قراءة في العلاقات الشائكة بين إيران والمجموعات المتطرفة

قراءة في العلاقات الشائكة بين إيران والمجموعات المتطرفة


08/05/2018

خالد يايموت

وسّعت إيران في السنوات الأخيرة من علاقاتها العسكرية مع الميليشيات والمجموعات المسلحة. ويأتي إعلان وزارة الخارجية المغربية عن تزويد طهران لجبهة البوليساريو الانفصالية بالصواريخ المضادة للطائرات؛ ليعيد إلى الواجهة الدولية طبيعة العلاقات، بين الدول والميليشيات، وبخاصة أن المملكة المغربية، تتحدث عن أدلة دامغة تضم أسماء لشخصيات فريق تقني من «حزب الله»، وصل إلى مدينة تندوف الجزائرية، لتدريب مقاتلي الانفصاليين على حرب الشوارع، واستعمال الأنفاق. ويبدو أن الاتهامات المغربية تؤكد السياسة الإيرانية الثابتة المعتمدة على الميليشيات لخلق واقع دولي جديد.

يبدو أن هذه العلاقة الملتبسة بين إيران والميليشيات وانتشار الإرهاب في حاجة إلى مزيد من تسليط الضوء عليها، وبخاصة أن كل المجموعات الميليشياوية لا يتم التعامل معها دولياً باعتبارها حركات إرهابية. ذلك أن الفعل الإرهابي المعاصر لا يتخذ طابعاً سكونياً من حيث التنظيم والفكرة والآليات المستعملة؛ مما يجعل الباحث في الظاهرة الإرهابية أمام واقع متطور، ومتفاعل مع محيطه ومستجدات الواقع الدولي.

ومن التحديات المرتبطة بمفهوم العنف السياسي والإرهاب، ما يطرحه البروز القوي للميليشيات المسلحة في الجغرافية الإقليمية العربية، بعد سنة 2011، والدور «الدولتي» الذي تتقمصه هذه المجموعات المسلحة، من خلال سيطرتها الفعلية على الدولة، كما هو الشأن بالنسبة لـ«حزب الله» في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن؛ أو من خلال مطالبتها بالانفصال، كما هو الشأن بالنسبة لجهة البوليساريو؛ وكذلك الدور المركزي الذي تلعبه فصائل الحشد الشعبي في سوريا والعراق، من الناحية الأمنية والعسكرية والسياسية.

وتبعاً لهذا التطور اللافت، الذي جاء في سياق حراك عربي شبابي سنة 2011، يتبين أن طبيعة التحولات الشعبية المحلية، في تشابك مع ما هو إقليمي وعالمي؛ فرضت تشكيل آليات تنظيمية، وتحيزات ثقافية طائفية مسلحة، وسّعت من دائرة الممارسة الإرهابية، دون أن يعني ذلك أنها مدرجة بالضرورة في المفهوم الكلاسيكي لمصطلح الإرهاب.

صحيح أن هذا الوضع دفع بالكثير من الدول إلى إصدار قوانين وقوائم خاصة بمحاصرة ومحاربة الإرهاب؛ غير أن هذا التطور سواء في القانون المحلي للدول الكبرى، كما هو الشأن بالقانون الجديد للإرهاب البريطاني لسنة 2015، أو المبادرات العربية، مثل القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2014 في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية في الإمارات العربية المتحدة، وقانون مكافحة الإرهاب للمملكة العربية السعودية سنة 2017، الذي عوّض القانون القديم الصادر سنة 2014. فرغم جدية المحاولات القانونية العربية والدولة، الخاصة بتوفير ترسانة قانونية كفيلة بمحاصرة والحد من الإرهاب؛ فإن هذه الجهود لم تستطع لحد الآن توحيد المفهوم، ولا التوصل لآليات مُجمع عليها، تكون محددة وصارمة بخصوص، الحدود الفاصلة بين التطرف كحالة نظرية، والتحريض على ممارسة العنف، بغرض إرهاب الأفراد أو الدولة، وإلحاق بالغ الضرر بهم، لتحقيق أهداف سياسية وآيديولوجية.

وعليه؛ لا بد من إعادة تعريف للظاهرة الإرهابية، في تصور الأمم المتحدة؛ وبالتالي تجاوز المفهوم القديم للإرهاب الذي تطرحه «اتفاقية جنيف» لسنة 1937، التي تتحدث عن السلوك الفردي للظاهرة الإرهابية، وتعرف الإرهاب بكونه مجموعة من «الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة، والتي يكون من شأنها إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الناس أو لدى الجمهور».

