تناقضات بايدن.. هل تجني السياسة الأمريكية الجديدة أي مكاسب؟

تناقضات بايدن.. هل تجني السياسة الأمريكية الجديدة أي مكاسب؟


18/03/2021

لم تبتعد سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن كثيراً عما كان متوقعاً، بيد أنّ القرارات جاءت سريعة على عكس تحليلات الخبراء والمراقبين الذي توقعوا أنّ ملامح السياسة الأمريكية الجديدة لن تتبلور خلال الشهور الأولى من ولاية الرئيس الديمقراطي، خاصة فيما يتعلق بالملفات في منطقة الشرق الأوسط، والعلاقة مع إيران وكذلك التيارات الإسلامية المتشددة المُصنفة إرهابية في عدة بلدان عربية وفي مقدمتها "جماعة الإخوان"، كذلك ملف العلاقات الأمريكية مع العرب، بكل ما يشمله من تعاون يشوبه قدر من التعقيد، فيما قدر المراقبون أن يولي بايدن قدراً أكبر من الاهتمام بالملفات الداخلية الكثيرة المتأزمة الناتجة عن جائحة كورونا، وأهمها الأزمة الاقتصادية، خاصة أنّ تولّيه الحكم جاء على وقع ظروف سياسية مشتعلة وانقسامات وتوترات كبيرة في الشارع الأمريكي.

مؤشرات التناقض

يرى الخبير المتخصص بالشؤون الأمريكية بمركز الأهرام للدراسات، الدكتور أحمد سيد أحمد، أنّ "مؤشرات السياسة الأمريكية منذ بداية ولاية جو بايدن اتسمت بالتناقض، وعكست الكثير من الإشارات السلبية خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الشرق الأوسط، والموقف من العودة للاتفاق النووي الإيراني، أو التعامل مع إيران باعتبارها أحد أهم التهديدات التي تواجه المنطقة وأمريكا في الوقت نفسه، وكذلك الهجوم غير المبرر على السعودية بإعادة فتح ملف قضية الصحفي جمال خاشقجي، والزج باسم ولي العهد محمد بن سلمان بالقضية دون وجود أي أدلة أو معلومات حول الملف برمّته".

ويضيف أحمد، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ "السياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تعمل وفق مقتضيات الأمن القومي الأمريكي، التي تطلب ضرورة مواجهة السلوك العدواني الإيراني تجاه أمريكا والحلفاء العرب"، مشيراً إلى أنّ "إدارة بايدن تدرك حجم الخطر الذي تمثله إيران في المنطقة خاصة باستغلال أذرعها المسلحة داخل الدول العربية (اليمن، العراق، لبنان، سوريا)، وبعد تطوير طهران لبرنامجها الباليستي واستهداف السعودية من خلال جماعة الحوثي في اليمن، وكذلك تنفيذ عدة عمليات عبر وكلائها في سوريا والعراق، وهو ما يؤكد أنّ السياسة الإيرانية تعمل خارج الأطر الدبلوماسية وتتجه نحو مزيد من العداء وإثارة المشكلات".

أحمد سيد أحمد: مؤشرات السياسة الأمريكية منذ بداية ولاية بايدن اتسمت بالتناقض وعكست إشارات سلبية كثيرة

ويصف الخبير المصري التزام إدارة بايدن بالتواصل الدبلوماسي مع طهران، وعدم استخدام سياسة واضحة للردع، بأنه "خطأ كبير في الإجراءات والآليات المتبعة من جانب الإدارة الجديدة في التعامل مع الملف، رغم إدراكها الكامل بمدى الخطر الذي تمثله هذه السياسة في ظل تصعيد العمليات من الجانب الآخر"، مؤكداً أنّ النظام في طهران قد تجاوز سياسة "العصا والجزرة"، التي تعاود إدارة بايدن التلويح بها بعد أن استخدمها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ويُرجع ذلك إلى الكثير من المتغيرات الدولية والإقليمية التي تجعل الردع طريقة مُثلى لوقف الاعتداءات من جانب طهران.

معاداة الحلفاء واستجداء التهديدات

وفي الوقت نفسه يرى أحمد أنّ هناك قدراً كبيراً من التناقض في سياسية بايدن تجاه طهران نفسها؛ "ففي الوقت الذي تؤكد فيه تصريحات دوائر صنع القرار داخل البيت الأبيض العزم على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه إيران، وإصدار الرئيس الجديد أوامره بضرب مواقع لجماعات موالية لها داخل سوريا، نرى أن التفاعلات في العملية السياسية تميل إلى الحوار الدبلوماسي بشكل كبير، حتى وإن كانت طهران ترفضه، وتحاول التصعيد العسكري على عدة جبهات في الشرق الأوسط تحمل جميعها رسائل سلبية، فضلاً عن استمرارها في برنامجه النووي ورفع معدلات التخصيب بما يهدّد بنسف الاتفاق النووي الذي ترغب إدارة بايدن بالعودة إليه".

ويؤكد الخبير المصري أنّ "تجاهل دول المنطقة العربية في إعادة فتح ملف الاتفاق النووي مع إيران من جانب الولايات المتحدة سيخلق مسارات أكثر تعقيداً وخطورة، كما أنّه يعطي إشارات غير إيجابية عن مدى رغبة الإدارة الجديدة في تحقيق تعاون استراتيجي مع دول المنطقة، ويهز الثقة بين الجانبين إلى حد بعيد".

وليد فارس: دول التحالف تحتفظ بحقها في تنمية دفاعاتها الإقليمية والدولية ضد الإرهاب

أحمد تحدث أيضاً عن تصرف غير مبرر من جانب الإدارة الأمريكية برفع السرية عن تقرير الاستخبارات الأمريكية بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ومحاولة الزجّ باسم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالقضية دون أي دليل أو معلومات موثقة، "وهو ما يمكن وصفه بأنه معاداة غير مبررة للملكة العربية السعودية، وهو ما يضرّ بالعلاقات بين البلدين ويفقد أمريكا حليفاً قوياً في مواجهة طهران، كذلك موقف الإدارة الأمريكية من تسييس بعض الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان واستغلالها ضد مصر، والتخلي عن موقفها بشأن قضية سد النهضة، وهو ما أثر سلبا بشكل كبير  على العلاقات المصرية الأمريكية".

تجاهل دول المنطقة العربية في إعادة فتح ملف الاتفاق النووي الإيراني سيخلق مسارات أكثر تعقيداً وخطورة

ويخلص الخبير المصري إلى أنّ السياسة الأمريكية شديدة التناقض في التعامل مع مصادر التهديد والحلفاء في المنطقة العربية، "ولذلك حتى الآن عدم وجود رؤية واضحة من إدارة بايدن سيؤثر سلباً على عدة ملفات في مقدمتها ملف مكافحة الإرهاب، وعودة تنظيم داعش، وتوغل السلوك العدواني الإيراني في المنطقة الذي يهدد المصالح الأمريكية في المقام الأول".

التموقع العربي الجديد

وبالتوازي مع تحركات الإدارة الأمريكية الجديدة، تعيد دول التحالف العربي ترتيب أجندتها فيما يتعلق بالتعامل مع بايدن وإدارته وفق محورين؛ الأول عبّرت عنه الدول العربية، بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية، بتأكيد حرصها على استمرار التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، في ظل الإدارة الجديدة، بينما يعتمد المحور الثاني على التماسك العربي في وجه التهديدات الإيرانية للمنطقة وكذلك خطر التنظيمات الإرهابية.

إدارة بايدن تدرك حجم الخطر الذي تمثله إيران في المنطقة خاصة باستغلال أذرعها المسلحة داخل الدول العربية

وهو ما يصفه المحلل السياسي، وليد فارس، الذي عمل مستشاراً للرئيس الأمريكي السابق، بـ"التموقع العربي الجديد"، بما يتوافق مع المرحلة، ويقول فارس، في مقاله المنشور على موقع "إندبندنت عربية"، الإثنين الماضي، تحت عنوان "التموقع الاستراتيجي العربي في بداية عهد بايدن"، إنه "في إطار المرحلة الجديدة من سياسة إدارة بايدن تجاه المنطقة، يبدو أن منظومة التحالف العربي باتت تتموقع في معادلة متجددة تحاكي التموقع الأمريكي الجديد".

بالتوازي مع تحركات الإدارة الأمريكية الجديدة تعيد دول التحالف العربي ترتيب أجندتها بشأن التعامل مع بايدن

ويوضح: "أولاً، تردّ السعودية وحلفاؤها أنّ العرب أيضاً متمسكون بالعلاقة الثنائية مع واشنطن بقدر ما هي متمسكة بها، ثانياً، تقبل المملكة والتحالف بمبدأ الحل السياسي في اليمن، وفي الوقت ذاته تستمر بعملياتها على الأرض، رداً على إرهاب الحوثيين، ما دام قائماً، ثالثاً، يقبل التحالف العربي بمبدأ طاولة مفاوضات شرق أوسطية للأمن والاستقرار بديلاً عن الاتفاق النووي لعام 2015، لكن يستمر بالتصدي لأعمال طهران التخريبية في المنطقة، بما فيها استهداف السعودية والمواقع الأمريكية، رابعاً، تستمر دول "معاهدة إبراهيم" بالتوسع في عملية السلام وتعميق التبادل الاقتصادي، لكن بشكل مستقل عن الاتفاق النووي.

اقرأ أيضاً: هل هناك ما يمنع بايدن من الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن؟

أخيراً وليس آخراً، تحتفظ دول التحالف بحقها في تنمية دفاعاتها الإقليمية والدولية ضد الإرهاب، عبر مناورات وتدريبات مع دول أعضاء في "ناتو"، مثل اليونان وفرنسا في المتوسط، إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا في الخليج.

ويصف فارس "التموقع العربي الجديد"، بأنه "ذكي استراتيجياً، ودقيق في أدائه؛ فكأنه رسالة متعددة تقول: نبقى حلفاءً استراتيجيين للولايات المتحدة، لكننا ندافع عن أنفسنا ضد إيران والمنظمات الإرهابية، نقبل بمنظومة الأمن والسلام في المنطقة، لكن يجب على إيران أن تتخلى عن تهديدها للمنطقة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية