علي زرمديني لـ (حفريات): حركة النهضة اعتمدت سياسة "أخونة" مؤسسات الدولة وتفكيك الأجهزة الوطنية في تونس

علي زرمديني لـ (حفريات): حركة النهضة اعتمدت سياسة "أخونة" مؤسسات الدولة وتفكيك الأجهزة الوطنية في تونس

علي زرمديني لـ (حفريات): حركة النهضة اعتمدت سياسة "أخونة" مؤسسات الدولة وتفكيك الأجهزة الوطنية في تونس


09/05/2024

ثمّة رابط يصعب الفكاك من كافة علاقاته وارتباطاته ضمن مسارات حركة النهضة خلال الأعوام التي تلت الربيع العربي في نسخته التونسية، وحتى قرارات 25 تموز (يوليو) 2021، التي راكمت جميعها مشاعر انفصال وعزلة تامة بين المواطنين والحركة في تونس، فضلاً عن عدد من الالتزامات القضائية التي تواجهها الحركة وقياداتها الذين يقبع كثير منهم رهن التوقيف والحبس التحفظي على خلفية قضايا تمسّ أمن الدولة، واتهام بالاغتيالات، وتلقي أموال من تنظيمات خارجية، والمساعدة في تسفير الشباب التونسي لجبهات القتال في الشرق الأوسط لا سيّما سوريا وليبيا.

إلى ذلك يأتي الحوار مع قيادة أمنية شغلت مناصب رفيعة في جهاز الحرس الوطني التونسي، ممّا وضع كافة تحركات النهضة وقياداتها في هذا الإطار حيز معلوماته ودائرة نشاطه المهني والأمني.

(حفريات) التقت العميد السابق في إدارة الحرس الوطني التونسي، والخبير الأمني في قضايا الإرهاب وتنظيمات الإسلام السياسي، العميد علي زرمديني.

قال العميد السابق في الحرس الوطني التونسي علي الزرمديني: إنّ حركة النهضة مثلها مثل أيّ تنظيم للإسلام السياسي لها المنهج نفسه والمخططات والأهداف نفسها، إذ إنّ جميع الإخوان يتحركون هنالك وهنا بالمنهج نفسه، وبالكيفية نفسها.

وأضاف الخبير الأمني التونسي أنّ النهضة عملت منذ اللحظة الأولى على تغيير بنية الدولة التونسية وهيكل مؤسساتها الأمنية، والاعتماد على أهل الولاء والثقة وليس على أهل الخبرة والكفاءة.

كما أشار علي زرمديني إلى أنّ حركة النهضة عبثت بأوراق الهوية وجوازات السفر ومنافذ الحدود، ومن خلال ذلك عرفت البلاد شخصيات ترتبط بتنظيمات إرهابية.

نص الحوار  

  • منذ لحظة نهاية العام 2010 ومطلع العام 2011 وتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، خاصة تونس، تتحرك نحو نفوذ أوسع في بلدانها والقبض على مفاتيح السلطة...، كيف كرّست حركة النهضة لتلك اللحظة واستقبلت قرطاج الغنوشي ورفاقه استقبال الفاتحين؟ 

ـ ينبغي أن نعلم جيداً أنّه منذ انتفاضة 2011 صعدت حركة النهضة الممثل الرئيسي للإسلام السياسي في تونس والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكل التنظيمات والفروع عن تنظيم الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، وسعت إلى بسط نفوذها والقبض على السلطة والتمكن من مفاتيحها. من خلال ذلك عملت حركة النهضة منذ عودة قياداتها من الخارج عودة الفاتحين واستقبال زعيمهم راشد الغنوشي بنشيد: "أقبل البدر علينا" نحو العمل على تغيير هوية تونس والتحكم في كل مفاصل الدولة والتمكين من مؤسساتها جميعاً خاصة الأمنية منها. 

كان ذلك كله رغم أنّ النهضة لم تشارك في الانتفاضات الشعبية التي أدت إلى سقوط نظام زين العابدين بن علي، لكنّها استغلت تلك اللحظة الفارقة وذلك الوضع الهش الذي بدت عليه البلاد بمسار قد يبدو ديمقراطياً، غير أنّ الحقيقة المطلقة تعكس أنّ ذلك حدث بتواطؤ خارجي وداخلي.

  • تورطت حركة النهضة عبر تمكين قياداتها في مناصب وزارية نافذة مثل الداخلية والعدل...، كيف ساهم ذلك في صنع منظومة الاتهامات التي تحاكم من خلالها النهضة حالياً؟

ـ ربما من الضروري أن يدرك الجميع أنّ عدداً من  الاتهامات التي تواجهها حركة النهضة وقياداتها، سواء من ناحية البُعد القضائي أو المسؤولية السياسية، من الصعب إنكاره أو تجاوزه، أو أن يغضّ التاريخ بصره عن ثقل تلك الأحداث. لقد كان ذلك ضمن استراتيجية واضحة المعالم، فقد عمدت النهضة ببصيرة متقدة إلى استغلال العفو التشريعي العام الذي نادت به القوى المدنية، وتوظيفه عبر ما يُسمّى التعويض، بغية إدماجهم في المسار المهني، والتمكن من مناصب قيادية مهمّة خصوصاً داخل المؤسسة الأمنية ومؤسسات العدل التي هي المحور الرئيسي أو الفاعل الرئيسي في تكريس سياسة الدولة، بهدف تحقيق مصالحها الذاتية وأهداف التنظيم داخلياً وإقليمياً.

فقد عمدت حركة النهضة من أجل التمكن من مصالح وزارة الداخلية في عملية ثانية سبقها إليها التيار الذي يدّعي المدنية، والذي حكم في مرحلة انتقالية البلاد نحو تدعيم ذلك المسار بأن أحالت أبرز القيادات الأمنية على التقاعد الوجوبي، كما سعت إلى تصعيد قيادات التنظيم والولاءات الخاصة بهم إلى تلك المواقع الحساسة في دولاب الدولة، خاصة نحو مستوى إدارة الحدود والأجانب، وعلى مستوى الأمن العمومي، لا سيّما حيز المناصب المرتبطة بإدارة المصالح المختصة التي تتبع إدارة المخابرات وكل الهياكل الحساسة دون تمييز صلب وزارة الداخلية.

  • بعض الأسماء التي تواجه الحبس التحفظي -الاحتياطي- تورطت في عمليات جوازات السفر المزورة وتهريب بعض الشخصيات عبر المنافذ الحدودية، ما توثيقك لتلك الأحداث؟

ـ نعم ثمّة أسماء معروفة داخل هيكل وزارة الداخلية تتبع حركة النهضة عملت خلال تلك الفترة على تمرير رؤية الحركة واستراتيجياتها، وساهموا جميعاً بشكل أو بآخر في تنفيذ تلك المخططات، وكان ذلك من خلال بعض الإقالات أو بالأحرى ما اعتمدته من سياسة التقاعد الوجوبي، وإدماج المنتمين إليها والموالين من خلال سياسة الترغيب والترهيب. وقد أمسكت بدواليب الوزارة جيداً، كذلك فعلت على مستوى وزارة العدل، وكل الهياكل الإدارية الحيوية في البلاد، وكل الوزارات التي أدمجت فيها بطبيعة الحال من تمتع بالعفو التشريعي العام. وقتها تمكنت النهضة فعلاً من إدارة الدولة عبر ما عرف بحكومة الترويكا التي كانت الفاعل الرئيسي. بل هي العنصر الذي تدور حوله كل التعيينات وكل المواقع. كما أنّها بسطت من خلال سياسة الترغيب، وجعلت الموظفين يوالونها الولاء الأعمى خوفاً من كل ردود الفعل التي قد تلقي بهم في السجون أو تلقي بهم خارج مسارح العمل.

نحو ذلك تستطيع القول بكل هدوء إنّ حركة النهضة اعتمدت ما يعتمده الإخوان المسلمون، من خلال تحطيم مؤسسات الدولة، والتمكين من خلال غرس رجالاتها من خلال الولاءات وتحطيم كل المنظومة القديمة وكل الخبرات وكل المنظومات الأمنية أو المنظومات التي قامت عليها البلاد على كل المستويات، إذ حاولت أن تعطي مفهوماً آخر وتحولاً كاملاً في مسار الدولة.

  • كيف ساعد ذلك حركة النهضة على دعم فصائل وتنظيمات الإخوان في الجغرافيا المجاورة؟ 

ـ في ذلك الإطار وفي ذلك الحراك وما يحيط به من كل المعطيات الداخلية والخارجية كانت حركة النهضة سنداً حقيقياً للإخوان في كل المواقع؛ في ليبيا من خلال ارتباط وثيق مع الجماعات الإسلامية في ليبيا، ومن خلال مراكز القرضاوي وقياداته الرمزية التي كانت تقيم في قطر، وارتبطت وفتحت مجال الدولة التونسية لمن يرتبط بالإخوان أو من يدعم الإخوان. ونحن نعلم جيداً أنّ السياسة التونسية في عهد الزعيم بورقيبة، وفي عهد الرئيس زين العابدين بن علي، كان لها  مسار عدم الانحياز، فأصبحت في عهد حكم الترويكا لها مسارات أخرى تختلف تماماً، ارتبطت بمحاور هي بالأساس  تلك المحاور التي  تدعم وترعى الإخوان المسلمين، ونعرف جيداً تلك الدول التي كانت ترى تلك المنظومة وحشدت هياكل إسلامية غريبة عن بلاد جامع الزيتونة،
وكان ذلك جسراً لنقل السلفية الجهادية والتكفيريين.

وقد كان لذلك الفعل الأثر الكبير في عودة السلفية الجهادية، التي هي كانت المبعث الرئيسي للحركات الإرهابية التي تواجدت في تونس، أو التي صدرت  إلى الخارج بمساعدات دولية بارزة، وكانت معبراً وممراً للعناصر المتشددة إلى التواجد وإعطاء صورة غير الصورة التي يعرفها العالم عن تونس، والتي تواجدت داخل بؤر التوتر وخصوصاً في سوريا والعراق، وحتى في المحيط الإقليمي، من خلال دول الساحل والصحراء.

  • عمليات التسفير لبؤر التوتر وتورط السيد علي العريض في ذلك، إلى أيّ حد ترى ذلك الارتباط؟ 

ـ سهلت قيادات النهضة هذا الأمر عندما كان علي العريض على رأس وزارة الداخلية، وكانت هذه  الفترة بمثابة النكبة فعلاً على وزارة الداخلية، تلك الفترة التي شهدت فيها مظاهرات أدت إلى اقتحام سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، بما خلفته تلك الاقتحامات من أضرار معنوية ومادية وحتى سيادية على تونس. فنحن نعلم جيداً ثمن التعويضات التي حصلت عليها الولايات المتحدة الأمريكية من أشياء تمسّ السيادة التونسية، مقابل تلك الغزوات التي مست سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، حين عاد علي العريض، إلى جانب التسهيلات الممنوحة لقيادات النهضة للغدو والرواح والدخول والخروج من وزارة الداخلية، والحصول على تسهيلات كبيرة على مستوى جوازات السفر، وعلى  مستوى الممنوعين من السفر، وكل الخدمات التي كانت تقدمها وزارة الداخلية.

إنّ وزارة الداخلية أصبح  كل من ينتمي إلى تلك الحركة له إمكانية الدخول إليها بسهولة، والتي كانت جدرانها تمنع حتى الهواء للدخول إليها.

إنّ عمليات الإسلام السياسي لم تقتصر على هذا  الجانب أو على الجانب السياسي أو على هز أركان الدولة التونسية، بل تجاوزت ووصلت إلى حد ممارسات أخرى، كان من أبرزها ممارسات منح الجنسية أو تسهيل منح الجنسية عبر أفراد موالين لها من خلال أذرعهم  الخارجية، وفي مكتب الاتصال في دمشق الذي سهل عدداً من العمليات، من بينها عمليات تمكين أطراف لها سيرة وسلوك يشتبه فيها الانتماء إلى تنظيمات إرهابية وحصولهم على الجنسية التونسية، ممّا مكنهم من الحصول على هويات ووثائق تثبت أنّهم ينتمون إلى الشعب التونسي ولهم هوية تونسية.

على خلفية ذلك هم الآن رهن الإيقاف التحفظي ورهن قضية عدلية منشورة لدى المصالح القيادية. كما أنّ الحركة ساعدت من خلال الموالين لها والماسكين بزمام السلطة في تونس على القيام  بالعديد من التجاوزات سواء على مستوى إدخال الدعاة وعلى مستوى تهريب أشخاص وعلى مستوى تسهيل تهريب (أبو عياض) مثلاً  من جامع الفتح نحو ليبيا والبقاء فيها وإدارة بعض العمليات  انطلاقاً من الأراضي الليبية وغيره من الأشخاص، وهي عمليات معلومة ومعروفة الآن لدى الجميع وتقع محاكمتهم عليها.

  • بالنسبة إلى الاغتيالات السياسية التي حصلت في عهد حكم النهضة...، بخبرتك الأمنية أين نقطة الاتصال بين النهضة وتلك الاغتيالات؟


ـ يجب أن نفرّق بين الجانب العملياتي في جرائم الاغتيالات  الذي تمّ تنفيذه من طرف عناصر أنصار الشريعة الذين وجدوا حقيقة المجال واسعاً ورحباً حتى يتحركوا ويقوموا بحملاتهم الدعوية نحو الاستقطاب وغيره، من كل أوجه التعامل في عملياتهم الإرهابية وصولاً إلى حدّ تنفيذ الاغتيال، وبين المسؤولية السياسية.

إذاً نطرح سؤالاً مبدئياً: من كان يدير البلاد وقتها؟ ومن كان مسؤولاً عن أمن العباد والبلاد؟

هم قولاً واحداً تنظيمات الإسلام السياسي وحركة النهضة تحديداً، فقد كانت هي الفاعل الرئيسي والممسك الرئيسي بالسلطة، فهي المطالبة بتوفير الأمن، إلى جانب ذلك علينا أن نعود قليلاً إلى الوراء ونرى أنّ ما أحيط بالعمليات وما سبق العمليات ثمة وقائع ترهيب معلومة طالت هؤلاء الساسة الذين تم اغتيالهم.

ومن المعروف أنّ العمليات الإرهابية تنطلق من خلال كلمة مشفرة. 

إلى ذلك، نتذكر جميعاً كيف أنّ علي العريض في ذلك الوقت وجّه شبه دعوة للقصاص من الشهيد شكري بلعيد.

ونتذكر أيضاً خروج قيادات حركة النهضة في شارع الحبيب بورقيبة ودعوة بعضهم إلى سحل التونسيين، وهي كلها رسائل مشفرة تلتقطها العناصر الميدانية، وتفعل ما تفعله.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية