خيارات الصومال لمواجهة "الشباب المجاهدين" بعد جلاء القوات الإفريقية

الصومال

خيارات الصومال لمواجهة "الشباب المجاهدين" بعد جلاء القوات الإفريقية


29/10/2018

بدأ يوم 14 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2017، في مدينة مقديشو، مثل أيّ يوم عادي آخر؛ فقد كان المئات من سكانها يمارسون حيواتهم، منهمكين في روتينهم اليومي، لكن فجأة، انقلب كلّ شيء على الرأس؛ عندما انفجرت شاحنة مفخخة في تقاطع "زومبي"، وهو في حالة ازدحام بالسيارات والمارة.

لم يكن الانفجار كباقي الانفجارات التي اعتادتها مدينة مقديشو في الأعوام الطويلة الماضية؛ لقد كان واحداً من أكثر الحوادث الإرهابية فتكاً على مستوى العالم، منذ أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الأمريكية.

لا يبدو أنّ المؤسسة الأمنية الصومالية قادرة دون مساندة القوات الإفريقية على القيام بعمليات هجومية ضدّ حركة الشباب

وأودى التفجير بحياة أكثر من ألف شخص، وخلّف مئات الجرحى، وعلى الفور تبنّت "حركة الشباب المجاهدين" التفجير الانتحاري، وهي حركة معروفة بتدبير تفجيرات من هذا النوع، لا توجد لها أهداف محددّة غير نيّة إرهاب المدنيين.

خلال الشهر الجاري؛ أحيا عدد من سكان مدينة مقديشو الذكرى السنوية الأولى لضحايا هذا الهجوم الدموي، بمسيرات منددّة بالإرهاب، ومخلّدة لأرواح الضحايا، كما تعود الذكرى الأولى لهذا التفجير لتطرح أسئلة عن وضع حركة الشباب، ولماذا تستمرّ بالقتال، وعن إستراتيجية محاربتها من قبل القوات الصومالية، فيما بعد الانسحاب المقرّر للقوات الإفريقية، عام 2020.

النشاط القتالي للحركة في عام

احتفظت حركة الشباب على مدار الأعوام الماضية بالسيطرة على مناطق كبيرة في جنوب ووسط الصومال، وحاول مقاتلوها الاندماج مع السكان المحليين، مما يسهّل عليهم نسبياً حرية التحرك، كما تسلّلوا إلى قوات الأمن الصومالية، وزادت وتيرة الهجمات على أفراد القوات الأمن الصومالية، وبعثة الاتحاد الإفريقي (أميصوم).

اقرأ أيضاً: بعد وقف الدعم الإماراتي للصومال: مخاوف من تصاعد إرهاب "حركة الشباب"

نفّذت الحركة، بين تشرين الأول (أكتوبر) 2017 ونيسان (إبريل) 2018، إلى ما يقارب 418 هجوماً، بما في ذلك الاعتداءات العسكرية، وتفجير العبوات الناسفة، والكمائن على القوافل، والهجمات الانتحارية، والاغتيالات، وأكثر من نصف هذه العمليات استهدفت الحركة فيها أفراد الجيش الوطني الصومالي (SNA).

قاعدة أمريكية سرّية لهجمات الطائرات بدون طيار في الصومال

ومنذ عام 2017؛ بدأت الولايات المتحدة بتوجيه ضربات شبه يومية لحركة الشباب، وذلك انطلاقاً من إستراتيجية أمريكية جديدة في مواجهة الحركة؛ حيث تكثّف عملياتها التي تعتمد على الطائرات بدون طيار، التي تستهدف المواقع والتمركزات التابعة للحركة، دون تحمّل تكاليف باهظة لمحاربة مقاتلي الحركة، إضافة إلى تطوير وتعزيز الترتيبات العسكرية مع دول الجوار، لتنفيذ هجوم أو عمليات عسكرية في المدن التي ما تزال تحت سيطرة حركة الشباب، وهو ما يجعل الحركة محاصرة جغرافياً، ومستهدفة جوياً.

اقرأ أيضاً: حركة الشباب المجاهدين الصومالية: كلما خفت بريقها توحّشت أكثر

تتمتع هذه العمليات ببعض النجاح التكتيكي، لكنّها ليست كافية لقلب الموازين الإستراتيجية للحركة، أو منعها من التأثير في مناطق سيطرتها، أو حتى في مقديشو، التي ما تزال الحركة قادرة على العمل فيها، وابتزاز الأموال من العديد من الشركات المحلية.

حركة الشباب توزع الزكاة في قلب مدينة مقديشو 2018

فقبل شهر فقط؛ ظهر المتحدث الرسمي باسم الحركة، وأحد قادتها من الصف الأول، علي طيري، في مناسبة لجمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء وسط مقديشو، تحديداً في السوق المشهور "بكارها"، ما يشير إلى قوة الحركة في العاصمة نفسها، التي تزعم الحكومة أنها طردت منها الجهاديين قبل ستة أعوام.

الفراغ الأمني الممتد

رغم بعض التقدم الذي تمّ إحرازه في تطوير جهاز الشرطة الصومالية على المستوى الفيدرالي، وبعض مستويات الولايات الإقليمية، ما يزال نظام الحسابات العشائرية يعيق إيجاد مؤسسة جيش موحّدة للبلاد، وخلص تقييم أجري أواخر عام 2017 إلى أنّ الجيش الصومالي يعاني ضعفاً شديداً في القيادة والتحكّم، وفقراً في الخدمات اللوجستية، والمعدّات والتسليح، والروح المعنوية القتالية، وقد تغلغل الفساد بدرجات كبيرة لدى أفراد مؤسسة الجيش وكبار الضباط، وهو ما جعل حركة الشباب تنجح في اختراقهم، وتجنيد بعضهم لتسهيل عملياتها وجمع المعلومات مقابل مبالغ مالية زهيدة.

وتتطلب التهديدات الأمنية، التي تواجه الصومال، بناء مؤسسات أمنية قوية بدلاً من النهج العسكري الذي يشبه حرب الكرّ والفرّ، لكنّ الجيش الوطني بقي حبراً على الورق، منذ أن تمّ تسريح القوات المسلحة الصومالية في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية.

سلّم الرئيس الصومالي فرماجو مناصب أمنية رفيعة لمنشقين حديثين عن "الشباب"

ولا يبدو أنّ منتسبي المؤسسة الأمنية الصومالية قادرون، دون مساندة القوات الإفريقية، على القيام بعمليات هجومية مستدامة ضدّ حركة الشباب، كما ينظر إليهم بصورة سلبية من جانب عدد كبير من السكان الذين يعانون من التجاوزات والابتزاز على أيدي أفراد الجيش.

استمرار غياب جيش صومالي قويّ وموحّد سيزيد حالة الفراغ الأمني في البلاد وسيكرر مقتلة مماثلة لزومبي العام الماضي

ويُعزى ذلك إلى انخفاض أجور أفراد المؤسسة العسكرية الصومالية؛ حيث يتسلّم الجندي راتباً مقداره 100 دولار شهرياً، قد يتأخر لبعض الشهور، في حين يتلقّى نظراؤهم من بعثة حفظ السلام، التابعين للاتحاد الإفريقي، رواتب شهرية تبلغ حوالي 1350 دولاراً، وهو ما يؤثر سلباً في معنويات أفراد الجيش الصومالي وفعاليته؛ بل ويدفعهم في كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى الابتزاز والنهب، وإلى بيع أسلحتهم وذخائرهم، أو السعي إلى العمل مع حركة الشباب بالخفاء.

علاوة على ذلك؛ تشكّل إستراتيجية جذب المنضوين تحت الحركة، عبر تسليمهم مناصب حكومية وأمنية رفيعة، زيادة في فشل محاربة الحركة، وفق مُنتقدي هذه الإستراتيجية؛ فقد بات انضمام قياديّين سابقين في حركة الشباب إلى الجيش الصومالي وجهاز المخابرات الصومالي، يشكّل اختراقاً من حركة الشباب للمؤسسة الأمنية، حيث تتيح لها هذه الإستراتيجية، معرفة تحركات المسؤولين عن قرب، بالتالي يقعون فريسة سهلة لنيران الحركة.

 

 

ما بعد أميصوم

تحاول الحكومة الصومالية، وشركاؤها الدوليون، تنفيذ عملية نقل مسؤولية أمن البلد من بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM)، التي أنشِئت للمرة الأولى عام 2007، إلى القوات الصومالية، ويبلغ قوام القوات الإفريقية في الصومال 22 ألف جندي، وخمسمئة وأربعين شرطياً، من ستة بلدان إفريقية، هي؛ أوغندا، إثيوبيا، كينيا، سيراليون، جيبوتي، وبوروندي.

تفضّل الدول الإفريقية إبقاء قواتها في الصومال لأنّهم يتسلّمون رواتب عالية

وتتضمن خطة النقل في مرحلتها الأولية ثلاثة أهداف رئيسية، وقد تم تحقيق أحد تلك الأهداف؛ وهي تسليم السيطرة على ملعب مقديشو من بعثة الاتحاد الأفريقي إلى القوات الصومالية، لكنّ الهدفين الآخرين، وهما: تأمين طريق الإمداد الرئيس بين مقديشو وبيدوا، وتسليم مدينة ليغو ذات المواقع الاستراتيجية، ما يزالان قيد التنفيذ.

انتهاء مهمة الاتحاد الإفريقي

ومن المقرَّر أن تنهي مهمة الاتحاد الإفريقي عملياتها في البلاد، بحلول 2020، وتغادر أول دفعة، وقوامها ألف جندي، الصومال قبل نهاية العام الجاري، لكنّ الكثيرين يشكّكون فيما يمكن أن يتحقق عام 2020 من استحقاقات أمنية وسياسية، قد تمهّد لمغادرة القوات الإفريقية  للصومال، وذلك في ضوء أهم ثلاثة أهداف لبعثة حفظ السلام الإفريقية في الصومال "أميصوم"، وهي؛ الحدّ من التهديد الذي يشكّله المسلحون الإسلاميون في وجه الحكومة الفيدرالية، والمساعدة في تدريب وبناء جيش صومالي قادر على فرض الأمن والاستقرار، وتوفير تسهيلات للجهود الإنسانية.

اقرأ أيضاً: لماذا تخرق إيران حظر السلاح وتدعم الإرهابيين في الصومال؟

ومن خلال إلقاء نظرة سريعة على ما تحقق في كلّ مهمة من هذه المهام؛ يتضح عدم واقعية هذا القرار؛ حيث يسيطر على الكثيرين الخوف من أنّ الحركة ستستولي على البلد من جديد لحظة خروج القوات الإفريقية.

الخلافات السياسية تعيق القتال ضدّ الشباب

إحدى العقبات التي تقف أمام إيجاد جيش صومالي موحّد وقوي؛ هي الخلافات السياسية الواسعة بين الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية، لاسيما بعد صدور بيان يفصح عن عزمها بناء قوات مشتركة تابعة لها، مستقلة عن الجيش الوطني الصومالي، وهو ما فسّره بعض المراقبون بأنّه استنساخ لتجربة أمراء الحرب في التسعينيات.

اقرأ أيضاً: الصوفية في الصومال: قيم روحية وأفكار ثورية مناوئة للاستعمار

وتؤكد هذه الخلافات حاجة الحكومة الصومالية إلى إبقاء القوات الإفريقية لحفظ السلام كضمان لوجودها؛ وهي حاجة ستستمر، على الأقل، إلى عقدٍ آخر، وفق معطيات الراهنة، وذلك لعدم قدرة الحكومة الاتحادية ضمان الأمن والاستقرار في البلد، وكذلك من أجل ضمان عدم عودة الحركة التي تقوِّض نفوذ الدولة الصومالية وتضرب الدول المجاورة.

لا تزال مقديشو عرضة لتكرار هجمات مماثلة لتفجير زومبي العام الماضي

ما يمكن تسجيله من إنجازات لقوة حفظ السلام الإفريقية، وبعثة الاتحاد الإفريقي، التي تشرف عليها بعد أحد عشر عاماً من العمل في الصومال، أنّها نجحت، بالشراكة مع الحكومة الاتحادية الصومالية، في إبعاد حركة الشباب المجاهدين عن المشهد السياسي، وإقناع المجتمع الدولي بتراجع قدرات الحركة على تهديد أمن واستقرار الصومال، وانحسارها التدريجي، لكنّ واقع الحركة ومراقبة نشاطاتها يؤكدان أنّها ما تزال تحتفظ بقدرات قتالية كبيرة، وأنّها تستطيع ارتكاب هجمات فتاكة.

استمرار غياب جيش صومالي قويّ وموحّد، سيزيد حالة الفراغ الأمني في البلاد، وتعطي التجاذبات السياسية الحركة فرصة للعودة إلى المشهد من جديد، والتسبّب في مقتلة مماثلة لمقتلة زومبي العام الماضي.

الصفحة الرئيسية