في هذا الإطار، أصبح من اللازم اليوم الاستناد إلى تلك الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تحولت إلى مسودة جاهزة للمصادقة منذ عام 2000؛ بهدف التوصل إلى مفهوم عالمي شامل ومتوافق عليه حول الإرهاب. ويبدو أن سياسة الأمم المتحدة شهدت نوعاً من التغيير في التعامل مع الظاهرة الإرهابية، حيث نجد أن مكتب الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب مكلف خمس مهام لمكافحة الإرهاب، دون أن يضع له تعريفاً محدداً، غير أنه اكتفى بالإحالة للمرجعية المعتمدة بالنص التالي:

«اعتمدت الجمعية العامة القرار 71-291 والمؤرخ في 15 يونيه عام 2017 بإنشاء مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. وقد تم تعيين السيد فلاديمير إيفانوفيتش فورونكوف وكيلاً للأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في 21 يونيه 2017.

وكما اقترح الأمين العام أنطونيو غوتيريس في تقريره «A - 71-858» بشأن قدرة الأمم المتحدة على مساعدة الدول الأعضاء في تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وفرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب ومركز مكافحة الإرهاب، والتي أنشئت في البداية من قبل إدارة الشؤون السياسية، وتم نقلها إلى مكتب جديد لمكافحة الإرهاب برئاسة وكيل للأمين العام».

صحيح أن هذه الجهود الأممية استطاعت تحفيز المجموعة الدولية على خلق تحالفات موسعة ضد الإرهاب في الشرق الأوسط؛ إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن الدينامية والسياق الدولي الحالي، أنتجا نمطاً جديداً من الممارسة الميليشياوية التي تر

وتبعاً لتلك الرعاية، تحدِث الميليشيات نمطاً جديداً من الممارسة الإرهابية؛ حيث تُجبر المجتمع والدولة (عادة ما تكون الدولة ضعيفة)، على اختصار الطائفة الدينية في حزب سياسي يمتلك أسلحة، «وجيشاً» موازياً للجيش الدولة، كما هو الشأن في لبنان، واليمن. وقد تتخذ الميليشيات المسلحة الإرهابية الجديدة طابعا، انفصاليا وانقساميا وإثنيا وطائفيا، كما هو الشأن بالنسبة لـ«حزب الله النيجيري»، والذي يخوض معركة تشيع قسري وسط مسلمي نيجيريا.

وهكذا نجد أن الممارسة الميليشياوية للإرهاب لا تكتفي بالصراع مع الدولة الأم، وجماعاتها المجتمعية المتحدة تاريخياً؛ بل إن التطور والفاعلية الجديدة التي اكتسبتها الممارسة الإرهابية في عصر الميليشيات، يجعل من هذه الأخيرة «دولاً» داخل دولة معترف بها في الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه لا تجد مؤسسات الأمم المتحدة في نفسها، حرجاً في الدخول مع الميليشيات المسلحة، في حوارات رسمية؛ رغم أن الميليشيات هي تنظيمات مسلحة غير منظمة بقانون، ولا يخضع نشاطها المسلح لأي مراقبة حقيقة من الدولة.

وإذا كانت بعض النماذج تسهل لنا التصنيف، كما هو الشأن بالنسبة لمجمل ميليشيات الطوارق بدولة مالي؛ والتي تتشابك مع الجماعات الإرهابية الدينية؛ مما يجعلها في قائمة المنظمات الإرهابية. فإن عشرات الميليشيات المنتشرة حاليا بليبياً (على سبيل المثال)، تستعصي عن التصنيف؛ ذلك أن العرف واجتهادات القانون الدولي في هذا السياق تركز على طبيعة الحرب الأهلية، والممارسة الفعلية للقتال والدفاع عن النفس. ورغم أن المنظمات الدولية، ومنها تلك التابعة للأمم المتحدة، تدين بعض الجهات المسلحة بارتكابها أعمالاً وحشية وإبادة جماعية؛ فإن ذلك لا يعني من الناحية القانونية أن تلك الميليشيات والجهات المسلحة تعتبر بالضرورة حركات إرهابية.

وهذا الواقع، يطرح أكثر من سؤال حول كيفية التعامل مع الميليشيات الإرهابية؛ من حيث التصنيف، والاعتراف الدولي بها والتعامل معها سلماً وحرباً؛ وهل يمكن التعامل معها وفقاً لقواعد القانون الدولي، باعتبارها حركات سياسية مسلحة؟ أم وجب تصنيفها باعتبارها منظمات إرهابية، أسوة بـ«القاعدة» و«داعش»، و«طالبان باكستان»؛ و«كتائب حزب الله العراقي» و«حركة النجباء» بزعامة أكرم الكعبي، وغيرها من الميليشيات المسلحة؟

إن هذا «الفراغ القانوني» يشجع إيران لتفريخ ودعم الميليشيات والجماعات المسلحة، على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا؛ وفي هذا السياق يمكن فهم إعلان المغرب أن طهران دعمت جبهة البوليساريو بالأسلحة (منها صواريخ مضادة للطائرات). وكذا وصول عناصر من «حزب الله» إلى مخيمات الصحراويين بمدينة تندوف الجزائرية، لتدريب مقاتلي البوليساريو على حرب العصابات، واستعمال الأنفاق لأغراض قتالية. ويمكن القول، إن مثل هذه التصرفات الإيرانية، تتماشى مع رؤية الحرس الثوري لطبيعة الصراع الجيوبوليتيكي الدولي. حيث يتم استعمال الميليشيات الشيعية العقدية الموالية لولاية الفقيه، لفرض وضع أمني وعسكري جديد؛ بما يخدم المصالح الاستراتيجية الإيرانية في جغرافية سياسية معينة، ويوسع من دائرات تحالفاتها.

ومن أجل هذا الهدف المركزي، لا تتوقف إيران عن اتباعها استراتيجية التوسع والهجوم، وخلق مزيد من مناطق التوتر داخل الدول المناهضة لسياستها الدولية؛ أو تلك المتحالفة مع ما تعتبره إيران «محور الاستكبار العالمي». كما تنهج سياسة إعلامية ودبلوماسية مصحوبة بحمولة عسكرية، تلعب فيها الميليشيات المتعددة التابعة لطهران دوراً محورياً، في إشعال الحروب؛ مما يمكن الحرس الثوري من تثبيت الوجود الإيراني في منطقة معينة، عبر «عسكرة» العلاقات الدولية، القائمة بين طهران ودول معينة.

غير أن الخطوة الإيرانية الجديدة بدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، لا يجب فصلها عن الدور الذي تقوم به الميليشيات التابعة لطهران في نيجيريا المتمثلة في «حزب الله النيجيري». ذلك أن السياسة الإيرانية في غرب أفريقيا لم تعد تكتفي بنشر التشيع في الوسط السني؛ بل انتقلت لمرحلة خطرة من التعاون العسكري بين إيران والتنظيم الشيعي النيجيري، المرتبط بعلاقة ولاء بولاية الفقيه والمذهب الجعفري. وهذا بدوره مكّن إيران عبر ميليشيات مسلحة، من خلق جيب عقدي وطائفي مسلح مرتبط بالرؤية الإيرانية الجديدة، القائمة على الدخول إلى مناطق الصراع الدولي عبر وكلاء – أو عملاء – ترتبط مصالحهم الوجودية بالسياسة الخارجية وبالمصالح الاستراتيجية الإيرانية.

على المستوى الأفريقي دائماً، وصلت محاولات إيران لزعزعة الاستقرار لدولة كينيا التي تربطها بطهران علاقات مهمة اقتصاديا؛ حيث ألقت قوات الأمن الكينية سنة 2014 القبض على رجلين إيرانيين دخلا البلد بجوازات سفر مزورة، وقيل يومها إنهما ينويان تنفيذ عمليات إرهابية داخل البلد. كما تكرر الأمر نفسه في البلد نفسه سنة 2015، عندما اعتقلت السلطات الكينية شخصين كينيين من أصول إيرانية.

أما في غرب القارة، فيمكن الإشارة إلى التهريب الذي قام به فريق من الحرس الثوري للسلاح إلى الداخل النيجيري. وقد اكتشفت قوات الأمن النيجيرية سنة 2010، شحنة من الأسلحة، قادمة من إيران تتضمن، صواريخ كاتيوشا من عيار 107 ملم، وقاذفات صواريخ إيرانية وقنابل يدوية. وقد أكدت الأمم المتحدة في تقرير لها، أن هذه الشحنة تمت بواسطة شركة تابعة للحرس الثوري تسمى شركة «بهينيه» للتجارة. ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة، فإن شحنة الأسلحة الإيرانية، انتهت بإلقاء القبض على ثلاثة نيجيريين، واثنين من ضباط «فيلق القدس» وبحوزتهم أسلحة، بينما استطاع السيد «أكبر طبطبائي» الذي يعتقد أنه قائد «فيلق القدس» بأفريقيا، الاختباء في السفارة الإيرانية والهرب إلى طهران. أما في بداية 2013، فقد أوقفت السلطات النيجيرية ثلاثة مواطنين تدربوا على استعمال السلاح بإيران.

عموماً، جاء في تقرير نشره مركز بحوث تسليح الصراعات، أن الفترة الممتدة 2006 إلى 2012 شهدت نحو 14 حالة «دعم» إيراني للسلاح بأفريقيا، 4 حالات فقط مع الحكومات؛ و10 أخرى مع ميليشيات وجماعات انفصالية».

عن "الشرق الأوسط"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية