ترامب والإسلام: الحريات الدينية في أمريكا على المحك

ترامب والإسلام: الحريات الدينية في أمريكا على المحك


12/02/2018

لا تزال الولايات المتحدة عالقة منذ 10 أعوام في تناقضها الخاص إزاء الإسلام. تروج لنفسها كبلد الحريات الدينية من جانب، بينما تستخدم الإخوان المسلمين لهزّ الشرق الأوسط الكبير، وفي الوقت ذاته تقاتل لوقف تقدم الإرهاب الإسلامي خارج هذه المنطقة. منعت الولايات المتحدة كل دراسة من شأنها كشف الفارق بين الإسلام كديانة واستخدام هذا الدين لأغراض سياسية. وبعد خلافه مع إرهاب الإخوان المسلمين، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة فتح هذا الملف، جالباً بذلك خطر التسبب في أعمال عنف على الأراضي الأمريكية، حيث لا تتضمن حرية ممارسة الدين الإسلامي في الولايات المتحدة الانخراط في السياسة.

وفي إستراتيجيته الجديدة للأمن القومي، يدخل الرئيس ترامب تعديلاً على المصطلح الرسمي ويصنف الجماعات الإسلامية المسلحة كـ"جهاديين إرهابيين".

هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي نسبت إلى تنظيم القاعدة

الإسلام.. دين أم فكر؟

في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي نسبت إلى تنظيم القاعدة، ثار جدل عنيف في واشنطن. هل الجماعات الإرهابية تمثل الإسلام أم لا؟ يبدو من المنطقي اعتبار كل المسلمين أعداء للوطن إذا كان الرد بالإيجاب. أما إذا كان الرد بالنفي، فمن الممكن إيجاد الفارق بين المسلمين "المعتدلين" و"المتطرفين".

لكنّ البريطانيين كانوا يستخدمون نفس المصطلحات بمعانٍ مختلفة: فـ"المعتدلون" هم مسلمون "معادون للإمبريالية بشكل معتدل"- مثل حركة حماس، التي لا تشكك في النظام السياسي الخاص بإسرائيل وترفض فقط أن يخضع المسلمون لحكم اليهود- بينما "المتطرفون" هم "مسلمون معادون بشدة للإمبريالية"- مثل حزب الله، الذي لا يعترف بانتصار دولة إسرائيل الاستعمارية على العرب.

عكفت وزارة الخارجية على التأثير على الرأي العام الأمريكي كيلا تتهم الولايات المتحدة بخوضها حرباً ضد الإسلام

وبلغ الجدل ذروته في حزيران (يونيو) 2006 أثناء مؤتمر لمؤسسة (نيويورك مترو إنفراجارد)؛ حيث أكد العميل والخبير السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) ويليام جاوثروب، أنه من غير المجدي إيجاد فوارق بين الجماعات الإرهابية الإسلامية المتباينة، نظراً لأنها تستند جميعاً لنفس الفكر: الإسلام. وتم وقتها تسريب خمس وثائق داخلية خاصة بـ(إف بي آي) تستهدف تأهيل عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالية، وتعتبر هذه الوثائق أنه كلما كان الشخص "إسلامياً" أكثر فإنّ احتمالات كونه "أصولياً" ترتفع وأن النبي محمد هو زعيم طائفة تتسم بالعنف. انطلق جاوثروب من دراسة متفحصة للقرآن والأحاديث والنصوص الدينية الإسلامية. كما أظهر أنه على مدار التاريخ، فإن منظري المذاهب السنية الأربعة أيدوا الحرب ضد الكفار… لكنّ مفكري المذهب الشيعي لم يفعلوا الأمر عينه. كان جاوثروب أيضاً أستاذاً في مجال الجاسوسية المضادة بوزارة الدفاع، حيث دعا لدراسة محمد -عليه السلام- كقائد عسكري.

لم يكن هذا الجدل شيئاً جديداً. فمن جانب ومنذ 1953 وزيارة سعيد رمضان للرئيس أيزنهاور في البيت الأبيض، عملت وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (سي آي إيه) ووزارة الدفاع- خارج الولايات المتحدة- مع مؤيدي الإسلام السياسي: الإخوان المسلمين. ومن جانب آخر، وخلال حقبة الفصل العنصري كان يتم الاعتراف بأنّ المنحدرين من أصول العبيد قد يكونون مسلمين، لكن دون أن يكون ذلك طريقة تعريف أو تصنيف سياسي. وفي 1965، اغتيل الزعيم السياسي الأسود والمسلم مالكولم إكس، بضلوع ضمني من (إف بي آي) على الأرجح. وأثناء معاناته من إصابته المميتة ورقوده على الأرض حاول إبلاغ سكرتاريته رسالة إلى سعيد رمضان.

رداً على ذلك، هددت شخصية إسلامية أمريكية، هو سلام المراياتي، بإنهاء التعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالية، فيما أمر نائب وزير العدل جيمس كول على الفور بحظر كافة الوثائق من هذا النوع، ليس فقط في (إف بي آي)، بل جميع الإدارات الأمريكية.إلا أن وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالية كانت تستخدم لإعطاء دورات حيث كان المدرسون يؤكدون، ويشددون على هذا الأمر، أنهم لا يقصدون الإسلام كديانة بل كفكر سياسي.

الزعيم السياسي الأسود والمسلم مالكولم إكس

هل الولايات المتحدة دولة الحرية الدينية؟

أثناء تلك الفترة عكفت وزارة الخارجية على تدشين هياكل عدة مكلفة بالتأثير على الرأي العام الأمريكي وفي دول أخرى كي لا تتهم الولايات المتحدة بخوضها حرباً ضد الدين الإسلامي. تضمن هذا الجهاز فريقاً من 20 شخصاً كانوا يتحدثون لغات عدة ويجرون مداخلات تحت هويات زائفة في منتديات مختلفة لتوجيه النقاشات.

وبعيداً عن طريقة التعامل مع المسألة، فإن الولايات المتحدة كانت دائماً ما تعود لنفس المشكلة: فكلمة "إسلام" بالعربية تصف ديناً وفكراً سياسياً، رغم كونهما شيئين مختلفين تماماً.

كشفت مجلة روزاليوسف المصرية عن وجود عدد من المسؤولين في جماعة الإخوان المسلمين داخل إدارة أوباما السابقة

أخيراً، وفي كانون ثاني (يناير) 2008، أصدرت وزارة الأمن الداخلي وبمبادرة من مايكل تشرتوف (مصطلحات لتعريف الإرهابيين: توصيات من أمريكيين مسلمين). لاحقاً وفي آذار (مارس) 2008، صاغ مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بقيادة مايك ماكونيل في ذلك الوقت، مذكرة ذات طابع دلالي موجهة للإدارة ككل. كانت تعليمات تستهدف إزالة أية شكوك بمعاداة الإسلام قد تنشأ ضد إدارة جورج بوش الابن، الذي كان قد تحدث في 2001 عن "حرب صليبية ضد القاعدة"، وتجميل صورة "دولة الحرية الدينية".

كان من المفترض أن يكون وصول باراك حسين أوباما للبيت الأبيض كافياً لمعالجة المشكلة. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو، يعزى ذلك بالأساس إلى تأكيد كونه مسيحياً رغم أن ثلث ناخبيه كانوا يعتقدون أنه مسلم، نظراً لأنه ينحدر من عائلة مسلمة، بادر الرجل بالتأكيد على أنه مسيحي في الحقيقة، ما بدا أنه ترسيخ لمشروع الهوية بالنسبة للمهاجرين الوافدين من أوروبا، يمكنه أن يكون مسلم الثقافة أو حتى مؤمناً، لكن رئيس الولايات المتحدة ينبغي أن يكون مسيحياً. ومن هنا شن قطب العقارات دونالد ترامب هجومه خلال حملته كي يكشف باراك أوباما أين ولد- في هاواي أم كينيا البريطانية؟ كان من المفترض بالطبع أن تأتي إجابة هذا السؤال وفقاً للدستور الأمريكي، لكنها كانت تتضمن توضيح أوباما إذا كان قد ولد مسيحياً أم مسلماً.

التطرف العنيف

في 2011، أسس نائب وزير الخارجية لشؤون الدعاية مركز الاتصالات الإستراتيجية حول مكافحة الإرهاب. ثم تحول اسم هذه الجهة في 2016 إلى مركز التعامل العالمي وشملت اختصاصاته مواجهة روسيا. تضاعفت موازنة هذا المركز 13 مرة. لم يسهم تضمين مكافحة الإرهاب والعداء مع روسيا بين أيدي نفس الجهة في توضيح الأمور. دفع ذلك واشنطن لتبني التعبير الذي صدر عن الأمم المتحدة وهو "التطرف العنيف" لتوصيف فكر الإرهابيين.

وبالعودة للوراء، وتحديداً إلى 22 أيلول (سبتمبر) 2012، حيث كشفت مجلة (روزاليوسف) المصرية عن وجود عدد من المسؤولين في جماعة الإخوان المسلمين داخل إدارة أوباما، مثل سلّام المراياتي، الذي وصل لتمثيل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وترأس وفداً أمريكياً في مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول حقوق الإنسان. فيما كانت زوجته ليلى ملازمة لهيلاري كلينتون حينما كانت الأخيرة السيدة الأولى في الولايات المتحدة وجزءاً من مفوضية الحرية الدينية العالمية. كانت مداخلة المراياتي أمام جاوثروب قبلها بستة أعوام في الحقيقة مناورة من آل كلينتون الذين استغلوا الإخوان المسلمين لتغيير وجهة نظر (إف بي آي) ووزارة الدفاع.

عملت وكالة الـ (سي آي إيه) ووزارة الدفاع الأمريكية مع مؤيدي الإسلام السياسي: الإخوان المسلمين.

الحق في التفكير

عاد الجدل للتصاعد من جديد في تموز (يوليو) 2017 بعد تقديم تعديل على قانون الخدمة العسكرية للسماح لوزارة الدفاع بدراسة "العقيدة الدينية الإسلامية العنيفة أو غير المتشددة لدعم التواصل مع المتشددين أو الإرهابيين". قوبل هذا التعديل برفض 217 صوتاً وموافقة 208، وأيضاً لحماية الإسلام كدين.

بالتالي، أوضح الرئيس ترامب الأمور بعد إطلاق لفظ "جهاديين" على الإرهابيين المسلمين، رغم أن كلمة "جهاد" لا تعني بالأساس القتال المسلح ضد الكفار، بل طريقة تفكير وتحليل داخلي يقوم به كل فرد حول أفعاله ونفسه.

بيْد أنّ قرارات ترامب كانت حتى الآن تتعرض لأقسى أنواع المغالطات. فمرسومه حول الهجرة من الدول حيث لا يمتلك الموظفون الأمريكيون الوسائل للتحقق من صدق الطلبات، فُسر على أنه إجراء "معادٍ للمسلمين"؛ نظراً لأن هذه الدول ذات أغلبية سكانية تعتنق الإسلام.

ثورة ثقافية حقيقية

يعد قراره بالنسبة للولايات المتحدة ثورة ثقافية حقيقية. فحتى الآن كانت وزارة الدفاع تعتمد إستراتيجية الأدميرال آرثر سبروفسكي، بتدمير أي صورة من صور التنظيم السياسي في كل دولة بالشرق الأوسط الكبير- الواحدة تلو الأخرى- بينما عملت وزارة الخارجية على ضمان ألا تكون هذه السياسة معادية للإسلام في حد ذاتها.

مرسوم ترامب حول الهجرة فُسر على أنه معادٍ للمسلمين نظراً لأن هذه الدول ذات أغلبية سكانية تعتنق الإسلام

لكن هذا لم يكن ما تراه شعوب الشرق الأوسط الكبير، أو الشرق الأوسط الموسع. خاصة وأن الولايات المتحدة طبقت على مدار 15 عاماً إستراتيجية الأدميرال سبروفسكي فقط في الجزء من العالم حيث المسلمون أغلبية، كان من المستحيل أن يتفهم الأفغان والإيرانيون والأتراك والعرب الشعارات الأمريكية. كان هذا هو بالتحديد التناقض الذي وجده باراك أوباما أثناء إلقاء خطابه في القاهرة، في حزيران (يونيو) 2009.

لكن من الممكن فهم أهداف الدعاية الأمريكية، والمؤكد أنّ الضحية الأولى لهذه الدعاية كانت الولايات المتحدة. وحقيقة فإنها ليست الإستراتيجية الأمريكية للتدمير في الشرق الأوسط الكبير بل التناقض بين الخطاب الجميل للولايات المتحدة ودعمها للإخوان المسلمين في الخارج، هذا هو ما دفعها لوأد أي تحقيق حول أصل الإسلام السياسي سواء على الأراضي الأمريكية أو من جانب حلفائها.

مآثر عسكرية وفكر سياسي

إلا أنّ النبي محمد كان جنرالاً وحاكماً في نفس الوقت. هذا الوضع التاريخي سمح، منذ بدايات الإسلام نفسه، بمحاولة تيار فكري استغلال هذا الدين للوصول إلى السلطة. تعلم أغلب المسلمين من الأحاديث المكتوبة بعد وفاة النبي، نصوص تنسب له مآثر عسكرية وفكر سياسي على وجه الخصوص. تستند جماعة الإخوان المسلمين إلى أصول جديرة بالاهتمام.

على أية حال، لن تستطيع الولايات المتحدة التمييز بين معنيي كلمة الإسلام طالما لم تحل مسألة هويتها ذاتها. يعترف دونالد ترامب وناخبوه دون صعوبة بأنّ السود واللاتينيين مواطنون أمريكيون، لكن دون تولّي مناصب سياسية من الطراز الأول.

ورغم أنه من المنطقي أن يجري المثقفون المسلمون هذا البحث ليسمحوا بذلك بفصل الدين عن الهيمنة السياسية التي يعاني منها، فإن الولايات المتحدة يتعين عليها أيضاً القيام بهذا العمل منفردة. رغم وجود عدد من الباحثين المسلمين في الولايات المتحدة، لكن هناك احتمالات ضئيلة لعدم إقحام مشكلاتها الثقافية الخاصة على هذا الملف، ما يعني بالتبعية خطر التوصل لتأويل خاطئ.

تييري ميسان. شبكة فولتير الإلكترونية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية