تركيا وأكراد سورية ... إستراتيجية الإقصاء

تركيا وأكراد سورية ... إستراتيجية الإقصاء


25/01/2018

منذ بداية الأزمة السورية، مارست الحكومة التركية سياسة مدروسة بشأن كيفية ترتيب المشهد السوري المستقبلي، وهي سياسة قامت على دعامتين أساسيتين:

الأولى: الإتيان بقوى الإسلام السياسي وتحديداً حركة الأخوان المسلمين إلى السلطة في حال تم إسقاط النظام السوري، وذلك انطلاقا من اعتبارات أيديولوجية وسياسية شكلت جوهر السياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي منذ انطلاق ما سمي بثورات الربيع العربي.

الثانية: إبعاد المكون الكردي عن التشكيلات السياسية التي يجري تأسيسها تحضيراً للمرحلة المقبلة، والعمل على منع إقامة إقليم كردي في شمال سورية خوفا من تداعيات مثل هذا الأمر على القضية الكردية في داخل تركيا. عليه، كانت تركيا حريصة منذ بداية الأزمة السورية على اتخاذ كل الخطوات التي تعيق مسيرة تحول الأكراد إلى قوة حقيقية على الأرض في سورية.

ولنفهم كيف بدأت هذه السياسة لا بد من التوقف عند الخطوات التي قامت بها تركيا في المرحلة الأولى من الازمة السورية:

أولاً:  في نيسان (أبريل) عام 2012 عندما اجتمعت أحزاب كردية سورية في القامشلي لترتيب بيتها الداخلي في ظل التطورات التي تشهدها سورية سارع رجب طيب أردوغان (كان وقتها رئيساً للوزراء في تركيا) إلى تحذير النظام السوري من خطر تعرض سورية إلى التقسيم، بغية تأليب القيادة السورية على الأكراد بعد أن شرعت هذه القيادة في منح الأكراد الجنسية السورية في محاولة لكسبهم إلى جانبها في الحرب.

ثانياً: عندما تأسست هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي المعارضة في سورية برئاسة حسن عبد العظيم في حزيران (يونيو) 2011، تلقى الأخير اتصالا هاتفيا من السفير التركي وقتها في دمشق يطلب منه أبعاد المكون الكردي والمتمثل في حزب الاتحاد الديموقراطي من الهيئة مقابل دعم تركيا للهيئة.

ثالثاً: ممارسة المزيد من الضغط على أكراد العراق وتحديدا على الرئيس السابق لإقليم كردستان مسعود البارزاني من أجل دعم الأحزاب الكردية السورية المنضوية في الائتلاف السوري (أحزاب المجلس الوطني الكردي) مقابل الضغط على حزب الاتحاد الديموقراطي الذي تعده تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وذلك بغية تعميق الخلافات الكردية– الكردية وقطع الطريق أمام حزب الاتحاد الديموقراطي في السيطرة على المناطق الكردية .

رابعاً: الدعم التركي العلني لفصائل الجيش الحر خلال هجوم الأخير على مدينة رأس العين الكردية عام 2012 وذلك كي لا تقع المنطقة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي الذي كان قد بدأ بتشكيل جناحه العسكرية وحدات حماية الشعب.

خامساً: استدعاء تركيا مرتين لرئيس حزب الاتحاد الديموقراطي السابق صالح مسلم إلى تركيا، وفي المرتين اجتمع مسلم مع مسؤولين من الاستخبارات والخارجية التركيتين، حيث طلب منه الانضمام إلى المعارضة المسلحة لإسقاط نظام الأسد، ولكن الطلب التركي قوبل بالرفض بسبب عدم تقديم تركيا ضمانات بشأن الحقوق القومية للكرد في حال سقوط النظام السوري.

في الواقع، هذه الخطوات المبكرة شكلت جوهر السياسة التركية تجاه المكون الكردي، قبل أن تشهد الأزمة السورية تطورات ميدانية وسياسية كبيرة، جعلت من تركيا تقفز فوق استراتيجية إسقاط النظام، وتجعل أولويتها الأساسية هي محاربة المكون الكردي، لكن العقبة الأكبر التي برزت في هذا المجال هو التحالف الذي نشأ بين الكرد والإدارة الأميركية بعد معركة كوباني– عين العرب، وهو التحالف الذي نجح في إلحاق الهزيمة بداعش في العديد من مناطق شمال شرق سورية، وقد استفاد الأكراد من هذه الانتصارات في توسيع مناطق نفوذهم في شمال شرق سورية إلى درجة أن التقديرات تشير إلى وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديموقراطية باتت تسيطر على نحو 30 في المئة من الأراضي السورية، حيث تعد المناطق الواقعة تحت سيطرتهم هي الأغنى لجهة احتواءها على كميات من النفط والغاز والمياه (نهرا دجلة والفرات)، وقد تحول الدعم الأميركي لكرد سورية إلى مشكلة خلافية في العلاقات التركية – الأميركية، كان الكرد المستفيدون الأكبر منها.

وعلى الرغم أن عفرين معزولة جغرافيا عن باقي الكانتونات الكردية في سورية أي كوباني– عين العرب والجزيرة، إلا أنها تحتل أهمية استراتيجية كبيرة في المشروع الكردي، نظراً إلى أنها تشكل الجسر الجغرافي لإيصال هذا المشروع بالبحر إذا ما أتيحت الظروف له، وهو في الوقت نفسه يشكل هاجس تركيا الدائم، إذ إن تحقيق مثل هذه الخطوة سيخرج الأمور عن سيطرة تركيا وسيصبح الكيان الكردي المنشود واقعاً على الأرض، وربما تصبح الفيديرالية على طاولة تسوية الأزمة السورية، وعليه فان مصير عفرين يقع في صلب السياسة التركية المقبلة، وذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها: أن تركيا التي سيطرت على مدينة الباب عبر عملية «درع الفرات»، ترى أن هدفها الأساسي من العملية لم يتحقق بعد، إذ إن إمكانية وصل عفرين بشرقي الفرات ما تزال قائمة، ما دامت منطقة منبج ومعها مثلث الشيخ عيسى وتل رفعت تقع تحت سيطرة قوات سورية الديموقراطية، وتطلع الأخيرة إلى ربط هذه الكانتونات وإيصالها بالبحر كما صرح به العديد من المسؤولين الأكراد.

كما أن تركيا التي أُبعدت من معركة تحرير الرقة من داعش بقرار أميركي، ترى أن مرحلة ما بعد تحرير الرقة ستؤدي إلى توجيه الثقل الكردي نحو عفرين، وعليه ترى بأن عملية عسكرية للسيطرة على عفرين ستكون خطوة استباقية استراتيجية لمنع تمدد المشروع الكردي وقطع الطريق أمامه نهائياً.

يضاف إلى ذلك أن السيطرة على عفرين، ستتيح لتركيا مكاسب استراتيجية على الأرض لجهة الربط بين مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي مع محافظة إدلب، وهو ما سيزيد من نفوذ تركيا ودورها في مجمل الأزمة السورية، بل ربما ترى في ذلك تعويضا عن خسارتها لمعركة حلب لصالح النظام وحلفاؤه.

ومن الواضح أن استراتيجية أنقرة التحرك عسكريا نحو عفرين مرتبط بالتفاهمات على محور موسكو– طهران، إذا ثمة مصالح مشتركة بين هذه الأطراف، فعلى الأقل ترى هذه العواصم موسكو أن خطوة واشنطن إنشاء قوة حرس حدودية في المناطق الشرقية الشمالية تهديدا لاستراتيجيتهم المستقبلية تجاه الأزمة السورية.

في الواقع، في ظل إحساس تركيا بأن حدودها الجنوبية باتت تحت سيطرة الكرد السوريين، ربما وجدت أن تكلفة عدم القيام بعملية عسكرية باتت أكثر تكلفة من الانتظار، مع أن لا أحداً يعرف كيف ستمضي معركة عفرين خاصة أن الأكراد يرون أن معركة عفرين هي استمرار لمعركة صمودهم وانتصارهم في كوباني– عين العرب.

خورشيد دلي-عن"الحياة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية