علاقة إيران بثورات الربيع العربي

علاقة إيران بثورات الربيع العربي


06/02/2021

منير أديب

تَعتبر إيران نفسها المرجعية الأولى لكل الثورات التي ضربت المنطقة العربية بعد العام 2011، ولعل هذا المنطق مع أسباب أخرى دفعها لدعم المتمردين المصريين في أكثر من دولة أستقروا فيها، ويا حبذا لو كان لهؤلاء المتمردين أصول ولائية للجماعات الدينية الموجودة على الساحة ويمثلونها بصورة أو بأخرى، فهي ترى نفسها الأب الروحي لأي تحرك جماهيري ذي صبغة دينية هدفه الإستيلاء على السلطة، وهو ما دفعها لدعم حركة "الإخوان المسلمين".

ترى إيران أن جماعة "الإخوان المسلمين" هي أقرب إليها من بعض التنظيمات السياسية المعارضة للسلطة في مصر، وهنا دعمت ومازالت التنظيم، وقد إلتقى الحرس الثوري الإيراني بالأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان، إبراهيم منير، والذي يقوم بأعمال مرشد الإخوان حاليًا، في العام 2014، حتى استقر بها المطاف لتقديم دعم شهري مبدئي يصل إلى قرابة 250 ألف دولار شهريًا للمكتب العام للإخوان في تركيا.

الدعم الإيراني يُقدم للإخوان الذين يعملون ضمن مجموعات العمل النوعي، ويؤمنون بفكرة التغيير المسلح، والذي يتولاه القيادي الإخواني البارز، أحمد عبد الرحمن؛ وهذه المجموعة تنتمي أصوليًا إلى اللجان النوعية وحركتي، "سواعد مصر" والمعروفه إعلاميًا بــ "حسم" و"لواء الثورة"، وكلٌ منهما استمد مشروعه للعنف من البحث الذي أنتجته اللجنة الإدارية العليا بمصر في العام 2014 بعنوان "فقه المقاومة الشرعية"، وهو أحد ثمار هذه اللجنة التي تولاها عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، كما كانت بعض قيادات الجماعة الإسلامية ملهمة هي الأخرى لممارسة العنف عبر فتاواها التحريضية لهذه المجموعات، مثال على ذلك، الشيخ محمد الصغير، الموجود في الدوحة.

فإيران اخترقت الجاليات الإخوانية في تركيا ومازالت تُحركها، وهي المسؤوله عن دعم الفوضى في مصر من خلال دعم القائمين عليه والموجودين في الخارج، وقد نجحت إيران في جمع معلومات كثيرة عن التنظيم وما يجري داخله بسبب دعمها لهذه المجموعة التي يُقدر عددها بحوالي خمسمائة شخص، سواء الموجودين داخل تركيا أو خارجها أو حتى في مصر.

ولذلك ما كان يُقال عن علاقة إيران بكل الجماعات والتنظيمات الدينية ذات المرجعية الشيعية والسنية أمر يوافق الحقيقة التي نحن أمامها الآن، فهي تَضخ أموالاً على المجموعات التي تؤمن بالعنف وتمارسه أو تعمل من أجل الفوضى، وهذا لم يكن جديدًا على سلوكها في منطقة الشرق الأوسط ولا على سياستها الرامية للسيطرة على بعض العواصم العربية ونشر ثورتها الإسلامية من خلال أدوات العنف التي تقوم على رعايتها.

من الأهداف التي حققتها إيران من خلال دعم المكتب العام للإخوان في تركيا، والذي كان يُعرف في وقت سابق بمكتب الأزمة والذي أنشأته الجماعة لإدارة صراعها مع السلطة في مصر، ثم قامت بحل تشكيله، وأنشئت لجنة جديدة يرأسها أمين عام التنظيم الدولي للإخوان، كبديل لمكتب الإرشاد، لجعل مفاتيح القرار جميعًا بيدها، وهو هو اختراق التنظيمات الدينية المتطرفة، مثال الإخوان، والهدف كما أسلفنا تحقيق هذا الإختراق معلوماتيًا ثم تأتي مرحلة التوظيف بعد ذلك، وهو ما نجحت فيه بالفعل.

يقوم، يحيى موسى، وعلاء السماحي، مسؤولا العمل النوعي المسلح للإخوان، بتقديم الرعاية المادية والشرعية لأكثر من 20 طالبًا، ويقومان بتغذيتهم بأفكار العنف، تلك التي يؤمن بها تنظيما سواعد مصر "حسم" ولواء الثورة، اللذين يمثلان الذراع العسكرية للإخوان، كما أن بعض أوجه إنفاق هذه الأموال قد يكون على 30 شخصاً ينتمون لهذه الميلشيا داخل مصر، وربما يتحركون على شكل خلايا منفرده.

وهنا يمكن الحديث عن وجود أكثر من جبهة للإخوان داخل إسطنبول، ولعل المدعومين من إيران إحدى أهم هذه الجبهات، والتي يمثلها يحي موسى ورضا فهمي وعلاء السماحي وأخرون، وهم يتنافسون للحصول على المال من إيران، كما تتلقى جبهة إبراهيم منير، دعماً مالياً أخر من عدة دول قد يصل إلى 15 مليون دولار شهريًا للإنفاق على أنشطة التنظيم الإعلامية "المنصات الإعلامية التابعه لهم" والمراكز الحقوقية التي تتولى فكرة تشويه الدولة في مصر، والإنفاق على أسر هذا التنظيم سواء الموجودة في بعض الدول في الخارج، ولم يتوفر عمل لهم، أو الموجودة في الداخل وفقدت عائلها.

عودة للحديث عن تمويل إيران لما يمكن أن نسميه بالقائمين على العمل النوعي في مصر، قد يكون إجمالي أعداد هؤلاء لا تتعدى خمسمائة شخص سواء الموجودين في تركيا أو دول أخرى أو حتى الموجودين في مصر، والذين لا تتجاوز أعدادهم قرابة 120 شخصاً، بينما يتواجد في الخارج حوالي 70 شخصاً ويُضاف إليهم 10 أشخاص أخرين سافروا لمناطق الصراع في ليبيا وسوريا، والبقية الباقية موزعة على بلدان أخرى ربما تنتظر اللحظة التي يتحركون فيها لتهديد أمن مصر، أو تُحركهم إيران لذلك.

من القصص التي تؤكد علم المخابرات التركية بتحركات الإخوان وعلاقتهم بإيران أو إشرافها على هذا الدعم، ما قامت به من إلقاء القبض على، رضا فهمي، أحد قادة التنظيم وأحد مسؤولي اللجان النوعية، وكان مسؤولًا عن لجنة الأمن القومي في برلمان عام 2012 أثناء وجود الإخوان في السلطة، عندما كان عائدًا من إيران في العام 2017 وتم حبسه شهراً كاملاً داخل السجون التركية، لأنه لم ينسق مع المخابرات التركية بخصوص هذه الزيارة. وتركيا ترغب في الإطلاع على كل التفاصيل، ليس لديها مانع من تواصل الإخوان في تركيا مع إيران ولكن بموافقتها وأن يكون ذلك تحت نظرها.

ولعل ما حدث من رضا فهمي، حرمه حتى هذه اللحظة من التمتع بالحصول على الجنسيه التركية، ولم ينجح عادل راشد، المصري الذي يعمل في وزارة العدل التركية، وهمزة الوصل بين الإخوان المسلمين من جانب وتركيا من جانب أخر، في ما يتعلق بحصول الإخوان على الجنسية التركية، من إقناع الأتراك بذلك.

تُقدم إيران دعمها لمجموعات أخرى من الإخوان، مثل مركز الخليج أون لاين، وهو عبارة عن رواق مركز دراسات تنموي، يديره عمار فايد، وهو شخص مقرب من مجموعة العمل النوعي أو ما يُعرف بمجموعة محمد كمال، الذي قاد العمل النوعي في مصر حتى مقتله.

كما أن هناك أطرافاً أخرى مقربة من مكتب محمد كمال، المكتب العام، تحصل على تمويلات لمشاريع فكرية، مثل منتدى العاصمة، والذي يكتب فيه أحمد مولانا، ويديره أحمد عبد الرحمن المسؤول السابق لمكتب الأزمة ويدير مع أخرين المكتب العام للإخوان في إسطنبول حاليًا.

إيران تُريد أن تفجر منطقة الشرق الأوسط، وأن تنشر مزيدًا من الفوضى في هذه المنطقة، وأن تُصدر ثورتها الفوضوية إلى هذه البلدان حتى تقيم الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تحلم بها، وهي ما تُعادل من وجهة نظرها الخلافة الإسلامية على مساحة أكبر من الأرض، بعد أن تلتهم مزيدًا من الأراضي العربية وتوظف التنظيمات المتطرفة التي تعمل معها في مشروع إيران الفوضوي في المنطقة والذي يهدف إلى إحتلال كامل المنطقة العربية!

مواجهة المشروع الإيراني لابد أن يكون من خلال أدوات المعرفة، فكلما كنت صاحب معلومة دقيقة كنت أقدر على المواجهة، وكلما كنت قادرًا على التحليل كنت قادرًا على الفهم، ومن ثم تستطيع أن تشتبك مع الطرف الأخر وأن تواجهه مواجهة كفيله بصد خطره، القضاء على هذا المشروع سوف يقضي على حلم التنظيمات الدينية المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، الساعي لنشر الفوضى وإحتلال مزيد من الأرض حتى ولو لبست إيران عباءة الثورة والثوار.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية