سؤال أمريكي يتكرر: كيف يمكن تجنب داعش في العراق؟

العراق

سؤال أمريكي يتكرر: كيف يمكن تجنب داعش في العراق؟


26/11/2017

مع تحرير الموصل والمدن الرئيسية العراقية الأخرى من آفة داعش المروعة، يقف العراق عند مفترق طرق حاسم. لقد "أهدر العراقيون والأمريكيون فرصاً تاريخية لبناء بلد جديد ومستقر ومزدهر معاً من قبل، ويجب ألا ندع ذلك يحدث مرة أخرى"، بحسب الكاتب والباحث في معهد بروكينغز في العاصمة واشنطن، مايكل أوهانلان، في مقالة نشرها مؤخرا في مجلة "واشنطن إنتريست"، المهتمة بإيجاد مقاربات لقضايا خارجية تؤثر الأمن القومي الأمركي.

المؤشرات المبكرة لا تبشر بالخير. فبعد ثلاث سنوات من حكم داعش الفظيع للموصل لا تزال المدينة في حالة خراب

حديث الرجل هو ما بات يتكرر بإلحاح في عواصم عدة معنية بالشأن العراقي لا سيما واشنطن، التي لا تتردد أصوات في الإدارة والكونغرس، ناهيك عن مراكز البحوث التي تسهم إلى حد كبير في تقديم المشورة إلى صناع القرار، فثمة التنبيه إلى الخطر الرئيسي: التطرف جنباً إلى جنب مع الطائفية مما يزيد من استقطاب السكان داخل العراق وإنتاج دورات العنف التي لا نهاية لها، مما يخلق فرصاً للتدخل الأجنبي وتعميق أنواع الاستياء والغضب التي أدت إلى ظهور داعش، وحتى "القاعدة" قبل ذلك. تلك الأصوات الأمريكية تشدد "علينا أن نحقق مكاسب عسكرية بفوز سياسي. وإلا فإننا نخاطر بظهور النسخة الثانية من داعش  بين السكان السنة المتضررين من الحكم الشيعي وإرهاب داعش معاً".

اختبار الموصل المتواصل
ولسوء الحظ، كما يقول أوهانلان، فإنّ المؤشرات المبكرة لا تبشر بالخير. فبعد ثلاث سنوات من حكم داعش الفظيع للموصل، وأكثر من عام من القتال العنيف الذي تعاون فيه العراقيون مع قوات التحالف والمستشارين في تحرير المدينة، لا تزال ثاني أكبر المدن العراقية في حالة خراب.
وسيواجه العراق تحدياً شديداً لمعالجة مشكلة إعمار الموصل والمناطق المحررة الأخرى بمفرده، لا سيما مع كون صادرات النفط تشكل معظم مصادر الدخل في البلاد، ومع الانخفاض المستمر في أسعار النفط العالمية، وهو ما شكل تحدياً كبيراً، يضاف إلى ما يعانيه ملايين الشباب العاطلين عن العمل وبالتالي "المعرضين لأيديولوجيات الكراهية لا سيما بوجود لعنة العراق الخاصة، أي الطائفية".
ومع دعوة أوهانلان، إلى تجاوز السجال حول غزو بلاده للعراق 2003، يشدد على مسؤولية واشنطن المتعاظمة في العراق اليوم، فهناك لا يزال أكثر من خمسة آلاف جندي يدعمون المجهود الحربي العراقي. وفي الآونة الأخيرة، بلغ متوسط المساعدات الاقتصادية الأميركية للعراق عدة مئات من ملايين الدولارات، بالإضافة الى مساعدات أمنية بمليار دولار سنوياً. هنا يستدرك الباحث ذائع الصيت عند رغبة ما تتصاعد في أمريكا قد تترك العراق وحيداً مع أزماته فـ"المشرعون في واشنطن يتطلعون إلى إحياء النمو الاقتصادي الأمريكي والقيام بالإصلاح الضريبي وتخفيض العجز الفيدرالي، وهو ما يوفر إغراءً كبيراً لترك العراق وهو يتوارى في مرآة الرؤية الخلفية للسيارة الأمريكية المغادرة مرة أخرى. وسيكون ذلك خطأ كبيراً".
صحيح أنّ هناك إقراراً في واشنطن بضرورة خفض التكاليف الأمريكية في العراق بعد هزيمة داعش، لكن "سيكون من الخطأ تقليل المساعدات الأمريكية والضغط في العراق أكثر من اللازم. فالولايات المتحدة تعامل باحترام كوسيط نزيه من قبل معظم القادة العراقيين، ولها نفوذ فريد من نوعه لا يمكن لأي قوة خارجية أخرى أن تتمتع به أو تنافسه، وخاصة تلك الموجودة في المنطقة" في إشارة إلى الدور الأمريكي في التوسط بين القيادات العراقية لإنهاء خلافاتها.
أي مسؤوليات أمريكية؟
إذا وافق قادة واشنطن على الحفاظ على وجود عسكري طويل الأجل في العراق، تتركز مهمته أساساً على التدريب والحماية، فضلا عن ضرورة إبقاء مبالغ المساعدات الأمنية بالقرب من مستوياتها الأخيرة، مع تحويلها تدريجياً إلى مزيد من المساعدات الاقتصادية، فإنّ الولايات المتحدة يمكن أن تساعد العراق على اغتنام هذه اللحظة للحد من التدخلات الإقليمية وبناء دولة مدنية متماسكة. و"ستكون هذه النتيجة في مصلحة الولايات المتحدة أيضاً، وتتماشى مع وعد الرئيس ترامب بوضع أمريكا أولاً من خلال المساعدة على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط الحيوي الإستراتيجي".

يجب على حكومة الوحدة أن تنقل إحساساً مشتركاً بالمسؤولية والإنصاف بين سكان الموصل الشيعة والسنة والكرد والأيزيديين

التحدي الرئيسي اليوم في العراق، كما يراه أوهانلان وكثيرون في واشنطن، هو إعادة بناء المدن المحررة من داعش، وأبرزها الموصل في شمال البلاد، بطريقة تخلق توافقاً عابراً للخطوط الطائفية والسياسية في إطار عملية سياسية شاملة تستند إلى سيادة القانون والعدالة والمساواة، توصل إلى حكومة وحدة وطنية.
يجب على حكومة الوحدة أن تنقل إحساساً مشتركاً بالمسؤولية والإنصاف بين سكان الموصل الشيعة والسنة والكرد، فضلاً عن مجموعات أصغر مثل الأيزيديين. ويجب أن تعمل بفعالية في مجالات الأمن وإعادة البناء الاقتصادي وتطوير الطاقات الاجتماعية، ضمن فكرة "تدافع عن حقوق وامتيازات جميع المواطنين من خلال خريطة طريق لتخليص العراق من الطائفية".
واشنطن وبغداد لديهما فرصة ذهبية، "لكنها تنزلق بعيداً" من بين أيديهما، ففي الموصل فشلت الحكومة المحلية في وضع خطة من شأنها أن تهيّء بيئة تسهل عودة المشردين وتساهم في إحياء الاقتصاد. وبدلاً من ذلك، "بقيت غارقة في الفساد المالي والإداري، كما فعلت معظم المحافظات العراقية".

ويتعين على رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي "يستحق الفضل في محاولة جمع العراقيين معا خلال سنواته الثلاث الماضية في الحكم"، أن يقود خطة جريئة وحاسمة لإعادة بناء ثاني أكبر منطقة حضرية في العراق. يجب أن يعين فريقاً توجيهياً يحكم المدينة التي تتكون من قادة وطنيين وإقليميين ذوي سمعة عالية، مع مجموعة من الهويات السياسية وأصحاب المهارات التي تعكس المراكز النابضة بالحياة في الموصل. وينبغي تكليفهم بالإشراف على عودة المشردين، وتوفير الخدمات، وفي نهاية المطاف تهيئة بيئة مناسبة للانتخابات. وينبغي أيضاً سن قوانين للاستثمار والتأمين لتوفير أساس للنمو الاقتصادي. وبمجرد قيامها بذلك، يجب على واشنطن أن تلتزم بالمساعدة في تمويل العديد من تكاليف إعادة الإعمار، حيث إنّ العراقيين يسعون إلى إعادة بناء مدينة الموصل التاريخية وعودة البلاد ككل على طريق نحو شيء طبيعي.
هذه وصفة تبدو متطابقة بين أغلب الرؤى الأمريكية حول الوضع الراهن في العراق، حيث "ستكون تكاليف بناء العراق الجديد كبيرة. ولكن بالمقارنة مع ما أنفقته أمريكا، وبالقياس إلى المخاطر المعنية، فإنّ هذه التكاليف ستكون متواضعة جداً"، كما ينهي أوهانلان مقالته.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية