رمضان في زمن كورونا

رمضان في زمن كورونا


12/04/2021

محمد البشاري

مع اقتراب حلول شهر رمضان الفضيل، تنهال علينا رسائل التهنئة والتبريك، سواء على هواتفنا أو مواقع التواصل الاجتماعي، فرحاً بشهر الهدى والفرقان، مع ما يصاحب هذا الشهر الفضيل من بهجة وسرور لدى المسلمين، أملاً ورجاءً برحمة الله وفضله وبفرصة العودة إلى الله تعالى، والخوض في مراجعة وتهذيب النفس. ولا ننسى أيضاً ما يلازم الشهر المبارك من عادات وطقوس وعبادات خاصة، من صلاة تراويح وقيام ليل أو من صلة وتجمع للأقارب والأصدقاء.
وفي ظل جائحة كورونا التي لا تزال –وهي وفي عامها الثاني- تخيم بظلالها على العالم بأسره، ستبقى وقاية النفس من الوباء وسلامة المجتمع لها الأولوية على تلك العادات والطقوس بما فيها صلوات القيام وصلة الأرحام، بحيث تقتصر صلة الرحم على اتصالات ومكالمات عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، وستقتصر الصلوات في المساجد على الفرائض والتراويح وفقاً لضوابط وشروط معينة، ولا يوجد تعارض في ذلك مع الحكمة من الشهر الفضيل، لأن الأحكام تتبدل في ظل الظروف المحيطة، فما كان مستحباً قبل الجائحة أصبح مكروهاً أو محرماً خلالها، ذلك أن قدسية الحياة مقدمة على قدسية الدين، قال تعالى عز وجل: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنْ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»، وعن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ». وهذا ما استوجب منع الاختلاط والتجمعات وصلة الأرحام والاعكتاف في زمن كورونا لتفادي كل هذه المخاطر التي تعد عاملاً أساسياً في نشر الفيروس، ولما تعود به من ضرر على المجتمع ككل.
لكن، ورغم هذه الظروف، تبقى للشهر بهجته وروحانيته، حيث يتمكن المسلم بالخلوة من التقريب أكثر في علاقته بخالقه، قدوةً بالرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي كان يحب الخلوة في غار حراء مهبط الوحي. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاء، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاء يَتَحَنَّث فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّد اللَّيَالِي ذوات الْعَدَد- قَبْلَ أَنْ يَنزِع إِلَى أَهْله وَيَتَزَوَّد لذلك، ثُمَّ يَرْجِع إِلَى خَدِيجَة فَيَتَزَوَّد لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءهُ الْحَقّ وهو في غار حراء».
والخلوة تمكن الإنسان من التأمل والتفكير بعيداً عن ضغوط الحياة والالتزامات الدنيوية والروتين اليومي.. وتسمح للعبد بأن يكون مع الله وهو جالس في بيته، يكلم الخالق عز وجل وهو يقرأ آياته وسوره الكريمة. 
الصيام في رمضان ليس فقط امتناعاً عن الأكل والشرب، بل هو أيضاّ امتناع عن كل المتع والشهوات التي تقطع على المسلم الطريق إلى الله. ومن تمام الصيام الابتعاد عن الغيبة والنميمة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيبة، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته». وسيساهم حظر التجمعات والزيارات في التخفيف من الإشاعات والأخبار الكاذبة التي تصرف المسلم عن مقاصد الصيام، ونشر الخير وإشاعة المحبة بين الناس، فيرتقي الناس بسلوكهم إلى سلوك حضاري وروحاني، خاصة بالتضامن مع المحتاجين عبر إخراج الصدقات والزكاة.
المسؤولية توجب احترام كل التدابير الاحترازية لتقليل تفشي الوباء، وهي فرصة جميلة لنرجع لزمن العادات الرمضانية الطيبة والبسيطة، بعيداً عن التكلفات الكبيرة والعزومات الباهظة والتفاخر بالأكل والزينة والولائم الكبيرة.
ولمحاولة قصر الأعين عن متع الدنيا، قال تعالى: «وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى».
وعلى الرغم من القيود التي فرضتها علينا جائحة كورونا خلال شهر رمضان المبارك، فإننا نحمد الله عز وجل على نعمة الأمن والصحة التي أنعم الله بها علينا، من خلال الجهود التي تقوم بها القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، مما كان له الأثر البالغ في زرع بذور أمل الغد المشرق وقد تخطينا ذروة الوباء في أمن وأمان وصحة وعافية.
وكل رمضان والإنسانية بألف خير وهناء، آمين يا رب.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية