تونس: مناظرات تلفزيونية لـ "غربلة" المترشحين للرئاسة

تونس

تونس: مناظرات تلفزيونية لـ "غربلة" المترشحين للرئاسة


07/08/2019

في سابقة هي الأولى من نوعها، تستعدّ تونس، التي تعتزم إجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ سابقةٍ لأوانها، في 15 أيلول (سبتمبر) 2019، لإجراء مناظرةٍ تلفزيونيةٍ مباشرةٍ بين المترشّحين لرئاستها، وتعدّ بذلك أوّل بلدٍ عربي يؤسّس لهذا التقليد الأوروبي والأمريكي، في دفعٍ جديدٍ لترسيخ مبدأ الديمقراطية، رغم حداثة نشأتها في مهد الثورات العربية.

اقرأ أيضاً: منظمات حقوقية تندّد بهذا الإجراء للسلطات التونسية
وتهدف هذه الخطوة إلى المساهمة في التنشئة على الديمقراطية التعددية والمواطنة الفعليّة، بحسب ما ذكر التلفزيون الرسمي التونسي "مؤسسة التلفزة الوطنية"، الذي أكّد في بيانٍ له؛ أنّه "سيخوض للمرّة الأولى تجربة المناظرات التلفزيونية بين المترشحين للانتخابات الرئاسية، وذلك خلال الأيّام الأولى للحملة الانتخابية".
وأوضح التلفزيون العمومي التونسي؛ أنّه سيبثّ برنامجاً مباشراً، عنوانه "الطريق إلى قرطاج"، خلال الفترة الممتدّة بين 2 و7 أيلول (سبتمبر) المقبل، وسيجري استدعاء كلّ المترشحين للاستحقاق الرئاسي للتناظر حول برامجهم الانتخابية.
تونس تخوض تجربة التناظر التلفزيوني بين مرشحي الرئاسة لأول مرة في تاريخها

تقليد راسخ في ديمقراطية ناشئة
وبدأ الجمعة، 2 آب (أغسطس) الجاري، تقديم الترشيحات للانتخابات الرئاسية المبكرة في مقرّ "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات"، على أن يستمر حتى التاسع من الشهر نفسه، حفاظاً على تواصل مؤسّسات الدولة، بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي.

المرشّح المحتمل لرئاسيات 2019 عبيد البريكي: المناظرة التلفزيونية عمليّة غربلة أوليّة للمترشّحين وهي من أرقى الممارسات الديمقراطية

وتحاول تونس، التي تتحسّس طريقها نحو استكمال مسارها الانتقالي، إلى التأسيس لهذا التقليد الراسخ في الديمقراطيات العريقة، لمزيد من تطعيم ديمقراطيتها الناشئة، وقد تلقّى الرأي العام التونسي هذه الخطوة بحفاوة كبيرة، كما رحّب بها الصحفيون والسياسيون، إلى جانب المجتمع المدني، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ووصف المرشّح المحتمل لرئاسيات تونس 2019، عبيد البريكي، هذه الخطوة، بـأنّها "عمليّة الغربلة الأوليّة للمترشّحين"، ورأى في تصريح لـ "حفريات"؛ أنّها من أرقى الممارسات الديمقراطية، خاصّةً أنّها ستساهم في رسم خطّ التباين بينهم، وستبسّط الشعارات الكبرى التي يرفعها جميع المترشّحين للرئاسة.
وأضاف البريكي: "الجميع سيتابعون هذه المناظرة حين تكون مباشرةً على الفضائيات، وستفتح الباب أمام الناخبين للتفاعل مع المترشّحين، ومع البرامج الانتخابية، التي تشابهت في معظمها، وقامت على شعاراتٍ تنمويةٍ مستوحاةٍ من المطالب الشعبية، دون فكّ شيفراتها".
مرشحون غير معروفين يثيرون الجدل

مخاوف من الفشل
وتأتي هذه الخطوة في وقتٍ يواجه فيه الإعلام العمومي سيلاً من الانتقادات، بعدم قيامه بدوره على أكمل وجه، فضلاً عن عدم الحياد، تجاه المترشّحين كافّة؛ حيث عبّرت نقابة الصحفيين التونسيين عن وجود مخاوف حقيقية حول نزاهة تغطية المسار الانتخابي.

الباحث التونسي فريد العليبي: أستبعد نجاح تجربة التناظر التلفزيوني لأنّها مستنسخة عن أوروبا والولايات المتحدّة الأمريكية

واستبعد في هذا الشأن، الباحث التونسي، وعضو الجمعية التونسيّة للدراسات الفلسفيّة، فريد العليبي، في تصريحه لـ "حفريات"، نجاح هذه التجربة، وأرجع ذلك إلى ثلاثة أسبابٍ مهمّةٍ، قال إنّ أوّلها يتمثّل في أنّها تجربة مستنسخة عن أوروبا والولايات المتحدّة الأمريكية، رغم اختلاف الظروف، فضلاً عن أنّها محاولة لإعطاء انطباعٍ بأنّ التنافس على منصب رئيس البلاد، جدّيٌ وحقيقيٌّ، من أجل إقناع الناخبين بضرورة الانخراط في العمليّة الانتخابية، لتجنّب العزوف الذي ميّز الانتخابات التي عاشتها تونس، عامَي 2014، و2018.
وأشار العليبي أيضاً إلى التشابه الكبير حدّ التطابق بين مختلف البرامج الانتخابية التي يقدّمها المترشّحون، حتّى إنّ التباين الوحيد هو اسم المرشّح، وهو ما قد يفقد المناظرة قيمتها، في إبراز اختلاف كلّ مرشّحٍ عن الآخر، كما أنّها تزيد من قناعة الناخبين في أنّ غايات المتنافسين، تلتقي جميعها في حبّ الكرسي، لا في مصلحة البلاد.

اقرأ أيضاً: مرشّحو الرئاسة في تونس يخوضون سابقة هي الأولى في تاريخها
وكانت تونس قد شهدت نسبة عزوفٍ قياسيةٍ خلال الانتخابات المحلية، التي أُجريت في آذار (مارس) 2018؛ حيث شارك فقط ثلث الناخبين المسجلين، رغم أنّها الانتخابات الأولى منذ ثورة 2011، فيما تجاوزت نسبة العزوف بين صفوف الشباب التونسي نسبة 75% في الانتخابات الرئاسية لعام 2014.
تونس تتجه نحو ترسيخ ديمقراطيتها

المناظرة والترشحات الطفيلية
وقدم نحو خمسة عشر مرشحاً، أبرزهم، مؤسّس حزب التيار الديمقراطي محمد عبّو، ومالك قناة نسمة التونسية الخاصّة، نبيل القروي، ورئيسة الحزب الدستوري الحرّ، عبير موسي، فيما أثار ترشّح أشخاصٍ، لم يُعرف لهم سابقاً أيّ نشاط سياسي أو حزبي أو جمعياتي، ردود فعل متباينة، بين من رأى ذلك هوساً في الترشّح، وبين من رأى المرشحين مدفوعين من جهات سياسية، لتشتيت الرأي العام، والتشويش على المنافسين، وبين من يرى فيه تحقيراً لمنصب رئاسة الدولة.

الأستاذ الجامعي الصادق الحمامي: المناظرة ستمكّن الناخبين من اتّخاذ قرار انتخابي عقلاني ومستنير يقوم على حجج وقرائن

وقد شكّل دخول أربعة مستقلين مغمورين سباق الانتخابات، مفاجأة لدى الرأي العام التونسي وبعض الأحزاب، بعد أن أدلوا بتصريحاتٍ غريبةٍ لدى تقديم ترشحاتهم، سرعان ما تحولت إلى مواضيع تندرٍ لنشطاء التواصل الاجتماعي.
واستناداً إلى ذلك؛ رأى الدبلوماسي السابق، أحمد ونيس، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ تجربة المناظرة التلفزيونية بين المترشحين، ستخلّص الناخبين من "الترشّحات الطفيلية"، التي يعتمد أصحابها على حق الترشّح دستورياً دون كفاءةٍ ولا مؤهلاتٍ، لتسيير البلاد، كما أنّها ستساعدهم على الاهتداء للتصويت على قاعدة الديمقراطية والكفاءة.
وأشار إلى أنّها إيجابية جدّاً في مسار الديمقراطية، وأنّ تونس تأخّرت في الإعلان عنها منذ 2011، لأنّها حجر أساس في منطق التعدّدية الحزبية، والمنافسة الشريفة في الوصول إلى سدّة الحكم.

اقرأ أيضاً: الطريق إلى قرطاج.. تعرَّف إلى بعض المرشحين للرئاسة التونسية
وذكّر بأنّ أوّل دعوةٍ للتناظر بين مرشّحين للرئاسة شهدتها تونس، كانت في عام 1970، حين دعا المرشّح المستقل حسيب بن عمّار، الهادي نويرة، وهو مرشّح الحزب الحاكم إلى التناظر علناً أمام الشعب التونسي، غير أنّ الأخير رفض ذلك قطعاً، ودخلت منذ ذلك الحين تونس في منطق الحزب الواحد، الذي يدّعي الكمال والإجماع، حتّى عام 2011؛ حين قطعت الثورة التونسية مع الحزب الواحد والحاكم الواحد.
وشدّد ونيس في سياقٍ متّصلٍ، على وجود إجماعٍ دولي على نجاح التجربة التونسية، في اتّجاه استكمال مسارها الانتقالي، وترسّخ ديمقراطيتها رغم حداثة عهدها.
أكثر من 15 شخصاً يقدمون ترشحهم في أقل من ثلاثة أيام

القرار الانتخابي سيصبح عقلانياً
تلاحق تهم الشعبوية عدداً من المرشّحين، مع غياب البرامج الاقتصادية والسياسية، إضافةً إلى غياب رؤيةٍ واضحةٍ لمستقبل البلاد، في حال تمكّنهم من الوصول إلى كرسي قرطاج، وهو ما دفع محلّلين إلى الإشادة بتجربة التناظر، لتوعية الناخبين، وكشف مدى وعي الحالمين بمنصب الرئاسة.
وأشار في هذا السياق، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية المغاربية، الطاهر شقروش، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إلى أنّ إيجابيات هذه التجربة تفوق سلبياتها، لأنّها ستضع الناخب في الطريق الصحيح، وستسهّل عملية اختيار الرئيس، شرط ألّا تتحوّل اللقاءات إلى حلبة صراعٍ بين المتناظرين.

اقرأ أيضاً: وفاة السبسي.. اختبار جديد للتجربة الديمقراطية التونسية
وتوقّع شقروش أن تساهم هذه الآلية الجديدة في تعميق الممارسة الديمقراطية في البلاد، خاصّةً أنّ الانتخابات ستجري في ظروفٍ غير عاديّةٍ، بعد أن تمّ تقديم موعدها، فضلاً عن ارتفاع عدد المرشّحين لهذا المنصب.
من جانبه، أكّد الأستاذ الجامعي، الصادق الحمامي، المختصّ في علوم الإعلام والاتّصال، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ هذه المناظرة ستمكّن الناخبين من اتّخاذ قرارٍ انتخابي عقلاني ومستنير، يقوم على حججٍ وقرائن، ولن يكون قراراً انتخابياً قائماً على العاطفة والأيديولوجيا والتوجّه السياسي، كما حدث في المحطّات الانتخابية التي عاشتها تونس بعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011.
وكانت السلطات التونسية قد اتّخذت قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، بعد وفاة رئيس البلاد، الباجي قايد السبسي، في محاولة لإنقاذ البلاد من السقوط في فراغٍ دستوري، وفق ما ينصّ عليه دستور البلاد، فيما حافظت الانتخابات البرلمانية على موعدها، في تشرين الأوّل (أكتوبر).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية