قصيدة تثير أزمة: "لو لم يرسب أردوغان في الأدب والجغرافيا والتاريخ.."

قصيدة تثير أزمة: "لو لم يرسب أردوغان في الأدب والجغرافيا والتاريخ.."


14/12/2020

تصاعدت حمى الأزمة الدبلوماسية بين تركيا وإيران، والتي شهدت حالة من التلاسن والحدة في الخطاب المتبادل بينهما، مؤخراً، على إثر ترديد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بيتاً من قصيدة للشاعر محمد إبراهيموف؛ يبرز فيها مشاعره الخاصة تجاه الفصل القسري بين شطري نهر أراس، اللذين يقعان داخل أراضي أذربيجان وإيران، وذلك أثناء كلمة ألقاها أردوغان في الاحتفال العسكري، في العاصمة الأذريّة، باكو، بمناسبة الانتصار على أرمينيا في قره باغ، بحضور الرئيس الأذري، إلهام علييف.

خلفيات الأزمة وسياقها

تعكس الأزمة الأخيرة بين أنقرة وطهران، حدود الخلاف السياسي والإقليمي المحتدم بين البلدين في تلك المنطقة، والذي يتجاوز مسألة القصيدة، لا سيما وأنّ طهران اعتبرت قصيدة الشاعر إبراهيموف، تمس وحدة أراضيها، بينما تحمل دلالات مباشرة على أنّ المناطق الشمالية الغربية الإيرانية تعد جزءاً من أذربيجان، ومن ثم، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية، الجمعة الماضية، السفير التركي في طهران، دريا أورس.

ووصف الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، تصريحات أردوغان، في باكو بـ"التدخلية وغير المقبولة"، مضيفاً: "تم إبلاغ السفير التركي اعتراض إيران الشديد على كلام أردوغان... وأنّ حقبة إدعاءات الإمبراطوريات الساعية للحرب والتوسع قد انتهت".

وكتبت وزارة الخارجية الإيرانية على منصتها الإلكترونية الرسمية: "أبلغنا السفير التركي، بأنّ حقبة المطالب المتعلقة بالأرض والإمبراطوريات التوسعية قد انقضت. لن تسمح إيران لأحد بالتدخل في وحدة أراضيها".

تعود القصيدة المتسببة في الأزمة الدبلوماسية بين طهران وأنقرة، إلى شاعر إيراني من أصل أذربيجاني، وتضغط أبياتها على الصراع القديم والتاريخي بخصوص تقسيم أرض أذربيجان

وغرّد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "لم يجر إخطار الرئيس أردوغان بأنّ ما أساء ترديده في باكو يشير إلى الانفصال القسري للمناطق عن الوطن الأم (يقصد إيران)". وتابع: "لا أحد يمكنّه الحديث عن منطقتنا الأذرية الحبيبة".

التغول الإيراني

تعود القصيدة المتسببة في الأزمة الدبلوماسية بين طهران وأنقرة، إلى شاعر إيراني من أصل أذربيجاني، وتضغط أبياتها على الصراع القديم والتاريخي بخصوص تقسيم أرض أذربيجان بين روسيا وإيران، في القرن التاسع عشر، وقد جاءت ملابساتها التي فاقمت من حدة الخلاف، أثناء الاحتفال بمناسبة الانتصار العسكري الذي حققته أذربيجان على أرمينيا، بعد نحو ستة أسابيع من القتال حول منطقة ناغورني قرة باغ  المتنازع عليها.

اقرأ أيضاً: معلقات أردوغان ومغلفاته!

وإلى ذلك، اعتبرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إسنا" القصيدة "واحدة من رموز الانفصاليين الأتراك"، وقالت إنّ "أبيات القصيدة تشير إلى نهر آراس، وتشكو من المسافة بين الأشخاص الذين يتحدثون بالأذرية على ضفتي النهر".

وفي المقابل، قالت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، إنّ وزارة الخارجية التركية استدعت كذلك السفير الإيراني، في أنقرة، واحتجت على ما وصفته بــ "مزاعم" طهران عن الرئيس أردوغان؛ إذ أبلغت الخارجية السفير الإيراني أنّ "الادعاءات بحق أردوغان لا أساس لها"، وأضافت أنّه: "من غير المقبول بالنسبة إلى ظريف أن يغرد بدلاً من استخدام قنوات أخرى للتعبير عن انزعاجه".

الباحث التونسي المتخصص في الشأن التركي باسل ترجمان لـ"حفريات": تركيا تحولت لدولة مكروهة ومنبوذة، سياسياً وإقليمياً، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على رئيسها

ودان رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، "التصرفات غير اللائقة، التي صدرت من مسؤولين إيرانيين تجاه الرئيس رجب طيب أردوغان"، بحسب وصفه؛ إذ أعلن؛ "رفضه تلك السلوكيات الإيرانية بحق أردوغان، الذي دافع بشجاعة دائماً عن العدالة، ضد الحصار والعزلة المفروضين على إيران، لاسيما وأنّ رد الفعل هذا حيال تركيا لم يصدر تجاه الدول التي فرضت الحصار على إيران نفسها".

هجوم صقور طهران

بيد أنّ رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، مجتبى ذو النوري، هاجم الرئيس التركي، بطريقة مغايرة، تبطن تهديدات، حيث طالب الأخير بـ"الاتعاظ" مما وصفه "مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والاعتذار إلى الشعب الإيراني عن تصریحاته الأخیرة"، حيث قال: "لو لم يرسب أردوغان في الأدب والجغرافيا والتاريخ، لكان قد أدرك أنّ بيت الشعر الذي قرأه كان قد نظم في رثاء فصل أذربيجان (جمهورية أذربيجان الحالية) عن الأرض الأم إيران. ليتعظ أردوغان من مصير صدام، ويعتذر فوراً للشعب الإيراني الموحد والأبي".

اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر بعض ساسة حزب العدالة أردوغان أكثر قداسة من النبي محمد؟

مرة أخرى، يعود الرئيس التركي لممارسة صناعة الأزمات مع دول الجوار، بدرجة أولى، ومع الكثير من دول العالم؛ بحسب الباحث التونسي المتخصص في الشأن التركي، باسل ترجمان، والذي يرى أنّ تركيا تحولت لدولة مكروهة ومنبوذة، سياسياً وإقليمياً، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على رئيسها، ما خلق حالة قلق وإنزعاج دولي من ممارسات أنقرة وتجاوزاتها.

الباحث التونسي المتخصص في الشأن التركي باسل ترجمان

أردوغان وتصدير الأزمات

ويضيف ترجمان لـ"حفريات": "بعد انتهاء أزمة أذربيجان وأرمينيا، قفز أردوغان لصناعة أزمة أخرى في الجوار الجغرافي لتركيا، وتدشين ساحة عداء جديدة، تدخل معها أنفرة في خصومة، وذلك في إطار جنون العظمة، والبحث عن استعادة مجد مفقود، كما أنّ الإهانات التي وجهها أردوغان لإيران؛ كانت رسالة عداء واضحة ومباشرة، وإعلان صراع مفتوح مع طهران، وبالتبعية مع دول شرق ووسط آسيا الإسلامية؛ والتي ترتبط مع إيران بعلاقات جوار وارتباط تاريخي، وبذلك يوسع الرئيس التركي دوائر العداء بدائرة جديدة، باتجاه دول كانت في منأى عن هيستيريا وجنون عظمة استعادة أمجاد سلاطين عثمان".

اقرأ أيضاً: هل تنجح فرنسا في كف يد أردوغان عن مسلميها؟

وبرأي الباحث التونسي المتخصص في الشأن التركي، فإنّ إعادة إشعال الصراعات مع إيران، ودول وسط آسيا الإسلامية، هي محاولة من أردوغان للبحث عن جبهات جديدة، لتصدير الأزمات، وكذا الاستثمار فيها؛ الأمر الذي يعكس استمرار التراخي الدولي في ضرورة وضع حد للسياسات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

اقرأ أيضاً: الجرح الإيراني والملح الأردوغاني

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير مدير منتدى شرق المتوسط، محمد حامد، إلى أنّ العلاقات الإيرانية التركية تتفق وتلتقي، أحياناً، وتختلف وتتخاصم، أحياناً أخرى؛ ففي ملف ناغورني قرة باغ، فإنّ إيران لم تكن راضية أبداً عن هذا التدخل التركي، وذلك على خلفية علاقة طهران الوطيدة بأرمينيا وخلافها مع أذربيجان، في ظل الاتفاق الأيديولوجي والسياسي الذي يجمعهما، ومن ثم، فإنّ الاحتجاج الأخير من جانب طهران، إنّما يأتي بعد ظهور قوة تركيا على مسرح الأحداث، وتغول الدور الميداني والسياسي في المنطقة، إضافة إلى استيلاء روسيا على كعكة أزمة أذربيجان، بما يخاصم المصالح الإيرانية.

مدير منتدى شرق المتوسط محمد حامد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية