انتهازية الإخوان المسلمين في إسرائيل تسقط القناع أخيراً

انتهازية الإخوان المسلمين في إسرائيل تسقط القناع أخيراً


05/04/2021

كشفت التحالفات الحزبية التي تلت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل عن انتهازية جماعة الإخوان، بعد تخلّيهم عن ثوابت القضية الفلسطينية وتحالفهم مع أحزاب إسرائيلية معادية للعرب ولفلسطين، في مقابل مكاسب للجماعة أو لمجرّد التواجد على الساحة السياسية.

وقد ظهر الوجه الحقيقي للإخوان المسلمين في فلسطين المحتلة (عرب 48) في خطاب رئيس "الحركة الإسلامية الجنوبية" الطبيب منصور عباس، الذي ألقاه في مدينة الناصرة مساء الخميس الماضي، بعد فوز حزبه الإسلامي الصغير بـ4 مقاعد في الكنيست، وسقط القناع عندما خطب منصور عباس باللغة العبرية أمام أهالي المدينة العربية، في إشارة واضحة إلى تخليه عن الهوية الفلسطينية، ولم يتطرق عبّاس إلى القضايا السياسية الحارقة، وتجنّب استعراض القضايا التي كان قد ركّز عليها خلال حملته الانتخابية، مثل اقتراحه وضع خطة شاملة لمحاربة الجريمة في المجتمع العربي، نظراً لما تعانيه المدن العربية داخل فلسطين 48 من الإهمال وانعدام الخدمات وانتشار السلاح الذي يكون مصدره الجيش الإسرائيلي، ولا تحقق الشرطة بجدية في جرائم القتل شبه اليومية، ولا تعمل على نشر شرطتها إلّا في حالة استخدام السلاح لأهداف مقاومة الاحتلال؛ حيث ُيقدر وجود عشرات الآلاف من قطع السلاح في التجمعات العربية، وكلها تحت بصر الشرطة الإسرائيلية.

وتجاهل أيضاً الحديث عن قانون كامينيتس الذي تمّ تجميده بفضل جهود أعضاء الكنيست من القائمة العربية المشتركة (المنافسين للإخوان، وتضمّ الآن 3 أحزاب عربية، هي؛ الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة، والقائمة العربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي)، وقد تعمّد التملص من وعوده الانتخابية بتبنّيه طلبات لتوسيع صلاحيات السلطات المحلية، وإصدار تصاريح بناء في البلدات العربية، ومحاولة الحصول على الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب.

المفارقة هي أنّ منصور عباس أسهب في الحديث عن الجانب الديني والاجتماعي والحياتي اليومي، ولم يصدر عنه أيّ تصريح سياسي، باستثناء "الدعوة لتغيير الواقع ووقف التمييز"، معتبراً أنّ "الواقع الذي نعيشه لا يميز، والبنى التحتية لا تميز، ما إذا كان الذي يستخدمها أو يسير عليها عربي أو يهودي".

كشفت التحالفات الحزبية التي تلت الانتخابات البرلمانية الأخيرة بإسرائيل عن انتهازية جماعة الإخوان

غير أنّ أخطر ما جاء في خطاب عباس أنّه قال: "لا نريد أن نكون على الهامش، ولا نرضى أن نكون خارج الدائرة، إمّا أن نكون مواطنين كاملي المواطنة والحقوق، وطنية كانت أو قومية أو دينية أو مدنية، أو أنّ الخيارات الأخرى توضع على الطاولة"، وحسب محللين سياسيين، فهذا التصريح يعني أنّ الجماعة لا مانع إيديولوجياً لديها في أن يتحوّل (عرب 48) الذين يشكّلون 21% من السكان، إلى مواطنين إسرائيليين تماماً، ما داموا سيكونون كاملي الحقوق! ويؤكد هذا المنحى أنه لم يذكر القضايا الوطنية، بما في ذلك قانون القومية، ولم يتطرّق كذلك إلى القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ولم يذكر كلمة فلسطين أو القدس، وهو ما شكّل صدمة للقابضين على جمر الهوية الثقافية الفلسطينية، لذا لم يفسح عبّاس المجال لطرح أسئلة الصحافيين عليه.

الجدير بالذكر أنّ خطاب عبّاس جاء في ساعة الذروة التلفزيونية، وقد عكس نقل قنوات عديدة وقائع هذا الخطاب مباشرة على الهواء الأهمية المعقودة على قراره لجهة ما إذا كان يعتزم المشاركة في ائتلاف حكومي بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في 23 آذار (مارس) الماضي، والمعسكر الذي ينوي التصويت لصالحه في معركة تشكيل الحكومة المقبلة.

اقرأ أيضاً: "الإخوان"... العودة إلى الشتات

كتلة اليمين الإسرائيلي الذي يمثله نتنياهو وحلفاؤه المعتادون، المتطرفون والأحزاب القومية الدينية، حصلوا جميعاً على 59 مقعداً، تنقسم إلى 30 لحزب الليكود و9 لحزب شاس و7 لحزب يهدوت هتوراة المتشدد و7 لحزب يامينا و6 للحزب الديني القومي، ويحتاج نتنياهو إلى مقعدين ليصل إلى 61 مقعداً ليشكل الحكومة، وتتجه الأنظار إلى منصور عباس وحزبه الإسلامي للانضمام إلى كتلة الليكود، مخالفاً الاتجاه العربي الذي يستهدف إسقاط نتنياهو.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: صراعات داخلية وانقسامات تضرب الجماعة من تركيا إلى المغرب

حول احتمالية تحالف الحركة الإسلامية الجنوبية (الإخوان المسلمين بالخط الأخضر) مع اليمين المتطرّف الإسرائيلي، يرى الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ العبري الحديث بجامعة الإسكندرية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أنّ تحالف منصور عباس مع حزب الليكود برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، هو الأقرب إلى الواقع السياسي في إسرائيل، موضحاً لـ"حفريات": "لا يمكن الجزم بأنّ ثمة تحالفاً بين ممثل الإخوان وحزب الليكود، إلّا أنّ واقع الحياة السياسية في إسرائيل يشير إلى احتمال إقامة علاقة عضوية ومصالح مشتركة قوية بين الحركة الإسلامية والكتلة اليمينية التى يمثلها نتنياهو".

 الدكتور أحمد فؤاد أنور

فمنصور عباس هو رأس القائمة الموحدة، والذراع السياسية للحركة الإسلامية، وتاريخ هذه الحركة في شقّ الصف العربي طويل وممتد، سواء في الشأن الفلسطيني العام أو فيما يخصّ قضايا عرب 48 بشكل خاص، فيما يخص القضية الفلسطينية بشكل عام كان الخط القومي هو الأساس في محاولات التحرير واستعادة فلسطين، ويأتي على رأس هذا الخط منظمة التحرير الفلسطينية، وعند ظهور جماعة الإخوان المسلمين في المشهد؛ تمّ شق الصف الفلسطيني من خلال مزايدات الإخوان على مواقف قيادات فلسطينية لها تاريخ، ساعدهم قيام إسرائيل بتلميع بعض القيادات الإخوانية لتكون بديلاً شعبياً لمنظمة التحرير ورموزها.

ظهر الوجه الحقيقي للإخوان بـ"فلسطين 48" في خطاب رئيس "الحركة الإسلامية الجنوبية" منصور عباس

أمّا بخصوص فلسطينيي الداخل، فبعد شقّ الصف الفلسطيني وتكوين حركة إسلامية، انشقوا على أنفسهم أيضاً وتحولوا إلى الحركة الإسلامية الجناح الشمالي والحركة الإسلامية الجناح الجنوبي، ومنصور عباس هو قائد الجناح الجنوبي، وقد تمكّن منصور بشعاراته الإسلامية وتحالفه مع ابنة المؤسس "عبد الله نمر درويش" التي لها تحركات مؤثرة في أوساط عرب الداخل، تمكن من أن يحصل على أصوات بدو النقب وسخنين وكفر قاسم، وتمكن من تجاوز نسبة الحسم وهي 3 وربع ودخول الكنيست، وهذا أدّى إلى خسارة القائمة المشتركة وهي الهيئة العليا لتمثيل عرب 48 لـ9 مقاعد، وكان يمكن إسقاط نتنياهو بسهولة.

وأكد أنور أنّ أكثر المستفيدين من خسارة القائمة المشتركة لهذا العدد من المقاعد هو نتنياهو، لهذا تتجه الأنظار إلى منصور عباس باعتباره شريكاً طبيعياً لنتنياهو، والمتسبّب الأول في خسارة العرب لهذه المقاعد.

وحول احتمالية أن يجبر غضب الشارع الفلسطيني عباس ليتحول عن مناصرة نتنياهو أو "أبو يائير" اللقب الذي اختاره أنصاره للترويج له وسط العرب، يرى أنور "أنّ المرجح والسيناريو الطبيعي، وفقاً للتصريحات المتبادلة وللمواقف السابقة للحركة الإسلامية الجناح الجنوبي، أن يستمرّ منصور عباس في تأييد نتنياهو وإتمام التحالف الفج بينهما، في سابقة لم تحدث من قبل من أيٍّ من الأحزاب العربية، ومن المتوقع أيضاً أن يستمرّ عباس في تشويه القائمة العربية المشتركة التي انشق عنها وأضعفها، وإذا لم يتمّ التحالف، فسوف يكون السيناريو الثاني، وهو الذهاب إلى انتخابات جديدة بعد عدة أشهر".

وفي وقت سابق أكدت القناة 12 الإسرائيلية أنّ اجتماعاً مرتقباً سيُعقد بين رئيس القائمة العربية منصور عباس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للتباحث في الشراكة من أجل المشاركة في الحكومة.

ويُذكر أنّ منصور عباس قد أثار جدلاً واسعاً بعد تطاوله، في شباط (فبراير) الماضي على الأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال الإسرائيلي، ووصفهم بالـ"مخرّبين"، خلال حديث للقناة الـ12 الإسرائيلية، وفي التوقيت نفسه في لقاء مع "القناة 20" التابعة لليمين الإسرائيلي، كان "يغازل" حزب الليكود وزعيمه نتانياهو قائلاً: "في إسرائيل توجد حكومة يمين، ومن يريد تحصيل حقوق للمواطنين العرب، يجب أن يتوجّه إلى الحكومة".

خطب منصور عباس باللغة العبرية أمام أهالي الناصرة في إشارة إلى تخليه عن الهوية الفلسطينية

وفي انتقاد مباشر للأحزاب العربية الأخرى، قال عباس: "الطريق التي سلكوها ويسلكونها كما أنها لم تأتِ بشيء بالسياسة، فلم ولن تأتي بشيء لا بالانتخابات ولا في المستقبل القريب".

لكنّ القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة ردّت على منصور عباس ودعمه لنتنياهو، وقالت في بيان لها: "حذّرنا من أنّ حصول أحزاب اليمين على أغلبية ساحقة في الكنيست، هو دليل على تعميق التوجهات العنصرية، ما يزيد من حدّة التحديات الجسام، التي يواجهها مجتمعنا العربي والقوى الديمقراطية الحقيقية في المرحلة المقبلة".

يبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين يسلك أفرادها سلوكاً متشابهاً لا يختلف باختلاف القُطْر، فالانتهازية والوصولية تدفعهم دائماً لتبنّي مواقف مخزية، والتخلي عن الثوابت، وإجهاض أيّ تجمّع عربي أو إسلامي، ما لم تكن الجماعة هي المسيطرة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية