انقسام في معسكر الوفاق بعد تجدّد الاقتتال بين ميليشيات مصراتة وطرابلس

انقسام في معسكر الوفاق بعد تجدّد الاقتتال بين ميليشيات مصراتة وطرابلس


18/06/2020

يبدو أنّ شهر العسل بين ميليشيات طرابلس وميليشيات مصراتة قد انتهى، بعد أن أخذت جماعة الإخوان المسلمين، المدعومة من مصراتة، حاجتها من ميليشيات طرابلس، بعد انسحاب الجيش الوطني الليبي من محيط طرابلس، لإتاحة الفرصة للمفاوضات.

اقرأ أيضاً: رفض إقليمي ودولي واسع لجرائم الوفاق وأردوغان في ليبيا.. أبرز ردود الفعل
تعود جذور الخلافات بين الفريقين إلى 2011، بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، حين تقاسمت الميليشيات الجهوية (المناطقية) السيطرة على مؤسسات الدولة والمدن، فكان نصيب ميليشيات طرابلس كبيراً؛ كونها تنتمي إلى الأحياء والمناطق التي تقع فيها كبرى هذه المؤسسات، خصوصاً المالية والأمنية.
بعد انقلاب الإخوان المسلمين، المدعومين بميليشيات مصراتة، على العملية الديمقراطية في ليبيا، عام 2014، وانسحاب البرلمان والحكومة الشرعية إلى طبرق، وقعت طرابلس في قبضة ميليشيات طرابلس ومصراتة، غير أنّ الهيمنة كانت للأولى، بحكم وجود طرابلسيين فيها.

 

 

تغيّر الوضع السابق مع تشكيل حكومة الوفاق، عام 2015، بناء على اتفاق الصخيرات؛ إذ حادت هذه الحكومة عن مهمتها في ضبط فوضى الميليشيات، وتوحيد كافة الليبيين، وفرض سيادة القانون على مؤسسات الدولة، لتنجرف في لعبة صراع ميليشيات مصراتة-طرابلس، على حساب مصلحة الشعب الليبي، مقربةً ميليشيا دون أخرى إليها، فزادت سيطرة الميليشيات على الدولة، ودخلت جماعة الإخوان بميليشياتها في اللعبة فتقاسمت النفوذ مع الوفاق، وباتت ثروات ومؤسسات الدولة موزعة بين عشرات من قادة الميليشيات من طرابلس ومصراتة وغيرها.

 

قبيل انطلاق معركة تحرير طرابلس من قبل الجيش الوطني، كانت جماعة الإخوان المسلمين تعمل على إضعاف ميليشيات طرابلس

تصارع الميليشيات على النفوذ أدّى إلى وقوع صدامات دامية في طرابلس، أزهقت أرواح المدنيين، وخربت الممتلكات العامة والخاصة، وظلّ هذا الصراع محتدماً، ولم يخفت إلا حين ظهرت قوة الجيش الوطني الليبي، التي سعت إلى تخليص العاصمة من الفوضى، فاتّحد أعداء الأمس لإبقاء طرابلس غنيمةً بينهم، غير أنّ زوال الخطر أعاد للواجهة الخلافات القديمة، والتي زادها تعقيداً وجود الآلاف من مرتزقة أردوغان، مما رجّح كفّة حليفتهم جماعة الإخوان وميليشيات مصراته، على حساب ميليشيات طرابلس، ودفع الصراع نحو مزيد من التعقيد، ليزيد من مأساة الشعب الليبي.
 

فوضى في طرابلس
نشر موقع "أخبار ليبيا 24" عدة تقارير عن اشتباكات بين ميليشيات طرابلس ومصراتة، بتاريخ 14 و15 حزيران (يونيو) الجاري، ودعم هذه المعلومات ما نشره العقيد فرج اخليل، المعروف بأنّه أحد قادة سلاح المدفعية في ميليشيات مصراتة.
تجدّد الاقتتال حين فتح مسلحون تابعون لمصراتة النار على عناصر تابعة لميليشيا السرية السادسة - مكتب أبو سليم، التابع لميليشيا أغنيوة الككلي، مساء الخميس الماضي، أثناء تواجدهم في منطقة الكشوني في باب بن غشير، ما أدى إلى مقتل عنصرين، وإصابة ثالث.

 

 

 

وذكرت مصادر لـموقع "أخبار ليبيا 24"؛ أنّ سبب الهجوم يعود إلى تورط الككلي، قائد ميليشيات الدعم المركزي، أبو سليم، في خطف عبد اللطيف الكريك، القائد في ميليشيات مصراتة، كما شهد مساء السبت عملية اغتيال لشخص بالقرب من مقر لقوات مصراتية، دون توافر معلومات عن الحادثة للموقع.
بالإضافة إلى ذلك؛ نقل الموقع الإخباري ذاته عن العقيد "فرج اخليل" وقوع صدامات أخرى بين ميليشيا الدعم المركزي، وقوة من مصراتة، في منطقة كوبري الفروسية على طريق المطار، وقرب معسكر حمزة، الذي تسيطر عليه "ميليشيا حطين" المصراتية، ومواجهة قرب معسكر الخبش بين قوة مكافحة الإرهاب المصراتية، وميليشيا طرابلسية، دون وقوع قتلى.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في ترهونة؟.. هذه جرائم ميليشيات الوفاق ومرتزقة أردوغان

رداً على ذلك؛ عقد عدد من قادة الميليشيات في طرابلس وداعميهم ومموليهم اجتماعاً لتنسيق الجهود في مواجهة تغول ميليشيات مصراتة والزاوية على العاصمة، وخلص الاجتماع إلى الإعلان عن تأسيس كيان جديد تحت اسم "مجلس اتحاد طرابلس الكبرى"، وفق ما نقلت عدة مواقع إخبارية ليبية، بحضور ممثلين عن ميليشيات النواصي: اللواء الثاني، مكتب أبو سليم، ثوار طرابلس، المنطقة العسكرية بطرابلس، وفرسان جنزور، ولم يتسنَّ التأكد من مصدر غير ليبي حول هذا الاجتماع، وعلاقة الاتحاد الجديد بـ "مجلس اتحاد طرابلس الكبرى" المُشكل من قبل، ويضمّ ممثلين عن شخصيات سياسية وعسكرية وبرلمانية في طرابلس.

 

 

 

في السياق نفسه؛ أكّد المختص في الشأن الليبي، رضا شعبان، أنّ طرابلس ستنشب فيها في الأيام المقبلة حرب ضروس، بين ميليشيات طرابلس مجتمعة والمرتزقة السوريين، وهو ما بدأ فعلياً في شكل مناوشات محدودة، ما أدّى إلى إبعاد السوريين إلى معسكرات خارج المدينة، تجنباً للقتال، خصوصاً بعد تفاقم أزمة المرتزقة بعد تخلي الوفاق وأردوغان عنهم، ونكثهم لوعودهم بالتوطين.

 

مستقبل ليبيا ذاهبٌ إلى مزيد من التعقيد والدموية، إن لم تتدخل الدول الكبرى لدعم الجيش الوطني، وتوحيد مؤسسات الدولة

يضيف شعبان لـ "حفريات"؛ أنّ هناك وجهين آخرين للصراع في طرابلس: الأول بين ميليشيات طرابلس وبعضها، لتصفية الحسابات فيما بينها، على خلفية الانقسام الحاد الذي خلفه اندماجهم في صراع الاجنحة الاخوانية.
والصراع الثاني هو الصدام المتوقع بين ميليشيات مصراتة وميليشيات طرابلس، وهو ما حدث أكثر من مرة داخل الأحياء السكنية، وكان آخرها في منطقة زاوية الدهماني، على تقسيم مناطق النفوذ السياسي والمالي. 
 

مشهد ليبي مُعقد
يحلّل رضا شعبان مشهد النفوذ في حكومة الوفاق، بقوله: انقسمت جماعة الإخوان التي تسيطر على جناح غرب ليبيا إلى جناحَين، مع بدء مشاورات الصخيرات، عام 2015؛ فالجناح الأول يمثله تيار محمد صوان، المنتمي إلى حزب العدالة والبناء، وخالد المشري رئيس ما يعرف بمجلس الدولة، ومجموعة إخوان بريطانيا، وواجهتهم السياسية؛ فايز السراج ومحمد سيالة وزير خارجيته، وهو الجناح الذي ذهب الى الصخيرات للتفاوض مع البرلمان الليبي الذي انتخب عام 2014.

اقرأ أيضاً: ترهونة تواجه جرائم ميليشيات الوفاق
ويضيف لـ "حفريات": أما الجناح الثاني لتنظيم الإخوان، فهو ما يُعرف بتيار المفتي الغرياني، وهو تيار يقترب فكر قياداته إلى فكر القاعدة وداعش، وهو التيار الذي كان يسيطر على المؤتمر العام قبل انتخاب البرلمان، وأطلق عملية فجر ليبيا التي سيطرت على طرابلس، ويتزعمه علي الصلابي، ونوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر العام السابق، والصديق الكبير رئيس البنك المركزي، والذي شكل حكومة الإنقاذ.

 

 

 

ويشير شعبان إلى أنّ كلّ جناح اتخذ حلفاء من ميليشيات طرابلس المتعددة، لكن بعد توافقات رعتها قطر وتركيا تمّ الاتفاق على تولية فتحي باشاغا، وزير داخلية الوفاق الحالي، مقابل تسليم حكومة الإنقاذ طرابلس للوفاق.
بذلك سيطرت جماعة الإخوان بشكل كامل على حكومة الوفاق، ما دعم موقفها في مواجهة ميليشيات طرابلس، التي تسيطر على عدد من مؤسسات الدولة، ولديها سجون خاصة، وأجهزة أمنية تابعة لها، وتقوم بعمليات اعتقال خارج سلطة الوفاق.
التعقيد السابق أدّى إلى اندلاع مواجهات متعددة بين كتائب طرابلسية من جهة، وأخرى مصراتية في أوقات عديدة، وتدخّل وزير داخلية الوفاق، فتحي باشاغا، الذي يدير ميليشيات مصراتة، واستخدام سلطة الدولة في مواجهة الطرابلسيين.

اقرأ أيضاً: مشايخ وأعيان ليبيا يطالبون البعثة الأممية بالتحقيق في جرائم ميليشيات الوفاق في ترهونة والأصابعة

وقبيل انطلاق معركة تحرير طرابلس من قبل الجيش الوطني، كانت جماعة الإخوان المسلمين تعمل على إضعاف ميليشيات مصراتة، ونجحت في تحجيم كتيبة ثوّار طرابلس، التي كانت أقواها، عبر خطّة ممنهجة، وفق ما صرح به المحلّل السياسي، سليمان العتيري، لموقع قناة "العربية"، والذي أكّد أنّ الدور جاء على ميليشيات النواصي، التي باتت أقوى ممثّل لميليشيات طرابلس.
وتُعدّ ميليشيات النواصي، والتي تُعرّف أيضاً بالقوّة الثامنة، وتتبع قوّة حماية طرابلس، واحدةً من أكبر الجماعات العسكرية المسلّحة في طرابلس، وتتألّف من 700 إلى 1000 عضوٍ، وتعمل في منطقة أبو ستة في طرابلس، ولديها سيطرة مشتركة مع كتيبة ثوّار طرابلس على جهاز المخابرات العامّة الليبي، ومكتب مكافحة الفساد التابع لوزارة الداخلية.
 

صدامات سابقة
وخلال شباط (فبراير) الماضي؛ تفجّرت الخلافات بين النواصي، وداخلية الوفاق، ميليشيات مصراتة، وشنت النواصي وكتيبة ثوار طرابلس سلسلة اعتقالات بحقّ عددٍ من المسؤولين في وزارة داخلية الوفاق، والاستخبارات العسكرية وغيرها.

 

 

 

ودخلت المؤسسات الأمنية في الصراع، كلٌّ بحسب ولائه؛ إذ اتُّهم جهاز المخابرات العامة، الذي تسيطر عليه ميليشيات طرابلس مسؤولين في داخلية الوفاق، بالعمل لحساب المشير حفتر، وتبادل الفريقان الاتهامات بذلك.
وخرج الوزير باشاغا في مؤتمر صحفي، 23 شباط (فبراير)، ليندّد بما وصفه مؤامرة من الميليشيات ضدّ وزارة الداخلية، بسبب جهودها في ضبط الأمن، ومحاربة الجريمة والفساد.
وتهجمت ميليشيات مصراتة على رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، فوصفه العقيد فرج مصطفى اخليل، آمر مدفعية في قوّات مصراتة، بـ "النعجة"، في منشور على حسابه الشخصي على الفيسبوك، واتّهمه بالخضوع لميليشيات طرابلس، والتورّط في نهب المال العامّ.

اقرأ أيضاً: ليبيا: متى تدرك حكومة الوفاق عواقب رهاناتها الخاسرة؟
وردّ قائد في ميليشيات النواصي باتهام باشاغا بالنفاق؛ حيث رحّب بميليشيات طرابلس حين كانت وحدها تتصدى لهجوم الجيش الوطني، لكن بعد وصول المرتزقة السوريين تحول موقفه ضدّهم، بعد أن تحولت موازين القوة لصالحه، كونه رجل تركيا الأول، على حدّ قوله.
عقب هذه المشادات والتلاسنات بعدة أيام، عُثر على جثة القيادي بالميليشيات المصراتية، مُحمد أرفيدة المصراتي، مقتولاً في منطقة عمارات صلاح الدين، جنوب العاصمة طرابلس، وكان يتولى مسؤولية تنسيق أوضاع المرتزقة السوريين في طرابلس، ويعمل لصالح باشاغا، في رسالة حملت تهديداً من ميليشيات طرابلس للوزير وميليشيات مصراتة.

 

 

وفي أواخر شهر نيسان (أبريل) الماضي؛ تجدّد القتال بين كتيبة ثوار طرابلس، وقوة الردع الخاصة، التابعة لباشاغا، غير أنّ زيادة ضغط الجيش الوطني على طرابلس، دفعتهم لتنحية الخلافات بين الجانبين، وتعاونهما في الدفاع عن مكتسباتهم، وبعد انسحاب الجيش الوطني، وتغيّر معادلات السيطرة على الأرض لصالح الوزير باشاغا، تعززت قوة مصراتة بوجود آلاف المرتزقة السوريين بجانبهم، وبات موقف ميليشيات طرابلس أضعف، وربما تخشى هذه الميليشيات من تضحية حكومة الوفاق بهم لإيهام المجتمع الدولي بأنّها تخلصت من الميليشيات التي تنشر الفوضى، ويدعم ذلك التنسيقات الأمنية بين حكومة الوفاق والولايات المتحدة، التي تناولت ملف الميليشيات، خصوصاً بعد أن نجح باشاغا في شرعنة وجود ميليشيات مصراتة، مستغلاً الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق.
ويتوقع رضا شعبان أنّ مستقبل ليبيا ذاهبٌ إلى مزيد من التعقيد والدموية، إن لم تتدخل الدول الكبرى لدعم الجيش الوطني، وتوحيد مؤسسات الدولة، وبناء وزارة داخلية على أسس المواطنة، بالإضافة إلى نزع سلاح الميليشيات وتفكيكها، وهو ما عالجته المبادرة المصرية للسلام، التي طرحها الرئيس السيسي.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية