سوريون في تركيا يغيّرون أسماءهم خوفاً من الترحيل

سوريون في تركيا يغيّرون أسماءهم خوفاً من الترحيل

سوريون في تركيا يغيّرون أسماءهم خوفاً من الترحيل


14/08/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

ربما يكونون في طريقهم إلى المسجد، أو عائدين إلى منازلهم من العمل، أو يُنجزون بعض المهمّات، أو يزورون مكتباً إداريّاً. مهما كان ما يفعله اللاجئون السّوريّون في تركيا، فإنّ التّنقّل في الأماكن العامّة يعرّضهم بشكل متزايد للاحتجاز، والنّقل إلى مراكز الاعتقال، والإجبار على الاختيار بين البقاء هناك إلى أجل غير مسمّى أو التّوقيع على خطاب «العودة الطّوعيّة».

منذ انتخابات أيار (مايو) في تركيا، وثّقت عدّة تقارير جديدة هذه المُعاملة بتفاصيل مؤلمة. ذهب خالد أحمد، بعد أن عاش في إسطنبول لمدّة ثمانية أعوام، إلى مكتب الهجرة لتحديث عنوانه وسُرعان ما وجد نفسه في مدينة أعزاز السّوريّة، متسائلاً عمّا إذا كان سيرى زوجته وأطفاله مرّة أخرى.

وهناك سعيد وأبناؤه، الذين بعد أن عاشوا في إسطنبول لما يقرب من عقد من الزّمان، اتّهموا بارتكاب أعمال عنف ضدّ مواطن سوريّ آخر ونقلوا إلى مركز اعتقال تلو الآخر حتّى وصلوا إلى محافظة هاتاي، بالقرب من الحدود السّوريّة. يعتقدون أنّ زلزال شباط (فبراير) المدمّر، الذي سوى مركز الاعتقال بالأرض ممّا أدّى إلى إطلاق سراحهم، هو الذي أنقذهم من التّرحيل.

مرّت ستّة أشهر تقريباً منذ أن دمّرت تلك الكارثة جزءاً كبيراً من شمال سوريا وجنوب شرق تركيا، وبينما تتأخّر عمليّات إعادة الإعمار، يبدو أنّ ما يقرب من أربعة ملايين سوريّ في تركيا يواجهون أصعب طريق للعودة إلى الحياة الطّبيعيّة. في العام الماضي، فصّلتُ العداءَ المتزايد للأتراك تجاه السّوريّين، الذين يُلقى اللوم عليهم بشأن كلّ شيء، من موجة جرائم صغيرة إلى زيادة الإيجارات وتفاقم المشكلات الاقتصاديّة.

هذا الأسبوع فقط، أشار فخر الدّين ألتون، رئيس الاتّصالات في الرّئاسة التّركيّة، إلى أنّ السّوريّين والمهاجرين الآخرين غالباً ما يُلامون على القلاقل العامّة للسّلام. وقال في تغريدة مطوّلة على «تويتر» حول التّضليل الإعلاميّ: «صُوِّر مرتكب هذا الحدث على أنّه مواطن أجنبيّ، على الرّغم من أنّ الأمر ليس كذلك في الواقع».

قسيمة اقتراع تظهر أردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو في أنقرة خلال جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في مايو

هذا ليس مفاجئاً، لأنّ أكثر من ثمانية من كلّ عشرة أتراك يريدون الآن إعادة السّوريّين إلى ديارهم، وفقاً لتقريرٍ للأمم المتّحدة. وقد أُطلق العنان لمثل هذه الآراء في الفترة التي سبقت انتخابات أيار (مايو) لأنّ التّعهّد الأساسيّ لحملة المعارضة الانتخابيّة كان إعادة إرسال اللاجئين السّوريّين إلى ديارهم. وربما أدّى هذا إلى زيادة جرائم الكراهية وخطاب الكراهية ضدّ السّوريّين، وهو الأمر الذي نشر «مركز ستوكهولم للحرّيّة» تقارير بشأنه.

أين ذهبت وعود أردوغان؟

بمجرّد أن حقّق الرّئيس رجب طيب أردوغان النّصر، تنفّس السّوريّون الصّعداء. لكن زعيم تركيا العتيد تعهّد في خطاب القبول بإعادة مليون سوريّ إلى ديارهم. وفي غضون أيّام، بدأت الحكومة بهدوء في اعتقال وترحيل سوريّين. ويقول «المرصد السّوريّ لحقوق الإنسان»، ومقرّه المملكة المتّحدة، إنّ تركيا رحّلت ما يقرب من ألف سوريّ في تمّوز (يوليو) وحده.

إذا نُفّذت عمليّات التّرحيل بشكل قسري، فمن المرجّح أن تمثّل خرقاً لـ«اتفاقيّة الأمم المتّحدة للاجئين لعام 1951»، بافتراض أنّ سوريا لا تزال غير آمنة، وقد تمثّل أيضاً انتهاكاً لاتّفاق تركيا لعام 2016 مع الاتّحاد الأوروبيّ، والذي تحدّث الجانبان عن تجديده.

بمجرد أن حقق الرئيس أردوغان النصر، تنفس السوريون الصعداء. لكنّ زعيم تركيا العتيد تعهد في خطاب القبول بإعادة مليون سوري إلى ديارهم

في كلتا الحالتين، يخشى معظم السّوريّين في تركيا الآن مغادرة منازلهم ويبحثون بشدّة عن حلول. يتقدّم البعض بطلبات للحصول على الجنسيّة التّركيّة وإعادة التّوطين في الاتّحاد الأوروبيّ. ويدفع البعض رشاوى للالتحاق بالجامعات. ويتوقّف بعضهم عن التّحدّث باللغة العربيّة في الأماكن العامّة، بل ويغيّرون أسماءهم لتبدو تركيّة. وفي الشّهر الماضي، أصدر عالم سوريّ مسلم مُقيم في تركيا فتوى تُبيح للسّوريّين المُقيمين في تركيا أداء صلاة الجمعة في المنزل بدلاً من الذّهاب إلى المسجد وتعريض أنفسهم للاعتقال.

لكن بالنّسبة إلى البعض، أصبح البقاء في المنزل أكثر صعوبة. في العطلة الأسبوعيّة، منحت السّلطات التّركيّة سوريّين موجودين الآن في إسطنبول - بعد تسجيلهم في البداية في محافظات أخرى - سبعة أسابيع للعودة إلى المُحافظات المُسجّلين بها. ومن المرجّح أن يؤدّي هذا إلى موجة حركة للسّوريّين داخل تركيا.

بالنّسبة إلى نحو ستمائة ألف شخص أُعيدوا بالفعل إلى سوريا، فقد ذهب بهم الوضع من السّيء للأسوأ. يُقال إنّ الكثيرين يعارضون الرّئيس بشار الأسد ويعيشون الآن في خوف على حياتهم. لكن ضع في اعتبارك أنّهم لم يُرسَلوا إلى منازلهم، وإنّما إلى مساكن جديدة تبنيها تركيا بدعم قطريّ في المناطق الآمنة التي تُسيطر عليها تركيا.

في الأسبوع الماضي، قال أردوغان: «إن بناء المنازل الحجريّة في شمال سوريا مستمرّ»، موضّحاً أنّ تركيا بنت ما يقرب من مائة وخمسين ألف منزل. وأضاف: «ولأنّنا فعلنا هذا، بدأ أشقاؤنا اللاجئون السّوريّون بالعودة».

عندما بدأت الحرب الأهليّة في سوريا قبل اثني عشر عاماً، اتّخذ أردوغان موقفاً حازماً ضدّ الأسد واستقبل كما هو معروف موجات من «الإخوة اللاجئين»، ممّا عزّز سمعته الإقليميّة. الآن، مع تراجع الليرة واقتراب موعد الانتخابات المحلّيّة المُقرّر انعقادها في آذار (مارس)، يتبنّى الرّئيس سياسات لترحيل اللاجئين والتّواصل مع نظيره السّوريّ في محاولة لتجديد العلاقات.

هدفان رئيسان

لدى تركيا هدفان رئيسان عندما يتعلّق الأمر بسوريا: منع تدفّق المزيد من اللاجئين من النازحين في شمال غرب سوريا الذين يصل عددهم إلى ما بين أربعة وخمسة ملايين، وإضعاف سيطرة «قوّات سوريا الدّيمقراطيّة»، التي يقودها الأكراد، على شمال شرق سوريا لتأمين نفسها من الهجمات الحدوديّة.

تشكّ أنقرة، التي لديها حوالي عشرة آلاف جنديّ في شمال سوريا والتي شنّت أربع عمليّات توغّل، في اهتمام دمشق بالمساعدة في تحقيق هذين الهدفين، وذلك لسبب وجيه: تتطلّب رؤية تركيا لإعادة توطين اللاجئين زيادة التزامها العسكريّ في سوريا، لكن الحكومة السّوريّة جعلت انسحاب تركيا شرطاً للتّقارب.

أصدر عالم سوري مسلم فتوى تُبيح للسوريين المقيمين في تركيا أداء صلاة الجمعة في المنزل بدلاً من الذهاب إلى المسجد خشية الاعتقال

وهناك تعقيدات إضافيّة. الأوّل هو أنّ الغالبيّة العظمى من شمال وشرق سوريا - بما في ذلك المناطق التي تبني فيها تركيا المنازل - أصبحت أرضاً قاحلة، كما قالت «النّيويورك تايمز». بسبب تغيّر المناخ، وسوء الرّي، والحُكم الضّعيف، تبتلع رمال الصّحراء عشرات الآلاف من الأفدنة من الأراضي الصّالحة للزّراعة كلّ عام عبر الهلال الخصيب. النّاس يائسون ويحزمون أمتعتهم ويغادرون، والمجتمعات المحلّيّة تتدهور، ممّا يحفّز الاشتباكات والتّطرّف. وقد أدّى انتهاء صلاحيّة اتّفاقيّة الحبوب بين روسيا وأوكرانيا مؤخّراً - والتي ضمنت توصيل المواد الغذائيّة التي تشتدّ الحاجة إليها إلى المناطق السّاخنة مثل اليمن، وسوريا، والعراق - إلى تفاقم الأمور.

ومع ذلك، كان من الممكن أن يكون هذا الأمر قابلاً للإدارة لو أنّ الاتّفاقيّة التي توسّطت فيها الأمم المتّحدة والتي سمحت بنقل المساعدات الإنسانيّة من تركيا إلى محافظة إدلب بشمال سوريا لم تنته الشّهر الماضي بسبب «الفيتو» الرّوسيّ في مجلس الأمن. في غضون أيّام، وافقت الحكومة السّوريّة على السّماح بستّة أشهر من المساعدات عبر الحدود، طالما أنّها تستطيع الإشراف على جميع عمليّات التّسليم.

أردوغان مكشوفاً

رفضت الأمم المتّحدة هذا الشّرط، لكنّه أصبح الآن واقعاً: يتحكّم نظام الأسد وروسيا إلى حدّ كبير في إيصال المساعدات لملايين النّازحين السّوريّين. وعلى الرّغم من فخره بانتصاره الانتخابيّ الأخير وإبحاره نحو احتفالات تركيا بالذّكرى المئويّة للجمهوريّة في تشرين الأوّل (أكتوبر)، يبدو أردوغان مكشوفاً، حتّى أمام دمشق وموسكو.

 لدى أنقرة حوالي 10000 جندي في شمال سوريا

إذا قرّرت الحكومتان لأيّ سبب من الأسباب إيقاف حنفيّة المساعدات، فقد تتدفّق موجة أخرى من اللاجئين إلى تركيا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقوّض جهود أنقرة للحدّ من عبء المهاجرين ويقتطع الدّعم الانتخابيّ لـ«حزب العدالة والتّنمية» الحاكم. فجأة، مع ازدياد ندرة الوظائف وتضييق الأحزمة بشكل أكبر، قد يرى الأتراك في «حزب الشّعب الجمهوريّ» المعارض وتعهّده بإعادة جميع السّوريّين إلى الوطن خياراً أفضل، على الرّغم من معركة القيادة المستمرّة داخل الحزب.

مثل الدّيمقراطيّين في الولايات المتّحدة، يحظى «حزب الشّعب الجمهوريّ» بالدّعم إلى حدّ كبير في المناطق الحضريّة، وتمثّل الانتخابات البلدية لعام 2019 أكبر إنجاز للمعارضة، التي سيطرت على معظم المدن الكبرى في البلاد. واللاجئون السّوريّون هم الآن في مرمى النّيران السّياسيّة، حيث يحاول «حزب العدالة والتّنمية» تحقيق نتيجة مختلفة هذه المرّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 1 آب (أغسطس) 2023

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2023/08/01/in-turkish-cities-syrian-refugee-anxiety-spikes-as-another-vote-looms/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية