زيارة الكاظمي الأولى للسعودية تجدد معادلات الأمن القومي العربي

زيارة الكاظمي الأولى للسعودية تجدد معادلات الأمن القومي العربي


05/04/2021

تعكس الزيارة اللافتة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى السعودية، جزءاً من رؤيته الإقليمية للوضع السياسي والأمني بالعراق والمنطقة؛ إذ إنّ الإجراءات الحثيثة التي نفّذها الكاظمي، منذ انتقاله من منصبه الأمني في المخابرات العراقية إلى رئاسة الحكومة، مطلع العام الماضي، والتي تهدف إلى حلحلة الوجود الإيراني بالعراق، وكبح نفوذه، السياسي والميداني، تتفق ورؤيته الإستراتيجية التي سبق أن أعلنها في تصريحات صحفية ومقالات سابقة له، وقد خلص فيها إلى ضرورة وجود بغداد ضمن محيطه الحيوي، العربي والخليجي، وتنويع شراكاته الخارجية، لما في ذلك من أهمية جيوإسترتيجية، تضمن استقراره.

 

كتب رئيس الحكومة العراقية في صحيفة "المونيتور" الأمريكية العام الماضي أنّ التقارب بين العراق والسعودية حاجة ملحّة تساعد في خلق توازن في المنطقة

وقبل أيام؛ أعلن الكاظمي عن زيارته الرسمية إلى الرياض، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العراقية، والتي أوضحت أنّ الكاظمي يترأس وفداً يضم مجموعة من الوزراء، وأعضاء المجلس التنسيقي العراقي السعودي، موضحة أنّ "الزيارة جاءت تلبية لدعوة رسمية تلقاها لزيارة الرياض".

وبحسب رئيس الحكومة العراقية؛ فإنّ الوجود العربي، في بغداد، أمر ملحّ وضروري، كما أنّ الحضور السعودي "سيلعب دوراً كبيراً في استقرار المنطقة والعراق"، وقال: "أنا على يقين تام بأنّ الحضور السعودي على الصعيد الاقتصادي، والتعاون السياسي، وتبادل وجهات النظر، سيلعب دوراً كبيراً في استقرار المنطقة والعراق"، وقد شدّد على "تذليل العقبات" في سبيل تطوير العلاقات الخارجية بين البلدين، وأردف: "نجحنا في التحوّل إلى دولة لها علاقات ممتازة مع أوروبا وأمريكا وإيران وتركيا، وعلاقات ممتازة مع السعودية".

تعكس الزيارة اللافتة التي قام بها الكاظمي إلى السعودية جزءاً من رؤيته الإقليمية للوضع السياسي والأمني بالعراق والمنطقة

ولفت الكاظمي إلى أنّ للسعودية "حضوراً حقيقياً في الوجدان العراقي، ودائماً أذكر نموذج البصرة بين السعودية والعراق، وما شهدته حين احتضنت مباراة لكرة القدم مع المنتخب السعودي، وكانت الهتافات تشجع المنتخب السعودي؛ إذ إنّ المملكة لها تجربة على صعيد الاستثمارات في التجارة والزراعة والصناعة، والطموح أنّ يكون التبادل التجاري مع السعودية في مستويات وأرقام تخدم البلدَين وتخدم ميزانيات الرياض وبغداد".

اقرأ أيضاً: الإمارات تدعم الاقتصاد العراقي... هذا ما قدمته

ومن جانبه، قال مستشار رئيس الوزراء، حسين علاوي إنّ "الزيارة مهمة وجاءت في ظرف استثنائي، وقد تمّ الترتيب لها في الزيارات السابقة التي قام بها أعضاء الفريق الحكومي، والمجلس التنسيقي العراقي السعودي"، وتابع: "الزيارة تبحث عدداً من الملفات التي تحظى باهتمام البلدين، من بينها سبل مواجهة الأزمات الموجودة في المنطقة، والتنسيق الاقتصادي، ودعم خطط التنمية والاستثمار التي عرضتها هيئة الاستثمار الوطنية العراقية على الشركات السعودية".

صندوق بثلاثة مليارات دولار

وعليه؛ فقد تمّ الاتفاق على تدشين صندوق يبلغ نحو ثلاثة مليارات دولار بين البلدين، لجهة دعم وتقوية الاستثمارات المالية والتجارية بالعراق، حسبما أوضحت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، مشيرة إلى وجود "مباحثات رسمية عُقدت بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، في الديوان الملكي، بقصر اليمامة، في الرياض، على هامش زيارة الأخيرة للملكة، واتفق الجانبان على تأسيس صندوق سعودي عراقي مشترك يقدَّر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار إسهاماً من المملكة في تعزيز الاستثمار في المجالات الاقتصادية في جمهورية العراق، بما يعود بالنفع على الاقتصادين السعودي والعراقي، وبمشاركة القطاع الخاص من الجانبين".

اقرأ أيضاً: العراق العربي في الميزان الإيراني

ولفت البيان المشترك إلى أنّه جرى "الاتفاق على تعاون السعودية والعراق في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، تحت مظلة مجلس التنسيق السعودي العراقي، مع ضرورة الاستمرار في التعاون وتنسيق المواقف في المجال البترولي، ضمن نطاق عمل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، واتفاق "أوبك +"، إضافة إلى إنجاز مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، وتعزيز التنسيق في مجال الدعم والتأييد المتبادل في إطار الدبلوماسية متعددة الأطراف، وتعزيز فرص الاستثمار للشركات السعودية، ودعوتها إلى توسيع نشاطاتها في العراق، وفي مختلف المجالات وفي جهود إعادة الإعمار".

ومن بين الاتفاقيات الأخرى التي جرى توقيعها "تجنب الازدواج الضريبي، والتعاون في مجال التخطيط التنموي للتنوع الاقتصادي، وتنمية القطاع الخاص، وتمويل الصادرات السعودية"، كما عرج رئيس الوزراء العراقي على الملفات الإقليمية الحساسة، ومن بينها "المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة في اليمن".

صناعة التوازن

في أيار (مايو) العام الماضي، كتب رئيس الحكومة العراقية، في صحيفة "المونيتور" الأمريكية، أنّ "التقارب بين العراق والسعودية حاجة ملحّة لا تخدم مصالح البلدين فحسب، بل تساعد في خلق توازن في المنطقة وتقوية عملية السلام والاستقرار". ومن مصلحة البلدين تحسين علاقتهما من خلال الاتفاقيات الأمنية واتفاقيات التعاون الإستراتيجي في الحرب ضدّ داعش والجماعات المتطرفة الأخرى، التي تشكّل تهديداً لكليهما".

 

الباحث المصري د. عبد السلام القصاص لـ"حفريات": الزيارة الأولى للكاظمي للسعودية تعكس مؤشرات قوية حول وجود "صفحة جديدة" في العلاقات بين البلدين

 

وتابع: "ومع ذلك؛ فإنّ القضية لا تتوقف هنا، فالمملكة العربية السعودية، التي تتمتع باقتصاد متين، قادرة فعلاً على مساعدة العراق في التغلب على أزمته الاقتصادية، ولها وجود في إعادة إعمار المناطق التي تمّ تحريرها من داعش، مثل ديالى وتكريت، شمال بغداد، كما أنّها قادرة على فتح الطريق أمام التعاون التجاري والنفطي بين البلدين، الجارتَين التاريخيتَين، وتشترك معه في الحدود، فضلاً عن المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة".

اقرأ أيضاً: هل ينهي العراق أزمة لبنان النفطية؟

وإلى ذلك، يشير الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص، إلى أنّ "الزيارة الأولى للكاظمي للسعودية تعكس مؤشرات قوية حول وجود "صفحة جديدة" في العلاقات بين البلدين، وذلك بعد فترة من الانقطاع والتوترات، بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، في أعقاب حرب الخليج الثانية"، موضحاً، لـ "حفريات"؛ أنّ "الكاظمي يضع العراق ضمن تحالفات إستراتيجية في قلب المحيط العربي، ويتشارك مع القاهرة وعمّان فيما اصطلح على تسميته "المشرق الجديد"، وهو المثلث الإقليمي الذي يقوم على تبادل التعاون في مجالات عديدة، أمنية واقتصادية وسياسية، أبرزها النفط مقابل الإعمار".

الباحث المصري في العلوم السياسية عبد السلام القصاص

ويتابع: "الاصطفاف العربي يعدّ أولوية قصوى، كما أنّ الالتفات إليه، مؤخراً، في ظلّ الأحداث التي جرت بالمنطقة، خلال العقد الأخيرة، والتحولات الجيوسياسية، يؤكّد من جديد معادلات الأمن القومي العربي، والتي تحتاج إلى مقاربة جديدة، تتحرى المتغيرات السياسية والإقليمية".

استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بغداد والرياض تمّ عام 2015، بعد تعيين ثامر السبهان سفيراً للسعودية في العراق، لكن سرعان ما تعقدت الأمور إثر اقتحام عناصر من الميليشيات المدعومة من إيران للسفارة السعودية، بحسب القصاص، والذي يلفت إلى أنّ حكومة حيدر العبادي، في الفترة بين عامي 2014 و2018، حاولت تطوير العلاقات مع السعودية، وهي الفترة التي شهدت عودة الرحلات الجوية بين البلدين، وفتح معبر عرعر البري بينهما.

اقرأ أيضاً: ميليشيا "ربع الله" تستعرض عسكرياً ببغداد.. متى يتوقف عبث إيران بالعراق؟‎

ويؤكد الباحث المصري في العلوم السياسية؛ أنّ التقارب السياسي والإقليمي الذي يقوم به الكاظمي مع الدول العربية والخليجية، يبرز رسائل قوية، داخلية وخارجية؛ وهو ما ظهر من خلال "زيارة أمين عام مجلس التعاون الخليجي للعراق، في شباط (فبراير) الماضي، بعد الهجوم الدموي الذي قام به تنظيم داعش الإرهابي، كما أنّه لا يمكن الفصل بين الزيارة الأخيرة ووجود رئيس الوزراء العراقي في أبو ظبي بعدها مباشرة، والإعلان عن تدشين خطّ طيران مباشر بين البلدين، مطلع الشهر القادم أيار (مايو).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية