عماد عبد الرازق: 3 أسباب وراء ظهور داعش وستظهر تنظيمات أكثر توحشاً

عماد عبد الرازق: 3 أسباب وراء ظهور داعش وستظهر تنظيمات أكثر توحشاً


04/10/2018

أجرى الحوار: عيسى جابلي


أرجع الباحث المصري د.عماد الدين عبد الرازق أهم أسباب ظهور تنظيم "داعش" إلى إهمال الخطاب الديني وضعف الرقابة عليه، وعدم تجديده بما يتلاءم مع المستجدات السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي؛ فضلاً عن "الفقر والبطالة التي تدفع الشباب إلى الالتحاق بهذا التنظيم وغيره، لما يعيشه من بؤس، وحالة اقتصادية متدنية".

الفكر المتطرف الذي يعتنقه الإرهابيون تحركه إلى درجة كبيرة دوافع سيكولوجية

وقال، في حواره مع "حفريات"، إنّ التطرف والعنف اللذين يمارسهما "داعش" يأتيان من نوازع سيكولوجية دفينة معقدة، واستغلال حاجة المجنَّد للشعور بالأهمية وإيجاد معنى لحياته الخاوية، والرغبة في الحصول على المجد والشهرة.

وأشار عبد الرازق إلى أنّ التنظيم أخذ يتراجع على الأرض ويعيش أيامه الأخيرة، مستدركاً أن تنظيمات أخرى "أكثر شراسة" مرشحة للظهور "طالما أننا لا نعالج الأسباب الموضوعية لظهور مثل تلك التنظيمات".

والدكتور عماد الدين عبدالرازق عضو في الجمعية الفلسفية المصرية، والرابطة الأكاديمية العربية للفلسفة ببغداد، وعضو تحكيم في مجلات عربية، والاتحاد الدولي للصحافة العربية. له مؤلفات علمية عديدة أهمها: فلسفة الدين عند جوناثان إدواردز، العقل عند أرمسترونج، الأخلاق عند دوجالد ستيوارت، الدين عند إدجار شيفلد برايتمان، المعرفة عند تشيشولم، حرية الإرادة عند روبرت كين وغيرها.

وهنا نص الحوار:

أسباب متداخلة للتطرف

"داعش" تنظيم مسلح يتبع فكر جماعات السلفية الجهادية

ما أبرز الأسباب التي ساهمت في بروز ظاهرة "داعش" في العالم الإسلامي المعاصر؟

"داعش" كما هو معروف تنظيم مسلح يتبع فكر جماعات السلفية الجهادية. ونستطيع القول إنّ ظهوره في العالم الإسلامي المعاصر يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسة متداخلة: الأول منها ثقافي، ويدخل ضمنه إهمال الخطاب الديني وضعف الرقابة عليه، كذلك عدم تجديده ليتناسب مع المستجدات السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي، أيضاً الفهم الخاطئ لكثير من الأفكار الدينية، وعدم إعطاء العقل حرية في التعامل مع النص الديني، والجمود عند حدود النص، كل هذا أدى إلى ظهور الفكر المتطرف والجماعات الجهادية وعلى رأسها ”داعش” وأخواتها.

ستخرج تنظيمات أخرى ربما أكثر شراسة طالما للدول الكبرى مصالح في المنطقة

السبب الثاني سياسي؛ حيث شكل ضعف الموقف الدولي تجاه سوريا، والانقسامات الطائفية والصراعات المذهبية داخل العراق أرضاً خصبة كانت بمثابة محفزات سياسية على إيجاد فراغات مكنت تنظيم "داعش" من اختراقها، والسيطرة على أماكن كثيرة في سوريا والعراق.

والسبب الثالث في نظرنا اجتماعي يتمثل في الفقر والبطالة التي تدفع الشباب إلى الالتحاق بهذا التنظيم وغيره، لما يعيشه من بؤس، وحالة اقتصادية متدنية. ولا يمكن أن نغفل، إلى جانب هذه الأسباب، خدمة المشروع الصهيوني، بدءاً من احتلال أمريكا للعراق وتدمير بنيته التحتية ما أوجد بيئة حاضنة للفكر المتطرف وعلى رأسه هذا التنظيم الإرهابي.

سيكولوجيا التوحش

التوحش والعنف والقتل يعود أساساً إلى الفكر المتطرف

كيف تقرؤون التوحش الذي أبداه "داعش" في أعماله الإرهابية، وهل لذلك أسباب سيكولوجية؟

هذا التوحش والعنف والقتل يعود أساساً إلى الفكر المتطرف الذي يعتنقه هؤلاء، مع ذلك تحركه إلى درجة كبيرة أسباب سيكولوجية، كما يخبرنا علم النفس، وهو أنّ هؤلاء الشباب من خلال ممارسة العنف والقتل يشعرون بكيانهم وأهميتهم واحترام الآخرين لهم؛  فهذه الممارسات تعبر عن رغبة دفينة معقدة في تعويض الفشل في مجال ما.

اقرأ أيضاً: صناعة الإرهاب المتوحش.. رحلة في عقل تكفيري

هذا بنظرنا ما يفسر انضمام شباب أوروبيين إلى التنظيم، فهم غالباً يعانون من فشل اقتصادي، أو الحرمان الاجتماعي بفعل علاقات مضطربة في الأسرة والمحيط، وضياعهم في أوطانهم، فيسعون إلى إثبات أنفسهم. من هنا، يأتي التطرف العقائدي في مثل هذه الحالات علاجاً سريعاً للشعور بالدونية وهزيمة الذات؛ أي إنّ التطرف والعنف اللذين يمارسهما "داعش" يأتيان من نوازع سيكولوجية دفينة لحاجة الإنسان للشعور بأهميته وإيجاد معنى لحياته الخاوية، والرغبة في الحصول على المجد والشهرة.

لكن ما التحولات السيكولوجية التي يعيشها الشاب قبل انضمامه إلى تنظيم إرهابي وإلى أن يصبح عنصراً بارزاً فيه؟

للمتطرف الديني سمات وخصائص سيكولوجية تجعل منه شخصاً غير سويّ، لعل من أهمها اختلال تقديره وتقييمه للأحداث حوله إما بالتهويل أو اللامبالاة الشديدة، كذلك عدم اتزان مشاعره تجاه الأمور، واضطراب تعامله مع المحيطين به، كذلك التعصب والتطرف في أفكاره وعدم تقبل الرأي الآخر.

من أسباب التطرف إهمال تجديد الخطاب الديني المعاصر ليتناسب مع المستجدات السياسية والاجتماعية والثقافية

وفي هذا السياق نشير إلى أنّ التطرف الديني غالباً ما يظهر خلال فترة المراهقة، والأكثر عرضة له هو طفل نشأ في أسرة يسودها التفكير المتعصب والمتحجر وعدم تقبل الآخر، ومن هنا نؤكد على وجود أسباب تساعد على نشأة الشخص المتطرف الإرهابي، لعل من أهمها: اضطراب العلاقة بين الطفل ووالديه أو أحد رموز السلطة في البيت والمدرسة، تحول الشاب في مرحلة المراهقة إلى رفض الخضوع لأي سلطة حتى لو كانت سلطة القانون، فينخرط وغيره في تكوين أو الانتماء لجماعات في مثل سنه، أيضاً المعاناة الاجتماعية كالفقر، وتلقي أفكار دينية مغلوطة داخل البيت والمدرسة والجامعة، لذا لا بد من التوعية الدينية الصحيحة، حتى لا يقع هؤلاء فريسة للفكر المتطرف.

صرح أحد المنشقين عن "داعش" أنه لم يكن يميل لمشاهد الذبح لكن تدريجياً صار عنده تبلد إحساس، ما الذي يوصل هؤلاء إلى هذه المرحلة؟

يعود تبلد مشاعر الإرهابيين ممن يقومون بالقتل وسفك الدماء والوحشية والعنف، إلى أنّ لديهم اعتقاداً راسخاً أنهم يقومون بعمل بطولي وفدائي، يقرّبهم من الفردوس، بل رسخ في أذهانهم أن هذه الممارسات الوحشية ترضي الله، فلا يتحرك لهم ساكن، ولا تأنيب ضمير، ولا تجد في قلوبهم رحمة أو شفقة تجاه ضحاياهم.

المجندَّون غالباً يعانون من فشل اقتصادي أو حرمان اجتماعي بفعل علاقات مضطربة في الأسرة والمحيط

ويرجع ذلك أيضاً إلى عمليات غسيل دماغ هؤلاء منذ التحاقهم بتلك التنظيمات، فيتم إقناعهم أنهم يدافعون عن الدين وينتصرون للإسلام، والعقيدة، وأنهم يمتلكون ناصية الحقيقة المطلقة ومن عداهم كفرة لا يمتّون للإسلام بصلة. ونتيجة لأفكار مغلوطة عن مبادئ الإسلام مثل الجهاد أساؤوا فهم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وفسروها تبعاً لأهوائهم ومصالحهم، فنراهم يقبلون على تلك الممارسات الوحشية من قتل وتفجير وكأنها فروض من الدين.

أيضاً من وجهة نظري تبلد المشاعر يأتي من كثرة ممارسة هذه الأمور يومياً وكل لحظة من قتل وحرق وتفجير، هنا تصل النفس إلى درجة التشبع، ويصبح الأمر عادة تألفها، كما أن هناك سبباً دفيناً لتبلد مشاعر هؤلاء أثناء ممارستهم الوحشية يتمثل في "الظلم" الذي يشعرون به، ويتم إشباع رد الفعل على هذا الإحساس المرضي عندما يرون من يدفع "الثمن".

لكن كيف يتمكن "داعش" عملياً من الوصول إلى هؤلاء الشباب، وما هي الآليات التي يتبعها معهم؟

أصبح معروفاً أنّ من أبرز الوسائل لتجنيد الشباب في تنظيمات جهادية مثل “داعش” هو مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يختلف عن أسلوب التجنيد التقليدي في الماضي، حين كان يتم بالخطاب المباشر خاصة في الأحياء والمناطق الشعبية، وهو على كل حال مايزال فعالاً وسائداً.

اقرأ أيضاً: تاريخ التعذيب: هل التوحش طبيعة بشرية؟

ولعل تجنيد الشباب يرتكز على عدة أسباب أو يلعب على عدة أوتار من أهمها كما ذكرنا: البطالة، الجهل، الفقر، التهميش.. وتبدأ تلك الجماعات في احتضان الشباب البائس، كما تستغل الوازع الديني لديهم لترسم في عقولهم صوراً مظلمة وخاطئة عن فكرة الجهاد، ومع تطور التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل من فيس بوك وتويتر وغيرها، أصبحت عملية التجنيد أسهل وأيسر، فقد استغل تنظيم "داعش" مواقع التواصل الاجتماعي أفضل استغلال، وذلك عن طريق إعطاء كل شاب حساباً إلكترونياً، وتأمره أن يقوم باستعماله مرة واحدة في اليوم، أيضاً من وسائل التجنيد العمل في المدونات، وحتى الألعاب الإلكترونية التي تستهوي الأطفال والمراهقين.

ما بين الإسلام السياسي والإرهاب

مرت مصر بتجارب مؤلمة مع تنظيمات الإسلام السياسي

عاشت مصر تجربة مريرة مع الإسلام السياسي بصفة خاصة، هل من حدود بين الإسلام السياسي والإرهاب؟

مرت مصر بتجارب مريرة ومؤلمة مع تنظيمات وجماعات الإسلام السياسي في فترات كثيرة، لعل من أبرزها الثمانينيات حين نشطت الجماعات الإسلامية المتطرفة التي عاثت في الأرض فساداً، واستخدمت العنف لتغيير الواقع بالقوة، وماتزال مصر تعاني من تبعات تلك الجماعات والتنظيمات، وما يحدث في سيناء خير شاهد على ذلك.

ثمة قواسم مشتركة بين الإرهاب والإسلام السياسي تتمثل في الرؤى والأهداف لعل أبرزها السعي لعودة الخلافة

وأشير هنا إلى أنّ هناك قواسم مشتركة بين الإرهاب والإسلام السياسي، تتمثل في الرؤى والأهداف التي تجمع بينهما لعل أبرزها السعي إلى عودة الخلافة لدى السنة، وولاية الفقيه لدى الشيعة. وهي مستقاة بشكل أساسي من أفكار سيد قطب وحسن البنا من قبله، التي كانت منطلق طهور حركات الإسلام السياسي في العصر الحديث، ومن رحم تلك الحركات انتشرت الأصولية السلفية وصولاً إلى الإرهاب بزعامة القاعدة وبوكو حرام وبيت المقدس وصولاً إلى ”داعش” اليوم.

اقرأ أيضاً: تنظيمات العنف الديني: متفقة في التوحش ومختلفة في المنابع

ورغم ذلك يوجد حدود وفوارق بين الإسلام السياسي والإرهاب، فالتنظيمات الإرهابية استغلالها للإسلام نابع من رغبتها في حشد الجماهير حولها لتبرير أفعالها الإجرامية بفعل عنفي مباشر، أما الإسلام السياسي فإنه يأخذ من الدين ستاراً لتحقيق أيديولوجيته وأهدافه ومصالحه بطريقة "ناعمة"، مستغلاً الحماسة الدينية لترويج أفكاره مجتمعياً، التي تصطدم مع الوطنية والقومية، وهو يرفض الآخر ويرغب في إقصائه، وذلك يقود في النهاية إلى الفعل الإرهابي وإن لم يتم تبنيه رسمياً.

انتشرت الأصولية السلفية وصولاً إلى إلى ”داعش”

"ما بعد داعش".. عبارة تكررت كثيراً وتناولتها وسائل الإعلام المختلفة، هل يمكننا الحديث فعلاً عن نهاية حقيقية لهذا التنظيم؟

بداية لا نستطيع أن نحارب أو نقتلع الفكر المتطرف من جذوره إلا إذا هاجمنا بنيته الفكرية التي يرتكز عليها، ومعرفة أسباب انتشاره، ثم بعد ذلك يأتي العمل على إيقاف خطورته والحد منه، وأعتقد أن تنظيم "داعش" كفكر متطرف بدأ ينحسر ويقل شراسة عن بداياته الأولى، بعد هزائمه المتلاحقة والانقسامات والصراعات التي أخذت تدب داخله.

اقرأ أيضاً: من أسرار توحش الجهاز الأمني لتنظيم داعش

ومن وجهة نظري نهاية "داعش" أصبحت قريبة ومسألة وقت، لكن كيف تكون النهاية؟ هذه مسألة ضبابية، ولي قراءة في كتاب "داعش" و"جهادي ما بعد القاعدة" أرى فيها أنّ النهاية قادمة ولكن كيف؟ لا أحد يعرف سيناريو تلك النهاية. وأعتقد أنه ستخرج تنظيمات أخرى ربما أكثر شراسة طالما للدول الكبرى مصالح في المنطقة، وطالما لا نعالج الأسباب الموضوعية لظهور تلك التنظيمات، فكما كان تنظيم القاعدة صناعة للدول الكبرى وقام بتنفيذ السيناريو المخطط له بدقة، وعندما انتهى دوره تم إضعافه وتفتيته بل وقتل رأس التنظيم أسامة بن لادن، وبعد ذلك تمت صناعة "داعش"، وسيمضي ويأتي من يحل محله من التنظيمات الإرهابية.. هي من وجهة نظري سلسلة متصلة متشابكة ومستمرة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية