حماس تفرض الوصاية على سكان غزّة وتقيّد حركتهم

حماس تفرض الوصاية على سكان غزّة وتقيّد حركتهم


03/03/2021

في خطوة لتقييد حركة المسافرين من قطاع غزّة عبر بوابة معبر رفح الحدودي، الذي يعدّ المنفذ الوحيد لسكان القطاع إلى العالم؛ أصدر المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، التابع لحركة حماس، تعميماً قضائياً يحمل رقم (01/2021) بخصوص المنع من السفر؛ إذ تضمّن أربعة بنود لحالاتٍ مختلفة فُرضت عليها قيود تتعلّق بالحقّ في السفر، طالت الذكور والإناث، وذلك لوقف الضرر عن كلا الجنسين والعائلات، وفق تعبيرهم.

حقوقيون يؤكدون أنّ البندَين الثالث والرابع من قانون حماس يخالفان القانون الأساسي الفلسطيني، والذي يتيح لكافة الأفراد حرية التنقل والحركة بحرية تامة دون عوائق

ونصّت المادة الثالثة في القرار الذي تمّ تعميمه؛ على أنّه يجوز لأحد الأبوين والجدّ للأب منع الذكر الذي تجاوز 18 عاماً من السفر إذا كان يترتب على سفره ضرر محض، بإقامة دعوى قضائية لدى المحكمة المختصة دون توضيح ماهية الضرر.

ونصّت المادة الرابعة من القرار على منع سفر الأنثى غير المتزوجة، بكراً كانت أو ثيباً، دون الحصول على إذن من وليّها العاصب، ولوليّها أن يمنعها من السفر إذا كان في سفرها ضرر محض، أو وجدت دعوى قضائية بينهما تستلزم المنع من السفر.

وتبعت هذا القرار موجة رفض وانتقادات من قبل المواطنين والمؤسسات الحقوقية، والنسوية ومؤسسات حقوق الإنسان، الذين عدّوه انتهاكاً واضحاً للحريات، وطالبوا الجهات المختصة التراجع عنه فوراً، واحترام القوانين الدولية والفلسطينية، ومراعاة ظروف سكان القطاع.

الحفاظ على السِّلم الأهلي

وفي هذا السياق يقول رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة، د. حسن الجوجو، لـ "حفريات"؛ "إصدار هذا التعميم كان بعد دراسة معمّقة للأوضاع في قطاع غزة، وكان حفاظاً على السِّلم الأهلي، فقد تلقّينا عدّة شكاوى خلال الفترة الأخيرة من أفراد، بأنّهم أصبحوا دون معيل بعد سفر أبنائهم من القطاع، إضافة إلى شكاوى أخرى تتعلق بسفر فتيات دون الحصول على إذن من أولياء أمورهنّ".

وفي نظر الجوجو "هذا هو التوقيت المناسب لتطبيق هذا التعميم، وذلك لضمان عدم حدوث مشكلات أسرية، وسوف يتم تنفيذ كافة بندوه، لكن هناك  تعديل على المادة الرابعة منه؛ ليصبح للولي العاصب منع الأنثى غير المتزوجة، بكراً كانت أو ثيباً، إذا كان في سفرها ضرر محض بإقامة دعوى قضائية لدى المحكمة المختصة، أو إذا وُجدت دعوى قضائية بينهما تستلزم المنع من السفر".

رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة، د. حسن الجوجو

ومن جهته، يقول رئيس المركز الأورمتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، الدكتور رامي عبده، في حديثه لـ "حفريات": "التعميم القضائي الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة، مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني والقوانين الدولية، والتي نصّت على أنّ الأشخاص الذين تجاوزوا الـ (18 عاماً)، قد بلغوا سنّ الرشد، وباستطاعتهم تسيير أمور حياتهم بأنفسهم، ولا يمكن تقييد حركتهم".

اقرأ أيضاً: هل تكون "حماس" كلمة السر في ترميم علاقات تركيا مع إسرائيل؟

مخالفة القانون

ويرى عبده أنّ "البنود الأولى من التعميم منطقية، ومن الممكن تطبيقها، لكنّ البندَين الثالث والرابع يخالفان القانون الأساسي الفلسطيني، والذي يتيح لكافة الأفراد حرية التنقل والحركة بحرية تامة دون عوائق؛ إذ إنّ المادة (11) منه تنصّ على أنّ الحرية الشخصية حقّ طبيعي، وهي مكفولة لا يمكن المساس بها، وتنفيذ تلك البنود يعدّ انتهاكاً للحقوق الشخصية، وفرض وصاية على الأشخاص البالغين، سواءً الإناث أو الذكور، ويقيّد حقّهم المكفول قانونياً في حرية السفر".

وبخصوص المخاوف التي نتج عنها هذا القرار، يقول عبده بأنه "لا يجب أن تُعالج بقرارات أو توجيهات لا تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد المختلفة القانونية والاجتماعية، وتلك المتعلقة بحرّية الأفراد، والسلطات في غزة مدعوّة للتراجع عن هذه الخطوة، وفتح نقاش جدّي حول آليات تضمن عدم اتخاذ مثل هذه الخطوات بشكل منفرد من قِبل أيّة جهة رسمية.

رئيس المركز الأورمتوسطي لحقوق الإنسان، الدكتور رامي عبده

ويبيّن عبده؛ أنّ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يؤكّد على حرية الأفراد في التنقل والسفر، دون تقييد أو منع؛ حيث إنّ المادة (12) منه  تنصّ على أنّ  لكلّ فرد يتواجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حقّ حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته، وأيضاً كلّ فرد له حرية المغادرة إلى أيّ بلد، إضافة إلى وطنه.

وفي السياق ذاته؛ ترى الناشطة الحقوقية، فاطمة عاشور؛ أنّ "إصدار هذا القرار ليس من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، وإنما من اختصاص المجلس التشريعي الفلسطيني القادم، والذي سوف يكون نتاج الانتخابات التشريعية المقبلة.

الناشطة الحقوقية فاطمة عاشور لـ"حفريات": إدارة حماس السيئة لقطاع غزة هي التي دفعت الشباب للتفكير بالهجرة؛ لذلك عليهم معالجة الأسباب التي أدّت إلى ذلك

قرار مرفوض

وتشير، في حديثها لـ "حفريات"، إلى أنّ هذا القرار جاء في الوقت الذي تبذل فيه المؤسسات الحقوقية، والنسوية قصارى جهدها لرفع نسبة مشاركة المرأة، وترشيحها بالانتخابات المقبلة، سواء التشريعية أو الرئاسية، فهو هدم كلّ شيء، وزاد الطين بلّة، وجعلهم يبحثون عن طرق لمواجهته، وعدم تطبيقه.

وتقول عاشور "نوجّه رسالة إلى حكومة حماس بأن تترك النساء دون مضايقات، فالمرأة في غزة تواجه صعوبات كثيرة منذ سيطرة الحركة على القطاع، صيف عام 2007، فقبل عدة سنوات مُنعت المحاميات من دخول المحاكم النظامية دون حجاب، إضافة إلى فرض بعض المدارس الحجاب على الفتيات، ومنعهنّ من دخول المدرسة من دونه، ناهيك عن إصدار عدد من القرارات الظالمة للمرأة". 

الناشطة الحقوقية، فاطمة عاشور

وتردف: "الذرائع التي تحدّث عنها الدكتور حسن الجوجو لمنع الذكور والإناث غير المتزوجين من السفر دون إذن من ولي الأمر ليست مقنعة؛ حيث إنّ إدارة الحكومة السيئة لقطاع غزة هي التي دفعت الشباب للتفكير بالهجرة؛ لذلك كان من الأجدى معالجة الأسباب التي أدّت إلى ذلك، وتحسين الحياة المعيشية والاقتصادية، وإيجاد فرص عمل للشباب؛ بدلاً من إصدار هذا التعميم، والذي تجاوز كافة القوانين".

تعقيد الأمور

وتؤكّد عاشور؛ أنّ التعديل الذي تحدّث عنه رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي على البند الرابع، والذي يخصّ النساء، هو فقط تغيير للصياغة إلى صياغة أخطر بكثير؛ إذ إنّه استبدل كلمة "المنع" بكلمة "رفع دعوى" قضائية من عائلة الفتاة بالمحاكم المختصة، الأمر الذي سوف يزيد الأمور تعقيداً، ويفتح باب النزاعات والانتقام، والتحكّم أكثر مما هو موجود بالتعميم قبل التعديل.

اقرأ أيضاً: استياء مسيحيي غزة قبل عيد الميلاد... ما علاقة حركة حماس؟

"إن كان والدي وجدّي متوفيَين فمن يجب أن يوافق على سفري؟!" بهذه الكلمات عقّب الشاب عبد الرحمن على القرار الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي.

ووصف الشاب العشريني هذا القرار بأنّه ظالم ومجحف، والهدف منه التضييق على سكان غزة، خاصة فئة الشباب، لمنعهم من السفر، بعد التحسّن الملحوظ في عمل معبر رفح الحدودي، وفتحه بشكل دائم أمام حركة المسافرين بعد إغلاقه فترة طويلة.

فرض الولاية

ويقول في حديثه لـ " حفريات": "حركة حماس تتحكّم في حياة سكان قطاع غزة، وتريد فرض ولايتها عليهم، ومنعهم من السفر، فقبل عدة سنوات شيّدت الأنفاق الأرضية الواصلة لجمهورية مصر العربية لتسهيل سفر المواطنين دون جواز سفر، واليوم تضع قيوداً جديدة أمام الشباب والفتيات الراغبين بالسفر". 

وأعرب عبد الرحمن عن رفضه هذا القرار، وبشدّة، مطالباً بالتراجع عنه فوراً؛ "لأنّه خارج عن إطار القانون، وفيه تعدٍّ على الحريات الشخصية، ويضع القيود أمام الشباب والفتيات في تحقيق أحلامهم وطموحهم. هذا إجراء بيروقراطي، وليس له لزوم، ويزيد معاناة سكان القطاع، خاصّة فئة الشباب المهمّشين".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية