بانوراما الأزمة الخليجية: الإنكار القطري يضع الدوحة أمام خيارات صعبة

الخليج العربي

بانوراما الأزمة الخليجية: الإنكار القطري يضع الدوحة أمام خيارات صعبة


29/12/2017

بعد انطلاق "الربيع العربي"، ومطالبة الشعوب العربية بحقوقها التي لا يمكن إنكارها، بدأت عمليات الاستغلال والتوظيف لهذه "الانتفاضات" وما نتج عنها من فوضى ودمار في دول عديدة منها سوريا وليبيا، مما جعل دولاً عربية تتخذ جانب الحذر، وتحاول إيجاد بدائل إصلاحية سياسية واقتصادية، تسهم في التطوير، دون المساس بأمنها أو أمن تلك البلاد، بينما فضلت دولة كقطر، ركوب موجة الربيع العربي لدعم مصالحها، مما أدى لانقسام عميق، بلغ ذروته منتصف العام 2017.

وإن بدأنا من الذروة، فإنّ الأزمة الراهنة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، تُوجت يوم 5 حزيران (يونيو) 2017، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، وسحب مشاركتها من التحالف العربي في اليمن. وإغلاق المنافذ البرية معها، ومنع طائراتها من التحليق في أجواء البلاد المذكورة، وذلك على خلفية اتهامها بـ "دعم جماعات إرهابية، ومحاولة زعزعة الأمن الداخلي لهذه الدول، على مدار سنوات".

أما بداية التراكم الذي أدى إلى هذا القرار، فتعود إلى العام 2011، بعد الدعم الذي قدمته قناة "الجزيرة" القطرية، والأذرع الإعلامية لدولة قطر لتوظيف "الربيع العربي" لمصلحتها، وإبراز جماعات دينية متشددة، منها جماعة "الإخوان المسلمين" على أنّها تمثل الحل لأزمات الوطن العربي.

شكل التقارب القطري مع إيران، اشتعالاً جديداً في الأزمة الخليجية، فضلاً عن تدخل تركيا العدائي في الأزمة

استدعاء السفراء

وفي عام 2014، استدعت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها لدى الدوحة لمدة تسعة أشهر، بسبب تدخل قطر في الشؤون الداخلية لهذه الدول حسبما تم الكشف عنه، وذلك في إشارة إلى خطب الشيخ يوسف القرضاوي التحريضية، واستضافت الدوحة عدداً من أعضاء جمعية الإصلاح الإماراتية، المقربة من الإخوان المسلمين والمحظورة في الإمارات.

وشهد كانون الأول (ديسمبر) 2016، زيارة العاهل السعودي الملك سلمان إلى الدوحة، التي أتت تعبيراً عن عودة العلاقات بين البلدين، مما شكل فرصة أمام دولة قطر، لإعادة النظر في سياساتها تجاه أشقائها في الخليج والعالم العربي، خصوصاً بعد التوتر الذي ساد بين الدولتين، بفعل إطاحة نظام الإخواني المدعوم من قطر محمد مرسي، وتصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية في كل من السعودية والإمارات ومصر، إضافة إلى التقارب القطري مع إيران، التي تعمل بشكل مستمر على زعزعة أمن العالم العربي ودول الخليج.

التقارب مع إيران

شكل التقارب مع إيران، بداية اشتعال فتيل الأزمة،  ففي أيار (مايو) 2017، أعلن أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني من خلال موقع وكالة الأنباء القطرية، التي تقول الدوحة إنّه تعرّض للقرصنة والاختراق، أنّ "إيران دولة مهمة لها ثقل إقليمي واسلامي لا يمكن تجاهله"، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين قطر ودول التحالف العربي.

وبتاريخ 5 حزيران (يونيو) 2017، قطعت دول السعودية، الإمارات، البحرين، مصر، المالديف، علاقاتها مع قطر؛ حيث لم تنتظر قطر غير يومين على هذا التاريخ، ليأتي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 7 حزيران (يونيو) 2017، بخطوة استفزازية وعدائية بالتعاون مع قطر، أسفرت عن معاهدة عسكرية بين الدولتين، تفضي ببناء قاعدة عسكرية في قطر، وإرسال آلاف الجنود الأتراك إلى هناك.

زيارة العاهل السعودي الملك سلمان إلى الدوحة في 2016، شكلت فرصة أمام قطر، لإعادة النظر في سياساتها

التعاون العسكري مع تركيا

وبينما تأتي الخطوة القطرية التركية لتوحي بأن أمن دولة قطر معرض للتهديد من أشقائها العرب، فتستعين بتركيا الطموحة لتحقيق مصالحها على حساب الدول العربية، تقوم دولة الكويت يوم 23 حزيران (يونيو) 2017، بوساطة، وتُسلم قطر قائمة من 13 مطلباً تقدمت بها دول التحالف العربي، تتضمن بصورةٍ أساسية؛ خفض التمثيل مع إيران، خصوصاً فيما يتعلق "بالحرس الثوري الإيراني"، وإلغاء اتفاقية القاعدة العسكرية مع تركيا.

أيضاً، تضمنت القائمة أن تقوم دولة قطر بـ "إعلان قطع علاقاتها مع جميع التنظيمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية، وإدراجها كمنظماتٍ إرهابية، ومن أبرزها جماعة الإخوان وداعش والقاعدة وفتح الشام (جبهة النصرة سابقا) وحزب الله اللبناني". وتضمنت المطالبات كذلك، قناة الجزيرة، ووقف أي دعم مالي ولوجستي لهذه التنظيمات، وتسليم أي أفرادٍ منهم، يقيمون على الأرض القطرية.

وجاء تاريخ الأول من تموز (يوليو) 2017، حاملاً الرد على المطالبات، من خلال وزير خارجية قطر محمد عبد الرحمن آل ثاني الذي قال إنّ بلاده "ترفض المطالب المقدمة لها ولن تقبل بأي انتهاك لسيادتها ولكنها مستعدة للحوار والتفاوض".

استقبلت قطر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد طريف بترحاب، كما بدا أنها تميل بوضوح من خلال خطابها السياسي الخارجي إلى الاستقواء بالخارج

سلبية الرد القطري

وبسبب تعنتِ دولة قطر، قامت دول التحالف العربي بعقد اجتماع لها في مدينة القاهرة بتاريخ 5 تموز (يوليو) 2017، وأصدرت بياناً مشتركاً قالت فيه إنّ الرد القطري "سلبي ويفتقر لأي مضمون". وعلى هامش ذلك الاجتماع، طالبت وسائل إعلام مصرية آنذاك، بدفع قطر تعويضات عما سببته من "دمار بسبب دعمها الإرهاب في مصر طوال السنوات الست الماضية، من خلال إعلامها ودعمها المباشر لجماعة الإخوان" كما ورد في حينه.

وما إن مضى شهر فقط، أو أكثر بقليل، حتى شكلت قطر لجنة خاصة يوم 10 تموز (يوليو) 2017، لتطالب بتعويضاتٍ عن الأضرار التي لحقت بها بفعل المقاطعة، التي وصفتها بـ "الحصار".

ودفعت قطر بعد ذلك بالسماح للتدخلات الخارجية في الأزمة، وبدلاً من محاولتها معالجة أو دراسة أي أخطاء وقعت فيها بفعل سياساتها، قامت بتاريخ 11 تموز (يوليو) 2017، بتوقيع اتفاقية مع أمريكا "للتصدي لتمويل الإرهاب"، ودعمت علاقاتها بتركيا لتظهر تصريحات أردوغان بصورة متحدية وعدائية من خلال قوله يوم 14 تموز (يوليو) إنّ "مطالب الدول المقاطعة لقطر غير مقبولة".

الخطاب الإعلامي والسياسي لدولة قطر، لم يتوقف لإجراء مراجعة أو نقد بشأن المطالب التي قدمت إليه خلال 2017

وباقتراب موسم الحج من موعده، حاولت قطر تسييس مسألة الحج، واستغلالها بإظهار نفسها "دولة محاصرة وتتعرض للقمع" معتمدة على إغلاق المعابر البرية والبحرية والجوية بينها وبين المملكة العربية السعودية. وجاء الرد السعودي يوم 17 آب (أغسطس) 2017، بعرض العاهل السعودي الملك سلمان "استضافة الحجاج القطريين في مكة المكرمة على نفقته الخاصة".

لكن قطر، تجاهلت هذا العرض الإيجابي من العاهل السعودي، واتجهت بتاريخ 4 أيلول (سبتمبر) 2017 إلى " فتح خط شحن بحري وبري مع تركيا وإيران". ثم أبرمت في السابع عشر من الشهر نفسه، اتفاقية مع بريطانيا لشراء 24 طائرة مقاتلة.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2017، استقبلت قطر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد طريف بترحاب، كما بدا أنها تميل بوضوح من خلال خطابها السياسي الخارجي إلى الاستقواء بالخارج.

حملات قطرية شرسة ضد "الأشقاء"

وبفعل التعنت في المواقف القطرية، ورفضها إبداء أدنى تعاون مع أشقائها في دول الخليج، بل وشنّ حملاتٍ إعلامية شرسة ومسيئة من خلال "الجزيرة" ومواقع التواصل الاجتماعي وأذرع قطر الإعلامية على الدول الأربع تحديداً، وانتهاج أساليب غير نزيهة في تجيير الأخبار والأحداث لإلحاق الأذى بهذه الدول، اضطرت دول التحالف بتاريخ 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، اعتبار "الاتحاد الإسلامي لعلماء المسلمين، والمجلس الإسلامي العالمي"، منظماتٍ إرهابية، بفعل ما تقدمه قطر من دعم للمؤسستين اللتين تضمان مسؤولين فيهما كيوسف القرضاوي. الذي استمر وبرعاية المجلسين، بالتحريض على الدول الأربعة.

وبمشارفة عام 2017 على الانتهاء، تبدو الأزمة الخليجية مستمرة في 2018، ذلك أنّ الخطاب الإعلامي والسياسي لدولة قطر، لم يتوقف لإجراء مراجعة أو نقد بشأن المطالب التي قدمت إليه، رغم خطورة عدم الالتفات إليها، مما حولها إلى "اتهامات"، وذلك في ظل تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار الفوضى، وموت التسامح وتجلي العنف في العديد من الدول العربية، وهو ما لا يجب ربما أن تخفي قطر سمعها وبصرها عنه، على الأقل، بتغيير سياساتها في قادم الأيام. فهل يحمل العام 2018 انفراجاً أم يكون محمّلاً بمزيد من التأجيج والعناد السياسي؟!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية