اليمين المتطرف في أوروبا يزيد وتيرة جرائم الكراهية ضد المسلمين

اليمين المتطرف في أوروبا يزيد وتيرة جرائم الكراهية ضد المسلمين


12/04/2018

 

زادت وتيرة جرائم الكراهية ضدّ المسلمين مؤخراً، في ظلّ تنامي الخطاب السياسي المعادي للمسلمين، وموجة الإسلاموفوبيا التي اجتاحت أوروبا، وما تلقاه من ترويج في بعض وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية.

 

كما ساهم  ظهور تنظيم داعش المتطرف، وعملياته الإرهابية التي نفّذها في القارتين، في تصاعد اتجاهات العداء للمسلمين في الدول الأوروبية، التي تجاوزت الخطابات الشعبوية للتيارات اليمينية المتطرفة، لتنتشر في الآونة الأخيرة حملات تهديد للمسلمين، واعتداءات جسدية ولفظية على المحجبات والملتحين، إضافة إلى كتابة شعارات نازية على منازل المسلمين أو الاعتداء عليها، وصولاً إلى إتلاف السيارات، وتنظيم الاعتصامات، واستخدام مواد حارقة، إضافة إلى ما يسمى "يوم عقاب المسلمين"، الذي انتشر إعلانه منتصف شهر آذار (مارس) الماضي.

جرائم الكراهية ضدّ المسلمين زادت وتيرتها بسبب الخطاب السياسي المعادي لهم وموجة الإسلاموفوبيا

وتزامن تصاعد جرائم الكراهية والاعتداء على المسلمين مؤخراً، مع صعود الاتجاهات اليمينية المتطرفة التي تضاعفت شعبيتها بسبب موجة اللجوء إلى أوروبا؛ حيث رأى المواطن الأوروبي في اليميين المتطرف الوسيلة الأمثل للتخلص من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، الذين يشكّلون أعباءً متزايدة على خزينة تلك الدول، أما في أمريكا فقد تصاعدت جرائم الكراهية بدافع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي اعتمد في حملته الانتخابية على الترويج للعنصرية ولكراهية المسلمين والمهاجرين من أصول لاتينية.

في بريطانيا انتشرت رسالة "يوم عقاب المسلمين" التي روّجتها الجماعة المتطرفة "ذابح المسلمين"

يوم عقاب المسلمين

رغم أنّ دافع جرائم الكراهية ضدّ المسلمين واحد، إلّا أنّها تختلف من دولة إلى أخرى؛ ففي بريطانيا مثلاً، انتشرت رسالة "يوم عقاب المسلمين"، التي روّجتها الجماعة المتطرفة "ذابح المسلمين" وحظيت تلك الرسائل -سواء الإلكترونية أو الورقية- بانتشارٍ واسع في مدن بريطانية متعددة، دفعت المسلمين والأجهزة الحكومية لاتخاذ إجراءات أمنية مشددة، تضمن عدم تعرض أي مسلم لأي نوع من أنواع الاعتداءات، كما تلقّى أربعة من أعضاء البرلمان المسلمين البريطانيين عن حزب العمال البريطاني، في منتصف آذار (مارس) الماضي، رسائل معادية للإسلام والمسلمين، تدعو إلى شنّ هجمات على المسلمين في بريطانيا، وهو الأمر الذي تُحقق فيه الشرطة وضباط مكافحة الإرهاب، سعياً لتحديد مصدره.

وكانت الطالبة المصرية "مريم عبد السلام" ضحية جرائم الكراهية ضد المسلمين؛ حيث توفيت متأثرة بجراحها إثر تعرضها لحادث اعتداءٍ وحشي شمال لندن، على يد 10 فتيات عُرفن بالكراهية والاعتداء على أيّة فتاة لا تنتمي لبلدهن.

في هولندا؛ تعرض مسجد "أمير سلطان" لاعتداء، في كانون الثاني (يناير) 2018

ضحايا خطاب الكراهية

أما في ألمانيا؛ فقد سجلت السلطات الأمنية الألمانية أكثر من 200 حالة اعتداء من قبل اليمين المتطرف بدوافع الكراهية للإسلام، ومنها قيام مجهولين في ألمانيا، في آذار (مارس) الماضي، بشنّ ثلاث هجماتٍ بموادٍ حارقة على مسجدين، ومبنى تابع لجمعية الصداقة التركية-الألمانية.

وفي السياق ذاته، هاجم مجهولون مسجد "قوجه سنان" في شارع كولفاين شتراسا في برلين، إضافة إلى ذلك، ألقى مجهولون زجاجات تحوي مواد حارقة على واجهة جمعية الصداقة الألمانية التركية، في مدينة مشيده، بولاية شمال الراين ويستفاليا، غرب البلاد، وقد جاء هذان الهجومان عقب الهجوم على مسجد بمدينة لاوفن، في ولاية بادن فورتمبرج، جنوب ألمانيا، ما أدّى إلى اشتعال حريقٍ فيه.

وقدِّر عدد المساجد الألمانية التي تعرضت لاعتداءات، منذ مطلع عام 2018، حوالي 27 مسجدًا، مقابل 100 مسجد عام 2017، كما أعلنت وزارة الداخلية الألمانية، ردّاً على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب اليسار أنّ عدد الهجمات التي تعرض لها المسلمون والمساجد في ألمانيا، عام 2017، قد بلغ 950 هجوماً على الأقل.

وفي هولندا؛ تعرض مسجد "أمير سلطان" لاعتداء، في كانون الثاني (يناير) 2018، عبر تعليق لافتةٍ كُتبت عليها عبارات عنصرية، ومجسّم لإنسان مقطوع الرأس على باب المسجد، وقد تبنت حركة "إد فيرزيت" اليمينية المتطرفة الاعتداء على المسجد.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فتشير أرقام مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، إلى أنّ الحوادث المناهضة للمسلمين زادت أكثر من 50%، من عام 2015 إلى 2016، لأسباب من بينها تركيز الرئيس دونالد ترامب على الجماعات الإسلامية المتشددة، وخطابه المناهض للهجرة.

تبنّى ترامب، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية 2016، سياسة عنصرية إزاء المسلمين

عنصرية ترامب

وأرجع مدير قسم مراقبة ومحاربة الإسلاموفوبيا، كوري سيلور، لدى "كير"، والمشارك في كتابة تقرير "تمكين الكراهية"، الصادر في أيار (مايو) 2017، ازدياد المشاعر المعادية للمسلمين إلى خطاب ترامب "السام"، وتعيينه لمعادين للإسلام في مراكز صنع القرار، وتقديمه سياسات معادية للمسلمين.

وتبنّى ترامب، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية 2016، سياسة عنصرية إزاء المسلمين، ووقع يوم 27 كانون الثاني (يناير) 2017، بعد توليه منصب الرئاسة، أمراً تنفيذياً يقضي بحظر دخول البلاد لمدة 90 يوماً، على مواطني سوريا والعراق وإيران والسودان وليبيا والصومال واليمن.

ومن أبرز الهجمات العنصرية ضدّ مسلمي الولايات المتحدة؛ حادثة بورتلاند التي تعرضت فيها امرأتان مسلمتان، يوم 26 أيار (مايو) 2017، لهجوم مصحوب بشتائم عنصرية ومضايقة من طرف شخص يدعى جيريمي جوزيف كريستيان، وذلك على متن قطار في محطة "هوليود ترانزيت" في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون.

وأسفر الهجوم عن مقتل رجلين أمريكيين، حاولا برفقة ثالث معهما، الدفاع عن الفتاتين المسلمتين؛ حيث طعنهما المهاجم بالسكين حتى الموت.

وأثار حادث مقتل ريكي جون وتاليسين نامكاي ميشي، ضجة كبيرة في بورتلاند بشكل خاص، وفي كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يعكس التوجه العنصري لبعض الأمريكيين، وما يقابله من رفض أمريكيين آخرين هذا التوجه.

كما عُثِر على جثّة القاضية الأمريكية شيلا عبد السلام، يوم 12 نيسان (أبريل) 2017، في نهر هدسون، الواقع بين ولايتي نيويورك ونيوجيرسي، وهي أول قاضية مسلمة في الولايات المتحدة، وأول قاضية سوداء تتولى رئاسة محكمة الاستئناف في المدينة، وكانت شيلا قد عيِّنت قاضية عام 1991.

من أهم أسباب ارتفاع نسبة جرائم الكراهية ضدّ المسلمين التصريحات العنصرية التي يطلقها مسؤولون أو سياسيون غربيون

كما تعرّضت الضابطة أمل السكري، وهي مسلمة من نيويورك، في كانون الأول (ديسمبر) 2016، لهجوم من رجل، عندما كانت تتجول مع ابنها في حيّ بروكلين، وهدّد المهاجم بقطع رقبة السيدة، بعد أن اتهمها وابنها بالارتباط بتنظيم داعش.

والجريمة العنصرية الأفظع التي هزّت المسلمين في أمريكا والعالم، كانت في ضاحية تشابل هيل بولاية كارولينا الشمالية؛ حيث قتِل ثلاثة شبان مسلمين، في شباط (فبراير) 2015، برصاص مسلح أمريكي بعد اقتحام منزلهم.

ولم تسلم المساجد وأئمتها من الأعمال العنصرية التي تستهدف المسلمين؛ فقد قتِل الأمريكي أوسكار موريل، إمام مسجد الفرقان، مولانا علاء الدين أكونجي، ومساعده ثراء الدين، بعد مغادرتهما المسجد، يوم 13 آب (أغسطس) 2016، في منطقة أوزون بارك، التابعة لحي كوينز في نيويورك، بإطلاق الرصاص على الرأس من مسافة قريبة، وهو ما صدم الجالية البنغالية التي ينتمي لها القتيلان.

وتعرض مسجد في بلدة فيكتوريا، التابعة لمدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، في نهاية كانون الثاني (يناير) 2017، لحريق التهم معظم أجزائه، وجاء بعد ساعات فقط من اتخاذ الرئيس ترامب قراراً يمنع مواطني عدة دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة.

 تحمّل القوى اليمينية المسلمين مسؤولية الأزمات التي تمرّ بها المجتمعات الغربية

المسلمون وصعود اليمين

وأكّدت دراسة حديثة أجراها باحثون في "وارويك البريطانية"، أنّ من أهم أسباب ارتفاع نسبة جرائم الكراهية ضدّ المسلمين؛ خطابات الكراهية التي تُروّج لها مواقع التواصل الاجتماعي، والتصريحات العنصرية التي يطلقها مسؤولون أو سياسيون، وإنكار بعض الدول لجرائم الكراهية العنصرية، وصعود اليمين المتطرف في دول عديدة، ومشاركته في الحكم؛ حيث تحمّل القوى اليمينية المسلمين مسؤولية الأزمات التي تمرّ بها المجتمعات الغربية، بما في ذلك ما تتعرض له من هجمات إرهابية، والسياسات الإقليمية التوسعية، كالهجوم العسكري التركي على الأكراد في عفرين؛ حيث تزامنت الاعتداءات على المساجد والمنشآت الدينية التركية في ألمانيا مع بداية حملتها العسكرية ضدّ الأكراد.

لا يمكن فهم جرائم الكراهية ضدّ المسلمين، بمعزل عن خطاب بعض النخب السياسية الغربية المتطرفة، التي تشوّه صورة الإسلام والمسلمين، لهذا يتوجّب على الدول الراغبة في مكافحة العنصرية والجرائم ضدّ الإسلام والمسلمين، أن تضبط ممارسات سياسيها المتطرفين، لأنّهم الدافع الأساسي في تنامي هذه الظاهرة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية