علي محافظة يحفر في الجغرافيا الفكرية للحركات الإسلامية المتطرفة

علي محافظة يحفر في الجغرافيا الفكرية للحركات الإسلامية المتطرفة


10/05/2018

يقول المؤرخ الأردني الدكتور علي محافظة إنّ "أحداث الربيع العربي، وما رافقها من صعود مفاجئ للحركات الإسلامية المتطرفة، قد زادت من اهتمامه بمتابعة هذه الحركات وجذورها الفكرية ومنطلقاتها العقيدية".

هذا الأمر مفرح من مؤرخ عميق ومهم مثل محافظة، ويعني أنّنا أمام فهم آخر للحركات المتطرفة، وكيفية مقاربة ظاهرة الإرهاب المعاصر، من منظور التاريخ والتأريخ لهذه الحركات في العالم العربي، حتى عام 2017، مهمّ ومطلوب بشدة في العالم العربي، لفهم هذه الظاهرة الخطيرة.

وتحاول هذه الأسطر تناول عرض مختصر ومكثف لكتاب الدكتور علي محافظة "الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي: الجغرافيا الفكرية والتحول إلى العنف والإرهاب" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت (2018)، والذي يقع في خمسمئة وثلاث وعشرين صفحة من القطع الكبير، وهذا العرض من منظور السياسة، ونظرية العلاقات الدولية والدراسات الأمنية الاستخبارية، وما هي الإضافة النوعية التي قدمها لحقل الدراسات الخاصة بالتطرف الديني والإرهاب.

يستعرض محافظة مفهوم التطرف والأصولية في الإسلام ثم يبدأ باستعراض الجذور الفكرية للحركات السلفية في الوطن العربي

يستعرض محافظة، باختصار شديد، مفهوم التطرف والأصولية في الإسلام، ثم يبدأ باستعراض الجذور الفكرية للحركات السلفية في الوطن العربي، من سلفية أحمد بن حنبل، الذي يعدّه مؤسس الدعوة السلفية في المرحلة الأولى، ثم في المرحلة الثانية ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، وصولاً إلى المرحلة الثالثة محمد بن عبد الوهاب، ثم المرحلة الرابعة من خلال ما أطلق عليه "السلفية الإسلامية الإصلاحية التجديدية"، وعلى رأسها: جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، ورشيد رضا، ثم السلفية المحافظة في المرحلة الخامسة، ويقصد بها هنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر؟ ويقول إنّ حسن البنا، مؤسّس الإخوان المسلمين، أعجب بالسلفية الوهابية وجيش "الإخوان، ولذلك أطلق على الجماعة اسم الإخوان المسلمين، وتبنّى شعارات جيش الإخوان الوهابي".

غلاف الكتاب

أما في المرحلة السادسة؛ فإنّ السلفية السلمية تتحوّل إلى السلفية العنيفة، والتخلي عن الدعوة السلمية، واللجوء إلى العنف، وأنّ هذا العنف بدأ في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، من قبل جماعة الإخوان المسلمين مع القيادي أحمد رفعت، ثمّ التنظيم السري، وسيد قطب، ثم صراعه الداخلي مع قادة الإخوان، خاصّة حسن الهضيبي.

ويفرد محافظة معظم الحديث عن سيد قطب، ودوره في نشر الفكر المتطرف، وتأثيره في الجماعات التكفيرية المعاصرة، وهو أمر أُشبع بحثاً وتحليلاً من قبل المختصين في الحركات السلفية التكفيرية.

الكتاب ضخم، وجهد تاريخي مهم، حاول من خلاله د. علي محافظة التأكيد على أنّ التطرف الديني ظاهرة عالمية

في المرحلة السابعة؛ يتحدث المؤرخ عن انطلاق الفكر الجهادي التكفيري في مصر، ويستعرض رموز هذا التيار، مثل: محمد عبد السلام فرج، وأيمن الظواهري، وعمر عبد الرحمن، وسيد إمام الشريف (الدكتور فضل)، لكنّه لم يشر إلى المراجعات المهمة له.

في منطقة بلاد الشام والعراق؛ يستعرض محافظة تاريخ السلفية، منذ محمد ناصر الدين الألباني، الذي تأثر بالسلفية الوهابية، لكن بطابع خاص إحيائي محافظ؛ لذلك سمِّيت سلفية الألباني "السلفية المحافظة"، ولقد أثّر بشكل كبير، وما يزال، في السلفية المحافظة في الأردن، حيث استقر حتى وفاته.

ومن الجدير بالإشارة، أنّ معظم مراجع المؤلف حول السلفية في الأردن هي للخبيرين في الجماعات الإسلامية الدكتور محمد أبو رمان وحسن أبو هنية.

ثم يتحدث عن رموز السلفية في بلاد الشام، وأهم إنتاجاتهم وكتبهم، مثل: السوري مصطفى بن عبد القادر ست مريم، الملقب أبو مصعب السوري، الذي يعدّ من أهم منظري التيار، والأردني الدكتور عبد الله عزام، ثمّ الأردني، الذي يعدّ اليوم أهم منظري السلفية الجهادية المقاتلة، عصام بن محمد البرقاوي العتيبي (الملقب أبو محمد المقدسي)، وأهم كتبه "ملّة إبراهيم"، ثم صراعه وخلافاته في السجن، وخلافه مع تلميذه أحمد فضيل نزال الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي)، الذي وصل معه التطرف الديني الذروة، وعمليات الإرهاب والتوحش أقصاها، وعلى رأسها عملية تفجير فنادق عمّان، في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، التي قتل فيها 60 شخصاً.

ثم يتحدث المؤلف عن القيادي المهم حالياً، الأردني عمر محمود عثمان، الملقَّب أبو قتادة الفلسطيني، الذي يعدّ، هو وأبو محمد المقدسي، اليوم، من أهم منظري السلفية الجهادية في العالم، أمّا في لبنان؛ فإنّ محافظة يتحدث عن سالم الشهال، وولده داعي الإسلام، ودورهما في نشر السلفية في لبنان.

ويفرد محافظة معظم الحديث عن سيد قطب، ودوره في نشر الفكر المتطرف، وتأثيره في الجماعات التكفيرية المعاصرة

يفرد محافظة جزءاً كبيراً للحديث عن معقل السلفية الوهابية، ويتحدث بالتفاصيل عن تطورات السلفية الوهابية في السعودية، وتيار الصحوة والسرورية، وتيار التنوير، ثم يستعرض واقع رموز في اليمن، والمغرب العربي، خاصة في تونس والجزائر والمغرب، الذي تأثرت سلفيته بالسلفية الوهابية وليبيا والسودان والصومال.

الكتاب ضخم، وجهد تاريخي مهم، حاول من خلاله د. علي محافظة التأكيد على أنّ التطرف الديني ظاهرة عالمية، وموجودة في كافة الديانات، وليست حكراً على الدين الإسلامي.

والخلاصة الرئيسة، التي توصل إليها محافظة بعد دراسة الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي، هي تأكيده أنّ هذه الجماعات المتطرفة "تحوّلت إلى العنف والإرهاب، بسبب ما عانته من قهر واضطهاد، وما تعرضت له من اعتقال وسجن وتعذيب، على يد الأجهزة الأمنية في أنظمة الحكم المستبدة"، رغم الاختلاف مع هذا النتيجة؛ لأنّ الاعتقال والسجن لزعماء وأعضاء هذه الحركات، كان بسبب تطرفهم وخطورتهم على المجتمع والسلم الأهلي أصلاً.

لقد سجِنوا، واعتقِلوا، وتعرّض بعضهم للتعذيب لدى بعض الأنظمة؛ لأنّهم كانوا متطرفين، ومارسوا أسوأ أنواع التوحش والإرهاب، لكن في الوقت نفسه؛ من المؤكَّد أنّ بعضهم زاد تطرفاً وعنفاً، وميلاً إلى التوحّش والإرهاب في السجون والمعتقلات، ولعلّ أهم مثال على ذلك؛ أبو مصعب الزرقاوي، وزعيم تنظيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية