قطر وتمكين الإخوان في أوروبا

قطر وتمكين الإخوان في أوروبا


23/10/2017

مختارات حفريات

عمل النظام القطري من وراء الاعتماد على رموز جماعة الإخوان بعد صدامها مع بعض الأنظمة العربية، وسعى لتوظيفها لخدمة السياسة الخارجية للدوحة مبكراً، وتحولت قطر إلى منصة إخوانية للانطلاق نحو أوروبا على يد القيادي بالجماعة سعيد رمضان في جنيف. كانت قطر شهدت توافد عدد من رموز جماعة الإخوان المصريين، كان من أبرزهم أحمد العسال، وعبد المعز عبد الستار الذي كان مبعوثاً شخصياً لحسن البنا في فلسطين عام 1946، غير أنّ أبرز الوجوه التي استقطبها النظام القطري كان يوسف القرضاوي الذي توجه إلى قطر عام 1961، ثم تحول في وقت لاحق إلى فرس رهان للأسرة الحاكمة في قطر لتسويق وإعادة إنتاج المشروع الإخواني.

ارتكزت إستراتيجية قطر على الإسهام بشكل فاعل في استحداث عدد من المؤسسات المرتبطة بالإخوان في أوروبا باستخدام القرضاوي كواجهة دينية

بالتوازي، شهد الكيان الإخواني في قطر تطورات مؤسسية تمثلت في إنشاء ما يسمى بإخوان قطر عام 1974 بهدف تأسيس واجهة للتنسيق مع بقية الحركات والمنظمات الإخوانية في العالم العربي وأوروبا. في الوقت الذي حظرت فيه السلطات القطرية ممارسة هذا التيار لأي أنشطة اجتماعية أو دينية ذات وزن على الساحة الداخلية.
استمر النهج القطري القائم على استقطاب قيادات ورموز الإخوان العرب خلال العقود اللاحقة، كان من أبرزهم على الصلابى زعيم إخوان ليبيا ومحمد قطب شقيق سيد قطب وعباس مدني زعيم جبهة الإنقاذ الجزائرية، وتردد راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية منذ بداية التسعينيات التي شهدت تمويلاً قطرياً منتظماً للحركة وامتداداتها في أوروبا والمتمثلة في اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا باعتباره الفرع الفرنسي للإخوان إلى جانب فروع الإخوان في بريطانيا وبلجيكا.

يعتبر يوسف القرضاوي رهان الأسرة الحاكمة في قطر لتسويق وإعادة إنتاج المشروع الإخواني

جاء دخول قطر في معادلة الإسلام في أوروبا خلال النصف الثاني من حقبة التسعينيات في ظل عدد من التطورات، أبرزها انقلاب حمد بن خليفة على والده عام 1995 وتبنّيه مشروع تمكين الإخوان بشكل أكثر شراسة. فضلاً عن التوتر في العلاقة بين المجتمعات الأوروبية والمهاجرين المسلمين من أبناء الجيل الثاني مع نهاية حقبة الثمانينيات، على خلفية أزمتي الحجاب وكتاب آيات شيطانية وما استتبعهما من تداعيات.

جاءت تلك التطورات متواكبة مع إطلاق قطر قناة الجزيرة عام 1996 والدور الذي لعبه القرضاوي من خلالها للتعبئة للمشروع الإخواني في أوساط مسلمي أوروبا الناطقين بالعربية عبر برنامج "الشريعة والحياة" الذي كان بمثابة إحدى الأدوات الفاعلة للدور القطري في أوروبا. كما ارتكزت إستراتيجية قطر على الإسهام بشكل فاعل في استحداث عدد من المؤسسات المرتبطة بالإخوان في أوروبا باستخدام القرضاوي كواجهة دينية، كان من أبرزها المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء الذي تأسس عام 1996 بالعاصمة الأيرلندية، ليصبح أحد الأذرع الرئيسية للتوسع الأفقي لجماعة الإخوان في أوروبا بهدف تأميم فضاء الفتوى فى القارة الأوروبية وتعزيز دور الجماعة في أوساط مسلمي أوروبا.

هدفت قطر من وراء دعمها المالي والسياسي لمشروع الإخوان الجدد إلى الابتعاد بالجماعة عن الصورة النمطية المتطرفة

كما وظفت قطر الفراغ المالي الناجم عن تجميد أرصدة بنك التقوى الذي أسسته قيادات التنظيم الدولي للإخوان بجزر البهاماز عام 1988 لتمويل جماعة الإخوان، بسبب اتهام وزارة الخزانة الأمريكية البنك ومؤسسيه بتمويل تنظيم القاعدة لتنفيذ أحداث 11 سبتمبر. وأدى تجميد أرصدة البنك الذي استمر حتى عام 2010 إلى حظر أنشطة عدد كبير من الشخصيات والمؤسسات الاقتصادية الإخوانية في عدة مناطق من العالم. وكانت تلك التطورات مواتية لسياسة الأمير حمد بن خليفة القائمة على تمويل الأيديولوجيا الإخوانية في أوروبا باعتبارها مشروعاً للمعارضة الإسلامية المتعددة الجنسيات في مواجهة الأنظمة العربية في مرحلة ما قبل الربيع العربي، مستهدفة الجاليات المغاربية فى فرنسا بالأساس. سعت قطر إلى توظيف المعارضة الإخوانية في أوروبا كورقة ضغط لصالحها في مواجهة الأنظمة في المغرب العربي ومصر، في إطار إستراتيجيتها الرامية إلى تأسيس ما يمكن وصفه بالهلال الإخوانى في منطقة غرب المتوسط في إطار علاقة الاعتماد المتبادل بين التيار الإخوانى في دول جنوب أوروبا المتوسطية وبين امتداداته فى منطقة المغرب العربي. تبنت قطر نهجاً موازياً يرتكز على فاعلين من خارج الإطار التنظيمي لإخوان أوروبا تمثل في توظيف فئة الوسطاء الدينيين الذين يطرحون خطاباً إسلامياً سلساً في ظاهره بعيداً عن الخطاب الديني النمطي لرجال الدين التقليديين المنتمين للجيل الأول من المهاجرين. وكان أبرز هؤلاء الوسطاء الدينيين طارق رمضان بعد نشره عدداُ من المؤلفات حول المسلمين فى أوروبا، بالإضافة إلى شرعيته التاريخية الإخوانية المستمدة من كونه حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان.

سعت قطر لتجميل صورة خطاب الإخوان المتشدد بتوظيف عدد من الدعاة المعتدلين وخاصة الذين في أوروبا

في هذا السياق، قامت قطر بتمويل إنشاء "كرسي الشيخ حمد بن خليفة" للدراسات الإسلامية بكلية سانت انطوني بجامعة اكسفورد عام 2011 وتعيين طارق رمضان أستاذاً له، بالتوازي مع تعيينه رئيساً لمركز التشريع الإسلامي والأخلاق بالدوحة عام 2012 لطرح مشروع الإخوان الجدد في أوروبا بشكل خاص. ومن ثم، أصبح طارق رمضان أداة للمشروع القطري في صيغته الجديدة للترويج لمشروع الإخوان الجدد في الفضاء الأوروبي ذي الكثافة العربية من المهاجرين.
هدفت قطر من وراء دعمها المالي والسياسي لمشروع الإخوان الجدد الذي يتبناه طارق رمضان إلى الابتعاد بالجماعة عن الصورة النمطية القائمة على فكرة «الأرثوذوكسية الدينية» لدى الأوروبيين والمهاجرين على حد سواء من خلال إعادة إنتاج عصرية لفكر حسن البنا والقرضاوي وبقية أقطاب الإخوان. علاوة على طرح خطاب مزدوج يركز من جانب على أهمية تماشى المسلمين مع قيم الديمقراطية والحرية في المجتمع الأوروبي. بينما يروج في جانب آخر لثوابت المشروع الإخواني في أوروبا من خلال الدعوة لإنشاء جيتو إسلامي وتشجيع فكرة المواطنة الإسلامية والجهاد الاجتماعي، فضلاً عن طرح أولوية الانتماء للأمة الإسلامية على حساب الانتماء للدولة لدى مسلمي أوروبا.

د. طارق دحروج
عن صحيفة "الأهرام" المصرية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية