي.

لم يتحمل القوم أن تبزغ دولة في الخليج العربي لا تنكفئ على نفسها، فتزكي مالها، وعلمها، وخبرات أبنائها، والنابهين من أبناء الأمة، في خدمة الدين والانتصار له، لا الانتصار لمشروع سياسي يرتدي مسوح الدين.

إذا كانت تهمة الإمارات أنّها ترعى محاولات رموز عربية ومؤسسات عربية، للخروج من نفق التبعية والتخلف والظلامية، إلى آفاق التقدم والاستنارة والتسامح، فنعم التهمة، وللإمارات أن تفخر بتلك التهمة المشرِّفة.

أمّا الجزيرة، فلن تكفَّ عن الصراخ، فالوجيعة مُرّة بعد هذا السقوط المدوي، للجماعة الراعية لها، جماعة الإخوان الإرهابية، ومن ثمّ لن يتوقف النباح الذي لن يضرّ القافلة التي ستسير إلى غايتها الشريفة، بحول الله.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية